«المركّبات العضوية المتطايرة»... تأثيرات خطيرة على الصحة

توجد في البنزين والطلاء ومواد التنظيف

عوادم السيارات من بين مصادر المركبات العضوية المتطايرة جي بي جي (رويترز)
عوادم السيارات من بين مصادر المركبات العضوية المتطايرة جي بي جي (رويترز)
TT

«المركّبات العضوية المتطايرة»... تأثيرات خطيرة على الصحة

عوادم السيارات من بين مصادر المركبات العضوية المتطايرة جي بي جي (رويترز)
عوادم السيارات من بين مصادر المركبات العضوية المتطايرة جي بي جي (رويترز)

يُشكّل تلوث الهواء الخارجي أكبر تهديد للصحة البيئية، مما يؤدي إلى نحو 8 ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً حول العالم، نتيجة التعرض لجسيمات دقيقة محمولة جواً يبلغ قطرها 2.5 ميكرومتر.

وتُعد «المركّبات العضوية المتطايرة» من الجسيمات الدقيقة الملوِّثة للهواء التي تشكل خطراً كبيراً على الصحة، وفق نتائج عشرات الأبحاث ربطت بين استنشاق تلك المركّبات وزيادة خطر دخول المستشفى بسبب أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والانسداد الرئوي المزمن، بالإضافة إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، والاضطرابات العصبية، والسرطان.

المركّبات العضوية المتطايرة

والمركّبات العضوية المتطايرة هي مجموعة متنوعة من المركّبات الكيميائية تتطاير بسهولة عند درجة حرارة الغرفة، لأنها أخفّ من الهواء، وهي مسؤولة عن الروائح المميزة لمواد مثل البنزين وعوادم السيارات والطلاء ومواد البناء ومواد التنظيف، بالإضافة لدخان الحرائق.

ويمكن أن تنجم المركّبات العضوية المتطايرة عن مصادر طبيعية مثل حرائق الغابات والأراضي العشبية، ومصادر صناعية مثل انبعاثات السيارات ومحطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والنفط والغاز الطبيعي ومصانع البتروكيميائيات وبعض منتجات التنظيف، وكذلك مزيلات العرق والعطور، وكريمات فرد الشعر.

ومن بين تلك المركّبات البنزين و«الفورمالدهايد» و«الأسيتالديهايد» وهي مواد تُستخدم في كثير من المنتجات اليومية مثل الغراء المستخدَمة في تصنيع الأثاث الخشبي والأصباغ والطلاءات والمواد البلاستيكية، والمواد العازلة ومواد التطهير.

ويتعرض الناس للمركّبات العضوية المتطايرة عن طريق الاستنشاق، كما يمكن امتصاصها من خلال الجلد، ويمكن أن تصل كميات منها عن طريق تناول الأطعمة أو شرب السوائل التي تحتوي عليها.

خطر السرطان

يقول أستاذ أمراض الصدر والحساسية في كلية الطب بجامعة الأزهر، د.طه عبد الحميد، لـ«الشرق الأوسط»، إن استنشاق المركّبات العضوية المتطايرة يشكِّل خطورة شديدة على الصحة العامة، خصوصاً تلك التي تأتي نتيجة التعرض لعوادم السيارات والتدخين وحرق القمامة والمخلفات الزراعية. وأضاف أن كثرة استنشاق المركّبات العضوية المتطايرة يسبب «التهابات مزمنة في الشُّعب الهوائية، والجيوب النفية، والتهابات رئوية حادة، ويزيد من الحساسية، ويصل الخطر إلى حد السرطان».

وأوضح عبد الحميد أن بعض المركّبات العضوية المتطايرة مُسرطنة، ويمكن أن يؤدي استنشاقها لظهور أورام في الرئتين والشُّعب الهوائية، فهي تؤدي إلى تهيج الخلايا الموجودة في الشُّعب الهوائية، مما يؤدي إلى انقسامها بشدة، كما أنها تزيد من مستويات الالتهاب في الرئتين والشُّعب الهوائية.

وتشير وكالة حماية البيئة الأميركية إلى أن التعرض المستمر للمركّبات العضوية المتطايرة يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الدم وسرطان الرئة والبلعوم. وفيما يتعلق بمركب «الفورمالدهيد»، فإنه يُعد أعلى عامل محرِّك لخطر الإصابة بالسرطان.

وفي أحدث دراسة أُجريت في هذا الشأن، كشف فريق بحث دولي عن أن نحو ثُلث سكان العالم يتعرضون لمستويات ضارة من المركّبات العضوية المتطايرة، التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.

ويعد البحث، الذي نُشر في العدد الأخير من دورية «كلايمت آند أتموسفيرك ساينس»، أول دراسة تُقيم المخاطر الصحية العالمية المرتبطة بالتعرض للمركّبات العضوية المتطايرة بين عامي 2000 و2019.

