«السيدة زينب»... أيقونة «السياحة الشعبية» في مصر

يكتظ بالمساجد والمباني التاريخية والمطاعم الشهيرة

حي السيدة زينب (تصوير: محمد ورداني)
حي السيدة زينب (تصوير: محمد ورداني)
TT

«السيدة زينب»... أيقونة «السياحة الشعبية» في مصر

حي السيدة زينب (تصوير: محمد ورداني)
حي السيدة زينب (تصوير: محمد ورداني)

في هذا الحي المصري العتيق سياحة من نوع آخر، مزارات مغايرة لأي مكان آخر، إنه حي «السيدة زينب» جنوب القاهرة؛ حيث عراقة المكان، وخصوصية الهوية البصرية؛ وحميمية الروح الإنسانية. ستخوض هنا تجربة «السياحة الشعبية» أو للدقة «السياحة الفلكلورية»؛ فتتنقل داخل أزقة تفوح منها رائحة الماضي، تعيش في عالم الموشحات، وحلقات الذكر والموالد والحواة والمشعوذين والسقاءين، وستلتقي داخل الأزقة والدهاليز عادات وتقاليد سكان الأحياء القديمة والعمارة البدائية لبيوت عتيقة تحتضن بين جدرانها سحر الحكايات.

في شوارع «السيدة زينب» وميادينها سيستوقفك منظر عربات «الحنطور» وهي تقل السياح ليشاهدوا أماكن سطرت على أرضها صفحات لا تٌنسى من التاريخ، سيقترح عليك حتماً سائق العربة البدء بذلك الشارع المعروف عند عامة المصريين باسم «شارع السد»، وهو يحتل مكانة كبيرة عندهم، لا سيما في شهر رمضان؛ تلفه الأجواء الروحانية، وتقام في أرجائه شوادر الفوانيس.

«متحف جاير أندرسون» (صفحة على فيسبوك)

في هذا الحي يمثل التراث الغذائي المصري بين يديك؛ إذ يشتهر الحي العتيق بمطاعمه الشعبية المتنوعة وكأنها تسرد حكاية فلكلور الطعام، إلى حد أن شهرة تلك المطاعم وصلت إلى الأعمال السينمائية والدرامية، ومن أشهرها «كبدة فتحي».

أما إذا كنت تريد المزيد من تذوق ما يعرف عند المصريين بـ«الحلويات» وهي (الممبار، الفشة، الكوارع، الطحال، الكرشة، لحمة الرأس، والنيفة) فأنصحك أن تتوجه إلى مكان قريب من هذا الحي، وهو مسمط «بحة» بالناصرية، على أن تعود مرة أخرى إلى قلب «السيدة زينب»؛ لتواصل التواصل مع الفلكلور الغذائي؛ فتأكل من مطعم «الجحش»؛ فهناك ستستمتع بواحدة من أشهر الأكلات المصرية الشعبية، وهي الفول والطعمية، بينما ستجد رائحة الشواء والطواجن الغنية القادمة من «كبابجي الرفاعي» تدعوك إلى تناولها مع أطباق الملوخية وطاجن البامية باللحم الضاني، فضلاً عن المحاشي، وغير ذلك من أكلات محلية شهية.

ستأخذك منطقة «السيدة زينب» كذلك إلى رحلة بين الفنون اليدوية والحرف التقليدية؛ حيث تضم مجموعة كبيرة من الورش المتخصصة لمشاهير الأسطوات والفنانين، مثل «أيمن برويز» مبدع الزجاج المعشق، الذي طاف العالم بفنه الأصيل، وغيره كثيرون، ستجدهم يتيحون لك اقتناء روائع من «الهاند ميد» تجسد قِطعاً من التراث المصري.

