الصالون الدولي للكتاب في الجزائر.. دورة ناجحة رغم النواقص

شارك فيه 290 ناشرًا جزائريًا و620 عربيا وأجنبيًا

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

الصالون الدولي للكتاب في الجزائر.. دورة ناجحة رغم النواقص

جانب من المعرض
جانب من المعرض

لم يكن العجز عن تصريف مياه الأمطار الغزيرة والمواكب الرسمية والحوادث المميتة الناتجة عما أصبح يطلق عليه بإرهاب الطرقات هذه المرة سببا في اختناق المرور الذي أصبح كابوسا يوميا لدى الجزائريين خلال الأعوام الأخيرة، بل إنه الكتاب هذه المرة في صالونه الذي احتضنه قصر المعارض بناحية الصنوبر البحري الواقعة شرق العاصمة الجزائرية بين التاسع والعشرين من الشهر الماضي والسابع من الشهر الحالي. وعرفت الدورة الجديدة التي صادفت الذكرى الخامسة والخمسين لاندلاع الثورة الجزائرية مشاركة 53 بلدا (17 دولة عربية و17 دولة أفريقية من بينها 7 دول عربية و15 دولة أوروبية من بينها فرنسا ضيف الشرف)، وتمثلت هذه المشاركة عمليا في 910 عارضين و290 ناشرا جزائريا و620 أجنبيا استنادا لدليل الصالون الذي حمل شعار «20 عاما في الواجهة»، والمكتوب باللغات العربية والأمازيغية والفرنسية. وتضمن البرنامج العام للصالون عناوين فكرية وأدبية فرنسية بحكم رمزية بعض الكتاب الفرنسيين الذين وقعوا مؤلفاتهم وحاوروا معجبيهم، ومن هؤلاء ريجيس دوبريه الفيلسوف الكبير واليساري التائب، رفيق درب الراحل شي غيفارا ومستشار الرئيس الراحل فرنسوا ميتران، الذي وقع كتابه الأخير «السيدة أش» (أي التاريخ). الدار الفرنسية التي لخصت التأثير الإيجابي للمشاركة الفرنسية هي نفسها الدار التي ضمنت حضور بوعلام صنصال.
ومن العرب المقيمين في باريس، حضر الروائي السوري خليل النعيمي، ولكن غاب كثيرون مثل عيسى مخلوف وبن جلون وأمين معلوف وغالب بن شيخ وطارق رمضان وعبد النور بيدار ورشيد بن زين وصلاح ستيتيه الشاعر الفرنسي اللبناني الأصل الذي استغرب في حديث خاص مع كاتب هذه السطور عدم دعوته إلى الجزائر.
ويبرر مصطفى ماضي المسؤول عن البرمجة الثقافية سبب غياب كثير من الكتاب بمعضلة التأشيرات وبأسباب أخرى لم يذكرها.
على الرغم من حضور كتاب فرنسيين ممثلين للتخصص الأكاديمي الجاد من أمثال سطورا وغريميزان وكيبال وبونيفاس، فإن معظم الضيوف الذين جاءوا باسم فرنسا لم يعكسوا الرمزية التمثيلية المنتظرة فكريا وأدبيا التي تجسدها أسماء مثل جان دورميسون ولوكليزيو وأدغار موران وايمانوال طود وآلان باديو وإسماعيل قدري وكونديرا وجان دنيال وإيدوي بلينال وآخرين كثر، بل حضرت أسماء لا تتجاوز مستوى التوظيف الذي تمليه اعتبارات سياسية رغم أهمية بعضها أدبيا وفنيا.
وخصص الصالون جائزة تحمل اسم المبدعة الكبيرة الراحلة آسيا جبار تخليدا لذكراها، وفاز بها كل من أمين ايت هادي عن روايته «ما بعد الفجر» في صنف اللغة الفرنسية، ورشيد بوخروب في صنف اللغة الأمازيغية بروايته «تسليت نو غانيم (دمية قصبية)»، وعبد الوهاب عيساوي بروايته في صنف اللغة العربية «سلسلة جبال الموت». ومن الفقرات اللافتة في الصالون مشاركة ماتياس إينار، الفائز بجائزة غونكور هذا العام، بمحاضرة ألقاها بلغة المتنبي التي يعشقها.
واستطاع كثير من دور النشر العمومية والخاصة أن تمثل نفسها بمبدعين مخضرمين وشبان وبكتاب تناولوا التاريخ والسياسة والذاكرة الثقافية والتراثية والفنية والسير والأدب، ومن أبرزها نذكر «القصبة» التي راهنت على كتب هامة مثل «مذكرات» محمد السعيد معزوزي وزير العمل البومدييني، و«جزائرية» للمناضلة لويزة ايغيل احريز، و«المحمية» لعلي هارون المناهض للإسلاميين، والعضو السابق في حكومة الفقيد بوضياف، وكذلك فريدة سلال مؤلفة كتاب «أسوف». ومن الدور الأخرى، دور «الشهاب» و«المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية» و«الوكالة الوطنية للنشر والإشهار» و«البرزخ» و«الاختلاف» و«الحكمة» و«هومة» و«عالم المعرفة» و«ميديا بلوس» وغيرها من الدور التي عرفت إقبالا كبيرا ليس فقط بنوعية كتبها، بل بنوعية المثقفين والأدباء الذين حاضروا في أجنحتها وناقشوا قضايا ساخنة وحساسة. وراهنت هذه الدور على الخصوصية الإبداعية عند أسماء أدبية قديمة ومخضرمة وأخرى جديدة تكتب باللغة العربية كالسعيد بوطاجين وسمير قاسمي ومفتي بشير وعبد الرزاق بوكبة وأمين الزاوي وربيعة جلطي وفضيلة الفاروق عاشور فني وحبيب السايح وواسيني الأعرج ومحمد جعفر وأحمد طيباوي وهاجر قويدري وفتيحة نسرين وعبد القادر أوشن وخير الدين عمير وأمل بوشارب وفاطمة الزهراء زعموم ونورة حمدي ومحمد ماغاني وآخرين ممن يشكلون الموجة الروائية الجديدة. خلافا للحيوية التي عرفتها أجنحة الدور المذكورة، كان جناح اتحاد الكتاب الجزائريين يتيما ومعزولا بشكله البائس وبعناوينه.
ومن الدور العربية، انفردت دار «العبيكان للنشر» السعودية بكتب مترجمة إلى اللغة العربية لقادة وكتاب أميركيين كبار، أما دار «الكتب العلمية» فعرضت كثيرا من العناوين الدينية.
مهما يكن من أمر، وخصوصا بالنسبة لأسعار الكتب المرتفعة، تعد الدورة الجديدة لصالون كتاب الجزائر ناجحة مبدئيا رغم كل المآخذ المسجلة.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».