اليمين واليسار يهاجمان مقترح ماكرون لتقاسم الردع النووي مع الأوروبيين

اتهامات له بالتخلي عن السيادة الفرنسية واليسار المتطرف يرى فيه «ضرباً من الجنون»

ردود فعل واتهامات عنيفة للرئيس الفرنسي بسبب مقترحه حول قوة الردع النووية الفرنسية (إ.ب.أ)
ردود فعل واتهامات عنيفة للرئيس الفرنسي بسبب مقترحه حول قوة الردع النووية الفرنسية (إ.ب.أ)
TT

اليمين واليسار يهاجمان مقترح ماكرون لتقاسم الردع النووي مع الأوروبيين

ردود فعل واتهامات عنيفة للرئيس الفرنسي بسبب مقترحه حول قوة الردع النووية الفرنسية (إ.ب.أ)
ردود فعل واتهامات عنيفة للرئيس الفرنسي بسبب مقترحه حول قوة الردع النووية الفرنسية (إ.ب.أ)

يعتزم الرئيس الفرنسي تقديم خطته الخاصة برؤيته للدفاع الأوروبي، التي كانت موضوع خطابه الرئيسي في جامعة السوربون يوم الخميس الماضي، والذي ألحقه بـ«حوار» مع 12 شاباً خلال زيارته إلى مدينة ستراسبورغ نهاية الأسبوع الماضي، خلال القمة الأوروبية التي ستلتئم يومي 27 و28 يونيو (حزيران) المقبل أي بعد حصول الانتخابات الأوروبية.

وأشار ماكرون إلى أنه سيطلب من القادة الأوروبيين أن «يقدموا مقترحات» في هذا الشأن. لكن ردود الفعل السلبية التي أثارها اقتراحه الرئيسي الداعي إلى إعطاء «بُعد أوروبي» للقدرات النووية الفرنسية المسخرة أساساً للدفاع عن «المصالح الحيوية لفرنسا» لم تتأخر، بل إنها جاءت عنيفة للغاية.

بداية، يتعين التذكير بأن فرنسا هي القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي. ولكن ثمة ثلاث دول أوروبية - أطلسية (ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا) نشرت فيها الولايات المتحدة صواريخ نووية تكتيكية تتحكم بها قيادة الحلف الأطلسي وواشنطن في المقام الأخير. وما يريده ماكرون، الذي حذّر في خطابه في جامعة السوربون من أن أوروبا تواجه تهديداً وجودياً من العدوان الروسي، أن يتبنى الاتحاد الأوروبي استراتيجية دفاعية «ذات مصداقية»، وأقل اعتماداً على الولايات المتحدة. ولتحقيق هذا الغرض، عدّد الرئيس الفرنسي ما يحتاج إليه الأوروبيون من دفاع جوي متقدم وفاعل، وصواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى الداخل الروسي، ولكن خصوصاً قوة ردع نووية تشكل القدرات الفرنسية داخلها عصبها الأساسي. ورغم أن ماكرون حرص على التذكير بـ«خصوصية فرنسا»، فإنه أكد أن القوة النووية الفرنسية «جاهزة للمساهمة أكثر فأكثر في الدفاع عن التراب الأوروبي». وتمتلك فرنسا 300 رأس نووي؛ وفق تقرير المعهد الدولي لبحوث السلام في استوكهولم، مقابل 6200 رأس لروسيا، و5550 للولايات المتحدة. أما بريطانيا الدولة النووية الأوروبية الثانية، ولكن خارج الاتحاد الأوروبي، فإنها تمتلك 225 رأساً نووياً.

