خطة عربية «طارئة» لمواجهة تداعيات «حرب غزة» اقتصادياً واجتماعياً

يناقشها «مجلس الجامعة» تمهيداً لـ«قمة المنامة»

صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية الأخيرة بالرياض (واس)
صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية الأخيرة بالرياض (واس)
TT

خطة عربية «طارئة» لمواجهة تداعيات «حرب غزة» اقتصادياً واجتماعياً

صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية الأخيرة بالرياض (واس)
صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية الأخيرة بالرياض (واس)

ينطلق في العاصمة البحرينية المنامة، السبت، أول الاجتماعات التحضيرية للدورة العادية الـ33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، ببحث خطة عربية «طارئة» لمواجهة تداعيات «حرب غزة». وتستمر الاجتماعات التحضيرية على مدار 4 أيام بهدف وضع جدول أعمال اجتماع القمة المقرر عقدها، الخميس المقبل، بحضور القادة والزعماء العرب.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها البحرين اجتماعاً من هذا النوع، سواء على مستوى القمم العربية العادية أو الطارئة. وكان العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قد أعلن رغبة المنامة في استضافة الاجتماع خلال فعاليات «قمة جدة» في السعودية، العام الماضي.

ويعقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي، السبت، اجتماعاً على مستوى كبار المسؤولين لبحث عدة بنود على رأسها مناقشة «خطة الاستجابة الطارئة للتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للعدوان الإسرائيلي على فلسطين»، وهو البند الذي أُدْرِج على جدول الأعمال بناءً على مذكرة المندوبية الدائمة لدولة فلسطين نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ويتضمن جدول أعمال المجلس الاقتصادي والاجتماعي أيضاً، استعراض تقرير الأمين العام لجامعة الدول العربية عن العمل التنموي العربي المشترك، والتقدم المحرز في اتفاقية التجارة الحرة، والاستراتيجية العربية للشباب والسلام والأمن، والتعاون العربي في مجال التكنولوجيا والابتكار، إلى جانب «استعراض تجربة المملكة العربية السعودية الناجحة في القطاع الصحي».

ومن المقرر أن يعقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي اجتماعاً، الأحد، على مستوى الوزراء بحضور وزراء مالية الدول الأعضاء، في حين يعقد المندوبون الدائمون للجامعة العربية، الاثنين، اجتماعاً تحضيرياً تقر فيه البنود السياسية لجدول أعمال القمة، والتي سيعتمدها مجلس وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، تمهيداً لعرضها على القادة والزعماء العرب.

وأكد الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة العربية، السفير خليل الذوادي، أن «الظروف الراهنة تستدعي تكثيف اللقاءات والتشاور بين الدول العربية بشأن سبل مجابهة التحديات الحالية، وما تشكله من تداعيات على مستويات عدة، عربياً وإقليمياً ودولياً»، موضحاً، في تصريحات صحافية بالمنامة، أن «هناك لجاناً وزارية تعمل على مناقشة قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتداعيات حرب غزة، إضافة إلى العلاقات مع إيران وتركيا».

جنود إسرائيليون داخل قطاع غزة (رويترز)

وأوضح الذوادي أن «جدول أعمال (قمة المنامة) سيكون مثقلاً بملفات شائكة وصعبة على رأسها مستجدات القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة»، آملاً أن «تكون قمة المنامة فرصة لإطلاق صوت حرية فلسطين إلى العالم». وقال إن «حرب غزة تشكل تحدياً عظيماً يتطلب موقفاً حازماً وقوياً على المستوى العربي يوقف المأساة اللاإنسانية التي تحدث على مرأى ومسمع المجتمع الدولي». وأشار إلى «أهمية أن يكون هناك حراك فاعل لإنتاج موقف موحد يستهدف وقف الحرب الإسرائيلية، والضغط على الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية لإنهاء المعاناة، ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين بشكل آمن وكافٍ».

ومن جانبه، قال الوزير الفلسطيني الأسبق، عضو طاقم مفاوضات «أوسلو» مع إسرائيل، حسن عصفور لـ«الشرق الأوسط»، إن «الخطة الطارئة ستتضمن دعماً اقتصادياً وإغاثياً، لكن غزة تحتاج إلى دعم سياسي وقرار عربي يؤثر في مواقف الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية».

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعات عدة سواء على مستوى المندوبين أم وزراء الخارجية؛ لبحث الوضع في غزة.

وكانت القمة العربية - الإسلامية التي عُقدت في الرياض 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قد قررت «تكليف وزراء خارجية المملكة العربية السعودية، بصفتها رئيسة القمتين العربية والإسلامية، وكل من الأردن، ومصر، وقطر، وتركيا، وإندونيسيا، ونيجيريا وفلسطين، والأمين العام لكل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بدء تحرك فوري باسم جميع الدول الأعضاء لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة».

