علم الوراثة يساعد في علاجات محتملة لمتلازمة تململ الساقين

رصد أكثر من 140 موقعاً جديداً للخطر الجيني المسبب لها

علم الوراثة يساعد في علاجات محتملة لمتلازمة تململ الساقين
TT

علم الوراثة يساعد في علاجات محتملة لمتلازمة تململ الساقين

علم الوراثة يساعد في علاجات محتملة لمتلازمة تململ الساقين

اكتشف العلماء أدلة وراثية لسبب متلازمة تململ الساقين، وهي حالة شائعة بين كبار السن. ويمكن أن يساعد هذا الاكتشاف في رصد الأفراد الأكثر عرضة لخطر الإصابة بهذه الحالة، والإشارة إلى الطرق المحتملة لعلاجها.

«الهلوسة اللمسية»

ويمكن أن تسبب متلازمة تململ الساقين (restless leg syndrome) إحساساً مزعجاً بالزحف في الساقين، أو الشعور بأن الجلد «يزحف» وهو أحد الأعراض الجسدية التي تحدث من دون سبب جسدي. ويسمى هذا العرض أيضاً بالهلوسة اللمسية (tactile hallucination) التي يمكن أن تحدث في حالات إصابات الصحة العقلية أو الأمراض العصبية أو انقطاع الطمث. ويمكن أن تكون أيضاً أحد الآثار الجانبية لبعض الأدوية.

وقام الباحثون بتجميع وتحليل البيانات من 3 دراسات على مستوى الجينوم، قارنت الحامض النووي (دي إن إيه) للمرضى بالأشخاص الأصحاء، للبحث عن الاختلافات الأكثر شيوعاً لدى أولئك الذين يعانون من متلازمة تململ الساقين. ومن خلال الجمع بين البيانات تمكن الفريق من إنشاء مجموعة بيانات قوية، تضم أكثر من مائة ألف مريض، وأكثر من 1.5 مليون عنصر تحكم غير متأثر بالمرض. ووجدوا أدلة وراثية تشير إلى سبب المتلازمة.

متلازمة تململ الساقين

وهي عبارة عن أحد اضطرابات النوم العصبية الذي يرتبط بحركة الساقين في أثناء النوم أو الراحة؛ إذ يشعر المرضى بدافع قاهر لتحريك سيقانهم، بالإضافة إلى أحاسيس مزعجة وغير مريحة في الساقين. وعادة ما تحدث الأعراض عندما لا يكون الشخص نشطاً، وغالباً في المساء أو ليلاً. ويمكن أن تبدأ متلازمة تململ الساقين في أي سن، وعادة ما تتفاقم مع تقدم السن، ويمكنها أن تسبب اضطراب النوم، ما يؤثر في الأنشطة اليومية.

وبينما يعاني منها بعض الأشخاص كل يوم، فقد تحدث أحياناً لدى البعض. ويشير الخبراء إلى أن ما يصل إلى واحد من كل 10 من كبار السن يعاني من الأعراض، وأن نحو 2 إلى 3 في المائة يتأثرون بشدة، ويطلبون المساعدة الطبية؛ لكن لا يُعرف سوى القليل عن أسباب هذه المتلازمة، وهي حالة لا تهدد الحياة. ولكن الحالات الشديدة يمكن أن تعطل النوم أو تسبب الأرق، وتثير القلق والاكتئاب. وغالباً ما يعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة تململ الساقين من حالات أخرى، مثل: الاكتئاب أو القلق، واضطرابات القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، ولكن السبب لا يزال غير معروف.

المخاطر الجينية

وحددت النتائج التي نشرت في مجلة «نتشر جينتكس» (Nature Genetics) في 5 يونيو (حزيران) 2024 بمشاركة متساوية لكل من باربرا شورميروتشن تشاو، من معهد علم الوراثة البشرية، كلية الطب والصحة جامعة ميونيخ التقنية بألمانيا، وستيفن بيل، من قسم الأورام جامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة، أكثر من 140 موقعاً جديداً للخطر الجيني، ليصل العدد الإجمالي إلى 164، بما في ذلك 3 على الكروموسوم «X». وتوفر هذه الزيادة الكبيرة خريطة وراثية أكثر شمولاً للحالة، مما يوفر رؤى مهمة حول مكوناتها الوراثية.

وقد حددت الدراسات السابقة 22 موقع خطر وراثياً -وهي مناطق من الجينوم تحتوي على تغييرات مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالحالة- ولم يجد الباحثون أي اختلافات جينية قوية بين الرجال والنساء، على الرغم من أن الحالة شائعة لدى النساء بمقدار الضعف مقارنة بالرجال، ما يشير إلى أن التفاعل المعقد بين علم الوراثة والبيئة.

