الأعمال التنفيذية في مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية تتخطى 47%

مسؤول لـ«الشرق الأوسط»: سيكون نواة لإنشاء سوق مشتركة للكهرباء بين الدول العربية

فَنيُّون على متن سفينة يمدُّون كابلاً بحرياً (رويترز)
فَنيُّون على متن سفينة يمدُّون كابلاً بحرياً (رويترز)
TT

الأعمال التنفيذية في مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية تتخطى 47%

فَنيُّون على متن سفينة يمدُّون كابلاً بحرياً (رويترز)
فَنيُّون على متن سفينة يمدُّون كابلاً بحرياً (رويترز)

كشف وكيل أول وزارة الكهرباء المصرية الدكتور أحمد مهينة عن أن «نسبة أعمال التنفيذ في مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية تخطت 47 في المائة، والعمل على قدم وساق في المشروع، على أن يبدأ التشغيل أواخر عام 2025»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع سيكون «نواة لإنشاء سوق مشتركة للكهرباء بين الدول العربية».

كانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار. ويقوم بالمساهمة في التمويل إلى جانب الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية كل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، والبنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلى الموارد الذاتية للشركة المصرية لنقل الكهرباء.

وأكد مهينة عدم وجود أي مشكلات تمويلية؛ إذ إن «كل جانب يموّل الجزء الخاص به، والشبكة في مصر ممتدة وتم عمل تعزيزات لها مؤخراً، والتمويل تم تدبيره والشركات تعمل وفقاً للبرنامج المتفق عليه... والجانب السعودي يعمل في الجانب الخاص به بكفاءة أيضاً، أما بخصوص الكابل البحري فالعمل به تحت التنفيذ الآن، بعد عمل دراسات متخصصة لتحديد مساره».

يعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية.

وأوضح مهينة أن «وقت الذروة في مصر ليلي (مساء)، بينما وقت الذروة في السعودية نهاري، وربط مصر والسعودية لتبادل 3 آلاف ميغاواط، سيتيح الربط الكهربائي مع باقي دول الخليج، لأن الشبكة السعودية مربوطة بدول الخليج».

يتكوّن المشروع من إنشاء 3 محطات تحويل ذات جهد عالٍ؛ محطتان شرق المدينة المنورة وتبوك في السعودية، ومحطة «بدر» شرق العاصمة المصرية القاهرة، وتربط بين المحطات خطوط نقل هوائية يصل طولها إلى نحو 1350 كيلومتراً، وكابلات بحرية في خليج العقبة بطول 22 كيلومتراً.

يبلغ معدل العائد من الاستثمار على المشروع، وفق موقع «خريطة مشروعات مصر» الحكومي، أكثر من 13 في المائة، عند استخدام الرابط فقط للمشاركة في احتياطي توليد الكهرباء للبلدين، مع مدة استرداد للتكاليف قدرها 8 سنوات، بينما يبلغ معدل العائد من الاستثمار نحو 20 في المائة، عند استخدام الخط الرابط للمشاركة في احتياطي التوليد ولتبادل الطاقة بين البلدين في فترات الذروة لكل بلد بحد أعلى 3 آلاف ميغاواط، إضافة إلى استخداماته الأخرى للتبادل التجاري للكهرباء خاصة في الشتاء الذي سيتيح للمملكة تصدير الكهرباء الفائضة في منظومتها إلى مصر.

 

قدرة شبكة الكهرباء المصرية

وعن تشكيك البعض في قدرة شبكة الكهرباء المصرية على تبادل الطاقة بعد انقطاعات التيار الكهربائي المستمرة في البلاد، أكد وكيل أول وزارة الكهرباء المصرية أن مصر لديها فائض من الكهرباء مستمر، لكن الأزمة تتمثل في توفير الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، مشيراً إلى تصريحات وزير البترول المصري طارق الملا عن قرب انتهاء هذه الأزمة بنهاية العام الجاري.

