«أبواب البحر الأبيض المتوسط إسبانيا ولبنان» يحضر فيه بيكاسو وفيروز وسيرفانتس وجبران

يترجم في لوحاته علاقة وطيدة بين بلدين صديقين

رينالدو صايغ في معرضه «أبواب البحر المتوسط إسبانيا ولبنان» (رينالدو)
رينالدو صايغ في معرضه «أبواب البحر المتوسط إسبانيا ولبنان» (رينالدو)
TT

«أبواب البحر الأبيض المتوسط إسبانيا ولبنان» يحضر فيه بيكاسو وفيروز وسيرفانتس وجبران

رينالدو صايغ في معرضه «أبواب البحر المتوسط إسبانيا ولبنان» (رينالدو)
رينالدو صايغ في معرضه «أبواب البحر المتوسط إسبانيا ولبنان» (رينالدو)

الدخول من بوابات إسبانية إلى عالم لبناني بامتياز، هو الطريق التي اختارها الرسام التشكيلي «رينالدو صايغ» لمعرضه «أبواب البحر الأبيض المتوسط إسبانيا ولبنان».

يروي «صايغ» خلال المعرض قصصاً وحكايات حول علاقة انفتاح بين البلدين. البوابات مزخرفة بحب المتوسط، وترتبط بتاريخ لبنان. ومن دون تحيز أو أي انتماء يحيد عن حب الوطن، حمل رينالدو ريشته ومشى. توقف عند حقبات وتواريخ مختلفة تروي قصة وطن الأرز. فتح الأبواب الإسبانية أمام ريشته فدخلتها برسومات وألوان وأفكار أنيقة، تستوقف مشاهدها بأبعادها ورموزها وواقعيتها، كما تسرد قدر بلد عانى الأمرين. خاض المرارة من حلاوة الروح، ولكنه حافظ على ألوان الحياة فيه.

رينالدو يقدم نفسه في واحدة من لوحاته (رينالدو)

تبدأ هذه الحكايات من مطارح عدة، مثل بوابة السفارة الإسبانية في لبنان. من هناك يروي قصة حروب لبنانية، ومن أخرى تعود لمقطوعة موسيقية «كونشيرتو دي أرانجويز»، يذكرنا بصوت فيروز. وفي ثالثة يعبُر صايغ إلى تاريخ الموارنة من باب كاتدرائية سانتا ماريا الإسبانية. ومن ثم يحط رحاله في محطات أخرى، مثل الهجرة وطريق الحرير واللغة الفينيقية الأم. ومن أبواب إسبانية في غرانادا وبرشلونة وتوليدو وغيرها، يطل على موضوعات أكثر تشعباً وثراءً. يتنقل بين عبارات تدمج اللبنانية بالإسبانية. ويعرج على التمازج بين الأندلس والإسلام. ويحكي قصصاً عن الفيلسوف الإسباني سيرفانتس وجبران خليل جبران.

فيروز أيقونة فنية على باب إسباني (رينالدو)

السلام هو أكثر ما حاول إبرازه «رينالدو صايغ» في لوحاته. قام بأبحاث كثيرة غاص في تاريخ لبنان الحديث والقديم. قلّب في صفحات حضاراته ودول حكمته وأقفلت عليه الأبواب لفترة. وهو جريء بألوانه وفي عملية تنفيذه للوحاته، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أفكر كيف ومتى أستخدم هذا اللون أو ذاك. أحاول باستمرار الاستعانة بما هو موجود عندي. الأهم أن تكمل رؤيتي للوحة، وتأخذها إلى آفاق أرغب بها، حتى العبارات الموزعة هنا وهناك أكتبها بريشتي، فتولد هذا الالتصاق الروحي لمعاني العمل بالتوازي مع تصميمه وموضوعه».

بعفوية وتلقائية يوقع «رينالدو صايغ» لوحاته مما يحمّلها المفاجأة تلو الأخرى، وتطالعك في واحدة منها صورته، يدخل رينالدو من باب شخصيته ليعبر إلى الموسيقى والرقص، ويلفتك بأن الباب الإسباني الذي يدخل منه مقفل. لماذا؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «لأنني في الحقيقة لا أجيد رقص الفلامنكو أبداً. هي آخر لوحة كما ترين أقدمها في هذه السلسلة. لقد فكرت فيما لو عندي شخصية مزدوجة. إحداها لبنانية وأخرى إسبانية. حملت آلة العود لتحرك مشاعر راقص الفلامنكو أمامي. وأشير بذلك إلى مشاعر مختلطة اجتاحتني. قد أتحول يوماً إلى راقص إسباني، ولكن ليس في هذه الحياة. اللوحة وعنوانها (الرقص والموسيقى) تشير إلى انفصالي عن شخصيتي في ظل معرض تطلّب مني جهداً كبيراً».

