هل بدأ التمهيد لرفع القيود الأميركية عن استهداف قواعد ومطارات في العمق الروسي؟

كييف تطلب توسيع مدى هجماتها المضادة للرد على القنابل الانزلاقية الروسية

مركبات عسكرية سُلمت للقوات الأوكرانية في العاصمة كييف
مركبات عسكرية سُلمت للقوات الأوكرانية في العاصمة كييف
TT

هل بدأ التمهيد لرفع القيود الأميركية عن استهداف قواعد ومطارات في العمق الروسي؟

مركبات عسكرية سُلمت للقوات الأوكرانية في العاصمة كييف
مركبات عسكرية سُلمت للقوات الأوكرانية في العاصمة كييف

تحول «تدرج» إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في رفع القيود التي تفرضها على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأميركية، أو طلباتها من الأسلحة الجديدة، إلى قاعدة كانت تشير إلى تغيير مقبل في ميدان المواجهة مع روسيا. هكذا كانت الحال منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ لأكثر من عامين، ترددت إدارة بايدن طويلاً في تسليم أسلحة عديدة، من الدبابات إلى الطائرات والمدافع ومنظومات الصواريخ الدفاعية والهجومية.

ورفضت السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لضرب أهداف داخل روسيا، مشيرة إلى مخاوف من نشوب صراع مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا. وبدلاً من ذلك، اقتصر استخدام أوكرانيا للأسلحة الأميركية على أهداف في أوكرانيا التي تحتلها روسيا. لكن، ومع تزايد الاقتناع بأن موسكو مصرة على المضي في تنفيذ أهداف «عمليتها العسكرية الخاصة»، ومواصلة رئيسها فلاديمير بوتين رفع سقف التحدي في وجه الغرب، وجولاته الخارجية الأخيرة لفك الحصار السياسي والاقتصادي والعسكري، ورهانه على «تغييرات» سياسية محتملة، سواء في أوروبا او في أميركا، بدا أن قيوداً جديدة في طريقها للرفع.

قاذفة صواريخ باتريوت متنقلة معروضة خارج موقع فورت سيل العسكري بالقرب من لوتون - أوكلاهوما (أ.ب)

كييف تطلب رفع القيود

وكشفت تقارير عن تزايد المطالبات الأوكرانية بالسماح لها باستهداف قواعد ومطارات رئيسية في العمق الروسي. ويقول الأوكرانيون إن السياسة الأميركية الجديدة التي سمحت لأوكرانيا جزئياً، باستخدام أسلحة أميركية معينة على الأراضي الروسية أدت إلى انخفاض بعض الهجمات الروسية، لكنها لا تزال تقيد النطاق بما يكفي لمنع أوكرانيا من ضرب المطارات الرئيسية. وتستخدم الطائرات الروسية تلك المطارات التي تسقط القنابل الانزلاقية التي تلحق الآن أكبر قدر من الضرر بالمواقع العسكرية والمدنية.

جنديان أوكرانيان بالقرب من الحدود الروسية في منطقة خاركيف يونيو 2024 (رويترز)

وقال معهد دراسات الحرب في واشنطن هذا الشهر، إن السياسة الأميركية التي تحد من استخدام أوكرانيا للأسلحة الأميركية في روسيا قد خلقت فعلياً «ملاذاً» واسعاً، تستغله روسيا لحماية قواتها القتالية، والقيادة والسيطرة، والخدمات اللوجستية، وخدمات دعم المنطقة الخلفية التي يستخدمها الجيش الروسي لإجراء عملياته العسكرية في أوكرانيا.

وأضاف المعهد في تقرير صدر أخيراً، أن تخفيف القيود الأميركية في المناطق القريبة من خاركيف أدى إلى تقليص «الملاذ الأرضي» لروسيا، وهي المنطقة التي لا تزال بعيدة عن متناول أوكرانيا بالأسلحة الأميركية، بنسبة 15 في المائة فقط، ما يحافظ بشكل أساسي على التفوق العسكري الروسي ضد أوكرانيا. وقال إنه لم يُسمح سوى باستهداف «منطقة روسية صغيرة على طول الحدود الدولية الروسية الأوكرانية».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

وفي حرب الاستنزاف التي شهدت خسائر فادحة في أرواح المدنيين، قال المعهد إنه يمكن فعل الكثير لتقليل التفوق الذي تتمتع به روسيا. وأضاف التقرير أن «تغيير السياسة الأميركية، رغم أنه خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنه في حد ذاته غير كافٍ وغير قادر على تعطيل العمليات الروسية على نطاق واسع».