كان الملا قد أشار في تصريحات صحافية، الاثنين، إلى أن «خطة تخفيف الأحمال لن تستمر للأبد، ولكن يتم تنفيذها بالتوازي مع جهود الإصلاح الاقتصادي والمشروعات الكبيرة مثل رأس الحكمة والاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وكلها أمور ذات تأثير إيجابي على مناخ الاستثمار والاقتصاد بشكل عام، وبمرور الوقت سيظهر تأثيرها».

والمنظومة البترولية في مصر، من إنتاج وتكرير وتوزيع للنفط والغاز الطبيعي، تلبي ما يصل إلى ثلثي الاحتياجات المحلية، في حين يتم استيراد باقي الاحتياجات من الخارج، وفق الملا، الذي أكد أنه يتم توجيه 60 في المائة من إمدادات الغاز الطبيعي في مصر إلى قطاع الكهرباء في المتوسط، بخلاف المازوت كوقود بديل في محطات الكهرباء.

ووفق التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر في عام 2020-2021، فقد بلغت قدرة إنتاج الكهرباء نحو 58 ألف ميغاواط، بينما يبلغ الفائض أكثر من 13 ألف ميغاواط، بحسب تصريحات رسمية.

 

الربط مع الأردن والعراق

قال مهينة إن هناك دراسات تُجرى الآن للربط الكهربائي مع العراق، لأنه في «احتياج شديد للكهرباء، ونحن لدينا الفائض. كما توجد لدينا دراسات للربط الثلاثي بين مصر والأردن والعراق، ونأمل زيادة الربط الكهربائي مع الأردن من 500 ميغاواط إلى 2000 ميغاواط، كما أنه جارٍ رفع الربط مع السودان من 80 إلى 300 ميغاواط، لكن فقط ننتظر حتى هدوء الأوضاع هناك»، وأشار إلى الربط الكهربائي مع ليبيا أيضاً.

وعن العوائد الاقتصادية من الربط الكهربائي مع الشبكات العربية، قال مهينة إن عوائد الربط الكهربائي «اقتصادية وفنية وبيئية». أما العائد الاقتصادي «يتمثل في توفير تكاليف إنشاء محطات كهربائية جديدة... والعائد الفني يتمثل في استقرار الشبكات واستمرار تغذيتها، وأخيراً العائد البيئي يتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية التي تنتج عادة من محطات الكهرباء».

 

الربط الكهربائي مع أوروبا

يرى مهينة أن موقع مصر الجغرافي يدعمها في مشروعات الربط الكهربائي، مشيراً إلى الربط الكهربائي مع أوروبا من خلال اليونان عبر كابل بحري.

ووقعت القاهرة وأثينا بالفعل، مذكرة تفاهم قبل أكثر من عامين، لبناء كابل كهربائي عملاق لتبادل التيار الكهربائي، فيما وصفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحافي في القاهرة مع قادة 5 دول أوروبية مارس (آذار) الماضي، بـ«المشروع الذي يزيد من أمن الطاقة».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اقترح الاتحاد الأوروبي إدراج مشروع ربط شبكات الطاقة بين مصر واليونان على قائمة تسمى «مشروعات الفائدة المشتركة»، وهي خطوة تساعد في تسريع إصدار ترخيص المشروع وطرق تمويله. وتجدر الإشارة هنا إلى طلب إيطاليا الربط الكهربائي مع مصر.