«بيت السناري» من معالم الحي (تصوير: محمد ورداني)

المساجد الأثرية والأضرحة جانب آخر يتميز به الحي العتيق؛ ما يجعله قِبلة لعشاق السياحة الدينية أيضاً، حيث يوجد مسجد «السيدة زينب» الذي اشتق اسمه منه. ولا يمكن أن تزور «السيدة زينب» دون أن تشاهد النموذج الفريد في تاريخ العمارة الإسلامية، في مسجد «أحمد بن طولون» وسط الحي، فإلى جانب تميزه المعماري، يتمتع بتاريخ طويل؛ فهو ثالث مسجد بني في مصر الإسلامية بعد «عمرو بن العاص» في الفسطاط، وجامع «العسكر» في مدينة العسكر، اكتمل بناؤه عام 879م. وسيلفت نظرك عند زيارته تمتعه بالهوية المعمارية العراقية؛ بسبب تأثر بن طولون بنشأته في العراق، وظهور تلك المؤثرات على عمارة المسجد من ناحية التصميم والزخرفة على السواء.

أجواء فلكلورية تلفّ المكان (تصوير: محمد ورداني)

استكمل جولتك التاريخية الاستثنائية عبر زيارة «متحف جاير أندرسون» المعروف باسم «بيت الكريتلية» والمجاور للمسجد، وهو من المعالم الأثرية المهمة في الحي الشهير؛ لذلك أنصحك ألا تفوتك زيارته، هناك ستتعرف على قصة شيقة تخصه، وسر أنه يتكون من منزلين، ولماذا تقدم الضابط الإنجليزي جاير أندرسون باشا إلى لجنة حفظ الآثار العربية عام 1935 بطلب لاستئجارهما على أن يقوم بترميمهما وبتأثيثهما على الطراز الإسلامي.

ستبهرك داخله مجموعة نادرة من المقتنيات الأثرية ‏المصرية القديمة، والإسلامية، كان يمتلكها الضابط، فضلاً عن مقتنياته التي ترجع إلى عصور وحضارات من بلدان مختلفة، منها الهند، والصين، وتركيا، وإيران، وإنجلترا، ودمشق، وكأن حضارات العالم اجتمعت داخله، لا يقل روعة عن ذلك الطراز المعماري للمتحف - مساحته الكلية نحو 4000م - وستبهرك تفاصيل قاعاته (29 قاعة) المتميزة بأسقفها الخشبية المزدانة بالزخارف.

على بعد أمتار من مسجد «السيدة زينب»، يقع «درب الجماميز» الذي أُطلق عليه هذا الاسم؛ نظراً لأنه كان يضم عدداً كبيراً من أشجار «جماميز السعدية» منذ العصر المملوكي في مصر؛ حيث كان سكناً للأمراء والنبلاء، في عصور المماليك والعثمانيين والعلويين، وأقاموا به قصورهم ومنشآتهم الدينية؛ لذلك حين تزوره ستجد مباني قديمة متنوعة، وقد احتضن الدرب كذلك أول مدرسة للفنون الجميلة والتي تخرج فيها كبار الفنانين وأبرزهم الفنان محمود مختار؛ كما شهد أول مكتبة في تاريخ مصر وهي «الكتبخانة».

من مقتنيات «متحف جاير أندرسون» (صفحة المتحف على فيسبوك)

من أشهر الحكايات الشعبية المرتبطة بالحي، والتي يتداولها سكانه منذ مئات السنين، والتي سيقصها بالضرورة عليك أحدهم حين تزوره هي تلك الحكاية المرتبطة بـ«الحوض المرصود»، وهو كما جاء في كتاب «وصف مصر» تابوت فرعوني من الجرانيت الأسود، قام أحد بكوات المماليك بوضعه أمام جامع «سنجر الجاولي» في الحي، وكان الأهالي يملأونه بالمياه ليشرب منه المارة، ثم انتشر بين الناس، أن من يرتوي بمياهه يُشفي من أوجاع العشق والفراق!، ويقال إن مجموعة من الفرنسيين قاموا بتجربة تأثير مياهه بهدف الشفاء من الحب، واندهشوا لما حدث لهم!؛ فأطلقوا عليه اسم «ينبوع العشق»، وأطلق عليه المصريون اسم «الحوض المرصود» أي «الحوض المسحور»، إلا أنه لم يتبق منه سوى اسمه الذي أطلق على أحد مستشفيات القاهرة، وسيبلغك بعض أبناء الحي، بقية القصة، وهي أن علماء الحملة الفرنسية من فرط إعجابهم بالتابوت أخذوه معهم إلى باريس أثناء خروجهم من مصر سنة 1801مع حجر رشيد!

