هل يصبح «البريد الملكي البريطاني» تحت السيطرة الأجنبية؟

عروض ضخمة تستهدف كبرى شركات المملكة المتحدة

شاحنة بريد تابعة لـ«البريد الملكي» متوقفة خارج المنازل في مايبيري بالقرب من ووكينغ بجنوب إنجلترا (رويترز)
شاحنة بريد تابعة لـ«البريد الملكي» متوقفة خارج المنازل في مايبيري بالقرب من ووكينغ بجنوب إنجلترا (رويترز)
TT

هل يصبح «البريد الملكي البريطاني» تحت السيطرة الأجنبية؟

شاحنة بريد تابعة لـ«البريد الملكي» متوقفة خارج المنازل في مايبيري بالقرب من ووكينغ بجنوب إنجلترا (رويترز)
شاحنة بريد تابعة لـ«البريد الملكي» متوقفة خارج المنازل في مايبيري بالقرب من ووكينغ بجنوب إنجلترا (رويترز)

مع ازدياد الاهتمام بالاستحواذ على شركات بريطانية بارزة من قبل المستثمرين الأجانب، وافقت إدارة شركة «إنترناشيونال دستربيوشن سيرفيسز» مالكة «البريد الملكي البريطاني» الذي يعد جزءاً من تراث وثقافة المملكة المتحدة، على عرض استحواذ بقيمة 3.6 مليار جنيه إسترليني (4.6 مليار دولار) قدمته مجموعة «إي بي» التي يملكها الملياردير التشيكي دانييل كريتينسكي.

ويمتلك كريتينسكي، رجل الأعمال المعروف بلقب «أبو الهول التشيكي» بسبب غموضه، أكثر من ربع أسهم شركة «إي دي إس» التي تُسيطر على البريد الملكي، وشركة «بارسيل فورس»، وخدمة البريد الدولي «جي إل إس»، وفق صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.

وقد يؤدي شراء كريتينسكي لشركة «إي دي إس» - الذي قد يخضع لتدقيق حكومي لاحقاً - إلى انتقال ملكية «البريد الملكي البريطاني» العريق الذي يبلغ عمره 500 عام إلى أيدٍ أجنبية بالكامل لأول مرة في تاريخه.

واستجابت مجموعة «إي بي» لمطالب إدارة «إي دي إس» من خلال عرضها الذي يبلغ 370 بنساً للسهم، وذلك بالحفاظ على اسم وعلامة «البريد الملكي» التجارية، بالإضافة إلى بقاء مقر الخدمة البريدية الرئيسي وإقامة ضريبية لها في المملكة المتحدة، بهدف الحفاظ على ارتباطها ببريطانيا.

وسيصوت المساهمون على الصفقة في الاجتماع العام السنوي المقبل لشركة «إي دي إس» الذي يُعقد في سبتمبر (أيلول) في وقت حساس بالنسبة للخدمة البريدية الشاملة في بريطانيا.

وأثارت صفقة استحواذ مجموعة «إي بي» على «البريد الملكي البريطاني» قلقاً واسعاً بشأن مصير آلاف العمال في الشركة، خاصةً في ظل الفترة الصعبة التي تواجهها الخدمة البريدية العريقة. فمنذ خصخصته في عام 2013، عانى «البريد الملكي» انخفاضاً حاداً في الطلب على خدماته وسجل خسارة قدرها 348 مليون جنيه إسترليني (445 مليون دولار) للسنة المنتهية في 31 مارس (آذار).

وإلى جانب شركة «إنترناشيونال دستربيوشن سيرفيسز»، جذبت شركة التعدين العملاقة «أنغلو أميركان»، وشركة أمن السيبرانية «دارك ترايس»، عروضاً كبيرة للاستحواذ عليها.

ما الذي جعل هذه الشركات الثلاث محط اهتمام المستثمرين الأجانب؟

أولاً، ضعف الجنيه الإسترليني: يؤدي ضعف الجنيه الإسترليني المستمر، خاصة مقابل الدولار الأميركي، إلى جعل الشركات المدرجة في المملكة المتحدة تبدو رخيصة بالنسبة للمشترين الأميركيين. ويعاني الجنيه الإسترليني وفقاً لكثير من المحللين، بسبب ضعف الاقتصاد الذي يعود جزئياً إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). ويقول المحلل في مجموعة تداول الأسهم «إيه جيه بيل»، روس مولد إن ضغوطاً إضافية حديثة نجمت عن توقعات بأن يبدأ بنك إنجلترا قريباً في خفض أسعار الفائدة مع انخفاض التضخم، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ثانياً، تقدير غير عادل: على الرغم من أن مؤشر «فوتسي 100» البريطاني الرئيسي قد أظهر قوة في الأشهر الأخيرة مع سلسلة من أعلى مستوياته على الإطلاق، فإن الشركات المدرجة فيه لا تزال تعد أقل قيمة مقارنة بنظيراتها الأميركية.

