جدل حول مستقبل الدين الأميركي: «اقتصاد حرب» أم «استدامة مالية»؟

هل ينجح الفيدرالي في ترويض معدلاته ومخاوف اقتصادية تُهدد استقلاليته

تظهر الأوراق النقدية بالدولار الأميركي أمام مخطط الأسهم المعروض في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
تظهر الأوراق النقدية بالدولار الأميركي أمام مخطط الأسهم المعروض في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
TT

جدل حول مستقبل الدين الأميركي: «اقتصاد حرب» أم «استدامة مالية»؟

تظهر الأوراق النقدية بالدولار الأميركي أمام مخطط الأسهم المعروض في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)
تظهر الأوراق النقدية بالدولار الأميركي أمام مخطط الأسهم المعروض في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

عادة ما تنجم الديون العامة الكبيرة عن منعطفات اقتصادية وسياسية كبيرة تتطلب من الحكومة الإنفاق بكثافة - لكن كبح جماحها يهدد بـ«حلول إبداعية» قد يصعب على الأسواق تقييم سعرها.

والآن، يتم رسم التكلفة الإجمالية للإنفاق العام بعد وباء كورونا في ظل حقائق جيوسياسية جديدة - بما في ذلك أي شيء يتراوح بين الاستثمار في الطاقة الخضراء، وأمن صناعة الرقائق، أو فواتير الدفاع المتعلقة بأوكرانيا على سبيل المثال - في السنوات المقبلة التي تسبق عجز الموازنة الحكومية الضخمة، وتوقعات الديون، وفق «رويترز».

فقد عادت مسألة استدامة الديون، والتي لطالما كانت مصدر قلق، لتتصدر اهتمامات العديد من العاملين في الأسواق المالية.

ورغم كونها مشكلة مشتركة في جميع أنحاء العالم الغربي، فإن الكثير من الضجيج حول الديون المتراكمة يُركز على الولايات المتحدة - ولسبب وجيه.

يتوقع مكتب الموازنة في الكونغرس ارتفاعاً بنسبة 17 نقطة مئوية في نسبة الدين العام الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات العشر المقبلة لتصل إلى 116 في المائة - وهو ضعف متوسط المستوى خلال العشرين عاماً الماضية - ثم يرتفع أكثر ليصل إلى 166 في المائة بحلول عام 2054.

ووصف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الأمر بأنه تصريح «غير مثير للجدل»، حيث قال يوم الثلاثاء إن السياسة المالية الأميركية تسير على «مسار غير مستدام».

وفي حين أن هذا قد يكون بمثابة إعادة لما هو واضح، إلا أنه بيان صريح من أقوى مسؤول حكومي يشرف على التكلفة المتزايدة لتراكم هذا الدين.

وهنا تكمن خطورة الوقوع في حلقة مفرغة حول هذه القضية.

وبعد أن وصل إلى مستوى قياسي منخفض في أبريل (نيسان) 2021، ارتفع متوسط تكلفة الفائدة على الدين العام الأميركي بأكثر من الضعف منذ ذلك الحين إلى 3.23 في المائة - وهو أعلى مستوى منذ 14 عاماً - حيث رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لاحتواء ارتفاع التضخم بعد جائحة كورونا.

ويعود استمرار النمو القوي والتضخم أعلى من المستهدف رغم التشديد النقدي بالنسبة للعديد من الاقتصاديين إلى حد ما على الأقل إلى هذا العجز غير الخاضع للرقابة. وهذا بدوره يطالب بسياسة أكثر تشدداً من قبل الفيدرالي الأميركي مما كان يأمل الكثيرون.

ورغم أن توقعات مكتب الموازنة في الكونغرس للديون طويلة الأجل متفجرة، فإنها تستند بشكل مثير للقلق على توقعات متواضعة نسبياً لتكاليف الاقتراض في المستقبل - حيث لن يتجاوز متوسط تكلفة خدمة الدين مرة أخرى متوسط 20 عاماً البالغ 3.7 في المائة إلا في عام 2054.

وتكمن المشكلة في الديون المتراكمة في تلك الأثناء، وحقيقة أن مكتب الموازنة لا يرى فجوة موازنة «أساسية» باستثناء تكاليف الفائدة تعود إلى أقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي - وهو أيضاً متوسط الفترة 1994 - 2023 - خلال الثلاثين عاماً القادمة.

علاوة على ذلك، تبدأ تكاليف خدمة الدين تتجاوز توقعات النمو الاسمي للناتج المحلي الإجمالي بدءاً من عام 2044 فصاعداً - منتهكةً الخط الأحمر الذي كثيراً ما يُستشهد به بشأن القدرة على تحمل الديون بشأن الحاجة إلى الحفاظ على «r ناقص g» أو سعر الفائدة ناقص النمو، في المنطقة السلبية.

وبطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على مكتب الموازنة في الكونغرس فقط. ولا يتوقع صندوق النقد الدولي أن يعود العجز السنوي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى أقل من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل -حتى ولو كان أقل قليلاً من النسبة الباهظة التي بلغت 7.1 في المائة هذا العام.

ومن المؤكد أنه لا أحد يتوقع أي تقشف مالي في عام الانتخابات هذا. وقد تم تخفيض مستوى التيسير النقدي المتوقع من الفيدرالي بشكل حاد مع تعثر التضخم فوق المستهدف، مما يزيد من قلق سوق السندات المتجدد خلال الشهر الماضي.

وما يحدث بعد الانتخابات هو سؤال آخر - لكن لا توقعات بتغييرات كبيرة.

وفي هذه الأثناء، بدأت مبررات السخاء المالي تتخذ نبرة مختلفة -حتى في أوروبا حيث أصبح العجز ومسارات الديون أكثر احتواء على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وروى كبير المستشارين الاقتصاديين لدى «يوني كريديت»، هذا الأسبوع رواية من اجتماع صندوق النقد الدولي الأخير، حيث أخبره مسؤول أميركي مجهول المصدر في الخزانة أن الناس ينظرون إلى «استدامة الدين» بطريقة خاطئة - واصفاً ما يبدو أنه مبرر «اقتصاد الحرب» للإنفاق الكبير.

وقيل إن التهديدات الوجودية للديمقراطية والمؤسسات الأميركية وأولويات التنافس الجيوسياسي المتوتر تتطلب إنفاقاً عاماً كبيراً لدعم الاقتصاد على المدى الطويل، وحشد الدعم الداخلي والخارجي للوضع الراهن الأميركي وموقعه في العالم.

ونتيجة لذلك، كانت القدرة على تحمل الديون على نطاق ضيق مجرد مجموعة فرعية من ذلك الهدف، ولا أهمية لها في الأساس إذا فشلت الأهداف الشاملة.

وفيما يتعلق بما إذا كانت الحسابات تتفق في نهاية المطاف، يبدو أن هناك بعض الآمال في أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي على تمهيد المسار، واستمرار النمو.

وقال نيلسن: «هذا قد يؤدي إلى عبء ديون أعلى بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي لفترة أطول - وإلى الأجيال القادمة. ولكن، إذا تمت إدارته بشكل صحيح، فستظل الأجيال القادمة تعيش في الديمقراطية الليبرالية الرائدة في العالم، وليس في بلد يعاني من الفوضى... و/ أو من المحتمل أن تهيمن عليه الصين، أو غيرها من الدول غير الديمقراطية في العديد من المجالات الرئيسية».

والشهر الماضي، أبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نقطة مماثلة بشأن أوروبا في خطاب قال فيه: «هناك خطر من موت أوروبا».

وحث المصرف المركزي على المساعدة في ضمان عدم حدوث ذلك أحد الحلول العديدة التي اقترحها، ودعا إلى توسيع تفويض المركزي الأوروبي لتجاوز التضخم، واستهداف نمو أسرع، ومعالجة المناخ أيضاً.

ولم يصل نيلسن إلى حد تأييد تفويض أوسع للمركزي الأوروبي، معتبراً أن المصرف كان شديد القسوة في تشديده الأخير مقارنة باحتياجات إعادة تشكيل اقتصاد اليورو وأن الركود الناتج عن ذلك قد قوض الاستثمار.

وقال: «بعد كل شيء، إذا - فقط إذا - تسبب رد فعل المصرف المركزي في ألم اقتصادي غير ضروري داخل الدورة الانتخابية، فإنه يخاطر برد فعل سياسي».

هذا يكفي للأصوات الوسطية.

وفي الأوساط المحافظة، تنتشر أيضاً الدعوات من أجل استقلال المصرف المركزي.

وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في أواخر الشهر الماضي أن حلفاء المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب يضعون مقترحات تهدف إلى تقويض استقلال الفيدرالي الاحتياطي إذا فاز الرئيس الجمهوري السابق - بحجة أنه يجب التشاور مع ترمب بشأن قرارات أسعار الفائدة، وله سلطة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي قبل انتهاء ولايته.

كما ورد أن المحافظين البريطانيين الحاكمين الذين يتأخرون في استطلاعات الرأي قبل إجراء انتخابات عامة وشيكة يحرصون أيضاً على الضغط على بنك إنجلترا لمساعدتهم في قضيتهم.