انبعاثات مطّردة

ووجد الباحثون أن انبعاثات المركّبات العضوية المتطايرة العالمية ازدادت بنسبة 10.2 في المائة في الفترة من 2000 إلى 2019، وكان هذا الارتفاع مدفوعاً في المقام الأول بالمناطق النامية مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وبقية آسيا، والصين، في حين شهدت المناطق المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية انخفاضات كبيرة.

ووفق الدراسة، توجد فوارق كبيرة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، حيث توجد أعلى معدلات التعرض ومخاطر الإصابة بالسرطان نتيجة التعرض للمركّبات العضوية المتطايرة في الصين، إذ يتعرض من 82.8 إلى 84.3 في المائة من السكان لمستويات المركّبات العضوية المتطايرة الضارة. في المقابل، فإن معدلات التعرض أقل بكثير في أوروبا (1.7 - 5.8 في المائة).

الصحة العامة

وفي حديث إلى «الشرق الأوسط»، قال الباحث الرئيسي في الدراسة بجامعة ميشيغان الأميركية د.يينغ شيونغ، إن المركّبات العضوية المتطايرة تنبعث على شكل غازات من بعض المواد الصلبة أو السوائل، وتشتمل على مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية، والتي قد تكون لبعضها آثار صحية ضارة على المديين القصير والطويل.

وأضاف: «قد تشمل هذه الآثار الصحية تهيج العين والأنف والحنجرة، والصداع وفقدان التنسيق والغثيان، وتلف الكبد والكلى والجهاز العصبي المركزي».

وتابع: «بعض المركّبات العضوية المتطايرة مثل البنزين والفورمالدهيد والأسيتالديهيد يمكن أن تُسبب السرطان لدى الحيوانات، وبعضها مشتبَه به أو معروفٌ أنه يسبب السرطان لدى البشر». على سبيل المثال، فإن التعرض طويل الأمد للبنزين يمكن أن يسبب سرطان الدم، كما يمكن أن تسبب المركّبات العضوية المتطايرة أيضاً الإجهاد التأكسدي، والالتهابات، مما يسهم في نمو سرطان الرئة، وبالتالي، من المهم جداً حماية الجمهور من التعرض للمركّبات العضوية المتطايرة الخطرة.

طرق الحماية

وعن أبرز طرق الحماية، حثّ شيونغ الحكومات المحلية على حظر حرق المنتجات الزراعية في الهواء الطلق، خصوصاً في الدول ذات الدخل المنخفض، للحد من تلوث الهواء الخارجي والتعرض للمركّبات العضوية المتطايرة.

وأضاف أن المركّبات العضوية المتطايرة الخارجية تنشأ من مجموعة متنوعة من مصادر الانبعاثات، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الطلاء واستخدام المذيبات وحرق الأخشاب وعوادم المركّبات والانبعاثات الصناعية واستغلال النفط والغاز وما إلى ذلك، ويمكن للأفراد اعتماد تدابير لتقليل تعرضهم للمركّبات العضوية المتطايرة الخارجية، منها مراقبة جودة الهواء باستخدام مواقع الويب أو التطبيقات لتحديد جودة الهواء في منطقتك، والحد من الأنشطة الخارجية خلال فترات التلوث العالي، واختيار المواقع السكنية بحكمة، عبر الابتعاد عن المناطق ذات مصادر التلوث مثل المناطق الصناعية والمرور الكثيف.

وحثّ شيونغ المواطنين على استخدام وسائل النقل العام للمساهمة في تقليل الانبعاثات من عوادم المركّبات، ودعم المبادرات المحلية والوطنية التي تهدف إلى تحسين جودة الهواء وتقليل الانبعاثات الصناعية، وزرع الأشجار والنباتات التي تساعد على امتصاص الملوثات وتحسين جودة الهواء المحيط.



إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)
سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)
TT

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)
سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)

سيتم تسليط الضوء على أفضل العقول في مجال العلوم الأسبوع المقبل عندما يتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب.

وتحتفي الجوائز، التي أسس لها رجل الصناعة السويدي ألفريد نوبل منذ أكثر من قرن من الزمان، بالأعمال الرائدة التي قد يستغرق إكمالها عقوداً.

ومن الصعب للغاية التنبؤ بمن سيفوز بأعلى مراتب الشرف في العلوم. وتظل القائمة المختصرة والمرشحين سراً، ويتم إخفاء الوثائق التي تكشف عن تفاصيل عملية الاختيار عن الرأي العام لمدة 50 عاماً.

ومع ذلك، هناك بعض الاكتشافات «المذهلة» التي كانت تستحق جائزة «نوبل» ولم تحصل عليها، وفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

أول جينوم بشري

أحد أبرز الاكتشافات التي كانت مرشحة للحصول على جائزة «نوبل» هو رسم خريطة الجينوم البشري، وهو مشروع جريء بدأ في عام 1990 واكتمل في عام 2003.

أول خريطة كاملة للجينوم البشري (أ.ب)

وشارك في فك الشفرة الوراثية للحياة البشرية اتحاد دولي يضم آلاف الباحثين في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان والصين.

