هجمات باريس ومالي تفضح تنافس {القاعدة} و {داعش} على كسب مزيد من المؤيدين

انقسام حول استراتيجيات التطرف.. وصراع على المجندين والتمويل والمفاخرة بين المتشددين

الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس ومالي أثارت جدلا بشأن التوازن بين الإجراءات الأمنية المفروضة وقوانين الحريات المدنية («نيويورك تايمز»)
الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس ومالي أثارت جدلا بشأن التوازن بين الإجراءات الأمنية المفروضة وقوانين الحريات المدنية («نيويورك تايمز»)
TT

هجمات باريس ومالي تفضح تنافس {القاعدة} و {داعش} على كسب مزيد من المؤيدين

الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس ومالي أثارت جدلا بشأن التوازن بين الإجراءات الأمنية المفروضة وقوانين الحريات المدنية («نيويورك تايمز»)
الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس ومالي أثارت جدلا بشأن التوازن بين الإجراءات الأمنية المفروضة وقوانين الحريات المدنية («نيويورك تايمز»)

قبل انتهاء أزمة احتجاز الرهائن في فندق بمالي، وقبل التعرف حتى على هوية المسلحين، بدأ المعجبون بتنظيم «القاعدة» والمعجبون بمنافسه تنظيم داعش في التصارع على وسائل الإعلام الاجتماعي حول أي من التنظيمين المتطرفين أكثر استقامة وأكثر وضوحا.
وسرعان ما أعلن مؤيد واضح للقاعدة، يقترح حسابه الشخصي على «تويتر» أنه مقاتل تابع للتنظيم في سوريا، على الإنترنت أن «(داعش) يمكنه أن يتعلم شيئا أو شيئين» من هجوم مالي، مستبعدا بازدراء الافتراضات أن يكون تنظيم داعش الحديث والمغرور هو الذي شن هذا الهجوم.
فقد كتب المؤيد لـ«لقاعدة» في تغريدة له: «الله أعلم. إنهم لا يعملون في مالي. جميعنا نعلم من يعمل هناك».
وقبل أسبوع بالضبط من حصار يوم الجمعة الماضي في العاصمة المالية باماكو، صدم «داعش» العالم أجمع بهجماته على باريس التي أسفرت عن مقتل 130 شخصا. ويعود الهجوم على الفندق إلى متطرفين مرتبطين بـ«القاعدة». وفي حين أن المسلحين أشاروا إلى المظالم المحلية كسند منطقي، كان من الواضح أن احتجاز الرهائن لعب دورا في التنافس المتزايد والعنيف بين التنظيمين.
وبعدما كانا متحدين ذات مرة تحت راية «القاعدة»، انقسم التنظيمان حول الاستراتيجيات المختلفة في سوريا. وبرز «داعش» منذ ذلك الحين كقوة أكثر حيوية وشعبية بين المسلمين المتطرفين، ما غذى التنافس على المجندين والتمويل وحقوق المفاخرة بين المتطرفين الذين يعتبرون إراقة الدماء أفضل وسيلة لدفع أجندة المتطرفين.
وأدى هذا التنافس إلى هجمات الذئاب المنفردة التي يصعب القضاء عليها، بالنظر إلى الأهداف السهلة التي لا حصر لها، حتى لو استطاعت الجيوش إضعاف التنظيمين في قواعدهما في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأخذ التنافس منعطفا شريرا بشكل خاص في يناير (كانون الثاني) الماضي في باريس، عندما أعلن فرع تنظيم «القاعدة» في اليمن مسؤوليته عن قتل مسلحين بعض موظفي مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة، وكان الهجوم الأكثر جرأة على الغرب على مدى سنوات بواسطة تنظيم بدأ في الظهور - من حيث الجهادية - كأنه شيب بعض الشيء، ويُقارن «القاعدة» بحذر مع «داعش» البارع في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي للدعاية.
ويعتقد بعض المحللين الأوروبيين أن عبد الحميد أباعود - عضو تنظيم داعش الذي يقول المسؤولون إنه دبر هجمات باريس الأسبوع الماضي - اعتبر هجوم يناير بمثابة تحد ملح لفعل شيء أكبر.
