هل تنجح سلطات شرق ليبيا في وقف تدفقات الهجرة إلى أوروبا؟

بعد عقد مؤتمر دولي ببنغازي لمناقشة الأزمة

جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
TT

هل تنجح سلطات شرق ليبيا في وقف تدفقات الهجرة إلى أوروبا؟

جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)
جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

وسط مناقشات مستفيضة عن الهجرة غير النظامية وأسبابها، والبحث عن حلول لها، انتهى اليوم الثاني للمؤتمر الأوروبي - الأفريقي الذي عُقد في مدينة بنغازي بـ«شرق ليبيا»، تاركاً تساؤلات كثيرة، حول جدوى مثل هذه المؤتمرات وقدرتها على وقف تدفقات الهجرة من ليبيا إلى الشاطئ الأوروبي، ولا سيما مناطق شرق البلاد.

وكان المؤتمر، الذي دعت إليه الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، قد انطلقت جلساته السبت، بحضور وفود رسمية من دول أوروبا وأفريقيا، تمت خلالها مناقشة مقترحات لكيفية التغلب على هذه الأزمة التي تؤرق ليبيا ودولاً أوروبية.

جانب من المؤتمر الأفريقي - الأوروبي الذي تنظمه حكومة حماد في بنغازي (حكومة شرق ليبيا)

ويهدف المؤتمر، الذي ينتهي الاثنين، وفقاً لوزير الخارجية بالحكومة عبد الهادي الحويج، إلى «جمع الأطراف المختلفة من الجانب الأفريقي ودول العبور بشمال أفريقيا وأوروبا، لإيجاد حلول غير تقليدية من أجل مقاربات جديدة لمعالجة قضية الهجرة».

وليست هذه المرة الأولى التي تعقد فيها مؤتمرات تأخذ صفة دولية، بقصد البحث في قضية الهجرة غير النظامية، حيث سبق أن عُقدت مؤتمرات مماثلة في شرق ليبيا وغربها، تناولت الظاهرة من جوانب عدة، لكن لا تزال الأزمة تراوح مكانها لأسباب عدة.

ويتمسك المتابعون لملف الهجرة بضرورة «القضاء أولاً على سوق السمسرة في المهاجرين المنتشرة في غالبية المدن الليبية»، ويرون أن هناك «تجارة رائجة تديرها عصابات ومجموعات مسلحة، وأحياناً جهات أمنية رسمية».

وتظهر إحصاءات «الأمم المتحدة» أن ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبية في منتصف عام 2023. وفي مارس (آذار) الماضي، قالت «المنظمة الدولية للهجرة» إن إدارة البحث الجنائي عثرت على جثث 65 مهاجراً على الأقل في مقبرة جماعية جنوب غربي ليبيا.

مهاجرون جرى اعتراضهم من قبل خفر السواحل التونسي في أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

وأمام المؤتمر، قال أسامة حمّاد، رئيس الحكومة، إن «الحلول المستدامة لقضايا الهجرة لا بد أن تتبناها دول المصدر والعبور ودول المقصد أو الاستقبال»، داعياً إلى ضرورة «خلق برامج تطوير وتنمية في دول المصدر، تساعد على توفير حياة آمنة ومستقرة لتفادي خيار الهجرة».

وحضّ حماد جميع الأطراف على «عدم التدخل في الشؤون السياسية والداخلية لدول المصدر من قارة أفريقيا»، وقال إن «التدخل أحياناً ينتج عنه عدم استقرار سياسي واحتراب داخلي بين القوى السياسية، ويؤدي إلى تردي الأوضاع، ومن ثم تتوافر الأسباب التي تدفع إلى الهجرة بحثاً عن الأمن والاستقرار».

وانتقد حماد ما أسماه بـ«السياسات الخاطئة» لبعض دول الاستقبال في الاعتراض والإنقاذ للمهاجرين «ما نتج عنه وأد وقتل أحلام هؤلاء المستضعفين الذين تركوا بلدانهم هرباً من أوضاع اقتصادية سيئة أو حروب، وانتهى الأمر بموت آلاف منهم في عرض البحر».

