سلمان رشدي يروي صراعه مع الموت

أول كتاب يصدره بعد حادثة طعنه

سلمان رشدي
سلمان رشدي
TT

سلمان رشدي يروي صراعه مع الموت

سلمان رشدي
سلمان رشدي

«إذن إنه أنت»، يتذكر سلمان رشدي، وهو يفكر في صباح يوم 12 أغسطس (آب) 2022، عندما ركض نحوه رجل يرتدي ملابس سوداء، وانطلق تجاهه بسرعة بالغة مثل القذيفة، على خشبة مسرح في مدينة تشاتاكوا بولاية نيويورك، فكر رشدي: «ها أنت ذا».

لقد مر ثلاثة وثلاثون عاماً منذ أصدر المرشد الإيراني الخميني فتوى تقضي بقتل رشدي وكل من شارك في نشر روايته «آيات شيطانية» عام 1988. مر عقدان على الأقل منذ توقف رشدي عن الظهور العام في لندن، ثم انتقل إلى نيويورك، وكان يعيش فيها حياة شبه طبيعية. لكنه من الناحية الاجتماعية، صار مثل الزرافة، يأكل الأوراق من أعلى الأشجار، مبتعداً عن الجميع قدر الإمكان، لكنه شوهد في الحانات أحياناً.

كان الرجل ذو الملابس السوداء رمزاً من عالم أقدم، حتى إن رشدي ظن أنه نسيه إلى حد كبير.

من بين مفارقات صباح ذلك اليوم من أيام أغسطس أن رشدي كان في تشاتاكوا للمشاركة في مناقشة حول الحفاظ على «كُتاب العالم في مأمن من الأذى». وفجأة هجم عليه شخص. كان المهاجم لديه طاقة هائلة، وكانت لديه سكين أيضاً. وإذ كان مصعوقاً للغاية في محاولة حماية نفسه، رفع رشدي يده اليسرى فقط. في البداية، اعتقد بعض الحضور أن المشاجرة كانت مسرحية فنية.

في مذكراته الجديدة الصريحة والواضحة والمؤثرة، بعنوان: «السكين: تأملات بعد محاولة القتل»، يصف رشدي ما حدث بعد ذلك. الرجل ذو الملابس السوداء، يواصل الطعن بشدة، ظل معه وحده لمدة 27 ثانية. هذا وقت طويل بما فيه الكفاية، كما يشير رشدي عبر قراءة إحدى سونيتات شكسبير المفضلة لديه، وهي السونيته رقم 130.

لكن كتاب «السكين» يحتوي، من ناحية أخرى، على قصة حب. يروي رشدي لقاءه، وتودده وزواجه من الشاعرة والروائية الأميركية «راشيل إليزا غريفيث»، التي كانت تصغره بثلاثة عقود. وهي الآن السيدة رشدي؛ وقد مُنح زوجها لقب فارس عام 2007 لخدماته الأدبية. تضيف قصتهم بهجة وحيوية إلى هذه المذكرات. لكن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتدفق هذا الضوء. أولاً، سيكون هناك تعاف وإعادة تأهيل شاقان.

يقول الشاعر جون بيريمان إن الفنان يكون محظوظاً عندما «يتعرض لأسوأ محنة ممكنة ولكن لا تقتله في الواقع. وفي تلك المرحلة، فإنه لا يزال يعمل». وهذا أمر مثير للسخرية ولكنه صحيح. نادراً ما قرأت عن الصدمات الجسدية الأسوأ أثراً.

تم تجميع جرح رشدي في البداية بواسطة الدبابيس الجراحية. وخرجت عينه التالفة من محجرها وتدلت على وجهه «مثل بيضة كبيرة مسلوقة». قضى وقتاً طويلاً على أجهزة التنفس الاصطناعي. كانت هناك أكياس صغيرة مربوطة بجسمه لجمع مجموعة متنوعة من السوائل المتسربة. لن يسمح له أحد بالنظر في المرآة. ومن الناحية النفسية، فإنه يعذب نفسه. لماذا لم يدافع عن نفسه؟ هل كان الأمر أن عمره 75 عاماً ومهاجمه 24 عاماً؟

يكتب قائلاً: «في بعض الأيام أشعر بالحرج، بل بالخجل، بسبب فشلي في محاولة الدفاع عن نفسي. وفي أيام أخرى أقول لنفسي ألا أكون غبياً، ما الذي أتصور أنه كان بوسعي فعله؟ هذا أقرب ما يمكنني فهمه من تقاعسي عن الرد: إن أهداف العنف تمر بأزمة في فهمها للواقع».

لا بد من القول إن هذا الكتاب ليس أكثر الكتب أناقة. فهو لا يتمتع بالثراء العاطفي والفكري والفلسفي مثل مذكرات الصحافي فيليب لانسون بعنوان «اضطراب» لعام 2019، حول النجاة من هجمات مجلة «شارلي إبدو» عام 2015 من قبل متطرفين يدعون الولاء لتنظيم «القاعدة». لكن رشدي كان حكيماً عندما التزم إلى حد كبير بالتفاصيل والبقاء بعيداً عن مسار قصته لإعادة صياغة ما قاله روي بلونت جونيور: «لقد وضعت هذا الكتاب جانباً مرة أو مرتين فقط كي أتخلص من آثار الإجهاد».

