كيف يؤثر حجب «ميتا» أخباراً تتعلق بالمناخ على تداول المعلومات؟

شعار شركة «ميتا» (رويترز)
شعار شركة «ميتا» (رويترز)
TT

كيف يؤثر حجب «ميتا» أخباراً تتعلق بالمناخ على تداول المعلومات؟

شعار شركة «ميتا» (رويترز)
شعار شركة «ميتا» (رويترز)

أثارت اتهامات وجهتها مؤسسة صحافية «غير ربحية» في الولايات المتحدة الأميركية لشركة «ميتا» حول حجب منشورات وأخبار تتعلق بالمناخ، مخاوف بشأن مستقبل تداول المعلومات على منصات الشركة العملاقة. وكانت «ميتا» قد اعتذرت أخيراً بعد حجب روابط لصحيفة غير ربحية عقب نشر تقرير انتقد «فيسبوك» بشأن منشورات تتعلق بتغير المناخ، بيد أنها نفت فرضها رقابة على المحتوى، وبرّرت ما حدث بأنه «مشكلة أمنية» غير متعمدة.

صحيفة «كانساس ريفليكتور» الأميركية كانت قد ذكرت أن ثمة 6 آلاف قصة صحافية جرى حجبها من قبل منصات «ميتا» لمدة سبع ساعات. وأضافت أن أي شخص حاول إعادة نشر الروابط المحجوبة كان يُقابل بتحذير من أن الموقع يشكل خطراً أمنياً، وقيل لجمهورها إن الروابط تحتوي على برامج ضارة محتملة. وحسب الصحيفة عادت الروابط بعد ذلك باستثناء رابط واحد لمقال رأي انتقد سياسات «فيسبوك» بشأن الإعلانات الترويجية المدفوعة.

في ضوء ما حدث، في حين عدّ بعض الخبراء أن ما وقعت فيه الشركة العملاقة المالك لأبرز منصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، و«إنستغرام» و«واتساب» و«ثريد» يهدد صدقيتها، ويثير المخاوف بشأن قضية مركزية السلطة في وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن شركة «ميتا» التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، تسيطر على الحصة الأضخم من منصات التواصل بـ4 مليارات مستخدم نشط شهرياً على منصاتها، ويمثل «فيسبوك» وحده 3 مليارات، ما قد يؤدي إلى مركزية الملكية الرقمية، وإحداث ضرر في قضايا لها تأثير على حياة البشر الفعلية. ومن ناحية ثانية، كانت شبكة «سي إن إن» الأميركية نشرت تحقيقاً حول الواقعة، وأشارت إلى محاولة التواصل مع «ميتا» احتراماً لحق الرد حول الاتهامات الموجهة إليها «غير أنها لم تستجب»، بينما كتب شيرمان سميث، رئيس تحرير صحيفة «كانساس ريفليكتور»، في مقال رأي، أن الناطق باسم «فيسبوك» آندي ستون «لم يوضح كيفية حدوث الخطأ، وأنه لن يكون هناك أي تفسير آخر».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدربة في الإعلام ومواقع التواصل - وهي أيضاً مديرة تسويق رقمي - علّقت لـ«الشرق الأوسط» على ما حدث من «ميتا»، بقولها إن «الأمر ليس مفاجئاً... وحرب غزة كشفت لا حيادية (ميتا) وخطورة القوة التي تمتلكها. إذ شاهدنا خلال الشهور الماضية حذفاً متعمداً لأي محتوى يحمل كلمة فلسطين». غير أن البنا عدّت في المقابل «أن السلوك هذا رغم خطورته يشكّل فرصة لتعزيز الوعي لدى المستخدمين». وقالت: «أصبح لدى المستخدم الوعي الكافي بأن هذه المنصات التي يحصل منها على المعلومات ليست بالديمقراطية التي كان يظنها».

وتابعت البنا، فذكرت أن الإطار التنظيمي لممارسات منصات التواصل الاجتماعي «بات حتمياً... وانعدام الحياد، وتبعات الاستحواذ تدفعان الرأي العالمي نحو حتمية ضبط المشهد بأطر تنظيمية ذات طابع إلزامي تحمي حقوق المستخدمين في الوصول للمعلومات من دون حجب متعمد أو سياسة نشر مُوجه وفقاً لصالح شركات أو دول». ثم تابعت أن «الأمر يمكن تهذيبه بسن قوانين، على شاكلة ما حدث مع الإعلام على مدار سنوات... ويمكن القول إن الدول والمؤسسات الدولية نجحت في ضبط وتقنين أنماط تداول ونشر المعلومات بما لا يضر بالصالح العام، حتى وإن استمرت بعض التجاوزات، التي لا يمكن مقارنتها بما نشهده على منصات التواصل الاجتماعي حالياً».

