بلغ معدّل المواليد في كوريا الجنوبية عام 2023 أدنى مستوى له منذ بدء هذه الإحصاءات سنة 1970، وفق ما أفادت سيول اليوم (الأربعاء)، رغم إنفاق الحكومة مليارات الدولارات لتشجيع الولادات.
ووفقا لوكالة «الصحافة الفرنسية»، فقد قال ليم يونغ إيل، من مكتب التعداد في وكالة الإحصاء الحكومية، في تصريح صحافي إن «عدد المواليد الجدد في العام 2023 بلغ 230 ألفاً»، أي أقل بنسبة 7.7 في المائة عما كان عليه سنة 2022. وفي 2023، بلغ معدل المواليد لكل ألف نسمة 4.5 مقابل 4.9 في 2022، بحسب البيانات الأولية.
وأوضح ليم يونغ إيل أنّ «عدد المواليد الجدد ومعدل المواليد لكل ألف نسمة بلغا أدنى مستوى لهما منذ العام 1970» حين بدأ جمع هذه البيانات.
وللحفاظ على العدد الحالي للسكان (51 مليون شخص)، سيتعيّن على النساء إنجاب 2.1 طفل في المتوسط خلال حياتهنّ. لكن في 2023، استمر معدل الخصوبة في التراجع ليصل إلى 0.72.
وفي حال تواصلت هذه الوتيرة، سينخفض عدد سكان كوريا الجنوبية عام 2100 إلى النصف تقريباً ليصل إلى 26.8 مليون نسمة، بحسب معهد القياسات والتقييم الصحي في جامعة واشنطن في سياتل بالولايات المتحدة.
وأنفقت سيول مبالغ طائلة في محاولة لتشجيع الولادات، من خلال دفع إعانات لرعاية الأطفال وتوفير مساعدات في علاجات العقم.
ورأى الخبراء أنّ انخفاض معدّل الولادات يعود بشكل رئيسي إلى ارتفاع أسعار العقارات وتكاليف تربية الأطفال في مجتمع تنافسي من الصعب أن يعثر السكان فيه على وظائف توفر مداخيل جيدة.
وأوضحوا أن عزوف النساء بكوريا الجنوبية عن الإنجاب هو عامل رئيسي أيضاً في انخفاض عدد المواليد.
فما السبب وراء هذا العزوف؟
يقول الخبراء إن ذلك قد يرجع إلى تحمّل المرأة العاملة غالبا عند عودتها إلى بيتها المسؤوليات المنزلية ومهام تربية الأطفال.
ونقلت شبكة «بي بي سي» البريطانية عن سيدة كورية جنوبية تدعى ييجين، وهي منتجة تلفزيونية تبلغ من العمر 30 عاما، قولها إنها لا هي ولا أي من أصدقائها يخططن لإنجاب أطفال.
ولفتت ييجين إلى أنها قررت منذ 5 سنوات عدم الزواج وعدم إنجاب الأطفال. وقالت: «من الصعب العثور على رجل على استعداد لتقاسم الأعمال المنزلية ومهام رعاية الأطفال معي».
وبدلاً من ذلك، اختارت ييجين التركيز على حياتها المهنية في التلفزيون، الأمر الذي، كما تقول، لا يتيح لها الوقت الكافي لتربية طفل على أي حال، حيث إنه من المعروف أن ساعات العمل الكورية طويلة.
وتعمل ييجين من الساعة 8 صباحا حتى الساعة 6 مساء، وهي مدة الدوام الرسمية في كوريا، لكنها تقول إنها عادة لا تغادر المكتب حتى الساعة 8 مساءً. وبمجرد عودتها إلى المنزل، تجد أنها ليس لديها سوى وقت قليل يسمح لها بتنظيف المنزل وممارسة الرياضة قبل النوم.
وتقول: «أنا أحب عملي، فهو يجلب لي الكثير من الرضا. لكن العمل في كوريا أمر صعب، فأنت تجد نفسك عالقا في حلقة مفرغة من العمل».
وأشارت ييجين إلى أنها تواجه أيضا ضغوطا للدراسة والاستذكار في أوقات فراغها، لتحسين أدائها في وظيفتها.
وأوضحت قائلة: «الكوريون لديهم عقلية مفادها بأنه إذا لم تعمل بشكل مستمر على تحسين ذاتك، فسوف تتخلف عن الركب، وتصبح شخصا فاشلا. ويدفعنا الخوف من الفشل إلى العمل بجهد مضاعف».
وقالت سيدة أخرى، رفضت ذكر اسمها، وتبلغ من العمر 28 عاما، إنها تخشى أنها «إذا أخذت إجازة لإنجاب طفل، فقد لا تتمكن من العودة إلى العمل».
وأضافت السيدة التي تعمل في مجال الموارد البشرية: «هناك ضغط ضمني من الشركات بأن نترك وظائفنا في حال الإنجاب. لقد رأيت سيدات أجبرن على ترك وظائفهن أو تم تجاوزهن في الترقيات بعد أخذ إجازة أمومة، وهو ما كان كافياً لإقناعي بعدم إنجاب طفل أبداً».
ومن جهتها، قالت ستيلا شين مدرسة اللغة الإنجليزية البالغة من العمر 39 عاماً، إنها تزوجت منذ 6 سنوات، لكنها لم تنجب أطفالا وترى أن أسلوب حياتها يجعل الأمر «مستحيلاً».
وقالت: «تحتاج الأمهات إلى ترك العمل لرعاية أطفالهن بدوام كامل خلال العامين الأولين، وهذا من شأنه أن يجعلني أشعر بالاكتئاب الشديد. أنا أحب عملي جدا».
وحتى لو أرادت الاستقالة من العمل، فإنها قالت إنها لن تستطيع تحمل تكلفة السكن المرتفعة للغاية ولن يستطيع زوجها تحملها بمفرده.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة التعليم الخاص في كوريا الجنوبية مرتفعة للغاية.
فبدءاً من سن الرابعة، يتم إرسال الأطفال إلى مجموعة من الفصول الإضافية باهظة الثمن، بدءاً من الرياضيات واللغة الإنجليزية وحتى الموسيقى والتايكوندو.
وهذه الممارسة منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن اختيار عدم القيام بذلك يُنظر إليه على أنه يعرض الطفل للفشل، وهي فكرة لا يمكن تصورها في كوريا شديدة التنافسية. وهذا ما جعلها أغلى دولة في العالم لتربية طفل.
ووجدت دراسة أجريت عام 2022 أن 2 في المائة فقط من أولياء الأمور لم يرسلوا أطفالهم إلى الفصول الدراسية الخاصة، بينما قال 94 في المائة إنها تمثل عبئاً مالياً عليهم.