ماتيلد بانو رئيسة المجموعة النيابية لحزب «فرنسا المتمردة» في البرلمان رأت أن كلام ماكرون «فيه ضرب من الجنون» (أ.ف.ب)

المعارضة تُحذر من التخلي عن السيادة

ما أثار المعارضة الفرنسية عنوانه المقترح الأخير للرئيس الفرنسي، إذ أقام الدنيا ولم يقعدها ودفعها، يميناً ويساراً، إلى إطلاق حملة شعواء ضد مقترحه. فاليمين، بجناحيه التقليدي والمتطرف، هب للدفاع عن «السيادة الفرنسية» التي يفرط فيها ماكرون. فقد كتب النائب في البرلمان الأوروبي تيري مارياني، الذي ينتمي لحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، على «إكس» إن «ماكرون أصبح خطراً وطنياً»، مضيفاً أنه «لا يمكننا الانتظار حتى التاسع من يونيو لنعطيه إشارة واضحة بأن سياساته قد انتهى أوانها!»، ملمحاً إلى الانتخابات الأوروبية التي تبين استطلاعات الرأي أن الحزب المذكور سيكون الفائز الأكبر فيها، وسيتخطى حزب ماكرون «النهضة»، والحزبين المتحالفين معه «هورايزون»، و«موديم» بما لا يقل عن 15 نقطة. ومن جانبها، اتهمت مارين لوبان، المرشحة الرئاسية السابقة ورئيسة مجموعة نواب الحزب في البرلمان، ماكرون بـ«الكذب». وكتبت على «إكس»: «سبق لنا وأعلنا ذلك، إلا أن ماكرون نفى وقد كذب علينا، إذ إنه يريد أن يشارك الاتحاد الأوروبي في ردعنا النووي». ويريد حزب «التجمع الوطني» إدخال تعديل على الدستور يؤكد على أن قوة الردع النووية الفرنسية «جزء لا يتجزأ من السيادة الفرنسية، وغير قابلة للتصرف».

جان لوك ميلونشون زعيم اليسار المتشدد خلال مؤتمر صحافي 22 أبريل على مدخل معهد العلوم السياسية في باريس (أ.ب)

لم يكن «حزب الجمهوريين» اليميني التقليدي أقل عنفاً في انتقاد ماكرون. فقد قال رئيس لائحته للانتخابات الأوروبية فرنسوا كزافيه بيلامي، في حديث تلفزيوني الأحد إن ماكرون «يتحدث عن تقاسم الردع النووي مع شركائنا الأوروبيين. إنها فكرة سيئة للدفاع الأوروبي، ولكنها تعد خطراً حقيقياً لسيادة وأمن فرنسا»، مضيفاً: «لا يتعين أن يقول رئيس الدولة (الفرنسية) هذا الكلام. إنها تصريحات بالغة الخطورة؛ لأنها تمس عصب السيادة الفرنسية».

لم يكن رد الفعل على الجانب الآخر من الخريطة السياسية أقل عنفاً، فحزب «فرنسا المتمردة» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون لم يكن أقل عنفاً في البيان الذي أصدره، حيث جاء فيه أن ماكرون «وجه ضربة لمصداقية الردع النووي الفرنسي»، كما أنه «يضعف موقف فرنسا». وكتب النائب باستيان لاشو، اختصاصي المسائل الدفاعية في الحزب المذكور أن الرئيس الفرنسي «يتلطى وراء الدفاع عن التراب الأوروبي من أجل القضاء على الاستقلالية الفرنسية الاستراتيجية». ومن جانبها، قالت النائبة ماتيلد بانو، رئيسة مجموعته النيابية في البرلمان، إن «العقيدة النووية الفرنسية، هي أننا لا نؤمن بالمظلة (الأميركية)، ولن نشعل نزاعاً نووياً لصالح دول أخرى». في إشارة إلى دول الاتحاد الأوروبي. وأضافت النائبة بانو: «هذا نوع من الجنون، وكلام غير مسؤول بتاتاً»، فضلاً عن أنه «يفاقم احتمالات اندلاع نزاع نووي في أوروبا».