وقال مهينة إن مصر تمضي قدماً لتكون مركزاً لتداول الكهرباء في المنطقة، لأن قضية الطاقة مؤثرة في جميع مناحي الحياة اليومية، لذلك «نسرّع الخطى لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء، خلال السنوات المقبلة»، مشيراً إلى خطوات بلاده في تنمية قطاع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تستثني حقل غاز «ظُهر» في مصر من العقوبات المفروضة على روسيا

الاقتصاد منصة غاز في حقل «ظهر» المصري (وزارة البترول المصرية)

بريطانيا تستثني حقل غاز «ظُهر» في مصر من العقوبات المفروضة على روسيا

أضافت بريطانيا حقل «ظُهر» للغاز في مصر، الذي تملك فيه شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت» حصة 30 في المائة، لقائمة المشروعات المعفاة من عقوباتها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سفينة حاويات في ميناء الإسكندرية لتداول الحاويات (الموقع الإلكتروني للميناء)

موانئ أبوظبي تعتزم تقديم عرض شراء إلزامي لحصة في «الإسكندرية لتداول الحاويات»

أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية نيتها تقديم عرض شراء إلزامي للاستحواذ على حصة إضافية بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.

«الشرق الأوسط» (القاهرة-أبوظبي)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري يشهد توقيع عقد مع شركة «المانع» القطرية (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر: شركة «المانع» القطرية توقع عقداً لإنتاج وقود الطائرات باستثمارات 200 مليون دولار

وقعت مصر مع شركة «المانع» القابضة القطرية، عقد مشروع لإنتاج وقود الطائرات المستدام، في منطقة السخنة باستثمارات تبلغ 200 مليون دولار.

الاقتصاد وزراء الطاقة الأعضاء في منظمة «أوابك» (المنظمة)

«أوابك» تدعم «الشرق الأوسط الأخضر» وتتجه نحو «المنظمة العربية للطاقة»

شهد اجتماع مجلس وزراء منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) حزمة من القرارات الاستراتيجية التي تمهد الطريق لتحول جوهري.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد وليد جمال الدين رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وماوي تشانغ رئيس مجلس إدارة شركة «جاسان غروب» بعد توقيع الاتفاقية (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر: توقيع عقد بـ100 مليون دولار مع مجموعة صينية لإنشاء مجمع للملابس الجاهزة

أعلنت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس توقيع عقد بقيمة 100 مليون دولار مع مجموعة «زيجيانغ جيانشينغ» الصينية؛ لإنشاء مجمع متكامل للغزل والنسيج والملابس الجاهزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بفضل صادرات التكنولوجيا لأميركا... تايوان ترفع توقعات النمو وتثبّت الفائدة

سفن حاويات في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)
سفن حاويات في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)
TT

بفضل صادرات التكنولوجيا لأميركا... تايوان ترفع توقعات النمو وتثبّت الفائدة

سفن حاويات في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)
سفن حاويات في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)

رفع البنك المركزي التايواني يوم الخميس توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2025، مدفوعاً بازدهار صادرات السلع التقنية إلى الولايات المتحدة، ما أسهم في فائض تجاري كبير، مع إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير.

ويعكس هذا النمو الدور المحوري لتايوان بوصفها منتجاً رئيسياً لأشباه الموصلات المتقدمة، التي تُغذي ثورة الذكاء الاصطناعي لشركات مثل «إنفيديا»، مما عزز الاقتصاد المحلي بشكل كبير هذا العام.

وأبقى البنك المركزي سعر الفائدة المرجعي دون تغيير عند 2 في المائة خلال اجتماعه الفصلي، في قرار بالإجماع يتوافق مع توقعات جميع الاقتصاديين الثلاثين المشاركين في استطلاع «رويترز».

وفي خطوة بارزة، رفع البنك توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2025 إلى 7.31 في المائة، مقارنة بتقديره السابق البالغ 4.55 في المائة في سبتمبر (أيلول)، فيما يتوقع تباطؤ النمو إلى 3.67 في المائة في 2026، وهو أعلى من التوقعات السابقة البالغة 2.68 في المائة.

وقال محافظ البنك، يانغ تشين لونغ، للصحافيين: «كان الطلب الأميركي على السلع التايوانية، بما في ذلك رقائق (تي إس إم سي)، السبب الرئيسي وراء الأداء الاقتصادي القوي هذا العام»، مشيراً إلى أن هذه الرقائق تُعد من الركائز الأساسية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وبلغ الفائض التجاري مع الولايات المتحدة حتى الآن هذا العام 143.8 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الفائض المسجل في العام الماضي البالغ 64.7 مليار دولار، معظمه من السلع عالية التقنية، وهو ما وصفه يانغ بأنه «وضع غريب للغاية».

