سوريو شمال شرقي سوريا يعانون معيشياً من انهيار الليرة

الدولار تجاوز 15 ألف ليرة... و«الشرق الأوسط» تتحدث لعمال وموظفين

TT

سوريو شمال شرقي سوريا يعانون معيشياً من انهيار الليرة

محل صرافة بالقامشلي شمال شرقي سوريا في أبريل الحالي  (الشرق الأوسط)
محل صرافة بالقامشلي شمال شرقي سوريا في أبريل الحالي (الشرق الأوسط)

سجلت الليرة السورية انخفاضاً غير مسبوق لامس عتبة 15 ألف ليرة مقابل الدولار الأمريكي في مناطق شمال شرقي سوريا، الخاضعة لنفوذين متداخلين الوحدات الكردية والحكومة السورية، وهذا الانخفاض انعكس بالدرجة الأولى على السواد الأعظم من المجتمع السوري الذين يتقاضى أجوره بالعملة المحلية، بينهم موظفون في مناطق سيطرة الحكومة السورية وعاملون في «الإدارة الذاتية» الكردية.

«الشرق الأوسط» تحدثت إلى فئات مختلفة خلال جولة في السوق المركزية لمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة.

السوق المركزية لمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

تقول ممرضة تعمل في مستشفى خاص، إن راتبها الشهري 300 ألف ليرة (يعادل 20 دولار): «لم يساعدها لشراء ملابس العيد»، في حين ذكر موظف حكومي أن مرتبه الشهري 500 ألف يذهب 150 منه لشراء غاز الطهي، وما يتبقى لا يكفي «شراء الخضراوات اليومية».

وعلى الرغم من أن سقف رواتب «الإدارة الذاتية» بقيت أفضل حالاً بين هذه الشرائح بمتوسط أجور يتجاوز مليون ليرة (70 دولاراً)، غير أن أي أسرة مؤلفة من 3 لـ5 أفراد يحتاجون إلى ضعفي هذا المبلغ، في وقت بقيت شريحة العمال اليوميين هي الأكثر تضرراً من تدهور قيمة الليرة التي شهدت انخفاضاً حاداً قياساً بالسنوات السابقة.

2 دولار يومية العامل

«الدولار دمر بيوت العالم، وصار أغلى من الناس، لا نقدر نأكل لحماً ولا نشتري شيئاً»، بهذه الكلمات بدأ ريناس (31 سنة) حديثه وهو عامل أجرة على بسطة شعبية يبيع رقائق البطاطس والبسكويت المحشي محلي الصنع. وذكر أنه يتقاضى 30 ألفاً ما يساوي 2 دولار أميركي بالضبط «مبلغ لا يكفي حتى مصروف الولد الصغير، رجل مثلي يحتاج 100 ألف حداً أدنى حتى أستطيع تأمين قوت أسرتي».

وبنبرة يعتصرها الأسى من انخفاض قيمة الليرة وانعكاسها على العمال اليوميين، لفت ريناس إلى أن هذا التراجع تأثيره فظيع على عامة الناس: «الأسعار ترتفع، وسيكون ذلك صعباً على الجميع».

السوق المركزية لمدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

على وقع أزمة اقتصادية متمادية وأوضاع معيشية خانقة تعيشها البلاد منذ عام 2011، فاستنزفت عملتها المحلية، وفاقمت الحياة المعيشية لغالبية السكان الذين يتقاضون أجورهم بالليرة، ومن بين هؤلاء إسماعيل (68 عاماً) الذي لا يزال يعمل عامل كريك «مجرفة»، وأوضح خلال حديثه: «أجرتي اليومية 20 ألف ليرة (دولار و30 سنتاً أميركياً)، أشتغل 4 ساعات فقط لأن هذه حدود طاقتي وقدرتي العمرية، لكنها لا تكفي شيئاً، فربطة الخبز بـ 5 آلاف ليرة».

محلات المواد الغذائية في القامشلي (الشرق الأوسط)

كحال إسماعيل وغيره من العمال، لا تكفي هذه الأجور لتغطية النفقات اليومية لأي أسرة سورية، أمام ارتفاع أسعار السلع التموينية والغذائية. أشار إلى أن دخله الشهري يصل إلى 600 ألف ليرة سورية: «ومع ذلك أستدين من المحلات مليوناً ونصفاً إضافية حتى نهاية الشهر، كي أنفق على عائلتي».

يذكر أن الليرة السورية استقرت خلال رمضان الماضي، وشهدت تحسناً طفيفاً، وكان سعر الصرف عند حدود 14 ألفاً مقابل الدولار الأميركي، ثم عاد للصعود بعد انقضاء عطلة العيد متجاوزاً عتبة 15200 نهاية الأسبوع الماضي.

