تحذير نصرالله لقبرص زاد انكشاف لبنان سياسياً

معارضوه وبعض حلفائه انتقدوا موقفه

حسن نصرالله في خطابه المتلفز الذي حذر فيه قبرص من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها (أ.ف.ب)
حسن نصرالله في خطابه المتلفز الذي حذر فيه قبرص من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها (أ.ف.ب)
TT

تحذير نصرالله لقبرص زاد انكشاف لبنان سياسياً

حسن نصرالله في خطابه المتلفز الذي حذر فيه قبرص من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها (أ.ف.ب)
حسن نصرالله في خطابه المتلفز الذي حذر فيه قبرص من السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها (أ.ف.ب)

تحذير أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله قبرص من أن الحزب سيعدّها جزءاً من الحرب إذا سمحت لإسرائيل باستخدام مطاراتها لتوسعة الحرب على لبنان لم يكن صائباً، لخروجه عن الدبلوماسية في التخاطب بين الدول، وكان في غنى عنه لو أوكل أمره في هذا الخصوص إلى حكومة تصريف الأعمال، أو إلى حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد أن فوضه بالتفاوض مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين في سعيه لخفض منسوب التوتر في جنوب لبنان، إفساحاً في المجال لتهدئة الوضع فيه، بالتلازم مع وقف النار على الجبهة الغزاوية.

ومع أن نصرالله توخى من رفع السقف السياسي في تحذيره لقبرص، منع إسرائيل، كما تقول مصادر الحزب لـ«الشرق الأوسط»، من توسعة الحرب جنوباً، فإن اللهجة السياسية التي اعتمدها، من وجهة نظر معارضيه وحلفائه على السواء، لم تكن صائبة، وكان في غنى عنها؛ لأنها ترفع من منسوب الانكشاف السياسي للبنان، فيما تبحث الحكومة عن تأمين شبكة الأمان السياسية لدرء الأخطار التي تهدده في حال أقدمت إسرائيل على توسعة الحرب التي لا يريدها الحزب، وإن كان يستعد لها.

تجاهل الحكومة وتعطيل دبلوماسيتها

فمعارضو نصرالله، وبعض حلفائه، يأخذون عليه أنه لم يكن مضطراً لتجاهل الحكومة والقفز فوق دورها وتعطيل المهمة الموكلة إلى الدبلوماسية اللبنانية في هذا المجال، وإن كان التدخل اللبناني الرسمي جاء متأخراً، سواء من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باتصاله بالرئيس القبرصي، أو عبر وزير الخارجية عبد الله بوحبيب بتواصله ونظيره القبرصي لاستيعاب ردود الفعل القبرصية، وتطويق ما ترتب على تصريح نصرالله من مفاعيل يمكن أن ترتد سلباً على العلاقات اللبنانية - القبرصية، خصوصاً أن موقف حلفائه من التحذير تراوح بين الصمت، وعدم قدرتهم على الدفاع عنه وتبرير الدوافع التي أملت عليه استخدام لغة نارية من العيار الثقيل، بصرف النظر عما لديه من أدلة وإثباتات.

إحراج الدول الأوروبية

كما أن نصرالله بتحذيره، قوبل بموقف أوروبي اتسم بتضامن غير محدود مع قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، وشكّل إحراجاً للدول التي كانت السباقة في الإعلان عن تضامنها مع غزة وتنديدها بالعدوان الإسرائيلي، أو تلك التي بادرت بلا أي تردد للاعتراف بدولة فلسطين.

ناهيك عن أن نصرالله، بتحذيره الشديد اللهجة لقبرص، عزّز الاعتقاد السائد لدى معظم دول الاتحاد الأوروبي، ومعها عدد من الدول العربية، بأنه هو من يمسك بقرار السلم والحرب من دون العودة إلى الدولة اللبنانية بوصفها صاحبة القرار، وبالتالي، فإن إحجام حكومة تصريف الأعمال عن التعليق على تحذيره لا يعني موافقتها على بياض على كل ما أورده فيه، كما أن الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان لا تسمح بتعميق الانقسام بين اللبنانيين على خلفية تفرُّد الحزب بقراره في مساندة «حماس» من دون رجوعه إلى الحكومة، فيما المطلوب تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة عدوان إسرائيل والتهديدات التي يطلقها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بتوسعة الحرب، بالتلازم مع الاتصالات التي يتولاها الرئيس نجيب ميقاتي لاستقدام الضغط الخارجي المطلوب، ليس لتأمين شبكة أمان للبنان فحسب، وإنما لمنعه من توسعتها.

حاجة الحزب لتصويب علاقاته العربية

فالركون للاتصالات الخارجية لمحاصرة نتنياهو ومنعه من توسعة الحرب لا يكفي، ما لم يكن مقروناً بتضافر الجهود المحلية لمنع تعميق هوة الانقسام بين اللبنانيين، الناجم عن تفرد الحزب في مساندته لـ«حماس»، خصوصاً أنه في حاجة إلى تصويب علاقاته العربية على قاعدة وقف تدخله في شؤونها الداخلية، وهنا لا بد من التوقف أمام موقف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي، بدعوته كافة الأطراف المعنية بالتصعيد العسكري في لبنان للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس؛ لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر الحرب وتداعياتها، وإدانته لإعلان الاحتلال الإسرائيلي عن خطته لشن هجوم على لبنان، من جهة، وبتشديده على تطبيق القرار 1701 من جهة ثانية.

وفي هذا السياق، تتعامل القوى السياسية المحلية مع موقف دول مجلس التعاون بمناصرتها للشعب اللبناني ودعمها المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه، من زاوية أن علاقتها بـ«حزب الله» ليست مريحة، لا بل ما زال يشوبها الكثير من الشوائب، وهذا ما يفسر حصر تعاطيها مع الدولة اللبنانية من دون التفاتها لـ«حزب الله».

حتى إن العدد الأكبر من المسؤولين في الدولة اللبنانية يتعاطى مع المواجهة في الجنوب انطلاقاً من إدانته للعدوان الإسرائيلي، وتأكيد التزامه بالقرار 1701، من دون ذكرهم لمساندة «حزب الله» لـ«حماس»، رغبة منهم بتفادي الإحراج أمام المجتمع الدولي.

وعليه، لم يكن «حزب الله» مضطراً للدخول في مشكلة بلا جدوى مع الدول الأوروبية، وتحديداً تلك التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، والانجرار إلى مواجهة غير محسوبة تلحق الضرر بموقع لبنان الرسمي في مخاطبته للمجتمع الدولي لمنع إسرائيل من توسعة الحرب، خصوصاً أن الحزب في مواجهته هذه، كما تقول مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»، لم يتمكن من كسب ود معظم الدول؛ سواء أكانت عربية أم أوروبية، بخلاف الدعم الذي يتلقاه من الدول المنتمية إلى محور الممانعة.

فالحذر يبقى قائماً للحد من انكشاف لبنان سياسياً، لما يترتب عليه من تداعيات تؤثر سلباً على الجهود الرسمية لتأمين الحد الأدنى من شبكة الأمان السياسية، ليكون في وسعه، في حال استمرت الحرب، أن يحمي ظهره من توسعتها، وهذا ما يحتم على الحزب الوقوف خلف الدولة بدلاً من أن يتقدّم عليها بقرارات يتخذها بمفرده.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.