وأكد يانغ عقب اجتماع تحديد أسعار الفائدة الفصلي: «السياسة النقدية الحالية مناسبة»، مضيفاً أن التضخم سيظل «ضمن الحدود المقبولة» خلال العام المقبل.

وأشار البنك إلى انخفاض توقعاته لمؤشر أسعار المستهلكين لهذا العام إلى 1.66 في المائة، بعد أن كانت 1.75 في المائة في سبتمبر (أيلول)، مع توقعات بمزيد من التباطؤ ليصل إلى 1.63 في المائة في 2026.

ونما اقتصاد تايوان بنسبة 4.59 في المائة في 2024، مدعوماً بصادرات قوية، لا سيما الطلب المرتفع على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، أبرزها الرسوم الجمركية الأميركية والمخاطر الجيوسياسية. وتخضع بعض السلع التايوانية لرسوم جمركية بنسبة 20 في المائة، ضمن السياسات التي اتخذها الرئيس ترمب على الواردات العالمية، رغم أن تايبيه تواصل محادثاتها مع واشنطن للتوصل إلى اتفاق أفضل، ولم تُفرض الرسوم حتى الآن على أشباه الموصلات.

وجاء قرار البنك المركزي التايواني بشأن أسعار الفائدة بعد خفض مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، في خطوة شهدت انقساماً واسعاً بين صانعي السياسة، لكنه أشار إلى أن تكاليف الاقتراض من غير المرجح أن تنخفض أكثر في المدى القريب.


اليابان تعزز حضورها الطاقي في أميركا بصفقة تبلغ 1.3 مليار دولار

غروب الشمس على شاطئ بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
غروب الشمس على شاطئ بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان تعزز حضورها الطاقي في أميركا بصفقة تبلغ 1.3 مليار دولار

غروب الشمس على شاطئ بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
غروب الشمس على شاطئ بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

تواصل اليابان تكثيف تحركاتها الاستراتيجية في قطاع الطاقة، عبر استثمارات مباشرة في الولايات المتحدة، وتوسيع شراكاتها الحكومية، بالتوازي مع حرصها على تأمين إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا، في مزيج يعكس أولوية الأمن الطاقي في سياساتها الاقتصادية والجيوسياسية.

وأعلنت شركة «جابان بتروليم إكسبلوريشن» (جابكس)، الخميس، عن قرارها الاستحواذ الكامل على شركة «في آر آي إتش» الأميركية، المالكة لأصول نفط وغاز صخريين في ولايتي كولورادو ووايومنغ، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 1.3 مليار دولار.

وأوضحت الشركة اليابانية أنها ستشتري كامل الحصص من شركة «فيرداد ريسورسيز فيدر»، مع تمويل الصفقة من مواردها الذاتية والاقتراض، على أن تُستكمل الإجراءات بحلول نهاية فبراير (شباط) 2026. وتنتج الأصول المستحوذ عليها حالياً نحو 35 ألف برميل مكافئ نفط يومياً من النفط والغاز الصخريين، وتسعى «جابكس» إلى رفع الإنتاج إلى نحو 50 ألف برميل يومياً بحلول عام 2030، في إطار استراتيجية توسعية طويلة الأمد.

أهداف استراتيجية

وتأتي الصفقة في سياق توجه أوسع للشركات اليابانية نحو تعزيز وجودها في سوق الطاقة الأميركية، سواء عبر الاستحواذات أو اتفاقيات الشراء طويلة الأجل، في ظل سعي طوكيو إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على مناطق جيوسياسية مضطربة.