السقاءون من معالم الحي (تصوير: محمد ورداني)

من أهم النشاطات التي يمكن أداؤها في الحي هو التوجه إلى «بيت السناري»، وهو بيت أثري تابع لمكتبة الإسكندرية، يقيم الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية والفلكلورية، مثل المعارض والندوات والمحاضرات والعروض السينمائية.


مقالات ذات صلة

«سوق السفر العالمي» ينطلق في لندن والعيون على السعودية

سفر وسياحة وزير السياحة أحمد بن عقيل الخطيب يفتتح الجناح السعودي في «سوق السفر العالمي» بلندن (واس)

«سوق السفر العالمي» ينطلق في لندن والعيون على السعودية

انطلقت فعاليات معرض «سوق السفر العالمي» (WTM) في نسخته الـ44 في المركز الدولي للمؤتمرات والمعارض في إكسيل في شرق لندن وتستمر لغاية الخميس.

جوسلين إيليا (لندن)
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر (الشرق الأوسط)

«طيران الرياض»: 132 طائرة إجمالي طلبياتنا من «بوينغ» و«إيرباص»

قال نائب الرئيس للتسويق في «طيران الرياض» أسامة النويصر لـ«الشرق الأوسط» إن إجمالي عدد طلبيات الطائرات وصل إلى 132 طائرة.

عبير حمدي (الرياض)
خاص واجهة جدة البحرية

خاص الخطيب: السعودية تؤدي دوراً محورياً في تطوير السياحة العالمية المسؤولة والمستدامة

شدَّد وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب في حديث مع «الشرق الأوسط» على أن المملكة تلعب دوراً محورياً في قيادة تطوير السياحة العالمية المسؤولة والمستدامة وتقديمها.

مساعد الزياني (الرياض)
يوميات الشرق «شيبارة» يضم 73 فيللا عائمة فوق الماء وشاطئية (واس)

«شيبارة»... طبيعة بحرية خلابة في السعودية تستقبل زوارها نوفمبر المقبل

يبدأ منتجع «شيبارة» الفاخر (شمال غربي السعودية)، رابع منتجعات وجهة «البحر الأحمر»، استقبال الزوار ابتداءً من شهر نوفمبر المقبل لينغمسوا في تجربة سياحية فاخرة.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تعوّل على «سوق السفر العالمي» لتنشيط السياحة

الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)
الجناح المصري في «بورصة لندن للسياحة» حظي بتفاعل الزوار (وزارة السياحة والآثار المصرية)

تُعوّل مصر على اجتذاب مزيد من السائحين، عبر مشاركتها في فعاليات سياحية دولية، أحدثها «سوق السفر العالمي» (WTM)، التي افتتح خلالها وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، جناح بلاده المُشارك في الدورة الـ43 من المعرض السياحي الدولي، الذي تستمر فعالياته حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بالعاصمة البريطانية لندن.

ووفق فتحي، فإن وزارته تركّز خلال مشاركتها بالمعرض هذا العام على إبراز الأنماط والمنتجات السياحية المتعدّدة الموجودة في مصر، واستعراض المستجدات التي تشهدها صناعة السياحة في مصر.

هدايا تذكارية بالجناح المصري (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، فإن «الجناح المصري المشارك شهد خلال اليوم الأول إقبالاً من الزوار الذين استمتعوا بالأنشطة التفاعلية الموجودة به، والأفلام التي تُبرز المقومات المختلفة والمتنوعة للمقصد السياحي المصري، كما شهد اليوم الأول عقد لقاءات مهنية مع ممثّلي شركات السياحة والمنشآت الفندقية المصرية».