وقال مولد: «الفجوة عالية للغاية الآن». وأضاف: «يمكن القول إن هناك جميع أنواع الأسباب لذلك، ولكن بصراحة فإن الشركات الأميركية أكثر قسوة، وبالتأكيد أكثر استعداداً لتعظيم المرونة في القوى العاملة، وأسرع في التوظيف والفصل، وربما تركز أكثر على سعر السهم».

ويركز المستثمرون على نسبة السعر إلى ربح الشركة (P/E ratio) - وهي بيانات يمكن أن تساعد في الكشف عما إذا كانت الشركة أقل قيمة أو أكثر قيمة مما تستحق. ويمكن أن تشير نسبة السعر إلى الربح المنخفض إلى أن سعر سهم الشركة منخفض بالنسبة للأرباح، والعكس صحيح.

وبالنسبة لشركات «فوتسي 100»، يبلغ متوسط نسبة السعر إلى الربح حوالي 10.5، وهو أقل بكثير من الرقم 24.8 لسهم وول ستريت «ستاندرد آند بورز 500». ويمكن تفسير هذه الفجوة من خلال شركات التكنولوجيا شديدة الثراء التي تهيمن على المؤشرات الأميركية، مثل «أمازون»، و«أبل» و«غوغل»، و«مايكروسوفت».

وعلى النقيض من ذلك، فإن أكبر اللاعبين في لندن يشملون قطاعات أكثر تقليدية، مثل النفط والغاز، بالإضافة إلى التعدين والتمويل. وبناءً على هذا السياق، تختار الشركات البريطانية أن يكون لديها إدراج أولي في «وول ستريت»، كما حدث مع مصمم الرقائق «آرم» في أواخر عام 2023، بينما ألمحت شركة «شل» العملاقة للطاقة إلى إمكانية عبورها للمحيط الأطلسي.

ووفقاً لهيئة تنظيم الأسواق المالية البريطانية، فإن طلبات الإدراج في بورصة لندن وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ حوالي ست سنوات.

ثالثاً، جاذبية القطاع: تتمتع الشركات البريطانية المستهدفة حالياً من قبل المستثمرين الأجانب بميزات خاصة تزيد من جاذبيتها. على سبيل المثال، تسعى شركة التعدين الأسترالية «بي إتش بي» للاستحواذ على شركة «أنغلو أميركان»، المدرجة في المملكة المتحدة، وذلك بسبب مخزونات النحاس التي تمتلكها الأخيرة.

وارتفع سعر النحاس مؤخراً إلى مستويات قياسية جديدة، وهو معدن حيوي في إنتاج التقنيات الأكثر مراعاة للبيئة، بما في ذلك تخزين الطاقة والمركبات الكهربائية واللوحات الشمسية وتوربينات الرياح.

ورفضت شركة «أنغلو» الأسبوع الماضي عرضاً ثالثاً بقيمة 49 مليار دولار. ويوم الأربعاء، رفضت أيضاً طلباً من «بي إتش بي» لتمديد المحادثات بعد الموعد النهائي. ومع ذلك، توصلت شركة الأسهم الخاصة الأميركية «توما برافو» إلى اتفاق لشراء شركة الأمن الإلكتروني «دارك ترايس» مقابل 5.3 مليار دولار. وقد سلطت المجموعة الأميركية الضوء على قدرات «دارك ترايس» في مجال الذكاء الاصطناعي وسط تزايد التهديدات الأمنية الإلكترونية.