ويؤكد مسؤولون أوكرانيون أنه منذ التحول في السياسة الأميركية، شهدت خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، تراجعاً وصل إلى حد الصفر، بعد أشهر من الهجمات المتواصلة بالصواريخ الروسية. وأفاد معهد الدراسات بأن صوراً تم التقاطها في أوائل الشهر الحالي، من منطقة بيلغورود الروسية عبر الحدود، تظهر ضربة أوكرانية باستخدام نظام صواريخ «هيمارس» على أنظمة «إس -400 و300»، التي عدلتها روسيا إلى صواريخ هجومية أرضية.

آثار الدمار في خاركيف بعد الضربات الروسية ليل الجمعة (أ.ف.ب)

واشنطن ترفض الاتهامات

وبحسب تلك التقارير، لا تزال واشنطن تقيد إطلاق النار على بعد أقل من 100 كيلومتر من الحدود. وهو ما يرفضه المسؤولون الأميركيون، الذين يؤكدون أن «الأمر لا يتعلق بالجغرافيا أو بنطاق معين. ولكن إذا كانت روسيا تهاجم أو على وشك الهجوم من أراضيها إلى داخل أوكرانيا، فإن أوكرانيا لديها القدرة على الرد على القوات التي تضربها عبر الحدود»، بحسب ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست»، عن متحدث باسم البنتاغون. وأضاف أنه يُسمح لأوكرانيا أيضاً باستخدام أنظمة الدفاع الجوي التي توفرها الولايات المتحدة لضرب الطائرات الروسية «إذا كانت على وشك إطلاق النار على المجال الجوي الأوكراني».

وهو ما شدد عليه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، في مقابلة مع قناة «بي بي إس»، قائلاً: «الأمر لا يتعلق بالجغرافيا. يتعلق الأمر بالفطرة السليمة. إذا كانت روسيا تهاجم أوكرانيا أو على وشك الهجوم من أراضيها إلى داخل أوكرانيا، فمن المنطقي السماح لأوكرانيا بالرد على القوات التي تضربها عبر الحدود».

مشكلة القنابل الانزلاقية

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

ومع تأكيد أن خاركيف صارت أكثر هدوءاً، غير أنها لا تزال «تحت التهديد المستمر» من القنابل الانزلاقية. وهي أسلحة معدلة تعود إلى الحقبة السوفياتية، تسقطها روسيا من طائرات تقلع من مطارات بعيدة خارج الضربات الأوكرانية، وتعد أكبر تهديد الآن.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الشهر الماضي، إن روسيا أطلقت أكثر من 3 آلاف قنبلة من هذا النوع على أوكرانيا الشهر الماضي وحده. وتكافح أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية لاعتراضها. وبينما تنتظر أوكرانيا الدفعة الأولى من طائرات «إف-16» المقاتلة، التي يمكن أن تساعد في ردع روسيا عن إسقاط الكثير من هذه القنابل، لا تزال أوكرانيا تعتمد على قنابلها الخاصة وطائراتها المسيرة لمهاجمة الأراضي الروسية البعيدة.

مسيّرات تم تسليمها للقوات الأوكرانية في كييف (إ.ب.أ)

روسيا تشن هجوماً «ضخماً» على مرافق الطاقة

وتزامناً مع هذه التقارير، أعلنت هيئة المرافق في أوكرانيا عن المزيد من انقطاع الكهرباء بعد تجدد الغارات الجوية الروسية على البنية التحتية للطاقة في البلاد. وأعلنت شركة الطاقة «أوكرنرجو»، السبت، أنه بسبب الأضرار الناجمة عن الهجمات الروسية، من المتوقع انقطاع الإمدادات بشكل متواصل في جميع أنحاء أوكرانيا.

وقالت وزارة الطاقة الأوكرانية إن هجوماً جوياً روسياً استهدف ليل الجمعة/السبت منشأة للغاز الطبيعي في غرب البلاد. وأفادت الوزارة عن «أضرار لحقت بمنشآت ليوكرينيرغو (الشركة الوطنية للكهرباء) في منطقتي زابوريجيا (جنوب) ولفيف (غرب)».

عناصر من وحدات الإطفاء الأوكرانية يكافحون حريقاً شب في مركز تجاري بخاركيف نتيجة قصف روسي (رويترز)

وذكرت وزارة الدفاع الروسية أنه تم استهداف منشآت للطاقة تدعم الإنتاج الحربي، فضلاً عن مستودعات للذخيرة. واستخدمت موسكو في الهجوم صواريخ بعيدة المدى أُطلقت من طائرات وسفن، فضلاً عن طائرات مسيرة.

