أسعار النفط تعيد رسم السياسات المالية لحكومات الشرق الأوسط

إيران تحتاج عامًا كاملاً للتأثير على السوق

أسعار النفط تعيد رسم السياسات المالية  لحكومات الشرق الأوسط
TT

أسعار النفط تعيد رسم السياسات المالية لحكومات الشرق الأوسط

أسعار النفط تعيد رسم السياسات المالية  لحكومات الشرق الأوسط

تسببت أسعار النفط التي تتأرجح حول مستوى 50 دولارا للبرميل منذ مطلع العام الحالي في إعادة رسم السياسات المالية لحكومات منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير. وبينما استطاعت دول كبرى في صناعة النفط، خاصة الخليجية منها، الصمود في مواجهة الضغوط، ظهرت دول أخرى فائزة من الانخفاض الكبير في الأسعار. وبينما تحاول منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) الحفاظ على حصتها السوقية في السوق العالمية، من خلال إبقاء الإنتاج دون تغيير عند نحو 30 مليون برميل يوميًا، أسفرت تلك الحالة عن نجاح مواز لصناعة النفط التقليدية في تكبيد صناعة النفط الصخري الأميركية خسائر فادحة.
واضطرت بعض الدول لتغيير سياستها المالية والإنتاجية والتوسعية نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط والذي أثر بدوره على إيرادات تلك الدول. وتراجعت أسعار النفط من 115 دولارًا للبرميل في يونيو (حزيران) 2014، إلى نحو 50 دولارًا حاليًا، وسط مطالب بتخفيض الإنتاج، إذ يعتبر النفط المورد الرئيسي للدول الأعضاء في منظمة أوبك والتي يبلغ عددها نحو 12 دولة، أبرزها السعودية المصدَر الأول في العالم، بخلاف الدول غير الأعضاء وأبرزها روسيا صاحبة أكبر احتياطي للنفط في العالم.
ولطالما تحتوي موازنات جميع الدول على أسعار النفط، إما لاستيراده أو تصديره، فما من شك أن الدول المستوردة للطاقة استفادت من انخفاض الأسعار، بينما تأثرت الدول المصدرة للنفط جراء التراجع.
المحلل المالي نائل الجوابري، قال لـ«الشرق الأوسط»: «بكل تأكيد ستتأثر السياسات المالية لدول الشرق الأوسط بعد تراجع أسعار النفط، وذلك لاعتماد تلك الاقتصادات بشكل كبير على واردات النفط لتمويل الجزء الأكبر من الموازنات العامة».
وأوضح الجوابري أن «بعض الدول النفطية بدأت تعاني من أزمات حقيقية بعد انخفاض الأسعار، الأمر الذي قد يدفع الجهات الحكومية إلى اعتماد خطط وإجراءات جديدة ستؤدي إلى تغير السياسات المالية لبعض دول مجلس التعاون الخليجي».
وخلال الفترة الماضية، ألغت بعض الدول خططا توسعية لمشاريع عملاقة، مثلما حدث في الجزائر، فضلاً عن تخفيض الدعم السخي في بعض الدول مثل الكويت والإمارات، ودراسة إمكانية تخفيضه في دول أخرى مثل السعودية. وفي مقابل ذلك، قامت الدول المستوردة للنفط مثل مصر بالاستفادة من فارق انخفاض الأسعار بزيادة صفقات الوقود للقضاء على أزمة الطاقة، التي أدت إلى إغلاق خطوط إنتاج لمصانع كبرى، كما استثمرت تونس هذا الفرق في دعم الصناعة. الخبير في قطاع التمويل والاستثمار أحمد العطيفي يقول إن «تراجع أسعار النفط سيؤثر على خطط الاستثمارات على مستوى العالم، وذلك من خلال سحب الدول النفطية بعضا من أرصدتها من بنوك وبورصات عالمية».
وأوضح العطيفي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي، أن البنوك العالمية والشركات الدولية ستضطر لإعادة هيكلة مالية بعد سحب الأرصدة، قائلاً: «العالم كله سيتأثر».
وانخفاض أسعار النفط سيساعد الدول المستوردة للطاقة في تخفيف الضغوط الواقعة على ميزان المدفوعات، ويفتح المجال لفرص استثمار جديدة، بما يدعم نمو الناتج المحلى الإجمالي، ويحسن من مستوى تدفق ونمو الإيرادات الحكومية، بالإضافة إلى تحسين الوضع الائتماني للبلاد وانخفاض معدلات التضخم، بحسب تقرير لمؤسسة «موديز» للتصنيفات الائتمانية صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ووفقا لتصريحات وزير المالية المصري هاني قدري، تراجعت تكلفة دعم الوقود في مصر بنحو 40 مليار جنيه خلال السنة المالية 2014 - 2015، بفضل هبوط أسعار النفط العالمية.. وهو ما يوضح تداعيات تراجع أسعار النفط على موازنات الدول. إلا أن تأثر دول الخليج سيكون محدودًا بتراجع الأسعار، وذلك نتيجة للاحتياطي النقدي الكبير بصناديقها السيادية، بحسب تقرير «موديز».
كما أعلن وزير المالية التونسي سليم شاكر أن اقتصاد بلاده، والمتوقع أن ينمو بنسبة 0.5 في المائة خلال عام 2015، تجنب الأسوأ هذا العام بفضل تراجع أسعار النفط.
