«الحرم القدسي الشريف بأيدينا»، هذا ما أعلنه، موتيه غور، قائد اللواء 55، مباشرة بعد اقتحام الجيش الإسرائيلي للمسجد الأقصى في يونيو (حزيران) عام 1967. لكن عمليا، بعد 47 عاما، تشرف المملكة الأردنية الهاشمية، على كل كبيرة وصغيرة ضمن 144 دونما، تضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره.
ومنذ مبايعة مسؤولين فلسطينيين وعرب، للشريف الحسين بن علي الهاشمي، عام 1924، بالوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، رفضت المملكة الأردنية كل طلب أو محاولة أو سعي للتخلي عن هذا الدور، بل ظلت رعاية المملكة للمقدسات مطلبا ثابتا على الدوام؛ في ظل الحرب مع إسرائيل، وأثناء معاهدة السلام معها، وقبل وبعد فك الارتباط مع الفلسطينيين، وحتى بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من الأمم المتحدة.
هذا الأسبوع فقط، أطلق نواب في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، تصريحات تهدد هذا الوضع، لأول مرة بشكل مباشر ومستفز، في خطوة قد تؤدي إلى تدهور كبير في العلاقات الأردنية الإسرائيلية التي ظلت على المستوى الرسمي فاترة وعلى المستوى الشعبي باردة.
صحيح أن الكنيست لم تصوت على قرار قدمه النائب اليميني المتطرف موشيه فيغلين، لنقل السيادة على المسجد الأقصى من الحكومة الأردنية إلى الحكومة الإسرائيلية، لكنه على الأقل أخضع الأمر للنقاش، ووعد رئيس الكنيست يولي أدلشتين بالتصويت على الأمر مرة ثانية في وقت غير محدد، لحين التوصل إلى صيغة متفق عليها.
وأعطى النقاش في الكنيست مؤشرا لما يفكر فيه كثير من المسؤولين الإسرائيليين، «حين نهرب عن جبل الهيكل (الأقصى) فإننا نفقد شرعية وجودنا في تل أبيب، لا معنى لوجودنا هنا من دون هذا المكان»، قال فيغلين الذي طالب بفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على الأقصى بدل السيادة الأردنية عليه، والسماح لليهود بالوصول إلى المكان والصلاة فيه في أي وقت ودون رادع. أيد أعضاء كنيست مقترح فيغلين، ورد عليه آخرون باتهامه أنه يخرب العلاقات بين إسرائيل والعرب.
وقالت النائبة في الكنيست، والناطقة السابقة بلسان الجيش الإسرائيلي، ميري ريغيف، «مصير الأقصى يجب أن يكون مثل مصير الحرم الإبراهيمي في الخليل، يجب تقسيم المكان بين المسلمين واليهود».
وتساءلت «لماذا يستطيع المسلمون الصعود إلى هناك والمناداة باسم الله ولا نستطيع نحن اليهود». وأردفت «سنجد أنفسنا من دون بيت إذا استمر ذلك».
هذا ما يريده الإسرائيليون في هذه المرحلة، الصلاة في المسجد الأقصى، وعلى المدى البعيد لا يخفون أن مكان المسجد يجب أن يعيدوا بناء «الهيكل»، لكن للأردن حسابات أخرى، فالمسألة ليست صلاة وحسب، وإنما دينية وتاريخية وسيادية وسياسية ومالية كذلك.
لكن لماذا الأردن تحديدا؟
قد يكون من البديهي أن تصبح الدولة التي تحتل القدس (إسرائيل) هي المسؤولة المباشرة عن المقدسات التي تقع تحت سيطرتها، وربما يعتقد البعض أن ذلك الدور منوط الآن بالسلطة الفلسطينية التي تشرف على باقي المساجد والمؤسسات في المدينة المقدسة والضفة الغربية، لكن واقع الأمر مختلف تماما، فالذراع الطولى للمملكة (الأوقاف الإسلامية) هي التي تقرر في كل كبيرة وصغيرة داخل أسوار المسجد الأقصى.
بدأت السيادة الأردنية على الأقصى منذ بيعة الشريف، عام 1924، وتنقلت في سنوات لاحقة لقيادات محلية فلسطينية، لكن بعد حرب عام 1948، وعندما أصبحت الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية أردنية بلا منازع، وأعلن الحاكم العسكري الأردني استمرار سريان القوانين والتشريعات الأخرى المطبقة في فلسطين دون أن تتعارض مع قانون الدفاع عن شرق الأردن لعام 1935.