التنبؤ وتصنيف المخاطر

يقول الباحثون إنه سيكون من الممكن استخدام المعلومات الأساسية، مثل السن والجنس والعلامات الجينية، لتصنيف الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمتلازمة تململ الساقين الشديدة بدقة، في 9 حالات من أصل 10.

ولفهم كيفية تأثير المتلازمة على الصحة العامة، استخدم الباحثون تقنية تسمى «العشوائية المندلية» التي تستخدم المعلومات الجينية لفحص العلاقات بين السبب والنتيجة؛ حيث توفر هذه التقنية إطاراً لفهم كيفية انتقال المعلومات الوراثية عبر الأجيال، وكيفية تشكيل أنماط وراثية ملحوظة في الكائنات الحية. وكشفت أن المتلازمة تزيد من خطر الإصابة بمرض السكري. وعلى الرغم من أن مستويات الحديد المنخفضة في الدم يُعتقد أنها تؤدي إلى متلازمة تململ الساقين -لأنها يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في الناقل العصبي (الدوبامين)- فإن الباحثين لم يجدوا روابط وراثية قوية لاستقلاب الحديد، ومع ذلك يقولون إنهم لا يستطيعون استبعاده تماماً بوصفه عامل خطر.

مستقبل العلاج والوقاية

> اختلافات جينية: حدد الفريق البحثي اثنين من الاختلافات الجينية التي تتضمن جينات تعرف باسم مستقبلات الغلوتامات 1 و4 (glutamate receptors) التي تعد مهمة لوظيفة الأعصاب والدماغ. ومن المحتمل أن يتم استهدافها بواسطة الأدوية الموجودة، كمضادات الاختلاج، مثل «البيرامبانيل» (perampanel)، و«اللاموترجين» (lamotrigine)، أو استخدامها لتطوير أدوية جديدة. وقد أظهرت التجارب المبكرة بالفعل استجابات إيجابية لهذه الأدوية لدى المرضى الذين يعانون من متلازمة تململ الساقين.

> علاجات موجهة: تمهد الأفكار الجينية المكتسبة من هذه الدراسة الطريق لتحسين استراتيجيات الإدارة والعلاج للمرض؛ إذ إن فهم الأساس الجيني يسمح بتطوير علاجات مستهدفة، وتدابير وقائية محتملة، لتحسين نوعية الحياة للملايين المتضررين من هذه الحالة. وقال المؤلف المشارك الدكتور ستيفن بيل، من خلال فهم الأساس الجيني لمتلازمة تململ الساقين: «نأمل في إيجاد طرق أفضل لإدارتها وعلاجها، مما قد يؤدي إلى تحسين حياة ملايين الأشخاص المتضررين في جميع أنحاء العالم».



بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية
TT

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

بكتيريا مهندسة جينياً لتدمير الأورام السرطانية

طور الباحثون في كلية الطب بجامعة سنغافورة الوطنية نهجاً ثورياً لعلاج السرطان، وهو بديل أكثر استهدافاً وفعالية وأقل سُمية للعلاج الكيميائي التقليدي للمرض.

ميكروبات مهندسة ولا يؤدي هذا النهج الجديد إلى تحسين فعالية العلاج فحسب، بل يقلل أيضاً بشكل كبير جرعة الدواء المطلوبة لعلاج السرطان، حيث تهدف الطريقة الجديدة في استخدام البكتيريا التي تجري هندستها لتوصيل أدوية العلاج الكيميائي مباشرة إلى مواقع الورم، من خلال الاستفادة من التفاعلات الطبيعية بين البكتيريا والخلايا السرطانية.

وتؤكد نتائج البحث، المنشور في مجلة «Nature Communications» في 21 مايو (أيار) 2024، بقيادة البروفيسور المشارك ماثيو تشانغ بقسم البيولوجيا الاصطناعية للابتكار السريري والتكنولوجي في جامعة سنغافورة الوطنية، إمكانية هذه الاستراتيجية المبتكرة في إحداث تحول بعلاج السرطان، حيث يقود التقدم السريع في البيولوجيا التركيبية إلى تطوير الميكروبات المعدَّلة أو المهندَسة جينياً بصفتها عوامل علاجية لعدد كبير من الأمراض التي تصيب الإنسان؛ بما في ذلك السرطان.

وتخلق البيئة الدقيقة المثبطة للمناعة للأورام الصلبة، على وجه الخصوص، مكاناً مناسباً للبكتيريا المُدارة بشكل منهجي لإيصال الأدوية العلاجية وإطلاقها، لكن مثل هذه الحمولات الدوائية يمكن أن تكون ضارة إذا جرى إطلاقها خارج الورم في الأنسجة السليمة.