وعلى صعيد مواز، كشف تقرير لشركة «بيكر هيوز» للخدمات النفطية أن شركات الحفر الأميركية أوقفت عمل 16 منصة في الأسبوع المنتهي في 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لينخفض العدد الإجمالي للمنصات إلى 578، وهو الأدنى منذ يونيو 2010. وهذه أطول موجة من التخفيضات منذ يونيو، وهو ما يشير إلى أن الإنتاج قد ينخفض خلال الشهور المقبلة، وبالتالي تحسن الأسعار.
ويشير تراجع منصات الحفر النفطية قيد التشغيل إلى أن استراتيجية السعودية في الإصرار على إبقاء مستوى الإنتاج دون تغيير يؤتي بثماره التي تمثلت في المحافظة على حصة «أوبك» السوقية، بل وفتح أسواق جديدة.
وتبلغ تكلفة إنتاج برميل النفط العادي (الحلو) نحو 20 دولارًا، بينما ترتفع تكاليف إنتاج النفط الصخري إلى نحو 85 دولارًا، وهو ما يكشف عن أسباب تراجع منصات الحفر الأميركية وإغلاق بعض الحقول، بل واللجوء إلى شراء النفط من الدول الخليجية، والتي تحاول اكتساب جزء أكبر من السوق الأوروبية والآسيوية على حساب روسيا منتج النفط خارج «أوبك».
ومع عودة إيران لتصدير النفط مرة أخرى بعد رفع العقوبات الدولية، قلل مراقبون في السوق من أثر عودتها، بينما أبدى مسؤولون آخرون تخوفهم، مبررين خشيتهم تلك بمزيد من التراجع في أسعار النفط.
وقال بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، إن عودة إيران لإنتاج النفط تحتاج لنحو عام كامل لإحياء الآبار النفطية من جديد، بينما حذر وزير النفط الليبي ناجي المغربي، من عودة إيران لسوق النفط، لتأثير ذلك على تصدير النفط العربي بشكل عام. وتوقع الجوابري أن يزيد الفائض بالسوق بعد إعلان إيران الشهر الحالي عن سعر وكمية تصدير النفط، موضحًا أن الفائض اليومي في السوق من النفط يقدر حاليًا بـ550 مليون برميل.
وبلغ إنتاج إيران من النفط خلال العام الحالي نحو 2.8 مليون برميل يوميًا في المتوسط، بينما سجلت الصادرات نحو 1.1 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل نصف مستويات ما قبل فرض العقوبات الدولية.
وتمتلك إيران خامس أكبر احتياطات النفط عالميًا، وتعد ثاني أكبر منتج للنفط بعد السعودية في منظمة «أوبك»، وتبلغ احتياطاتها من النفط نحو 157.8 مليار برميل.
وكان وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه قد أعلن مؤخرًا أن بلاده يمكنها زيادة صادراتها بنحو 500 ألف برميل يوميًا بعد رفع العقوبات، بالإضافة إلى زيادة أخرى بمقدار 500 ألف برميل في الستة أشهر التالية.
ومع استحواذ السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على الحصة الأكبر في الإنتاج بـ«أوبك»، فإنها بذلك ستقود الدول الأعضاء للاستمرار في تطبيق استراتيجية الحفاظ على حصة المنظمة السوقية بإبقاء مستوى الإنتاج دون تغيير رغم تأثر موازنات تلك الدول، إلا أن المنافسة ضد كل من أميركا وروسيا تستلزم التضحية بجزء من الأرباح.
وأكد الجوابري أن انخفاض أسعار النفط على الدول الخليجية «سيؤثر بدرجات متفاوتة، وفقًا لاعتماد الحكومات على النفط في تمويل الميزانيات، وإن كانت معظم البلدان ستشهد تأثرًا فوريًا في معدلات الإنفاق العام، مع احتمال لجوء بعض الدول إلى تسييل أصول مملوكة لها لتمويل العجز المنتظر».
ومن المرجح أن توجه اقتصادات الدول خلال الفترة المقبلة السياسات العامة، فإلغاء مشاريع عملاقة وعدم التوسع في أخرى، بالإضافة إلى تسجيل عجز في موازنات بعض الدول ستضطر حكومات المنطقة لاتخاذ قرارات استثنائية.
وتوقع العطيفي «فرض ضرائب إضافية وتقليل قيمة الدعم (في الدول النفطية)، فضلاً عن تقليل المشاريع العملاقة وحجم المنح والمساعدات».
إلا أن السوق العربية ستظل متماسكة لعدة سنوات، طالما تهيأت الدول النفطية لتلك الفترة باستثمار الفوائض المالية، الأمر الذي يستمر معه ضخ استثمارات جديدة في قطاعات البنية التحتية والتعليمية والصحية.
من جهته، أشار محمد ماهر، العضو المنتدب لشركة «برايم» القابضة للاستثمارات المالية، إلى الفائض الكبير من السيولة والأصول للدول النفطية، فضلاً عن سعيها لإيجاد «إيرادات بديلة في الوقت الحالي»، على غرار رفع مستوى «أسعار الضرائب أو الجمارك مع إعادة النظر في الدعم».
ويرى ماهر أن «العجز المتحقق في موازنات الدول المصدرة للنفط سيذهب بنسبة أو بأخرى إلى موازنات الدول المستورة للنفط»، بحسب نسبة الدعم على المحروقات والوقود.



تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.