وبعد عام واحد، في 1949، أعادت الإدارة المدنية الأردنية نظام الحكم المدني إلى الضفة الغربية بموجب قانون الإدارة العامة على فلسطين، وفي عام 1950، تم توحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن رسميا، كما تم التأكيد على استمرار سريان القوانين السارية المفعول في الضفة الغربية في نهاية فترة الانتداب البريطاني إلى حين استبدالها بقوانين أردنية.
وظل ذلك ساريا حتى 1967، عندما احتلت إسرائيل القدس (الشرقية). غير أن هذا الاحتلال لم يمنح إسرائيل أي حقوق ملكية، لأن القاعدة المؤسسة جيدا في القانون الدولي تنص على أن الاحتلال لا يستطيع منح حقوق للملكية، ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو (حزيران) 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242، وبناء عليه، وبعد مرور مدة قصيرة من سيطرة إسرائيل على الحرم القدسي الشريف، تم نقل السيطرة إلى الأردن مجددا.
ولم يتخل الأردن أصلا عن دوره التاريخي، ولم يسلم بالاحتلال على المدينة، ولا بحقه في السيادة على المقدسات، بل أكد على دوره في رعاية هذه المقدسات، في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية التي وقعت في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1994، لكن الصراع الخفي على المقدسات والقدس، والضفة الغربية كلها، كان قد اشتعل قبل ذلك بكثير، بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي ناضلت لعشرات السنين من أجل فك الارتباط مع الأردن باعتبارها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، الضفة، القدس، قطاع غزة، والشتات.
قاوم الأردن ذلك بكل قوة، حتى اتخذ الملك الراحل حسين بن طلال قرارا كان مؤلما له شخصيا، بفك الارتباط عام 1988 مع الضفة الغربية إداريا وقانونيا، وتم ذلك بطلب من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أعلن في نفس الوقت قيام دولة فلسطين، لكن العاهل الأردني صعب المراس، لم يفك الارتباط أبدا مع المقدسات.
أعطى عرفات للملك حسين حق الوصاية على المقدسات بشكل شفوي، قبل أن يعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، العاهل الأردني عبد الله الثاني هذا الحق باتفاقية مكتوبة في نهاية مارس (آذار) من العام الماضي.
وقالت مصادر فلسطينية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن «اتفاقية الدفاع عن المقدسات كانت بطلب مباشر من العاهل الأردني الملك عبد الله شخصيا للرئيس الفلسطيني». وأضافت «طلب العاهل الأردني توقيع صك مكتوب بعد قليل من حصول فلسطين على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية». وربما أراد الملك الأردني قطع الشك باليقين وتأكيد أن لا تغيير قانونيا حصل أو سيحصل على وضع المقدسات.
كيف وقع أبو مازن
في 31 مارس (آذار) عام 2013، حطت طائرة أردنية خاصة بشكل فجائي في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وكان الهدف نقل الرئيس الفلسطيني إلى عمان ليوقع اتفاقا مهما، ثم إعادته إلى رام الله بعد ساعات قليلة.
حصل ذلك من قبل مرة واحدة عندما هدد أبو مازن بحل السلطة، فوصلت طائرة عسكرية أردنية على عجل من أجل مباحثات مصيرية.
ذهب عباس وعاد في نفس اليوم بعد توقيع اتفاق يفوض الأردن في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس الشرقية المحتلة، التي تنادي بها السلطة عاصمة للدولة الفلسطينية.
في ذلك الوقت أثارت هذه العجالة في التوقيع، تساؤلات شتى حول أهمية هذا الاتفاق وتوقيته وتبعاته القانونية والسياسية، خصوصا بعد حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، ولأنها تحول اتفاقا شفويا سابقا إلى اتفاق مكتوب للمرة الأولى.
يقول وزير الأوقاف الفلسطيني، محمود الهباش، إن الاتفاق كان دينيا صرفا ولا يحمل أي أبعاد سياسية مطلقا. وأضاف، لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتفاق أكد شيئا كان قائما منذ سنوات. منذ عام 1967 منذ احتلت إسرائيل القدس، احتفظ الأردن بمسؤوليته عن الأوقاف الإسلامية والمقدسات، وعندما قرر الملك الراحل الحسين بن طلال فك الارتباط (في عام 1988)، ظل (هذا الأمر) قائما، وبموافقة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني، والاتفاق الأخير يؤكد ذات المضامين وذات الإبعاد. لم تغير شيئا ولم تضف شيئا جديدا».