وتشارك مصر هذا العام بجناح يضم 80 مشاركاً، من بينهم 38 شركة سياحة، و38 فندقاً، بالإضافة إلى شركتَي طيران، هما: شركة «Air Cairo»، وشركة «Nesma»، إلى جانب مشاركة محافظتَي البحر الأحمر وجنوب سيناء، وجمعية «الحفاظ على السياحة الثقافية».

وصُمّم الجناح من الخارج على شكل واجهة معبد فرعوني، مع شعار على هيئة علامة «عنخ» (مفتاح الحياة)، في حين صُمّم الجناح من الداخل على شكل صالات صغيرة للاستقبال، بدلاً من المكاتب (Desks).

وتمت الاستعانة بمتخصصين داخل الجناح المصري؛ لكتابة أسماء زائري الجناح المصري باللغة الهيروغليفية على ورق البردي، وبشكل مجاني خلال أيام المعرض، بجانب عازفة للهارب تعزف المقطوعات الموسيقية ذات الطابع الفرعوني.

جانب من الإقبال على جناح مصر في «بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعدّ «سوق السفر العالمي» معرضاً مهنياً، يحظى بحضور كبار منظّمي الرحلات، ووكلاء السياحة والسفر، وشركات الطيران، والمتخصصين في السياحة من مختلف دول العالم.

واقترح فتحي خلال لقائه بوزيرة السياحة اليونانية إمكانية «الترويج والتسويق السياحي المشترك لمنتج السياحة الثقافية في البلدين بعدد من الدول والأسواق السياحية، لا سيما أن مصر واليونان لديهما تكامل سياحي في هذا الشأن». على حد تعبيره.

واستعرض الوزير المصري المقومات السياحية المتعددة التي تتمتع بها بلاده، كما تحدث عن المتحف المصري الكبير، وما سيقدمه للزائرين من تجربة سياحية متميزة، لا سيما بعد التشغيل التجريبي لقاعات العرض الرئيسية الذي شهده المتحف مؤخراً.

فتحي خلال تفقّده للجناح المصري بـ«بورصة لندن» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتوقّع الوزير المصري أن تشهد بلاده زيادة في أعداد السائحين حتى نهاية العام الحالي بنسبة 5 في المائة عن العام الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في المعرض، وأشار إلى أهمية السوق البريطانية بالنسبة للسياحة المصرية، حيث تُعدّ أحد أهم الأسواق السياحية الرئيسية المستهدفة، لافتاً إلى ما تشهده الحركة السياحية الوافدة منها من تزايد، حيث يصل إلى مصر أسبوعياً 77 رحلة طيران من مختلف المدن بالمملكة المتحدة.

وأكّد على أن «مصر دولة كبيرة وقوية، وتدعم السلام، وتحرص على حماية حدودها، والحفاظ على زائريها، وجعْلهم آمنين، حيث تضع أمن وسلامة السائحين والمواطنين في المقام الأول، كما أنها بعيدة عن الأحداث الجيوسياسية»، لافتاً إلى أن هناك تنوعاً في جنسيات السائحين الوافدين إلى مصر من الأسواق السياحية المختلفة، حيث زارها خلال العام الحالي سائحو أكثر من 174 دولة حول العالم.

الجناح المصري في «بورصة لندن» للسياحة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأعرب فتحي عن تفاؤله بمستقبل الساحل الشمالي المصري على البحر المتوسط، وما يتمتع به من مقومات سياحية متميزة، خصوصاً مدينة العلمين الجديدة، ومشروع رأس الحكمة بصفته أحد المشروعات الاستثمارية الكبرى التي تشهدها منطقة الساحل الشمالي، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يجذب هذا المشروع أكثر من 150 مليار دولار استثمارات جديدة، ويساهم في إضافة ما يقرب من 130 ألف غرفة فندقية.