ويرى المسؤولون أن تنظيم داعش أوكل للسيد أباعود بدء حملة من الهجمات في أوروبا، بيد أن محاولاته الأولى فشلت، بما في ذلك هجوم على قطار متجه إلى باريس أُحبِط بسبب تغلب الركاب على المسلح. ويبدو أن معلمه أبو محمد العدناني، القيادي البارز بـ«داعش»، زاد الضغط على أباعود، من خلال تعنيف المسلمين علنا الذين يفشلون في استخدام أي وسيلة متاحة - «رصاصة، أو سكين، أو سيارة، أو صخرة» - لإراقة «دماء الصليبيين».
وبعد أشهر من المحاولة، نفّذ أباعود هجمات باريس الأخيرة، التي بدورها اعتبرها بعض أنصار «القاعدة» شيئا يمكن مضاهاته في الرهبة، ويتفوق عليه ما يعد نهجا أكثر أخلاقية يحرص على الحد من الوفيات بين المسلمين المدنيين.
واستبعد مسلحو مالي المسلمين من الهجوم، من خلال مطالبة الرهائن بتلاوة آيات من القرآن الكريم من أجل تحريرهم.
وكتب أحد المؤيدين لـ«لقاعدة» على «تويتر»: «فَصَل الأُسُود الذين نفذوا هجوم مالي المسلمين عن المسيحيين من أجل حماية دم المسلمين المحرم».
ورد مؤيد آخر - يطلق على نفسه اسم أبو سفيان الليبي، ويقترح حسابه على «تويتر» أنه كان يقاتل مع جبهة النصرة التابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا - بحماس، قائلا: «هذه هي الطريقة التي ينبغي على المسلمين التعامل بها!»، مضيفا أن «داعش» «ينبغي أن يتعلم شيئا أو شيئين، ويسقط عقيدته ومنهجيته الملتوية»، في إشارة واضحة إلى استعداد التنظيم لشمل المسلمين في مذابحه بحق المدنيين. ويمثل المسلمون أغلبية بين ضحايا «داعش» في العراق وسوريا، كما قُتِل بعض المسلمين في هجمات باريس الأسبوع الماضي.
وقبل ما يقرب من عقد ونصف العقد في يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، جذب تنظيم «القاعدة» انتباه العالم أجمع بعمل إرهابي مذهل وفريد من نوعه، وشرع في مضايقة الولايات المتحدة وحلفائها بشن هجمات وأعمال تمرد على جبهات متعددة في جميع أنحاء العالم. لكن خلال السنوات الأخيرة، اندثرت «القاعدة» بواسطة «داعش»، الذي أبهر الجهاديين عن طريق فرض السيطرة على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وإنشاء ما وصفه بالخلافة، ومحو الحدود الاستعمارية التي دامت عشرات السنين.
وقال ريتشارد باريت، الرئيس السابق لعمليات مكافحة الإرهاب العالمية في وكالة الاستخبارات البريطانية (إم آي 6)، وهو الآن محلل في مجموعة صوفان: «تركّز كل الاهتمام على (داعش) والعراق وسوريا والتهديدات المفروضة على الغرب». وأضاف: «وجد المتطرفون في مالي أن هناك فرصة كبيرة لتذكير الجميع بأنهم لا يزالون موجودين».
وبالنسبة لكل من تنظيمي «القاعدة» وداعش، يعد قتل المدنيين تكتيكا واستراتيجية، لكنهما يختلفان حول مدى الدموية. وخلال التمرد الطويل ضد الغزو الأميركي للعراق، أشرف زعيم «القاعدة» هناك أبو مصعب الزرقاوي على حملة التفجيرات الانتحارية الدموية. واستهدفت الهجمات كلا من الجيش الأميركي والمدنيين العراقيين، بمن فيهم المسلمين - وخصوصا الشيعة. واعتبر التنظيم الشيعة بمثابة منافسين لهم على السلطة في العراق، وأيضا مرتدين - في إطار الفكر المتشدد المعروف باسم التكفير - خانوا الإسلام ويستحقون الموت.
وفي نهاية المطاف، دعا زعيم تنظيم «القاعدة» العالمي أيمن الظواهري التابعين للتنظيم لتجنب عمليات القتل الشاملة، بدعوى أنها شوهت التنظيم وأعاقت عمليات التجنيد.
وفي سوريا، سعت جبهة النصرة لتكوين شراكات مع الجماعات المتمردة الأخرى التي يُفضّل «داعش» سحقها، ولم تنفذ مجازر بالنطاق نفسه أو انتظام «داعش». (هذا لا يعني أن جبهة النصرة كانت نموذجا للحكم الرشيد في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، فقد قتلت المعارضين، وطردت الأقليات أيضا).
*خدمة «نيويورك تايمز»



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.