وشدّد على أنه «لا بد من خلق كيان أوروبي - أفريقي، مهمته مراقبة تشغيل اليد العاملة وفقاً للاشتراطات القانونية، وبشكل يضمن حقوق العاملين من خلال الهجرة النظامية وفقاً لمؤشرات سوق العمل».

وأمام ما تكشفه الأجهزة الأمنية بشرق ليبيا وغربها من وجود «عصابات تتاجر في البشر» من وقت لآخر، لا تزال البلاد تشهد «عمليات واسعة لتهريب المهاجرين من أجل الحصول على الأموال»، وفق إفادات رسمية.

وسبق أن تحدث طارق لملوم، الحقوقي الليبي رئيس مؤسسة «بلادي لحقوق الإنسان»، مع «الشرق الأوسط»، عن «ازدياد المجموعات المسلحة التي تمارس عمليات تهريب المهاجرين».

ورأى أن «عمليات التهريب في ليبيا أصبحت تشهد تسهيلاً كبيراً جداً، ومع الأسف الغالبية متورطة في ذلك، سواء أكان من الغرب أم المنطقة الوسطى أم الشرق»، لافتاً إلى أن تهريب المهاجرين «يزداد في مناطق زوارة وصبراتة، التي تكثر فيها مخازن البشر، وتعلم الأجهزة الأمنية مكانها، لكن يظل موعد الإعلان عنها وكشفها وضبط من فيها يرتبط بسياسة هذه الأجهزة... وهي للأسف حكومية».

مهاجرات تم تحريرهن ضمن عشرات بالكفرة الليبية (وزارة الداخلية بشرق ليبيا)

وفي مواجهة الاتهامات التي تنتقد تزايد عمليات التهريب من شرق ليبيا، أضاف حمّاد أن «الجيش الوطني والأجهزة الأمنية نفّذا كثيراً من الحملات الأمنية لحماية هؤلاء المستضعفين المهاجرين وتخليصهم من قبضة العصابات»، ودعا إلى إنشاء «المرصد الأوروبي - الأفريقي للهجرة، تكون مهمته مراقبة تشغيل الأيدي العاملة وفقاً للاشتراطات القانونية، بشكل يضمن حقوق العاملين من خلال الهجرة النظامية وفقاً لمؤشرات سوق العمل».

ويرهن مصدر ليبي، مقرب من حكومة حماد، قدرة سلطات شرق ليبيا على التصدي لتدفقات المهاجرين بـ«التعاون المشترك بين الدول المصدرة والمستقبلة»، وقال: «بلدي دولة معبر، ونعاني من هذه الأزمة، ولن نعمل كشرطي لأوروبا. على الجميع أن يعمل معنا لإيجاد حلّ».

وتمكنت قوة أمن ليبية، في 7 مايو (أيار) الحالي، من «تحرير» 107 مهاجرين، من بينهم نساء وأطفال، من الأسر في بلدة بجنوب شرقي ليبيا. وقال وليد العرفي، المتحدث باسم الإدارة العامة للبحث الجنائي في بنغازي، إن المهاجرين، وفقاً لما قاله بعضهم، احتُجزوا لمدة تصل إلى 7 أشهر، وإنهم «كانوا يرغبون في الهجرة إلى أوروبا»، منوهاً إلى أن المهاجرين قادمون من دول مختلفة جنوب الصحراء الكبرى، إلا أن معظمهم من الصومال.

ونهاية الأسبوع الماضي، قالت «المنظمة الدولية للهجرة» إنه جرى إعادة 80 ألف مهاجر غير نظامي إلى بلدانهم عبر «نظام العودة الطوعية الإنسانية» منذ عام 2015.