وفي سياق متصل، ومع موافقة شركة «إي دي إس» المالكة للبريد الملكي، على عرض استحواذ مقدم من مجموعة «إي بي»، يُعتقد أن كريتينسكي يهتم بشكل خاص بالحصول على شركة «جي إل إس» - وهي الخاصة بخدمة الطرود والخدمات اللوجيستية والتوصيل السريع، التابعة لشركة «إي دي إس» - نظراً لازدهار التجارة الإلكترونية. وتهدف مجموعة «إي بي» إلى إعادة هيكلة «رويال مايل»، التي شهدت تراجعاً في نشاطها الأساسي المتمثل في إرسال الرسائل، في عصر البريد الإلكتروني والرسائل النصية.

رابعاً، أفضل عام منذ ما قبل «كوفيد - 19»: بشكل عام، ارتفعت الاهتمامات بالاستحواذ على الشركات المُدرجة في لندن هذا العام، حيث بلغت قيمة العروض أعلى مستوى لها منذ عام 2018، أو قبل جائحة «كوفيد - 19» وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد تلقت الشركات المُدرجة في لندن مجتمعة عروض استحواذ بقيمة تزيد على 61 مليار جنيه إسترليني منذ بداية عام 2024، معظمها من قِبل المشترين الأجانب، وفقاً لبيانات من «ديلوجيك».

ومن بين الصفقات المحلية التي تمت الموافقة عليها هذا العام، من المقرر أن تقوم شركة بناء المنازل البريطانية «بارات» بشراء منافستها البريطانية «ريدرو» بقيمة 2.5 مليار جنيه إسترليني، بشرط الموافقة التنظيمية.


مقالات ذات صلة

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

الاقتصاد جناح شركة «تمارا» التي توفر خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في السعودية والخليج بمعرض «ليب24» بالرياض (إكس)

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

تطبيقات التكنولوجيا المالية أصبحت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الجيل الجديد، وحددت «فنتك السعودية» 9 مجالات لهذه التطبيقات.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد رجل يركب دراجة نارية أمام مبنى مكاتب شركة «سينوكيم» في بكين (رويترز)

«سينوكيم» الصينية للنفط تخطط للخروج من مشروع مشترك في أميركا مع «إكسون»

تخطط «سينوكيم» الصينية للنفط والمواد الكيميائية لبيع حصتها البالغة 40 بالمائة في مشروع مشترك للنفط الصخري بالولايات المتحدة مع «إكسون موبيل».

«الشرق الأوسط» (نيويرك)
الاقتصاد خلال زيارة وفد رجال الأعمال المصريين والسعوديين للعراق ولقاء رئيس الوزراء (المصدر: الموقع الإلكتروني للمجموعة)

مجموعة «طلعت مصطفى» المصرية تتوسع في العراق

أعلنت مجموعة «طلعت مصطفى» القابضة بدء الإجراءات القانونية والفنية اللازمة لإنشاء مشاريع واستثمارات في العراق. وقالت المجموعة في بيان إلى البورصة المصرية،…

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد شعار شركة «دليفري هيرو» في مقرها الرئيسي في برلين (رويترز)

«دليفري هيرو» تستعد لطرح وحدة «طلبات» للاكتتاب العام في دبي

قالت شركة توصيل الطعام الألمانية «دليفري هيرو»، الخميس، إنها تستعد لطرح عام أولي لشركة «طلبات» التابعة لها في الإمارات في بورصة دبي في الربع الرابع هذا العام.

«الشرق الأوسط» (برلين)
عامل في شركة «بترورابغ» للتكرير والبتروكيميائيات (موقع الشركة)

«أرامكو» و«سوميتومو» تعفيان «بترورابغ» من سداد مليار دولار هذا العام

أعلنت شركة رابغ للتكرير والبتروكيميائيات «بترورابغ» أن شركتي «أرامكو السعودية» و«سوميتومو كيميكال المحدودة» أعفتاها من سداد قرض بمليار دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)

قالت رئيسة بنك التنمية التابع لمجموعة «بريكس»، ديلما روسيف، السبت، إن الجزائر حصلت على تفويض للانضمام إلى البنك.

وكانت مجموعة «بريكس» قد أسست البنك التنموي متعدد الأطراف في عام 2015. وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ووافق البنك على ضم بنغلادش ومصر والإمارات والأوروجواي في 2021 في إطار حملة للتوسع.

وذكرت ديلما روسيف لصحافيين على هامش الاجتماع السنوي التاسع للبنك، في كيب تاون: «نجري عملية للسماح بضم أعضاء جدد إلى البنك... وحصلت الجزائر على تفويض لتصبح عضواً في البنك».