غير أن الصحافية والمدربة اللبنانية عدّت أن ضمانات الحد من تبعات الاستحواذ على نحو «صارم وقاطع كلام بعيد عن الواقع». وأوضحت: «علينا أن نتعاطى واقعياً مع استحواذ (ميتا) على الحصة الأكبر من المعلومات، ومنها بيانات المستخدمين الشخصية، وهي الأكثر خطورة، ثم إنه ليس هناك من حلول جذرية ترغم الشركة على نمط تداول المعلومات إلا الأُطر التشريعية الدولية... وبالتالي، فإن تعزيز المنافسة هو سبيل آخر للحد من تبعات مركزية القرار في العالم الرقمي، سواء من خلال دعم منصات بالفعل لها ثقل في سوق التواصل الاجتماعي مثل (إكس)، أو خروج منصات جديدة بشرط أن تجذب الجمهور، ومن ثم إجبار (ميتا) على التنافس والخضوع لرغبات المستخدم».

في سياق موازٍ، حول الدعاوى القضائية المتكررة التي رفعتها أخيراً مؤسسات، وربما دول، ضد ممارسات «ميتا»، أفادت البنا بأن «ميتا» تجد نفسها الآن «في أزمة، دون شك، بعد ملاحقات قضائية متتالية... وهو أمر أتوقع أن يدفع بها نحو تغيير، ولو طفيف في نمط التعامل مع المعلومات. وربما نشهد نسبياً ممارسات أكثر شفافية خلال الفترة المقبلة لحماية مصالحها ووجودها، غير أن هذا لا يعني أن تصل الشركة إلى ما نطمح فيه من الحرية والمصداقية والشفافية».

ما يستحق الإشارة أن «فيسبوك» كانت قد واجهت انتقادات من قبل الحكومة الماليزية خلال أبريل (نيسان) الحالي. وقال بيان لهيئة تنظيم الاتصالات والشرطة الماليزية نشرته «رويترز» أخيراً، إنه سيصار إلى تعزيز المراقبة على «فيسبوك» بعد زيادات حادة في نشر محتوى وصفه البيان بـ«الضار للمجتمع». وأضاف البيان أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 أحالت الحكومة الماليزية 51638 منشوراً إلى منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منصات تابعة لـ«ميتا» لاتخاذ مزيد من الإجراءات بغرض حماية المستخدم.

أيضاً، تعرضت «ميتا» لانتقادات خلال الشهر الحالي بسبب قرار خفض الحد الأدنى لسن استخدام «واتساب» من 16 إلى 13 سنة، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الخميس الماضي. وعدّت مجموعة حملة «الجوال الذكي من أجل الطفولة الحرة» في بريطانيا، أن الخطوة التي اتخذتها شركة «ميتا» التي تمتلك أيضاً «فيسبوك» و«إنستغرام»، كما سبقت الإشارة تشير إلى أن الشركة «تضع أرباح المساهمين في المقام الأول وسلامة الأطفال في المرتبة الثانية».

استطراداً، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، رأى فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن ما حدث أخيراً من «ميتا» ليس الواقعة الأولى التي تهز الثقة في مصداقية «ميتا» ومنصاتها، بل سبقتها وقائع مماثلة «الأمر الذي يثير القلق بشأن توجيه الرأي العام العالمي تجاه قضايا حثيثة، مثل المناخ أو حقوق الطفل». وأشار رمزي في هذا الصدد إلى «تقرير مصدره (ميتا) نفسها كان قد عُرض أمام الكونغرس الأميركي قبل سنتين في معرض دفاع الشركة عن نفسها إثر اتهامها بالاحتكار وإلحاق الضرر بمعايير المنافسة العادلة في السوق العالمية». وتضمن التقرير «بيانات حول آلية عمل الخوارزميات والتي تتحرك وفقاً لمصلحة الشركة - حسب تعبيرها - ومن ثم حجب أنماط معينة من المحتوى، مثل المحتوى العنيف». وأشار التقرير أيضاً إلى أن الخوارزميات يمكنها «خفض أو زيادة إمكانية الوصول للمستخدمين وفقاً لتقييم المنصة».