مقالات ذات صلة

اتهامات حقوقية للسلطات الليبية بـ«توظيف الخطاب الديني لتبرير القمع»

شمال افريقيا رفض حقوقي ليبي لاستخدام المنابر في التحريض على المعارضين السياسيين والقوى المدنية (متداولة)

اتهامات حقوقية للسلطات الليبية بـ«توظيف الخطاب الديني لتبرير القمع»

السلطات بشرق ليبيا وغربها تشترك في سمة رئيسية هي «الاستهداف المنهجي للنشطاء السياسيين والحقوقيين وقمع كل أشكال المعارضة».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع بلدية زوارة (حكومة الوحدة)

الدبيبة لإعادة فتح معبر «رأس جدير» بعد تلبية مطالب «زوارة»

يعتزم رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة إعادة فتح معبر «رأس جدير» البري على الحدود المشتركة مع تونس الأحد المقبل.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا معبر «رأس جدير» الحدودي بين ليبيا وتونس (أرشيفية - داخلية الوحدة)

حكومة الدبيبة «تفشل» مجدداً في إعادة فتح وتشغيل معبر «رأس جدير»

أغلق مسلحون من الأمازيغ الطريق الساحلية المؤدية إلى المعبر بالسواتر الترابية قبل ساعات فقط من الموعد الذي أعلنته الحكومة لإعادة تشغيله رسمياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من الأسطول البحري التركي في البحر المتوسط (مواقع التواصل)

فرقاطة تركية أجرت تدريبات عسكرية قبالة سواحل ليبيا

يقوم الجيش التركي بتدريب عناصر من الليبيين في مركز تدريب تابع له في طرابلس، فضلاً عن التدريبات التي يجريها لهم في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا حفتر مستقبلاً في بنغازي المبعوث الأميركي نورلاند (القيادة العامة)

حفتر ونورلاند يبحثان «جهود تهيئة ليبيا» لإجراء الانتخابات

بحث وفد أميركي في ليبيا يتقدمه المبعوث ريتشارد نورلاند مع القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خلفية حفتر العملية الانتخابية وسبل دعم المساعي الأممية.

خالد محمود (القاهرة)

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
TT

الحرب تزيد من معاناة مرضى السرطان في السودان

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)
الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

تحتاج زوجة السوداني محمد الجنيد المصابة بالسرطان إلى علاج بالأشعة؛ لكن بعدما مزقت الحرب السودان، ودمرت بناه التحتية ومرافقه، بات يتطلب الأمر سفرها مسافة ألف كيلومتر تقريباً، للوصول إلى المستشفى الوحيد الذي يقدم هذه الرعاية.

ويقول الزوج البالغ من العمر 65 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من ولاية القضارف في شرق السودان؛ حيث لجأ مع زوجته هرباً من الحرب: «حتى لو وصلنا إلى مروي (في الشمال)، فسيتعين علينا أن ننتظر دورنا لتلقِّي هذه الرعاية».

ويشهد السودان منذ 15 أبريل (نيسان) العام الماضي حرباً عنيفة، بين القوات المسلحة النظامية بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، أعقبتها أزمة إنسانية عميقة.

ودمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية، وخرج 70 في المائة من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندميير: «من 20 إلى 30 في المائة فقط من المرافق الصحية في البلاد لا تزال في الخدمة... وتعمل بالحد الأدنى»؛ مشيراً إلى أن الإمدادات الطبية «لا تلبي سوى 25 في المائة من الاحتياجات».

مرضى يتلقون العلاج في مستشفى القضارف للأورام بشرق السودان (أ.ف.ب)

وتدفق مئات الآلاف من الأسر إلى ولاية القضارف، بعدما نزحت من الولايات التي طالتها الحرب، وسط معاناة من نقص في المواد الغذائية ومياه الشرب والمرافق الصحية.

ويصطف مرضى السرطان في انتظار دورهم داخل مركز «الشرق» لعلاج الأورام، وهو الوحيد المخصص لذلك؛ لكن لا يتوفر في هذا المركز علاج بالأشعة، لذلك يلجأ المرضى إلى مستشفى مروي في الشمال الذي يبعد نحو ألف كيلومتر عن القضارف.

كانت زوجة الجنيد تتلقى علاجها في مستشفى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط السودان، قبل إغلاقه بسبب اندلاع المعارك، ما دفع أسرتها للفرار إلى القضارف.