نُدرة المدافعين عن مقاربة الرئيس الفرنسي

لم يجد ماكرون من يدافع عن طروحاته سوى قلائل. وأول من هب لنجدته حليفه السياسي فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية» الوسطي، الذي عدّ أنه «قد تتوافر ظروف، حيث ترى حكومة فرنسية أن التهديد الواقع على أوروبا هو أيضاً تهديد لفرنسا». وإذ أكد أن «مصالح فرنسا اليوم هي أوروبا»، استطرد قائلا في مقابلة تلفزيونية: «تخيلوا وجود تهديد مميت ضد ألمانيا، هل تعتقدون أننا سنكون آمنين؟ هل تعتقدون أن مصالحنا الحيوية لن تتأثر بهذا التهديد؟». إلا أن بايرو سارع إلى التنبيه من أنه يتعين أن تبقى مسؤولية اللجوء إلى النووي بيد السلطات الفرنسية، وهو العنصر الذي غاب عن مداخلات ماكرون. كذلك، دافعت ماري توسان، رئيسة لائحة الخضر إلى الانتخابات الأوروبية، عن مقترح ماكرون، انطلاقاً من كون حزبها يدعو لقيام «دولة فيدرالية أوروبية»، وأن أمراً مثل هذا يشمل بالطبع التشارك في القوى بما فيها السلاح النووي. وتساءل نائب رئيس اللائحة ديفيد كورمان: «لم لا؟».

رئيس لائحة «حزب الجمهوريين» اليميني الكلاسيكي فرنسوا كزافيه بيلامي خلال جولة انتخابية له الخميس (أ.ف.ب)

حقيقة الأمر أنها ليست المرة الأولى التي تثار فيها هذه المسألة، لكنها الأولى التي تطرح بهذا الشكل. والثابت أن السير على هذه الطريق سيكون شائكاً بالنسبة للرئيس الفرنسي؛ إذ يتعين عليه بداية أن يقنع الرأي العام، وأن يجد من يؤيده في البرلمان، حيث يفتقر للأكثرية النيابية. فالردع النووي هو أقوى سلاح تملكه فرنسا في الدفاع عن سيادتها ومصالحها إزاء التهديدات. ومع اتساع نطاقه، سوف تتضاعف مسؤولياتها. فضلاً عن ذلك، ثمة مجاهيل تتناول ما سيكون عليه موقف الدول الأوروبية، وما متطلباتها ومدى تقبلها لمظلة نووية أوروبية إلى جانب «أو مكان» مظلة نووية أميركية - أطلسية. وفي هذا السياق، برزت المقابلة التي نشرتها صحيفة «دي فيلت» الألمانية لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الأحد، الذي عد أن تعزيز التعاون الأوروبي الدفاعي بمثابة «بوليصة تأمين ثانية على الحياة» إلى جانب الحلف الأطلسي.


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

المشرق العربي الدخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت حياً في الضاحية الجنوبية لبيروت - 22 نوفمبر 2024 وسط الحرب المستمرة بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

الاتحاد الأوروبي يجدد الدعوة لوقف إطلاق نار فوري في لبنان والالتزام بالقرار «1701»

دعت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى لبنان، اليوم (الجمعة)، مجدداً إلى التوصل لوقف فوري لإطلاق النار والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن «1701» بشكل كامل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)

فون دير لاين تسعف راكباً على متن رحلة إلى زيوريخ

قدّمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خدماتها بصفتها طبيبة، عندما شعر أحد الركاب بتوعك على متن رحلة جوية من بروكسل إلى زيوريخ.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)

هل تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية مع أوروبا؟

قد تكون الدول الأوروبية من بين الأكثر تضرراً إذا نفذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ذخيرة لمدفع هاوتزر أثناء تدريب في قاعدة للجيش الألماني في مونستر (رويترز)

الاتحاد الأوروبي يحقق هدفه بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية

أعلن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم (الثلاثاء)، أن الاتحاد الأوروبي حقق هدفه المتمثل في تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
شؤون إقليمية غروسي قال إن طريقة العمل القديمة مع إيران لم تعد ممكنة (أ.ف.ب)

طهران تعرض تجميد مخزون اليورانيوم عالي التخصيب

تتجه الأنظار إلى اجتماع فصلي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ من المنتظر أن تدرس قوى أوروبية استصدار قرار «حساس» يدين إيران.

«الشرق الأوسط» (لندن)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».