سلع متوافرة من دون قدرة كبيرة على الشراء قبل عيد الفطر في القامشلي (الشرق الأوسط)

تقول برفين وهي ممرضة تعمل في مستشفى خاص بمدينة القامشلي، إن راتبها الشهري 300 ألف ليرة (تعادل 20 دولاراً)، ما يعني أنها تعمل بأقل من دولار أميركي!! وبسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة؛ حُرمت كحال كثيرات من شراء ملابس العيد: «أي بلوزة سعرها 150 ألفاً في المتوسط ونفس السعر للأحذية. ارتفاع الأسعار خطف بهجة العيد عند غالبية السوريين، الحال من بعضه بكل المناطق».

انخفاض الليرة السورية المستمر أثر بشكل كبير على تأمين التكاليف المعيشة التي وصلت لمستويات قياسية، ولا تتناسب مع الحد الأدنى للأجور عند موظفي الحكومة السورية في محافظة الحسكة الذين يتقاضون شهرياً، 500 ألف ليرة (33 دولاراً)، كما لا تتناسب مع أجور موظفي «الإدارة الذاتية» الذين يتقاضون وسطياً بحدود مليون و50 ألفاً (70 دولاراً). وهي أجور لا تغطي ربع الحد الأدنى من تكاليف المعيشة في أحسن الأحوال، وفق موظفي الحكومة والإدارة على حدٍّ سواء.

أسواق في مدينة القامشلي (الشرق الأوسط)

علون (56 سنة) موظف في مؤسسة حكومية قال إن دخل الموظفين بالعملة السورية، يواجه أزمة ارتفاع الدولار «وما يترتب عليها من ارتفاع أسعار المواد التموينية والسلع الغذائية، مقابل ثبات رواتب الموظفين، يؤثر بشكل كبير على حياتنا اليومية»، منوهاً بأن الليرة السورية فقدت قيمتها الشرائية كثيراً مقابل ارتفاع صرف الدولار.

وذكر عديد من موظفي الإدارة أن مرتباتهم الشهرية بالكاد تكفي تغطية نفقات لنصف شهر مقارنة مع تقلب أسعار السلع وصرف الدولار، وأوضح وجدي أنه يعمل موظفاً مع زوجته في مؤسسات الإدارة الذاتية منذ أعوام، ويتقاضون شهرياً نحو 2 مليون و100 ألف، «يذهب منها 150 ألف لشراء جرة غاز، 100 ألف اشتراك الكهرباء، و6 آلاف لخدمة الإنترنت، أما بقية الراتب فبالكاد يكفينا 15 يوماً لشراء الأساسيات».

مبالغ بالليرة السورية معروضة في محل صرافة في القامشلي ضمن محافظة الحسكة (الشرق الأوسط)

وهذه الحال تقاسيها سناء التي تعمل هي الأخرى موظفة لدى الإدارة والتي شددت على أن راتبها الشهري مليون وخمسون ألفاً، «لا يغطي الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، فارتفاع الأسعار وتقلبها يومياً وضعنا أمام قائمة تطول من الديون، نستدين من الجميع، ولولا الديون لرأيت الناس جياعاً».

يذكر أنه ووفق دراسة أجراها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منشورة في مارس (آذار) العام الماضي، يعاني نحو 12.1 مليون شخص، يشكلون أكثر من 50 بالمائة من السكان؛ من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 3 ملايين آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.

يشار إلى أن خبراء ومحللين بيانات مالية ذكروا في تقارير اقتصادية أن الليرة السورية خسرت نحو 85 بالمائة من قيمتها الشرائية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأكثر من 54 بالمائة خلال العام الفائت، وأن هذا التدهور مستمر لتسجيلها أرقاماً جديدة يومياً.


مقالات ذات صلة

اليورو يصعد بعد الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية.. والين يتخبط

الاقتصاد أوراق نقدية من فئات الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان (رويترز)

اليورو يصعد بعد الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية.. والين يتخبط

ارتفع اليورو اليوم الاثنين بعد تصدر تحالف ينتمي لليمين المتطرف الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان (رويترز)

الدولار يضغط على الين واليوان

واصل الدولار الضغط على كل من الين واليوان الأربعاء مع ترقب المتعاملين صدور بيانات أسعار المستهلكين الأميركية في نهاية الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي والجنيه الإستراليني (أ.ف.ب)

الدولار يصعد.. والإسترليني يتراجع قبيل إعلان بيانات التضخم

حقق الدولار بعض المكاسب خلال تعاملات جلسة الأربعاء بعد أن عززت بيانات مبيعات التجزئة الأميركية الضعيفة رهانات على خفض وشيك للفائدة من قِبل البنك المركزي

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عملة ورقية فئة مائة يورو وعملات ورقية من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار مستقر واليورو يتأثر بعدم اليقين السياسي

استقر الدولار خلال جلسة الاثنين في وقت يحوم فيه اليورو بالقرب من أدنى مستوى له بأكثر من شهر بعدما أدت اضطرابات سياسية بأوروبا إلى حالة من عدم اليقين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد العلم الوطني الياباني في مقر بنك اليابان في طوكيو (أ.ف.ب)