دخان تصاعد في وقت سابق من غارات إسرائيلية على رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

عودة إلى الذوادي الذي أكد أن «الوضع في غزة يتطلب بذل الجهود من أجل الدفع بمحاولات حل الدولتين ضمن المبادرة العربية للسلام التي انطلقت منذ عام 2002 في القمة العربية ببيروت، ببنودها السبعة بهدف إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي بشكل نهائي». وأشار إلى أنه «من المنامة يستعد العرب لخوض معركة سياسية ودبلوماسية وقانونية في أروقة الأمم المتحدة من أجل الحصول على الاعتراف الدولي الرسمي بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس».

والشهر الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار قدمته الجزائر بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وبلغ عدد الأعضاء الذين صوتوا لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في جلسة عقدها مجلس الأمن، 12 دولة، في حين امتنعت دولتان عن التصويت هما بريطانيا وسويسرا، واعترضت الولايات المتحدة على المشروع.

وبدوره، طالب عصفور قمة المنامة بـ«اتخاذ قرارات من شأنها التأثير في صناع القرار العالمي، خاصة واشنطن». وقال إن «الدول العربية قوة اقتصادية هائلة ولو اتخذت قراراً رسمياً بمقاطعة البضائع الإسرائيلية أو الغربية فسيكون لها تأثير كبير على دول العالم»، مشيراً إلى أن «المقاطعة الشعبية غير كافية».

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الدكتور جهاد الحرازين، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأنظار تتطلع لقمة المنامة، التي تقع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، لا سيما مع تداعيات الحرب في غزة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تتطلب موقفاً عربياً موحداً، وقراراً قادراً على مجابهة تلك التداعيات التي امتدّت إلى كل دول المنطقة، لتفاقم من الوضع الاقتصادي الذي يعاني جراء الحرب الروسية - الأوكرانية». وطالب الحرازين القادة العرب بوضع «خطة طوارئ لمجابهة تلك التداعيات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، إضافة إلى وضع آليات لتنمية القطاع الزراعي والصناعي والتجارة البينية بين الدول العربية».

في السياق نفسه، لفت الذوادي إلى «الاستعدادات التي قامت بها البحرين لاستضافة القمة، بما يحقق النتائج المنشودة لتلبية تطلعات الشعوب العربية ومصالح دول المنطقة». وقال إن «البحرين على موعد تاريخي مع احتضان القمة للمرة الأولى في تاريخها، وفي ظروف سياسية معقدة».

وتكتسب القمة الثالثة والثلاثون زخماً دولياً، في ظل الظروف والتحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة، ما يتطلب «التوصل إلى قرارات بنّاءة تسهم في تعزيز التضامن العربي، ودعم جهود إحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة».

وجمع شعار القمّة الذي جرى تدشينه أخيراً، بين التاج الملكي باللون الذهبي، شعار مملكة البحرين، وشعار جامعة الدول العربية، وكتب أسفله «قمّة البحرين»، وانتشرت في شوارع المنامة لافتات وأعلام الدول العربية. وكان وفد الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، قد وصل إلى المنامة، الخميس، في إطار الاستعدادات الخاصة بالقمة. وشهدت الفترة الأخيرة عقد اجتماعات عدة؛ للتحضير للقمة بين الأمانة العامة للجامعة، والبحرين، شُكّلت من خلالها لجنة عامة للإعداد للقمة برئاسة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي.


مقالات ذات صلة

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

الاقتصاد جانب من جلسات غرفة جدة حول ريادة الأعمال (الشرق الأوسط)

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

تشهد مدينة جدة، غرب السعودية، حراكاً كبيراً في القطاعات الاقتصادية والسياحية كافة، فيما يدفع قطاع اللوجيستيات المدينة للوصول لمستويات عالية في تقديم هذه الخدمة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق التنوع البيئي وجماليات الشعب المرجانية في البحر الأحمر (واس)

ابيضاض الشعب المرجانية يضرب العالم... والبحر الأحمر الأقل تضرراً

تعدّ الشُّعَب المرجانية رافداً بيئياً واقتصادياً لكثير من الدول؛ فقد نمت فيها عوائدها لمليارات الدولارات؛ بسبب تدفّق السياح للاستمتاع بسواحلها وبتنوع شعبها.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي خلال مباحثاته مع نظيره البريطاني جون هيلي في الرياض (واس)

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره البريطاني جون هيلي، الخميس، الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها عسكرياً ودفاعياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.