خلال فترة نقاهة رشدي، توفي صديقه مارتن أميس. وكاد صديق آخر، هو المحرر وكاتب عمود عن الطعام بيل بوفورد، أن يلقى حتفه إثر مشاكل في القلب. واكتشف أن صديقاً آخر، هو بول أوستر، مصاب بالسرطان (رحل في الثلاثين من الشهر الماضي). يكتب رشدي: «لقد مرت فترات عدة منذ الهجوم، حين تصورت أن الموت كان يحوم فوق رؤوس الأشخاص الخطأ».

وحده عقله بقي سليماً. فالمراجع الأدبية والسينمائية في «السكين» عميقة. وعرفنا من خلال المذكرات، أن رشدي من هواة المسلسل الطويل «القانون والنظام» لعام 1990، وأنه خلافاً لرأيه الأفضل يطلب كتباً من موقع «أمازون»، وأنه يحتاج إلى شيك تشاتاكوا لكي يسدد مقابل نظام تكييف الهواء الجديد. وما إلى ذلك.

وهو يشعر بإحباط ذاتي بشأن وزنه، الذي كان 240 رطلاً في وقت الهجوم. فقد 55 رطلاً في الأشهر التي تلت ذلك. وهو لا ينصح بتقنية إنقاص الوزن.

وهو يكتب، في مكان آخر من الكتاب، بأنه لم تعد لديه أي رغبة في الدفاع عن الـ«آيات شيطانية» أو عن نفسه، مع أن النبذ والتخلي هما آخر ما يفكر فيه. «إذا كان أي شخص يبحث عن الندم»، كما يكتب، «يمكنه التوقف عن القراءة عند هذا الحد».

هناك محور حاد بالقرب من نهاية هذه المذكرات. ففي كل زاوية منها، قدم رشدي كتلاً من المعلومات عن مهاجمه العدائي، الذي اختار أن يشير إليه «بحرف الألف»، بدلاً من وصف «الحمار» الأقل لياقة الذي كان يفضل استخدامه. قبل الهجوم، كان (أ.) في تشاتاكوا لعدة ليال، ينام في العراء، ويتفقد الموقع. كان يحمل بطاقة هوية مزورة، واسمه المزيف عبارة عن مزيج من أسماء المتطرفين الشيعة المعروفين. كان يعيش في الطابق السفلي لمنزل والدته في نيوجيرسي، ويلعب ألعاب الفيديو ويشاهد «نتفليكس». وقد تحول إلى التطرف من خلال مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب»، كما اشتبهت والدته في تطرفه من خلال رحلة إلى لبنان عام 2018.

يقرر رشدي عدم محاولة التحدث معه وجهاً لوجه. بل يتخيل مقابلة معه، محادثة تستهلك 30 صفحة من هذا الكتاب. لن أكشف محتوى هذه المقابلة المتخيلة، لكني أقول إن الموضوعات تشمل التطرف، والقسوة التي تأتي مع اقتناع ضيق الأفق بأن قضيتك عادلة، والكراهية، والضحك، ومحو الأمية، وعضوية الصالات الرياضية، والأمهات، ونادي نيويورك جاينتس.

«السكين» هو كتاب توضيحي. فهو يذكرنا بالتهديدات التي يواجهها العالم الحر. ويذكرنا بالأمور التي تستحق أن نناضل من أجلها. وفي أعقاب الفتوى الأولية، شرح كريستوفر هيتشنز صديق رشدي، المخاطر ببلاغة. وقد رسمت هذه القضية خطاً فاصلاً بين «كل ما أكرهه مقابل كل ما أحبه»، كما كتب. «في عمود الكراهية: الديكتاتورية، والتعصب الديني، والغباء، والغوغائية، والرقابة، والتنمر، والترهيب. في عمود الحب: الأدب، والسخرية، والفكاهة، والفرد، والدفاع عن حرية التعبير». وهي كلمات تنسحب على هذا الكتاب.

هناك العديد من الأسئلة المتروكة بوصفها تساؤلات مفتوحة مع نهاية كتاب «السكين». من غير المؤكد ما إذا كان رشدي سيفقد البصر في عينه المتبقية بسبب التنكس البقعي. ومن غير الواضح في أي مكان سوف يختار كل من رشدي وغريفيث أن يعيشا. لكن مزاج هذا الكتاب يتحدد من خلال ذلك السطر حول الخروج إلى مطعم للمرة الأولى منذ الهجوم: «بعد ملاك الموت، يأتي ملاك الحياة».

* خدمة «نيويورك تايمز»

* الكاتب ناقد ومراجع للكتب في صحيفة «التايمز» منذ عام 2008 وقبل ذلك كان محرراً في مجلة «بوك ريفيو» لعقد من الزمن لا بد من القول إن هذا الكتاب ليس أكثر الكتب أناقة فهو لا يتمتع بالثراء العاطفي والفكري والفلسفي



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.