قبل أن يصحو السوريون في مناطق الحكومة من صدمة تكاليف عيد الفطر، استيقظوا صباح الاثنين على قرار جديد للحكومة برفع أسعار المحروقات.
ولاقى القرار استياءً كبيراً في الشارع لما تسببه هكذا قرارات من قفزات كبيرة في الأسعار، تدفع بمزيدٍ من الأسر إلى ما تحت خط الفقر، فيما وصف خبير اقتصادي استمرار صدور هذه القرارات بـ«الحريق الذي يلتهم الغابة بينما أصحابها ينتظرون وصول سيارات الإطفاء».
كانت محطات توزيع المحروقات قد توقفت عن العمل في العاصمة دمشق، مساء الأحد، لتصدر وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، منتصف الليل، قرار رفع أسعار المحروقات فيما بات يعرف في الأوساط الأهلية بـ«قرارات آخر الليل»، ذلك أن جميع تلك القرارات تصدر في هذا التوقيت.
الأسعار الجديدة
وحددت نشرة الأسعار الجديدة سعر مبيع اللتر الواحد من مادة البنزين (أوكتان 90) بـ11500 ليرة سورية بدلاً من 11 ألفاً، وسعر مبيع لتر البنزين (أوكتان 95) بـ14290 ليرة سورية بدلاً من 13985 ليرة، وسعر مبيع لتر المازوت (الحر) بـ13540 ليرة بدلاً من 12100 ليرة، وسعر طن الفيول بـ8 ملايين و690 ألفاً و595 ليرة، وسعر مبيع طن الغاز «السائل الدوكما» بـ11 مليوناً و361 ألفاً و545 ليرة. ويبلغ سعر الدولار في السوق السوداء 14200 ليرة، وسعره الرسمي 13500 ليرة.
القرار السابع
القرار الذي يعد السابع من نوعه منذ بداية العام الحالي، قُوبل باستياء وغضب كبيرين في الأوساط الأهلية. صاحب سيارة قديمة ينتظر دوره أمام «محطة غرب الميدان»، جنوب دمشق، أوضح أن قيمة التعبئة الواحدة البالغة 287 ألفاً و500 ليرة تتسبب له بـ«صداع». ويقول: «تكاليف العيد أرهقت الناس، وهذا القرار كسابقاته سيؤدي إلى رفع أجور النقل والمواصلات وكل الأسعار. والحكومة بهذه القرارات تؤكد أن الموطن آخر همها وتقول للناس: دبروا أموركم. والبعض يدبر أمره بـ(الرشوة والسرقة) وآخرون تأتيهم حوالات (من اللاجئين في الخارج)، ولكن هناك من لا يرضى بالحرام ولا تأتيه حوالات فكيف يعيش؟!».
فقدان الأمل
وكانت الوزارة قد أعلنت في الثلث الأخير من العام الماضي عزمها إصدار نشرة أسعار دورية للمشتقات النفطية الخاصة بالقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى، بناءً على واقع الأسعار، علماً بأن سعر البنزين المدعوم ارتفع 11 مرة خلال العام الماضي، بنسبة ارتفاع تجاوزت 300 في المائة.
ومع كل رفع لأسعار المحروقات تحدث موجة ارتفاع بالأسعار وزيادة في التضخم.
وقدرت صحيفة «قاسيون» المحلية، مطلع العام الحالي، متوسط تكاليف المعيشة في الشهر لأسرة من 5 أفراد، بأكثر من 12 مليون ليرة، أي ما يعادل 850 دولاراً، في حين لا يتجاوز مرتب موظف في الدرجة الأولى بالحكومة 450 ألف ليرة، ما أدى إلى تفاقم ظاهرة الرشوة بشكل غير مسبوق في الدوائر الحكومية.
وتلقي الحكومة بالمسؤولية كاملةً عن تدهور الوضع الاقتصادي على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، لا سيما «قانون قيصر» الأميركي الذي فرض عام 2020.
وبسبب ازدياد صعوبة الوضع المعيشي وفقدان الأمل بحدوث أي تحسن، يندفع الشباب إلى نوافذ الهجرة. شاب في منتصف العقد الثالث يتساءل، تعليقاً على القرار الجديد: «هل هي سياسة تطفيش؟». ويؤكد أنه لن يبقى يوماً واحداً في البلاد عندما تتاح له الفرصة للهجرة لأنه «لم تعد هناك أي إمكانية للعيش هنا».
تعميق المشاكل
وعلق الخبير الاقتصادي عامر شهدا على قرار رفع أسعار المحروقات، وكتب عبر «فيسبوك»، «إن الاعتماد على رفع الأسعار لتلافي الإصدار النقدي والاستدانة وتعويض تراجع الموارد ما هو إلا تعميق للمشاكل الاقتصادية وتمتين لأسس الاقتصاد النقدي، ومساندة عملية القضاء على الاقتصاد التنموي من خلال رفع تكاليف الإنتاج ومعدلات الأسعار والتضخم وإضعاف الليرة السورية ورفع معدلات الفقر يعطي صورة واضحة أن الحديث عن استثمار ومشاريع تنموية وتحقيق موارد ضرب من الخيال وبعيد عن الواقع».
وقال: «ليس من شأن الحريق أن ينتظر سيارات الإطفاء، فالقرارات مستمرة كالحريق الذي يلتهم الغابة وأصحابها ينتظرون وصول سيارات الإطفاء».
كسر ظهر المواطن
خبير آخر عدَّ أن أسعار المحروقات في مناطق الحكومة باتت أغلى مما هي عليه في دول الجوار، وقال لنا: «هذه القرارات تفاقم من فقر الأسر المعدمة أصلاً وتزيد من نسبة الفقراء، والحكومة تقول إنها تستورد المحروقات بالعملة الأجنبية، وبالسعر العالمي، وهذا الكلام غير دقيق لأن جزءاً كبيراً من المحروقات تشتريه بأقل بكثير من السعر العالمي»، في إشارة إلى كميات النفط التي تشتريها من «الإدارة الذاتية» لشمال وشمال شرقي سوريا التي تسيطر على معظم وأكبر حقول النفط.
وعدَّ أن قرار رفع أسعار المحروقات الذي صدر العام الماضي بنسبة مائة في المائة «كسر ظهر» المواطن كونه رفع عموم الأسعار أكثر من مائة في المائة مرة واحدة، وعمق من فقر الأسر بسبب تضخم تكاليف المعيشية أكثر. وأوضح أن الحكومة لم تكتف بذلك القرار وباتت بشكل شبه أسبوعي ترفع أسعار المحروقات، بينما المواطن يغرق أكثر في الفقر.