وإذا لم تتوافق ضروريات التقشف المالي والدورات الانتخابية تماماً، فقد يكون الخيار الأسهل هو ضمان استمرار صناع السياسة النقدية في إدارة العرض بأكمله.

وإذا كانت متطلبات التقشف المالي والدورة الانتخابية لا تتوافق تماماً، فقد يكون الخيار الأسهل هو ضمان استمرار صناع السياسة النقدية في إدارة الأمور، في حين أن التشديد على ضرورة العمل بـ«خُطى الحرب» قد يزيد فقط من تلك المخاطر.



تدفقات ضخمة إلى صناديق أسواق المال قبل الانتخابات واجتماع «الفيدرالي»

أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
TT

تدفقات ضخمة إلى صناديق أسواق المال قبل الانتخابات واجتماع «الفيدرالي»

أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)

شهدت صناديق أسواق المال العالمية تدفقات ضخمة في الأسبوع المنتهي في 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث سارع المستثمرون إلى اللجوء إلى الأمان قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية واجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وأظهرت البيانات أن المستثمرين ضخوا مبلغاً هائلاً قدره 127.44 مليار دولار في صناديق أسواق المال العالمية خلال الأسبوع، ما يعد أكبر صافي شراء أسبوعي منذ 3 يناير (كانون الثاني)، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وتم انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة هذا الأسبوع، حيث كانت أسواق المراهنات ترجح فوزه، بينما أظهرت الاستطلاعات حالة من التنافس الشديد في الانتخابات. في الوقت نفسه، قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الخميس، في خطوة تهدف إلى معالجة التعقيدات المحتملة في المشهد الاقتصادي مع استعداد الرئيس المنتخب لتولي منصبه في يناير المقبل.

وجذبت صناديق أسواق المال الأميركية 78.68 مليار دولار، وهو أعلى تدفق في ستة أسابيع. بينما استفادت صناديق أسواق المال الأوروبية والآسيوية أيضاً من هذا التوجه، حيث ضخ المستثمرون 42.87 مليار دولار و4.76 مليار دولار على التوالي.

وفي الوقت نفسه، سجلت صناديق الأسهم العالمية صافي شراء بقيمة 10.76 مليار دولار، مقارنة مع صافي سحب بقيمة 2.95 مليار دولار في الأسبوع السابق. كما تزايدت الاستثمارات في صناديق القطاع الصناعي، حيث حققت صافي شراء قدره 1.02 مليار دولار، وهو أكبر صافي شراء أسبوعي منذ 17 يوليو (تموز). وفي المقابل، شهدت قطاعات المال والسلع الاستهلاكية الأساسية سحوبات قيمتها 420 مليون دولار و354 مليون دولار على التوالي.

من ناحية أخرى، واصلت صناديق السندات العالمية جذب الاستثمارات للأسبوع الـ46 على التوالي، محققة تدفقات بلغت 11.45 مليار دولار.

وقال كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات العالمية في «يو بي إس»، مارك هايفلي: «نواصل التوقع بخفض آخر بمقدار 25 نقطة أساس من الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول)، بالإضافة إلى 100 نقطة أساس أخرى من التيسير في 2025. ننصح المستثمرين بتحويل السيولة الزائدة إلى الدخل الثابت عالي الجودة، خاصة مع الزيادة الأخيرة في العوائد التي توفر فرصة لإغلاق مستويات جذابة».

وشهدت صناديق السندات قصيرة الأجل العالمية صافي شراء بلغ 3.23 مليار دولار، وهو الأعلى منذ 25 سبتمبر (أيلول). في المقابل، جذبت صناديق السندات متوسطة الأجل المقومة بالدولار وصناديق السندات الحكومية والشركات تدفقات قدرها 1.42 مليار دولار و824 مليون دولار و606 مليون دولار على التوالي.

وفي السلع الأساسية، باع المستثمرون صناديق الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، ما أسفر عن بيع صاف بقيمة 649 مليون دولار، منهين بذلك سلسلة من المشتريات استمرت 12 أسبوعاً متتالياً من عمليات الشراء. كما شهد قطاع الطاقة تدفقات خارجة بلغت 245 مليون دولار.

وفي الأسواق الناشئة، أظهرت البيانات التي تغطي 29675 صندوقاً مشتركاً أن صناديق السندات شهدت تدفقات خارجة صافية بلغت 1.55 مليار دولار، وهو الأسبوع الثالث على التوالي من البيع الصافي. وشهدت صناديق الأسهم تدفقات خارجة بلغت 518 مليون دولار، ما يعكس انخفاض شهية المستثمرين للأسواق الناشئة.