بنك اليابان يناقش خفضاً تدريجياً لمشترياته من السندات الحكومية

من المتوقع على نطاق واسع أن يفكر بنك اليابان في خفض مشترياته من السندات في اجتماع السياسة مع تنبيه المستثمرين لأي إشارات حول احتمالات رفع الفائدة الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

بعد أيام من حادثة مشابهة... فلسطينيان يؤكدان تقييدهما بمقدمة سيارة عسكرية إسرائيلية

لقطة من فيديو يُظهر مجاهد العبادي وهو فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية (أ.ب)
لقطة من فيديو يُظهر مجاهد العبادي وهو فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية (أ.ب)
TT

بعد أيام من حادثة مشابهة... فلسطينيان يؤكدان تقييدهما بمقدمة سيارة عسكرية إسرائيلية

لقطة من فيديو يُظهر مجاهد العبادي وهو فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية (أ.ب)
لقطة من فيديو يُظهر مجاهد العبادي وهو فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية (أ.ب)

قال رجلان فلسطينيان أصيبا خلال مداهمة بمدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة الأسبوع الماضي، لشبكة «بي بي سي» البريطانية، إن الجنود الإسرائيليين أجبروهما على الصعود فوق مقدمة سيارة جيب عسكرية واقتادوهما بسرعة على طول طرق الحي الذي يسكنان فيه.

جاء ذلك بعد أيام من انتشار مقطع فيديو يظهر الفلسطيني مجاهد العبادي، البالغ من العمر 23 عاماً، وهو متشبث بغطاء محرك سيارة جيب عسكرية إسرائيلية مماثلة، مما أثار إدانة واسعة النطاق وغضباً دولياً كبيراً.

وتعليقاً على حادثة العبادي، قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده انتهكوا البروتوكول.

وقال الفلسطينيان الآخران اللذان تحدثت إليهما «بي بي سي» إنهما تعرضا لمعاملة مماثلة خلال العملية التي جرت في حي الجبرية على مشارف مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، يوم السبت الماضي.

وأشار أحدهما، ويدعى سمير ضبايا (25 عاماً) ويرقد الآن بمستشفى في جنين، إلى أنه أصيب برصاصة في ظهره من قبل القوات الإسرائيلية خلال مداهمة الحي الذي يسكن فيه، وظل ملقى على وجهه وينزف لساعات، حتى جاء الجنود لتقييم حالته. وعندما وجد الجنود الإسرائيليون أنه على قيد الحياة، ضربوه على رأسه بمسدس، على حد قوله، ثم حملوه ووضعوه على مقدمة السيارة الجيب.

وأضاف: «لقد خلعوا بنطالي. أردت التمسك بالسيارة، لكن أحد الجنود ضربني على وجهي وطلب مني ألا أفعل ذلك، ثم بدأ القيادة. كنت أنتظر الموت».

وأظهر سمير لـ«بي بي سي» لقطات فيديو من كاميرا أمنية، يبدو أنها تظهره شبه عارٍ، مستلقياً على سيارة جيب سريعة الحركة، تحمل الرقم «1» على جانبها.

وقال رجل فلسطيني آخر، يدعى هشام اسليت، لـ«بي بي سي» إنه أصيب برصاصتين خلال العملية في حي الجبرية وأجبر على ركوب السيارة الجيب العسكرية نفسها التي تحمل الرقم «1».

وتحدث اسليت عن «إطلاق النار الذي كان يحيط به من جميع الجهات»، وقال إنه حاول الهرب، لكنه أصيب بطلق ناري في ساقه، وبعد ذلك وصلت وحدة من الجيش الإسرائيلي لتأخذه مع رجل آخر.

وقال: «أمرونا بالوقوف، وخلعوا ملابسنا، ثم طلبوا منا الصعود فوق مقدمة الجيب»، لافتاً إلى أن السيارة كانت ساخنة للغاية، وأنه شعر بأنها «مثل النار».

وتابع: «كنت حافي القدمين وخلعت ملابسي. وحاولت أن أضع يدي على السيارة لأتشبث بأي شيء بها فلم أستطع، كان الجو حاراً جداً».

وطرحت «بي بي سي» تصريحات الرجلين على الجيش الإسرائيلي فقال إنه يحقق في الأمر.

وأثارت حادثة العبادي الأسبوع الماضي إدانة واسعة النطاق؛ بما في ذلك من الولايات المتحدة.

وقال كثيرون إن فيديو العبادي الذي تُدوول على نطاق واسع يُظهر أن الجنود الإسرائيليين كانوا يستخدمونه درعاً بشرية، وهي تهمة وجهتها إسرائيل مراراً وتكراراً إلى حركة «حماس» خلال الحرب في غزة.

وقال الجيش في البداية إن العبادي مشتبه فيه؛ لكنه اعترف لاحقاً بأنه لم يشكل تهديداً للقوات الإسرائيلية.