وكان لهذا المسعى تأثير بعيد المدى على علم الأحياء والطب والعديد من المجالات الأخرى. لكن أحد أسباب عدم حصول المشروع على جائزة «نوبل» هو العدد الهائل من الأشخاص المشاركين في هذا العمل الفذ.

ووفقاً للقواعد التي وضعها نوبل في وصيته عام 1895، لا يمكن للجوائز أن تكرم إلا ما يصل إلى ثلاثة أشخاص لكل جائزة، وهو تحدٍ متزايد نظراً للطبيعة التعاونية لكثير من الأبحاث العلمية الحديثة.

الذكاء الاصطناعي

يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير حياة الناس بوتيرة غير مسبوقة. وهو «مجال مزدحم»، لكن يبرز فيه اسمان، وفقاً لـ«ديفيد بندلبيري»، رئيس تحليل الأبحاث في معهد «كلاريفيت» للمعلومات العلمية.

ويحدد بندلبيري الأفراد «الجديرين بالحصول على جائزة نوبل» من خلال تحليل عدد المرات التي يستشهد فيها زملاؤهم العلماء بأوراقهم العلمية على مر السنين.

والشخصيتان البارزتان هنا هما ديميس هاسابيس وجون جامبر، مؤسسا شركة «ديب مايند» التابعة لـ«غوغل» اللذان أنشآ «AlphaFold» وهو نموذج ذكاء اصطناعي للتنبؤ بهياكل البروتين من تسلسل الأحماض الأمينية بدقة عالية، والذي استخدمه ما لا يقل عن مليوني باحث حول العالم، وفق «سي إن إن».

ديميس هاسابيس (يسار) وجون جامبر يتسلمان أحد الجوائز في لوس أنجليس (سي إن إن)

ويساعد «AlphaFold» في تسريع التقدم في علم الأحياء الأساسي والمجالات الأخرى ذات الصلة. ومنذ نشر العالمان بحثهما الرئيسي حول هذه القضية في عام 2021، تم الاستشهاد به أكثر من 13 ألف مرة، وهو ما يصفه بندلبيري بـ«الرقم الاستثنائي»، لأنه من بين إجمالي 61 مليون ورقة علمية، تم الاستشهاد بنحو 500 ورقة فقط أكثر من 10 آلاف مرة.

فهم ميكروبيوم الأمعاء

تعيش تريليونات من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات والفطريات) في جسم الإنسان، وتُعرف مجتمعة باسم «الميكروبيوم البشري». ومع التقدم في التسلسل الجيني خلال العقدين الماضيين، أصبح العلماء أكثر قدرة على فهم ما تفعله هذه الميكروبات، وكيف تتفاعل مع بعضها أو مع الخلايا البشرية، وخاصة في القناة الهضمية.

ويقول بندلبيري إن هذا «مجال طال انتظار» أن يحصل عالم فيه على جائزة «نوبل». ويعد عالم الأحياء الأميركي، الدكتور جيفري آي. غوردون، رائداً في هذا المجال.

عالم الأحياء الأميركي الدكتور جيفري آي. غوردون (أرشيفية)

وسعى غوردون إلى فهم الميكروبيوم المعوي البشري وكيفية تشكيله لصحة الإنسان، بدءا من الأبحاث المعملية على الفئران. وقاد بحثاً توصّل إلى أن ميكروبيوم الأمعاء يلعب دوراً في التأثيرات الصحية لنقص التغذية، الذي يؤثر على ما يقرب من 200 مليون طفل على مستوى العالم. ويعمل غوردون على تطوير "تدخلات غذائية" تستهدف تحسين صحة الأمعاء.

الجينات المسببة للسرطان

في السبعينيات، كان من المفهوم أن السرطان ينتقل في بعض الأحيان بين العائلات، لكن التفكير السائد حول سرطان الثدي لم يأخذ في الاعتبار أي قابلية وراثية للإصابة بهذا المرض. ومع خلفيتها في البحث عن الاختلافات الجينية بين البشر والشمبانزي، اتبّعت ماري كلير كينغ، عالمة الوراثة الأميركية وأستاذة الطب وعلوم الجينوم، نهجاً جديداً.

ماري كلير كينغ تظهر مع الرئيس الأميركي حينذاك باراك أوباما بعد حصولها على الميدالية الوطنية للعلوم في حفل بالبيت الأبيض في مايو 2016 (سي إن إن)

وعملت كينغ قبل فترة طويلة من حصول العلماء على رسم خريطة الجينوم البشري، وأمضت 17 عاماً في اكتشاف وتحديد الدور الذي تلعبه طفرة «جين BRCA1» في سرطاني الثدي والمبيض.

وقد أتاح اكتشافها إجراء اختبارات جينية يمكنها تحديد النساء المعرضات بشكل متزايد لخطر الإصابة بسرطان الثدي، بالإضافة إلى الخطوات التي يجب اتخاذها لتقليل المخاطر، مثل الفحص الإضافي والعمليات الجراحية الوقائية.