كما تتقاطع هذه التحركات مع ضغوط سياسية أميركية، إذ دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب حلفاء بلاده، ومنهم اليابان، إلى زيادة مشترياتهم من الطاقة الأميركية، ضمن مساعٍ لتعزيز الصادرات الأميركية وتقليص العجز التجاري... إضافة إلى استهداف تقليص مشتريات الطاقة الروسية.

وحسب بيانات رسمية، بلغت مشتريات اليابان المعلنة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي هذا العام ما لا يقل عن 8.5 مليون طن سنوياً، مقارنة بإجمالي واردات بلغت نحو 66 مليون طن في عام 2024.

حزمة استثمارية ضخمة

وفي السياق نفسه، أعلنت الحكومة اليابانية أن لجنة المشاورات الخاصة بحزمة استثمارية يابانية موجهة إلى الولايات المتحدة بقيمة 550 مليار دولار عقدت اجتماعاً افتراضياً لمناقشة مشاريع محتملة ضمن هذه المبادرة. وشارك في الاجتماع ممثلون عن وزارتي التجارة والطاقة الأميركيتين، إلى جانب وزارات الخارجية والمالية والصناعة اليابانية، إضافة إلى بنك اليابان للتعاون الدولي وهيئة تأمين الصادرات والاستثمار.

وأكد الجانبان التزامهما بمواصلة التعاون الوثيق لتطوير مشاريع مشتركة، في خطوة تعكس توجهاً رسمياً لربط الاستثمارات اليابانية الكبرى بالأهداف الاقتصادية والاستراتيجية الأميركية.

استثناء تفرضه الضرورات

وفي المقابل، لا تزال اليابان متمسكة بالحفاظ على إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي، وتحديداً من مشروع «سخالين-2»، رغم العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ غزوها أوكرانيا.

وأعلنت الولايات المتحدة، الأربعاء، تمديد الإعفاء الذي يسمح ببيع النفط من مشروع «سخالين-2» حتى 18 يونيو (حزيران) 2026، وهو قرار بالغ الأهمية لليابان التي تحصل على نحو 9 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من هذا المشروع.

وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، مينورو كيهارا، إن تأمين الغاز الطبيعي المسال من الخارج، بما في ذلك من «سخالين-2»، «ضروري للغاية لأمن الطاقة الياباني»، مؤكداً استمرار التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لضمان عدم تعطل الإمدادات.

معادلة صعبة

وتكشف هذه التحركات عن معادلة معقدة تحاول اليابان إدارتها من جهة تعزيز الاعتماد على الولايات المتحدة كشريك طاقي واستثماري استراتيجي، ومن جهة أخرى، الحفاظ على تدفقات الطاقة الروسية التي يصعب الاستغناء عنها في المدى المتوسط.

وكانت رئيسة الوزراء اليابانية، ساناي تاكايتشي، قد أبلغت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال لقاء سابق في طوكيو، أن وقف استيراد الغاز الروسي سيكون بالغ الصعوبة، محذّرة من أن انسحاب اليابان سيصب في مصلحة الصين وروسيا معاً. وتعتمد اليابان على الواردات لتلبية نحو 70 في المائة من احتياجاتها من الطاقة، ما يجعلها شديدة الحساسية لتقلبات الأسواق والأزمات الجيوسياسية. وبينما تسعى الحكومة والشركات إلى بناء شبكة إمدادات أكثر تنوعاً واستقراراً، تظل الاستثمارات الأميركية والمرونة في التعامل مع العقوبات عناصر أساسية في هذه الاستراتيجية.

وفي ظل تصاعد المنافسة العالمية على مصادر الطاقة، يبدو أن طوكيو تراهن على مزيج من الاستحواذات، والتحالفات، والاستثناءات المدروسة لضمان أمنها الطاقي في السنوات المقبلة.