العلاج بالبكتيريا الحيةيوفر العلاج بالبكتيريا الحية التي تستهدف الورم خياراً فريداً لمواجهة هذه التحديات. ومقارنةً بمعظم العلاجات الأخرى، فإن فعالية البكتيريا، التي تستهدف الورم، لا تتأثر بشكل مباشر بـ«التركيب الجيني» للورم، حيث تبدأ البكتيريا تأثيراتها المضادة للورم مباشرة من أعماق الورم، ثم تليها استجابات مناعية وتكيفية مضادة للورم من قِبل الجهاز المناعي للشخص نفسه، كما يمكن إعادة برمجة النواقل البكتيرية باتباع قواعد وراثية بسيطة أو مبادئ الهندسة الحيوية الاصطناعية المعقدة لإنتاج وتوصيل العوامل المضادة للسرطان على أساس الاحتياجات السريرية.

وإضافة لذلك، يمكن تطبيق الأساليب العلاجية التي تستخدم البكتيريا الحية التي تستهدف الورم بصفتها علاجاً وحيداً أو مكملة لعلاجات أخرى مضادة للسرطان لتحقيق نتائج سريرية أفضل.

تنشيط الدواء وعادةً ما تتحول العقاقير الأولية؛ وهي جزيئات غير نشطة، إلى أدوية نشطة داخل الجسم، خصوصاً في بيئات الأورام التي تتميز بظروف؛ مثل انخفاض الأكسجين أو الحموضة العالية. ويقلل هذا التنشيط في موقع السرطان تلف الأنسجة السليمة، ومع ذلك فإن استراتيجيات العقاقير الأولية الحالية تُظهر خصوصية محدودة للهدف، وتعتمد في كثير من الأحيان على ناقلات الجزيئات الكبيرة مما يعقّد توزيع الأدوية وإزالتها.

وللتغلب على هذه القيود، طور الباحثون طريقة لتوصيل الأدوية الأولية تستخدم سلالة العصيات اللبنية «Lactobacillus» المتعايشة «Commensal»؛ أي البكتيريا الطبيعية غير المَرضية التي ترتبط بشكل خاص بالخلايا السرطانية عبر جزيء سطحي يسمى كبريتات الهيباران «heparan sulfate».

تحمل هذه البكتيريا المهندسة عقّاراً أولياً يتحول إلى عقّار للعلاج الكيميائي في موقع الورم، كما هي الحال مع الدواء المضاد للأورام «SN-38».

تطبيقات محتملة واسعة وتشير قدرة سلالة العصيات اللبنية على الارتباط بشكل خاص بالخلايا السرطانية، إلى تطبيقات محتملة عبر أنواع مختلفة من علاج السرطان، إذ يقوم الباحثون بتقييم التقارب الملزم بين عدد من السلالات الميكروبية وخطوط الخلايا السرطانية المتعددة بهدف تطوير نظام توصيل متعدد الاستخدامات لسرطانات الغشاء المخاطي، مثل سرطان القولون والمستقيم والمثانة والمعدة والفم والرئة والأنف.

وقد تبيَّن في النماذج قبل السريرية لسرطان البلعوم الأنفي أن البكتيريا المهندسة تمركزت، على وجه التحديد، في الورم، وأطلقت دواء العلاج الكيميائي مباشرة في موقع السرطان، ما أدى إلى تقليل نمو الورم بنسبة 67 في المائة، وزيادة فعالية دواء العلاج الكيميائي بنسبة 54 في المائة.

وتُعد التطبيقات الأوسع المحتملة عبر أنواع مختلفة من علاج السرطان أحد الجوانب الواعدة في هذا البحث، حيث ترتبط سلالة العصيات اللبنية، التي حددها الباحثون بالخلايا السرطانية على وجه التحديد. ومن خلال تسخير التقارب بين البكتيريا والخلايا السرطانية، يهدف الباحثون إلى إحداث ثورة في تقديم العلاج الكيميائي، إذ يقومون بتقييم التقارب الارتباطي لعدد من السلالات الميكروبية مع خطوط خلايا سرطانية متعددة لتطوير نظام توصيل متعدد الاستخدامات باستخدام سلالات ميكروبية لاستهداف أدوية العلاج الكيميائي لسرطانات الغشاء المخاطي المختلفة.

ويقول ماثيو تشانغ إن علاج السرطان غالباً ما يتسبب في خسائر فادحة للمرضى، لذا فإن نتائج هذا البحث تمثل خطوة مهمة نحو تطوير نهج أكثر استهدافاً، وأقل سُمية لعلاج السرطان، نأمل أن يمهد هذا الطريق لعلاجات خفيفة وفعالة.

ويمثل هذا النهج الجديد للعلاج الجيني، والذي يستخدم البكتيريا المهندسة لتوصيل أدوية العلاج الكيميائي مباشرة إلى مواقع الورم تقدماً واعداً في علاج السرطان ومن خلال استهداف الخلايا السرطانية بشكل أكثر دقة، وتقليل الآثار الجانبية، يمكن لهذه الطريقة أن تُحسّن بشكل كبير نوعية الحياة لمرضى السرطان، وتفتح آفاقاً جديدة لعلاج أنواع مختلفة من السرطان.