أما لماذا مكتوب، فقال الهباش «إن الاتفاق كتب من أجل تشكيل غطاء قانوني للطرفين وحتى يتمكن الطرفان من التحرك معا، وبشكل مشترك، لحماية القدس عبر المؤسسات الدولية».
وردا على سؤال لماذا بعدما تحولت فلسطين إلى دولة قادرة على التحرك، أوضح الهباش: «للأردن وضع مختلف، نحن لا نتحرك في ظروف طبيعية مواتية، صحيح الدولة اعترف بها العالم، لكنها لم تتجسد على الأرض، ولا نريد أن نعطي ذرائع للاحتلال بالتنكر للحق الفلسطيني مثلما يتنكر للدولة».
ولم يجد الهباش تناقضا بين مبايعة الملك الأردني مجددا على المقدسات، والقول إن السيادة على المكان، فلسطينية، وقال: «الاتفاق ضمنيا يؤكد روح ما اتفق عليه عام 1988 باستمرار الإشراف الأردني على القدس، حتى تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطين لترد هذه الأمانة إلى الدولة الفلسطينية».
لم يسلم الأمر من انتقادات فلسطينية داخلية، واتهامات لأبو مازن بالتخلي عن دوره في المكان الأهم على الإطلاق «العاصمة»، لكنه عقب لاحقا بشكل مختصر، «منذ عام 1988، اتفقنا على أن مسؤولية الأوقاف الإسلامية تتبع الأردن، وهي في الأصل كذلك، وإن الأردن سيستمر في تحمل مسؤولياته وهو مستمر في ذلك إلى الآن، والسيادة لنا على كامل الأرض الفلسطينية، وهذا لا نقاش فيه».
لم تعقب إسرائيل التي كانت على علم بالاتفاق وكأن الأمر لا يعنيها آنذاك. لكن مسؤولين أعادوا التركيز مؤخرا على ما وصفوه بـ«سياسة الصمت والتستّر في جميع أروقة الجهات الرسمية تجاه الوضع القائم في المسجد الأقصى».
وترجم ذلك بنقاش الكنيست الأخير والمتواصل الذي رد عليه البرلمان الأردني بالتوصية بالإجماع على طرد السفير الإسرائيلي من عمان في الوقت الذي هدد فيه رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور بإلغاء معاهدة السلام بين البلدين.
صحيح أن ثمة أطماعا ورغبات مختلفة تجاه الأقصى، ولكن على الأرض، يضع الأردن اليوم قوانينه الخاصة التي لا يخرقها سوى القوة الإسرائيلية عبر اقتحامات متكررة للمكان. يكلف المسجد الأقصى، وزارة الأوقاف الأردنية، كل عام نحو سبعة ملايين دينار أردني، إضافة إلى تكلفة مشاريع المبادرات الملكية التي يتم تنفيذها لإعمار وترميم المسجد الأقصى المبارك ومرافقه المختلفة والتي تزيد على 3.5 مليون دولار بتبرع شخصي من الملك عبد الله الثاني، ومن بين الأماكن التي تشرف عليها الأوقاف الأردنية، عشرات المدارس التابعة للمسجد.
«لا أحد يمكن له أن يغير الأمر الواقع في هذه المرحلة» قال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط». وأضاف «وحده قيام دولة فلسطينية بشكل واقعي يمكن أن يغير هذه الأمر». لكن شكل الاتفاق بين الأردن والسلطة في حال قيام الدولة حول المسجد يبقى غامضا. وقال المسؤول إن ثمة سيناريوهات مختلفة للتعاون، أهمها قيام كونفيدرالية بين فلسطين والأردن.
وفي مرات سابقة، ناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع العاهل الأردني مسألة الكونفيدرالية هذه، ورد الملك «في حالة قيام الدولة الفلسطينية لكل حادث حديث».
لمحات تاريخية:
حول تاريخ هذه الوصاية، يقول الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس، عبد الله كنعان، إنها انطلقت عام 1924، حينما أرسل رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين الحاج أمين الحسيني رسالة إلى الأمير عبد الله بن حسين طالبا منه أن يكون وصيا ومشرفا على عمارة المقدسات الإسلامية في القدس، وصيانته من الأخطار المتراكمة من جراء طول الزمن وغياب الأسس الهندسية الصحيحة في الإعمارات السابقة حيث تبرع بـ38 ألف ليرة ذهبية من ماله الخاص إضافة إلى تبرعات قدمت من العراق والهند وعدد من الدول الإسلامية.