الذهب نحو «الرقم التاريخي».. توقعات ببلوغ الأونصة 5 آلاف دولار في 2026

تُعرَض السبائك والعملات الذهبية بمتجر «بيرد وشركاه» في هاتون غاردن (رويترز)
تُعرَض السبائك والعملات الذهبية بمتجر «بيرد وشركاه» في هاتون غاردن (رويترز)
TT

الذهب نحو «الرقم التاريخي».. توقعات ببلوغ الأونصة 5 آلاف دولار في 2026

تُعرَض السبائك والعملات الذهبية بمتجر «بيرد وشركاه» في هاتون غاردن (رويترز)
تُعرَض السبائك والعملات الذهبية بمتجر «بيرد وشركاه» في هاتون غاردن (رويترز)

حقَّق الذهب أكبر قفزة له منذ أزمة النفط عام 1979 خلال عام 2025، حيث تضاعفت الأسعار خلال العامين الماضيين، وهو أداء كان من الممكن أن يُنذر سابقاً بتصحيح كبير.

ومع ذلك، فإن ازدياد عدد المستثمرين وعوامل متعددة، تتراوح بين السياسة الأميركية والحرب في أوكرانيا، تجعل المحللين في «جي بي مورغان»، و«بنك أوف أميركا»، وشركة «ميتالز فوكس» يتوقعون أن يصل سعر الذهب إلى 5000 دولار للأونصة في 2026. وقد بلغ السعر الفوري مستوى قياسياً عند 4381 دولاراً في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن كان لا يتجاوز 3000 دولار قبل مارس (آذار)، مدفوعاً بالطلب من البنوك المركزية والمستثمرين، مع دخول مشاركين جدد مثل مُصدر العملة المستقرة «تيثر» وأمناء خزائن الشركات، وفق «رويترز».

وقال مايكل ويدمر، الاستراتيجي في «بنك أوف أميركا»، تعد توقعات تحقيق مزيد من المكاسب وتنويع المحافظ الاستثمارية المحرك الرئيسي للشراء، مدعومة بالعجز المالي الأميركي، والجهود المبذولة لتقليص عجز الحساب الجاري، وسياسة الدولار الضعيفة.

وأضاف فيليب نيومان، المدير الإداري في «ميتالز فوكس»، أن الدعم الإضافي يأتي من المخاوف بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والنزاعات الجمركية، والوضع الجيوسياسي، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وتفاعل روسيا مع دول «ناتو» في أوروبا.

البنوك المركزية تعزز الدورة

للعام الخامس على التوالي، من المتوقع أن يوفّر تنويع البنوك المركزية احتياطياتها من الأصول المقومة بالدولار أساساً متيناً للذهب في 2026، حيث ستلجأ إلى الشراء عند محدودية مراكز المستثمرين وهبوط الأسعار، وفقاً للمحللين.

وقال غريغوري شيرر، رئيس استراتيجية المعادن الأساسية والثمينة في «جي بي مورغان»: «يحظى مستوى السعر بدعم أعلى بكثير من مستواه الابتدائي بفضل استجابة الطلب من البنوك المركزية». وأضاف: «وفجأة نجد أنفسنا فوق 4000 دولار في بيئة أكثر استقراراً من منظور تحديد المراكز، مما يسمح للدورة بالاستمرار».

ويقدّر محللو «جي بي مورغان» أن استقرار الأسعار يتطلب طلباً ربع سنوي من البنوك المركزية والاستثمارات يبلغ نحو 350 طناً مترياً، ويتوقعون أن يبلغ متوسط هذا الشراء 585 طناً ربع سنوي في 2026. وارتفعت حيازات المستثمرين من الذهب نسبةً من إجمالي الأصول المُدارة إلى 2.8 في المائة مقارنةً بمستويات ما قبل 2022 البالغة 1.5 في المائة، وهو ارتفاع كبير، لكنه ليس بالضرورة الحد الأقصى.

ويتوقع «مورغان ستانلي» وصول سعر الذهب إلى 4500 دولار للأونصة بحلول منتصف 2026، بينما يتوقع «جي بي مورغان» تجاوز متوسط الأسعار 4600 دولار في الرُّبع الثاني و5000 دولار في الرُّبع الرابع، بينما تتوقع «ميتالز فوكس» بلوغ السعر 5000 دولار بنهاية العام.