ويقام معرض «أبواب البحر الأبيض المتوسط إسبانيا ولبنان» في المعهد الثقافي الإسباني في بيروت. ويستمر إلى 30 أبريل (نيسان) لينتقل بعدها إلى مدينة طرابلس. هناك في مركز «عزم الثقافي» يفتح أبوابه من 2 إلى 9 مايو (أيار). وليتجه بعدها نحو ساحل البترون. فيقام في «فيلا باراديزو» في أسواق البترون القديمة من 10 حتى 15 مايو المقبل.

«الحرب الأهلية» لوحة تروي كل الحكاية (رينالدو)

وكل لوحة من لوحات «رينالدو صايغ» الـ12 ستستوقفك لسبب أو لآخر، وستحدث نفسك بأنها الأفضل، ولكن لا تلبث أن تبدل رأيك عند رؤيتك لأخرى. فريشته العابقة بالفن والموهبة والاحتراف تخرج عن المألوف. إحدى لوحاته وعنوانها «كونشيرتو لبيروت»، تنتصب فيها فيروز أيقونة الغناء في لبنان والعالم العربي. فمؤلف أغنيتها «لبيروت» الشاعر جوزيف حرب، رغب في أن تأخذ منحى النشيد الوطني. وتحقق ما أراده فيما بعد على أنغام موسيقى الإسباني جواكيم رودريغيز (كونشرتو دي أرانجويز). وصارت تواكب أي حدث حزين يشهده لبنان. وعلى خلفية اللوحة الملونة بالبنفسجي تسطع منها نوتات موسيقية. وقد نسخها صايغ بريشته من الورقة الأصلية لسلم النوتات الخاص بموسيقى رودريغيز.

ومتخذاً من رسم يرمز إلى إسبانيا لوّنه بوصفه وعاء زهور بالأزرق. تخرج منه أعلام أحزاب لبنانية شاركت في حروب لبنان. يروي صايغ في لوحة «الحرب الأهلية» قصة لبنان وحروبه منذ عام 1975 حتى اليوم. وتبدأ من حادثة بوسطة عين الرمانة التي حصدت 27 ضحية لغاية نهاية حرب سجلت عدد قتلى فاق الـ130 ألف ضحية. وتظهر فيها وجوه زعمائها وأشهر ضحاياها، وعناوين عريضة لصحف لبنانية. ومن باب السفارة الإسبانية في لبنان التي نالت حصتها من هذه الحرب تتوالى وجوههم. ففي عام 1989 راح ضحيتها سفيرها لدى لبنان أريستيغي.

ويذكر أن عمه والد زوجته الشاعر توفيق يوسف عواد. ومن بين الوجوه البارزة في اللوحة، ياسر عرفات ولوي ديلامار وبشير الجميل وإيلي حبيقة وكمال جنبلاط ورفيق الحريري وغيرهم. وترتفع فيها عمارات اشتهرت في تلك الحقبة، مثل برج المر، وبرج رزق وغيرهما. ويعلق صايغ: «هذه اللوحة تطلبت مني بحثاً معمقاً في تاريخ حروب لبنان. قرأت جميع صحف تلك الحقبة، وتوقفت عند كل محطة من محطات حرب طويلة».

وفي لوحة «الأمين» يستعير رينالدو صايغ صورة من مدينة توليدو الإسبانية. ويبرز فيها الكنائس والمساجد والبيوت للطائفة الدرزية في بيروت. ويدخلها من باب هذه المدينة التي اشتهرت بجمعها تحت سقفها الأديان المختلفة. «استوحيت من باب كاتدرائية (سانتا إيغليزيا) في توليدو موضوع لوحتي هذه. وأشرت عبرها إلى التعددية الطائفية في لبنان. واستحدثت هذه الفسحة البيضاء من تحتها لتنتهي عند رأس اللوحة بكفتي ميزان. أترجم فيها ضرورة إيجاد التوازن فيما بينها حفاظاً على السلم المعيشي».