ويشير كنعان لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه كان يجري التنسيق في أعمال الإعمار بين الحاج أمين الحسيني والأمير عبد الله بن الحسين الذي كان أميرا على إمارة شرق الأردن من خلال رسائل متبادلة بين الطرفين، ويوجد بعض هذه الرسائل في أرشيف لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.. ثم انتقل هذا الدور من الشريف الحسين بن علي إلى ابنه الملك عبد الله ثم إلى الملك الراحل الحسين بن طلال واستمر إلى عهد الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
فالدور الأردني الهاشمي في الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك وحماية مقدساته وإعمارها وصيانتها قد مرّ بمراحل طويلة زادت على الثمانية عقود، وهو مستمر رغم الظروف السياسية الصعبة والمعقدة. أما بالنسبة إلى المقدسات المسيحية فقد منح الهاشميون خلال فترة حكمهم للضفة الغربية من 1967 - 1952 الحرية المطلقة للطوائف المسيحية المختلفة لصيانة وإعمار كنائسهم وأديرتهم. وتم إعمار كنيسة القيامة خلال العهد الهاشمي وقبل الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967 إعمارا شاملا شمل القبة والجدران.
ويقول مراقبون إن الأردن لا ينظر للقضية الفلسطينية والقدس على أنها قضية قومية أو قضية تخص طرفا دون آخر، فهي قضية وطنية أردنية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأمن الوطني الأردني. ولم يكن قرار الأردن بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية باستثناء القدس والأماكن والمقدسات الإسلامية في الضفة الغربية إلا لسحب البساط من تحت أقدام جميع الراغبين في اللعب على التناقض الفلسطيني - الأردني، بشأن السيادة على الضفة الغربية والقدس وصد الأبواب أمام كل الساعين إلى توريط الأردن في تسويات بدلا من الفلسطينيين، ويعزز الثقة بين القيادتين الأردنية والفلسطينية ويؤسس لعلاقات أردنية - فلسطينية متكافئة وأخوية لها صفة الديمومة والسعي نحو علاقة مؤسسية مستقبلية بين شعبي البلدين وبملء إرادتهما الحرة، ويلغي إلى الأبد فكرة الوطن البديل. وقد استثنيت القدس من قرار فك الارتباط القانوني والإداري حفاظا على أماكنها المقدسة الإسلامية والمسيحية وتجاوبا مع واجب الهاشميين التاريخي في الوصاية على هذه المقدسات ورعايتها وهو ما كرسته اتفاقية الوصاية التي وقعها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في مارس العام الماضي لتكريس شرعية وقانونية هذه الوصاية الممتدة عبر التاريخ.
وقد حظيت القدس والمسجد الأقصى المبارك برعاية خاصة من الهاشميين من خلال أربعة إعمارات متميزة وعظيمة للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة في إطار عنايتهم الشاملة للمدينة المقدسة. ويعزز الإعمار الهاشمي في المدينة الهوية العربية الإسلامية لها في شقيها العمراني بإعادة بناء واستدامة المقدسات فيها وتقديم الدعم المالي والمعنوي بما يسهم في الإبقاء على أهلها صامدين.
فكانت الصناديق الهاشمية ولجان الإعمار الموجهة لهذه الغاية دلائل على نهوض القيادة الهاشمية بدورها الديني والتاريخي في استكمال مسيرة العهد والولاء لمدينة المساجد.
ويرى كنعان أن الدوافع الداخلية الأردنية والفلسطينية التي أملت هذه الاتفاقية من خلال تبديد الشكوك المتبادلة لدى الطرف الفلسطيني والأردني من خلال ضم كل منهما عضوا من الطرف الآخر في مفاوضاته مع إسرائيل التي كانت تعمل على الدوام على زرع الشكوك واستنبات عدم ثقة كل طرف بالآخر.
- رفض الأردن أن يكون بديلا للفلسطينيين في مفاوضات السلام ومقاومته بنجاح لكل محاولات استدراجه إلى الفخ الإسرائيلي بإغرائه باستعدادها لإعادة أجزاء من الضفة الغربية إليه ليكون الدرع الأمني لها في مواجهة الفلسطينيين.
- رفض الطرف الفلسطيني شعبا ومنظمة وفصائل كل محاولات إسرائيل لاستدراجه إلى الفخ الإسرائيلي من خلال مغريات الوطن البديل.