وبحسب القوات الجوية الأوكرانية، هاجم الروس المواقع باستخدام قاذفات قنابل تكتيكية وطائرات مسيرة. وترددت تقارير عن إسقاط 13 طائرة مسيرة و12 صاروخاً.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنّ الهجمات الروسية المكثفة دمّرت نصف قدرات الطاقة الأوكرانية.

بالمقابل، قال مسؤولون عينتهم روسيا، الجمعة، إن هجمات طائرات مسيرة أوكرانية أدت إلى تعطيل محطتين فرعيتين للكهرباء في إنرهودار، وهي البلدة التي تخدم محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا، وقطعت الكهرباء عن معظم سكانها. لكنّ مسؤولاً في محطة زابوريجيا، وهي أكبر محطة نووية في أوروبا وتضم 6 ستة مفاعلات، قال إنها لم تتأثر بالعمل العسكري.


مقالات ذات صلة

ترمب يلتقي زيلينسكي وسط مخاوف أوكرانية من عدم استمرار الدعم الأميركي

الولايات المتحدة​ ترمب يلتقي زيلينسكي في نيويورك. (أ.ب)

ترمب يلتقي زيلينسكي وسط مخاوف أوكرانية من عدم استمرار الدعم الأميركي

زيلينسكي يلتقي ترمب في نيويورك صباح الجمعة، وخطة النصر التي قدمها زيلينسكي تعدّ خطة مبادئ رمزية أكثر من كونها استراتيجية.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا جنود أوكرانيون قرب الحدود مع بيلاروسيا (أ.ف.ب)

لوكاشينكو يهدد بـ«النووي»... حدودنا «خط أحمر» والهجوم على بيلاروسيا يعني حرباً عالمية

لوكاشينكو يتحدث عن استخدام النووي ودعوة فنلندا لنشر مقر الأطلسي قرب الحدود مع روسيا.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مُسيرة صغيرة خلال أحد التدريبات (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تقرير عن إنتاج روسيا طائرات مُسيرة بدعم صيني

قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن التكتل يساوره «قلق بالغ» إزاء تقرير ذكر أن روسيا تطوِّر برنامج طائرات مُسيرة هجومية بدعم من الصين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم فولوديمير زيلينسكي يصافح كامالا هاريس (رويترز)

هاريس: تنازل أوكرانيا عن أراض هو صيغة للاستسلام وليس السلام

أكّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي تتنافس مع دونالد ترمب في انتخابات نوفمبر، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن «دعمها للشعب الأوكراني راسخ».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زيلينسكي يزور مصنعاً للذخيرة في الولايات المتحدة (أ.ب)

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

بوتين يضع تعديلات استحدثها في العقيدة النووية الروسية؛ مما وضع مجالاً أوسع لاستخدام محتمل للسلاح غير التقليدي.

رائد جبر (موسكو)

روسيا تستنكر قتل نصر الله وتحذر من «عواقب وخيمة»

متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» بطهران في 28 سبتمبر (أيلول) 2024 (إ.ب.أ)
متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» بطهران في 28 سبتمبر (أيلول) 2024 (إ.ب.أ)
TT

روسيا تستنكر قتل نصر الله وتحذر من «عواقب وخيمة»

متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» بطهران في 28 سبتمبر (أيلول) 2024 (إ.ب.أ)
متظاهرون يحملون صور حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» بطهران في 28 سبتمبر (أيلول) 2024 (إ.ب.أ)

طالبت «الخارجية» الروسية، السبت، إسرائيل بأن توقف الأعمال القتالية على الفور، مستنكرة قتل زعيم «حزب الله».

وأكدت «الخارجية» الروسية أن موسكو «تستنكر بشدة» قتل إسرائيل زعيم جماعة «حزب الله» اللبنانية حسن نصر الله، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء. وقالت الوزارة، في بيان: «هذا الفعل العنيف ينذر بعواقب وخيمة أشد وطأة على لبنان والشرق الأوسط بأكمله».

وأعلن الجيش الإسرائيلي وجماعة «حزب الله»، السبت، مقتل حسن نصر الله الأمين العام للحزب، في قصف إسرائيلي استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة.

ومنذ الاثنين، كثّفت إسرائيل وتيرة ضرباتها على «حزب الله» في مناطق مختلفة بلبنان، ما استدعى ردوداً من الحزب، في تصعيد غير مسبوق منذ بدء تبادل إطلاق النار بين الطرفين غداة اندلاع الحرب بقطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.