وتطول لائحة لوحات رينالدو صايغ، بحيث لا تستطيع اختصار معانيها ورموزها بكلمات قليلة، كأنها فيلم سينمائي طويل يتألف من أجزاء شيقة، تدفعك لإكمالها حتى النهاية.

جبران خليل جبران الذي يحتفل بكتابه «النبي» في 23 أبريل من كل عام في دول عدة يقدمه الرسام اللبناني بتغليفة إسبانية. وهو التاريخ نفسه الذي يحمل ذكرى وفاة أحد كتابها المشهورين سيرفانتس. ومن باب الأزرق المتوسط يتلاقى «النبي» مع «دون كيشوت». أما العلاقة بين إسبانيا ولبنان فتتجلى بعبارات وكلمات وزعها صايغ على لوحة «الإسبانية والعربية» مقسمة إلى مربعات، كأنها لعبة «السكرابل» التثقيفية تتألف مشهديتها.

وقد حاكها كأنها فسيفساء للغتين مجاورتين في المتوسط. وفي أعلاها يلفتك رسم سعيد عقل مطلق الأحرف اللاتينية بوصفه أساساً للعربية. فتدرك أن كلمات مثل «ألجيبرا»، و«جيرافا»، و«بتنجانا»، و«قرية»، و«فلانو»، وغيرها هي إسبانية ولكنها تشتق من العربية.

ومن رحلات الفنان الإسباني بيكاسو في مراحل مختلفة من حياته، ينقل قصة هجرة اللبنانيين من بلادهم. وتأتي انعكاساً لحالة اللاستقرار التي يعيشونها عبر التاريخ.

بحر من المعلومات والفن التشكيلي والتصاميم الإبداعية يتركها معرض «رينالدو صايغ» عند زائره. ولا بد أن يدرك إثر مغادرته المكان بأن مقولة «الحكي لا يفي بالمشهد» هو أمر حقيقي وواقعي. فـ«أبواب البحر الأبيض المتوسط إسبانيا ولبنان» معرض يستحق التوقف عنده.


مقالات ذات صلة

أسترالي فَقَد ساقه بهجوم قرش يتعهَّد بركوب الأمواج «قريباً جداً»

يوميات الشرق أقوى من مباغتات القدر (مواقع التواصل)

أسترالي فَقَد ساقه بهجوم قرش يتعهَّد بركوب الأمواج «قريباً جداً»

عبَّر راكب الأمواج الأسترالي كاي ماكنزي (23 عاماً) عن امتنانه للدعم اللامحدود بعد هجوم تعرَّض له من «أكبر قرش رأيته على الإطلاق».

«الشرق الأوسط» (سيدني)
يوميات الشرق المتحف يتراجع عمّا ارتكبه (أ.ب)

متحف في دبلن يزيل تمثالاً أظهر المغنّية شينيد أوكونور أشبه بـ«روبوت»

تسبَّب سيل من الانتقادات الحادّة بإزالة تمثال من الشمع للمغنّية الآيرلندية الراحلة شينيد أوكونور من متحف الشمع الوطني الآيرلندي في دبلن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يستطيع الفنّ أن يُنقذ (إكس)

معرض هولندي زوّاره مُصابون بالخرف

لم تكن جولةً عاديةً في المعرض، بل مثَّلت جهداً متفانياً للترحيب بالزوّار المصابين بالخرف ومقدِّمي الرعاية لهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الحبّ يقهر الزمن (أ.ب)

لمُّ شمل أميركية وكلبها بعد فراق 9 سنوات

انهارت جوديث موناريز بالبكاء لتلقّيها عبر بريدها الإلكتروني خبر العثور على كلبها «غيزمو» المفقود منذ 9 سنوات، حياً.

«الشرق الأوسط» (لاس فيغاس)
يوميات الشرق مقدمة مسلسل «عائلة الحاج متولي» (الشرق الأوسط)

«أغاني المسلسلات»... سرد موسيقي يُعيد إحياء روائع الدراما العربية

لطالما ارتبط الجمهور بأغنيات مقدمات أو نهايات مسلسلات عربية، وخلد كثيرٌ منها في ذاكرته، مثل المسلسل الكويتي «خالتي قماشة»، والمصري «عائلة الحاج متولي».

إيمان الخطاف (الدمام)

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».