التحوط ضد مخاطر الأسهم

أعلن بنك التسويات الدولية، الهيئة الجامعة للبنوك المركزية العالمية، هذا الشهر أن ارتفاع أسعار الذهب والأسهم معاً ظاهرة نادرة منذ نصف قرن، ما يثير تساؤلات حول احتمال وجود فقاعة في كلتا السوقين.

أساور ذهبية داخل محل للمجوهرات في حي الصين ببانكوك تايلاند (رويترز)

وأشار محللو الذهب إلى أن جزءاً من مشتريات الذهب هذا العام كان بمثابة تحوط ضد تصحيحات محتملة في أسواق الأسهم، مما زاد من حدة التوترات بين الحلفاء التاريخيين بشأن الرسوم الجمركية والتجارة العالمية والحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، لا يزال هذا يُشكِّل خطراً على الذهب، إذ غالباً ما تجبر التصحيحات الحادة في الأسهم المستثمرين على بيع أصولهم المأمونة.

تتوقَّع نيكي شيلز، رئيسة استراتيجية المعادن في «إم كي إس بامب»، أن يبلغ متوسط سعر الذهب 4500 دولار في 2026، عادّةً الذهب «أصلاً استثمارياً أساسياً طويل الأجل بدلاً من كونه أداة تحوط دورية».

توقعات الطلب والعرض

وفقاً لـ«ماكواري»، من المتوقع أن يشهد الذهب ارتفاعاً أقل حدة في 2026، مع استقرار الوضع العالمي نسبياً، وانتعاش النمو، وتراجع سياسة التيسير النقدي للبنوك المركزية، وارتفاع نسبي في أسعار الفائدة الحقيقية. ويُتوقع أن يتراجع الطلب على المجوهرات بنسبة 23 في المائة في الرُّبع الثالث، ولن يُعوَّض إلا جزئياً من قبل الطلب على السبائك والعملات.

وأشارت آمي غاور من «مورغان ستانلي» إلى أن طوابير العملاء في أستراليا وأوروبا خلال أكتوبر ربما مثلت إعادة توجيه للأموال من المجوهرات إلى الاستثمار، وهو ما قد يستمر في 2026. ولم يشهد الطلب على السبائك والعملات المعدنية عمليات جني أرباح كبيرة بعد أكتوبر، مع احتمالية زيادة الإقبال على الشراء إذا ارتفعت الأسعار مجدداً، وفقاً لنيومان من «ميتالز فوكس».

وتوقعت «ماكواري» ارتفاع إجمالي الطلب على الذهب بنسبة 11 في المائة هذا العام ليصل إلى 5150 طناً، قبل أن ينخفض إلى 4815 طناً في 2026.

تلاحم رقمي مع الملاذ التاريخي

لم يعد الاستثمار في المعدن الأصفر حكراً على القوى التقليدية. فالتيسير النقدي الذي تبناه «الاحتياطي الفيدرالي» لم يفتح شهية البنوك المركزية فحسب، بل مهّد الطريق لظهور لاعبين جدد أعادوا تعريف قواعد اللعبة. ويُعد دخول شركة «تيثر»، العملاق الرقمي ومُصدر أكبر عملة مستقرة في العالم، بصفقة استحواذ ضخمة بلغت 26 طناً من الذهب في الرُّبع الثالث - وهو ما يعادل 5 أضعاف مشتريات البنك المركزي الصيني - منعطفاً تاريخياً.

هذا التقاطع الفريد بين سيولة الأصول المشفرة وصلابة الذهب المادية يضع السوق أمام واقع جديد، ويجعل من هؤلاء المستثمرين المؤسسين الناشئين «عنصراً مرجحاً» لا يمكن تجاهله في رسم خريطة الأسعار المستقبلية، ويدفع السوق نحو القمم القياسية المنتظرة.