في اكتشاف يفتح الباب أمام طريقة أقل تدخلاً لعلاج بعض الاضطرابات الخطيرة قبل الولادة، وجد علماء جامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو أن توصيل الدواء من خلال السائل الأمنيوسي فعال مثل توصيله إلى دماغ الجنين عبر السائل النخاعي، وذلك في دراستهم المنشورة في مجلة العلاج الجزيئي «Molecular Therapy» في 6 فبراير (شباط) 2024 بقيادة المؤلفة الرئيسية للدراسة تيبي ماكنزي، دكتوراه في الطب وجراحة الأجنة والأطفال في مستشفيات جامعة كاليفورنيا في سان فرنسيسكو بينيوف للأطفال بالولايات المتحدة.
نهج العلاج
اكتشف الباحثون إمكانية توصيل جزيئات علاجية تسمى «أوليغونكليوتيدات» مضادة للحساسية (ASOs) antisense oligonucleotides. وهي جزيئات من الحمضين النوويين «RNA» أو «DNA»، اصطناعية قصيرة مفردة تلعب دوراً حاسماً في العلاج المضاد للفيروسات تُعطى حالياً للأطفال الذين يعانون من أمراض تؤثر على الجهاز العصبي.
ويمكن لهذه الجزيئات تغيير التعبير الجيني من خلال التفاعلات مع الحامض النووي الريبي (RNA) الذي ينتج البروتينات، وتؤثر تلك التغييرات على الصفات والخصائص البيولوجية للكائنات الحية.
على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التغيير في التعبير الجيني إلى تغيير لون العيون والطول والحساسية للأمراض والعديد من السمات الأخرى.
علاج اضطراب وراثي
وتحدث هذه العملية عن طريق تغيير التسلسل النووي للجينات في الحامض النووي «DNA» من خلال السائل الأمنيوسي لعلاج اضطراب وراثي يعرف باسم متلازمة «أنجلمان» Angelman syndrome، وهي حالة عصبية حادة تتميز بإعاقات ذهنية ونوبات ومشية غير طبيعية؛ إذ يهدف هذا النهج إلى التدخل قبل الولادة لمنع أو تخفيف تطور الأعراض الخطيرة المرتبطة بالاضطراب. وقد يعاني الأطفال الذين لديهم نسخة حادة من حالة وراثية من ضرر لا يمكن إصلاحه بحلول وقت ولادتهم ولا يمكن معالجته بعد الولادة.
مزايا علاج ما قبل الولادة
يوفر علاج الأمراض الوراثية مثل متلازمة «أنجلمان» في الرحم إمكانية معالجة الأعراض قبل حدوث ضرر لا رجعة فيه؛ إذ إن الوصول إلى دماغ الجنين أكثر سهولة وما زال لم يتم تشكيل الحاجز الدموي الدماغي بشكل كامل؛ إذ أظهرت الأبحاث السابقة أن متلازمة «أنجلمان» يمكن تشخيصها قبل الولادة ويمكن التلاعب بالتعبير عن جزء الجين الذي يسبب المتلازمة قبل الولادة.
وقد أدى العلاج إلى تحسين الوظيفة الحركية والتعلم لدى صغار الفئران بعد ولادتها، وسمح حقن العلاج مباشرة في السائل الأمنيوسي له بالانتشار في الأمعاء والرئتين والكبد والكليتين والمعدة، وساعد في إعادة التعبير الجيني في أجزاء مهمة من الدماغ؛ إذ يمكن إعطاء جرعات أعلى بكثير مما لو كانت في السائل النخاعي.
توجهات مستقبلية
ويأمل الباحثون أن يمكّنهم هذا من علاج حالات مثل ارتفاع ضغط الدم الرئوي pulmonary hypertension والتليف الكيسي cystic fibrosis قبل الولادة.
وهناك الآن المزيد من الدراسات الجارية لتقييم فاعلية «الأوليغونكليوتيدات» المضادة للحساسية التي يتم توصيلها إلى السائل الأمنيوسي في النماذج الحيوانية الأكبر حجماً. بالإضافة إلى ذلك، يتواصل الباحثون مع آباء الأطفال المصابين بمتلازمة «أنجلمان» لفهم وجهات نظرهم بشأن البحث عن العلاج قبل الولادة.
وبشكل عام يقدم هذا البحث رؤى واعدة حول إمكانات التدخل قبل الولادة للاضطرابات الوراثية باستخدام طرق توصيل مبتكرة مع ما يترتب على ذلك من آثار على تحسين النتائج لدى الأفراد المتضررين.