تقطن ليلى السيدة، التي اقتربت من عمر الـ70 عاماً، في شقتها تتابع بكثبٍ المناقشات التليفزيونية والأحاديث عن تعديلات قانون الإيجار القديم، السيدة التي عملت موظفةً في جهة حكومية وتقاعدت قبل نحو 9 سنوات، تعيش في العقار المكون من شقتين فقط ومحل تجاري بالأسفل، وتسدد شهرياً عن الشقة التي استأجرها والدها عام 1945 ثلاثة جنيهات (الدولار يساوي 47.50).
تشعر ليلى التي تقيم في محافظة بني سويف بصعيد مصر بالقلق مثل غيرها من آلاف سكان العقارات المستأجرة وفق قانون «الإيجار القديم»، الذي يمنح المستأجر الحق في البقاء بالوحدة السكنية مدى الحياة على أن يقوم بتوريثها إلى الجيل الأول من أبنائه مع الالتزام بسداد القيمة الإيجارية نفسها من دون تغيير.
وتخشى ليلى التي ترفض مغادرة منزلها حتى مع عرض مالكي المنزل عليها تعويضاً مالياً لترك العقار المتهالك لعدم رغبتها في الابتعاد عن البيت الذي عاشت وتربت فيه في سنوات عمرها الأخيرة، في وقت يسعى ورثة المالك لهدم العقار القديم وبنائه من جديد.
خوف ليلى هو الشعور نفسه الذي عبّرت عنه الفنانة المصرية نجوى فؤاد في تصريحات تليفزيونية مؤخراً، بقلقها من هدم العقار الذي تقيم فيه وفق قانون «الإيجار القديم» منذ سنوات، خصوصاً أنه مطل على نهر النيل بجوار مبنى ماسبيرو (وسط القاهرة)، مع عدم قدرتها على شراء شقة في المنطقة نفسها بسبب زيادة الأسعار.
ولا توجد إحصائية دقيقة عن أعداد المنازل التي تخضع لقانون «الإيجار القديم»، ففي الوقت الذي يقول فيه بعض مالكي منازل الإيجارات القديمة إن عددها يقدر بـ3 ملايين وحدة فقط، يشير عدد من المستأجرين إلى أن عددها يصل إلى 10 ملايين وحدة، وهو تضاربٌ في الأرقام دفع مجلس النواب لمخاطبة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بتقديم إحصائية حول عدد الوحدات التي تخضع لقانون «الإيجار القديم».
ومن المنتظر أن تعقد لجنة الإسكان بمجلس النواب، عقب إجازة العيد، اجتماعاً لمناقشة القانون والتعديلات المقترحة عليه، مع وضعه على أولويات الفصل التشريعي وفق تصريحات عدة نواب بالمجلس.
لكن رئيس لجنة الإسكان، النائب محمد عطية الفيومي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن موعد إقرار التعديلات غير محدد بشكل واضح، بسبب الحاجة لمناقشة القانون ومقترحات التعامل معه بشكل تفصيلي، ومن دون استعجال حتى تخرج التعديلات بشكل قابل للتنفيذ، مشيراً إلى أن اللجنة في انتظار موافاتها ببيانات تفصيلية طلبتها من جهات حكومية عدة، وصل بعضها ولم يصل البعض الآخر.
وأضاف أن مسألة حسم القانون خلال دور الفصل التشريعي الحالي للمجلس لا يمكن الجزم بها، لأن التعديلات يجب أن تمر بعدة مناقشات ومراحل للانتهاء منها، مشدداً على أن توقيت إقرار التعديلات لا يمكن تحديده من دون استكمال مناقشاته وكتابة الصياغات الخاصة به.
ويؤكد المستشار القانوني لجمعية «المضارين من الإيجار القديم» الدكتور أحمد البحيري لـ«الشرق الأوسط»، أن المسألة لن تستغرق أكثر من شهور مع وجود تحركات حكومية جدية لإنهاء مشكلات القانون، في ظل وجود توجيهات رئاسية بالعمل على إنهاء المشكلة في أقرب وقت.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي طالب خلال مؤتمر «حكاية وطن» مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بضرورة وجود «قانون قوي وحاسم وسريع» لمعالجة مشكلة العقارات المطبق عليها قانون «الإيجار القديم»، مع تقدير عدد الوحدات المغلقة بسبب القانون بمليوني وحدة تقدر قيمتها بتريليون جنيه».
ويرجع المستشار القانوني لـ«اتحاد مستأجري مصر»، المحامي شريف الجعار، جزءاً من تعثر المناقشات حول القانون لحديث ملاك الوحدات المؤجرة وفق القانون عن إخلائها خلال مدة زمنية، وليس تنفيذ زيادة تدريجية في قيمة الإيجارات، مؤكداً وجود آلاف الأسر التي ليست لديها عقارات تمتلكها ويمكن أن تنتقل إليها.
ويشير البحيري إلى وجود مشروع حكومي بشأن التعامل مع القانون سيكون على غرار ما جرى في الوحدات غير المخصصة للسكن، مع تحديد مدة انتقالية لإخلاء الوحدات وتسليمها للملاك وورثتهم على أن تكون هناك زيادة سنوية في قيمة الإيجار بنسب محددة خلال المدة المتبقية لإخلاء الوحدات.
ويؤكد البحيري أن تطبيق القانون سيؤدي لزيادة المعروض من الوحدات السكنية، خصوصاً في الأماكن السكانية المكتظة وسط المدن مما سيكون له تأثير بتخفيض قيمة الإيجارات مع زيادة المعروض، فضلاً عما سيدخل لخزانة الدولة مع إنهاء إعفاء هذه الوحدات من الضريبة العقارية.
وكان مجلس النواب أقر تعديلاً على قانون «الإيجار القديم» لـ«الأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكني»، عام 2022 وهو التعديل الذي سمح بزيادة الإيجارات القديمة للأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية للاستخدام غير السكني بنسبة 15 في المائة سنوياً لمدة 5 سنوات على أن تنتقل بعدها الوحدة إلى المالك بقوة القانون.
لكن المستشار القانوني لـ«اتحاد مستأجري مصر» يؤكد عدم دستورية الحديث عن إصدار قانون يتضمن إخلاء للوحدات السكانية من شاغريها حتى لو بعد سنوات استناداً لحكم سابق للمحكمة الدستورية ينص صراحة على عدم جواز إخراج الساكن أو ورثته من الجيل الأول من العقار المستأجر، مشدداً على أنهم سيلجأون للقضاء حال توجه البرلمان لإصدار تعديلات القانون بنفس آلية التعامل مع الوحدات المخصصة للأغراض غير السكنية المؤجرة لصالح أشخاص اعتبارية.