- امتناع الأردن على اللعب على الخلافات الفلسطينية الفلسطينية وانتهاجه سياسة تصالحية على صعيد الداخل الفلسطيني والعمل على إقناع الوسيط الأميركي والإدارات الأميركية المتعاقبة بأن مصالحها الحيوية الإقليمية والدولية تقتضي منها الضغط على إسرائيل لتمرير حل الدولتين بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة وقابلة للحياة على حدود الرابع من يونيو عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما نجح فيه إلى حد كبير. إذ إن الإدارات الأميركية على قناعة تامة بتشخيص الملك عبد الله الثاني لأم المشكلات وهي القضية الفلسطينية والطريق الموصل إلى حلها لا يمكن له أن يتعدى إقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية. كل هذه العوامل ساهمت في تبديد شكوك كل طرف بالآخر وعززت الثقة المتبادلة بين الطرفين وفتحت الطريق أمام تنسيق كامل لسياسة البلدين تجاه القضية الفلسطينية ودولتها المنتظرة، الأمر الذي بلغ قمته في توقيع هذه الاتفاقية.
ويضيف كنعان أن الأردن أثبت من خلال استثنائه للمقدسات الإسلامية وفي مقدمته المسجد الأقصى بمساحته الكاملة (144) دونما بأنه قادر على الحيلولة دون تمكن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، من وضع يدها على الأقصى والمقدسات الإسلامية وإلحاقها بوزارة الأديان الإسرائيلية. وهو قادر على الاستمرار في أداء واجبه الوطني والقومي والإسلامي نحوها لا سيما إذا تلقى الدعم اللازم من الأشقاء العرب والمسلمين ومن محبي السلام على الصعيد الدولي.
ويرى كنعان أن تراجع الكنيست عن مناقشة سحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، جنب إسرائيل ليس غضب المسلمين والمسيحيين فقط بل غضب المجتمع الدولي والدول الكبرى بالذات التي تحاول جاهدة عقد اتفاقية سلام دائم بين العرب وبينها من خلال قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأعرب كنعان عن أسفه بسبب التقصير العربي والإسلامي تجاه القدس وفلسطين.. متسائلا: أين تنفيذ قرارات القمم العربية والإسلامية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالقدس والمقدسات بالذات، مشيرا إلى أن الملايين التي تم تخصيصها من أجل القدس في قمة سرت والبالغة 500 مليون دولار لم يصل منها إلا نحو 40 مليون دولار أما المليار دولار التي خصصتها قمة الدوحة الأخيرة «فلا ندري كم وصل منها».
* نص اتفاقية الدفاع عن القدس
* نص اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات بين رئيس دولة فلسطين محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في 31 مارس (آذار) 2013:
يعمل جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بصفته صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس على بذل الجهود الممكنة لرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس وبشكل خاص الحرم القدسي الشريف وتمثيل مصالحها في سبيل:
(أ) تأكيد احترام الأماكن المقدسة في القدس.
(ب) تأكيد حرية جميع المسلمين في الانتقال إلى الأماكن المقدسة الإسلامية ومنها وأداء العبادة فيها بما يتفق وحرية العبادة.
(ج) إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية وصيانتها بهدف:
(1) احترام مكانتها وأهميتها الدينية والمحافظة عليهما.
(2) تأكيد الهوية الإسلامية الصحيحة والمحافظة على الطابع المقدس للأماكن المقدسة.
(3) احترام أهميتها التاريخية والثقافية والمعمارية وكيانها المادي والمحافظة على ذلك كله.
(د) متابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المختصة بالوسائل القانونية المتاحة.
(هـ) الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها وفقا لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.
2 - 2 يستمر ملك المملكة الأردنية الهاشمية، بصفته صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس ببذل المساعي للتوصل إلى تنفيذ المهام المشار إليها في المادة 2 - 1 من هذه الاتفاقية.
2 - 3 تعترف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور ملك المملكة الأردنية الهاشمية المبين في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة الثانية وتلتزمان باحترامه.
المادة الثالثة:
3 - 1 لحكومة دولة فلسطين، باعتبارها المجسدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ممارسة السيادة على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس.
3 - 2 يسعى ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس الفلسطيني للتنسيق والتشاور حول موضوع الأماكن المقدسة كلما دعت الضرورة.
تم تحرير هذه الاتفاقية باللغة العربية وتوقيعها في العاصمة الأردنية عمان هذا اليوم الواقع في 19 جمادى الأول 1434 للهجرة الموافق لـ31 آذار 2013 ميلادية