بسبب الحرب أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية (أ.ف.ب)

ويوضح الجنيد: «اليوم يرى الأطباء أنها تحتاج مجدداً إلى الخضوع للعلاج الإشعاعي، وهو في مروي فقط».

وبسبب طول الرحلة بين الولايتين، وكثرة الحواجز الأمنية، طلب السائق الذي وافق على اصطحاب الجنيد وزوجته إلى مروي، مبلغ 4 آلاف دولار، وهو ما لم يقدر الجنيد على دفعه، فألغيت الرحلة.

27 سريراً فقط ومئات المرضى

وبسبب الحرب، أُغلق مركزا الأورام الكبيران في الخرطوم وفي ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، يكتظ مركز القضارف بمرضى السرطان، على الرغم من سعته الضئيلة.

ويضم المركز 27 سريراً فقط، بينما «يحتاج إلى 60 سريراً على الأقل»، على ما يقول مديره معتصم مرسي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ويوضح مرسي: «العام الماضي استقبلنا نحو 900 مريض جديد»، مقارنة بنحو «300 أو 400 مريض» في الأعوام الماضية.

وفي الربع الأول فقط من عام 2024، استقبل المركز 366 مريضاً، إلا أن مرسي أكد أن الأدوية لا تزال متوفرة «إلى حد بعيد»، على الرغم من «بعض النقص» المسجل من قبل بدء الحرب.

دمرت الحرب إلى حد بعيد البنية التحتية وخرج 70 % من المرافق الصحية في البلاد من الخدمة (أ.ف.ب)

وعلى سرير في مركز القضارف؛ حيث يتقاسم المرضى الغرف بسبب الازدحام، تقول المعلمة السودانية فتحية محمد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «عاد المرض (السرطان)، واضطررت إلى استئناف العلاج».

كانت فتحية تتلقى علاجها أيضاً مثل زوجة الجنيد بمستشفى ود مدني، قبل النزوح إلى ولاية القضارف.

وقالت بحسرة: «هنا لا يوجد علاج إشعاعي... إنه متوفر في مروي؛ لكنه يكلف مليارات الجنيهات السودانية».

وتحتاج المعلمة السودانية إلى علاج بالأشعة بشكل دوري، وهو ما يُعدُّ «مكلفاً للغاية» خصوصاً أنها لم تتقاضَ سوى راتب 3 أشهر فقط من العام الماضي، بسبب اندلاع الحرب، حسبما تقول.

«تحمل الألم الشديد»

وفي أواخر مايو (أيار) حذَّرت منظمة الصحة العالمية من أن «نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار؛ خصوصاً في المناطق التي يصعب الوصول إليها».

وأضافت: «تُدمَّر المرافق الصحية، وتتعرض للنهب، وتعاني من نقص حاد في الموظفين والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات».

الإمدادات الطبية لا تلبي سوى 25 % من الاحتياجات (أ.ف.ب)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) حذَّر مقال نشره أطباء سودانيون في مجلة «إيكانسر» البريطانية، من أن «محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر».

وأشار المقال إلى أن «التكاليف المرتبطة بالعلاج الإشعاعي والنقل والسكن تجعلها غير متاحة لكثير من المرضى، ما يجبرهم على مواجهة الموت في المستقبل، من دون رعاية كافية».

في أواخر مايو حذرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الرعاية الصحية في السودان ينهار (أ.ف.ب)

وحسب المقال، فقد عطَّلت الحرب «سلاسل التوريد وتوفر المسكنات»، الأمر الذي يدفع المرضى إلى «تحمل الألم الشديد».

في مروي، يقول أحد الأطباء، وقد طلب عدم ذكر اسمه: «يعمل لدينا جهازان للعلاج الإشعاعي على مدار 24 ساعة يومياً».

ويضيف: «إذا تعطل أحد الأجهزة وتطلَّب الصيانة، فإن ذلك يتسبب في تكدس المرضى الذين يأتون من جميع أنحاء السودان».