ومن ثم، عدّ رمزي أن ما يثير القلق كذلك هو علاقة «ميتا» بالأخبار، «فقبل سنوات كان (فيسبوك) مصدر انتشار وربح يستحيل تجاهله من قبل أي ناشر، نظراً لقبضته على أكبر عدد من المستخدمين، غير أن هذه العلاقة تراجعت وباتت المنصة لا تخفي تراجعها عن دعم الأخبار». وبالفعل، جاء في التقرير السنوي حول «اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا» لعام 2023 الصادر عن معهد «رويترز لدراسة الصحافة» التابع لجامعة أكسفورد، أن «21 في المائة من مستخدمي (فيسبوك) باتوا يرون أن المحتوى الإخباري على المنصة غير ضروري». وكذلك عززت بيانات التقرير اتجاه تراجع اهتمام «فيسبوك» بالأخبار، وذكر التقرير حينها أن نسبة مستخدمي «فيسبوك» الباحثين عن محتوى الأخبار آخذة في الانخفاض.

أما عن مواجهة استحواذ «ميتا» على المعلومات، فيرى رمزي أنه «بات إلزامياً على صُنّاع الأخبار البحث عن موطئ قدم في منصات أخرى... وعلى الناشرين الآن إصدار أخبار بأنماط تناسب المنصات المنافسة لشركة (ميتا)، وإلا ستتراجع الصناعة وتتقيد أكثر بقرارات (ميتا) المجحفة». ويدحض مستشار الإعلام الرقمي المصري فكرة الضمانات الإلزامية لمنصات التواصل، قائلاً إنه «لا يوجد أي ضمانات تحمي حرية تداول المعلومات إلى الآن، غير أن الحكومات الكبرى تستطيع تغيير هذه المعادلة من خلال الضغط على شركات التكنولوجيا العملاقة للتوقيع على معايير منظمة تضمن تدفق المعلومات من دون تقييد، وتعزز المنافسة العادلة كذلك».



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحد من «المعلومات المضللة»؟

شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحد من «المعلومات المضللة»؟

شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» يظهر على شاشة هاتف جوال (أ.ف.ب)

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحد من انتشار «المعلومات المضللة». يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مررتها المنصة الأشهر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة رغم تقييد الإعلانات.

وأعلنت «فيسبوك» نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» «غير متمرسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، الدكتور حسن مصطفى، عدّ قرار «ميتا» «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «(ميتا) تخشى من الاتهام بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع خلال الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما أنه تم اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحد من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال (المعلومات المضللة) تحدياً قائماً رغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار (الأخبار الكاذبة)». وعدّد دور الشركة في هذا الصدد بقوله: «قامت (ميتا) بتعزيز التعاون مع جهات خارجية للتحقق من صحة الأخبار؛ حيث تعتمد الشركة على منظمة (FactCheck) وشبكات من المؤسسات المستقلة للتحقق من الأخبار التي يتم تداولها عبر المنصة».

واستشهد أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»، «حيث تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرف على بعض الأنماط المتكررة للمحتوى المسيء وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر». غير أنه عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، وأشار إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة أو فهم السياقات الثقافية المعقدة، ما يجعل من الصعب وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص (خطاب الكراهية)».

وكانت المنظمة الدولية «جلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرة على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضللة الضارة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنة بمنصة مثل «تيك توك»، غير أن التقرير لم ينفِ التورط في نشر «معلومات مضللة» رغم القيود، وذكر التقرير أن «(فيسبوك) وافق على واحد من بين ثمانية إعلانات اختبرت بهم المنظمة قيود المنصة للحد من (المعلومات المضللة)»، ما عدّته المنظمة «تحسناً ملحوظاً مقارنة بأداء المنصة السابق»، ومع ذلك قالت إن هذا التحسن لا يزال غير كافٍ.

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية» إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في مصر والمملكة العربية السعودية، خالد عبد الراضي، علّق على قرار «ميتا»، بالقول إننا بصدد محاولات عدها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهي مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادة في الحد من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدية من خلال تقييد أي منشور موجه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضللاً وزائفاً تمت صناعته بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي لـ«الشرق الأوسط» أن «(ميتا) لم تقم بفرض قيود على الإعلانات بشكل عام، بينما على نوع واحد فقط، وهي الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام». ودلل كذلك على عدم جدية «ميتا»، بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادة من بينها توظيف (فرق السلامة) والمعنية بمراجعة النصوص للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن هذه (الفرق) تم (إنهاء عملها) لاحقاً، ما يشير إلى عدم جدية ادعاءات المنصة».