مؤسسة سلطان العويس الثقافية تحتفل غداً بتوزيع جوائز الدورة الـ18

برنامج ثقافي يجمع بين الفلسفة والتجارب الإبداعية

ندوة التجارب الإبداعية التي تحدّث فيها الفائزون الأربعة بجائزة سلطان العويس الثقافية
ندوة التجارب الإبداعية التي تحدّث فيها الفائزون الأربعة بجائزة سلطان العويس الثقافية
TT

مؤسسة سلطان العويس الثقافية تحتفل غداً بتوزيع جوائز الدورة الـ18

ندوة التجارب الإبداعية التي تحدّث فيها الفائزون الأربعة بجائزة سلطان العويس الثقافية
ندوة التجارب الإبداعية التي تحدّث فيها الفائزون الأربعة بجائزة سلطان العويس الثقافية

تحتفل مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي، مساء غدٍ الخميس، بتوزيع جوائزها للفائزين في الدورة الثامنة عشرة، والتي فاز فيها كل من: الشاعر المصري حسن طلب، والروائي والمسرحي البحريني أمين صالح، والناقد العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم، والمفكر والمترجم المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي.

وفاز الشاعر المصري حسن طلب بجائزة الشعر، وقالت لجنة التحكيم إنها رأت «في تجربته فرادة وغزارة وتنوعاً، إضافة إلى وجود مشروع شعري متكامل ومتنامٍ لديه يتسم بالتجريب ويمازج بين الشعرية والصوفية والرؤى الفلسفية».

كما قررت اللجنة فوز القاصّ البحريني أمين صالح بجائزة القصة والرواية والمسرحية؛ وذلك «لامتلاكه تجربة إبداعية مغايرة، تمثلت فيما كتب من قصص قصيرة ونصوص وأعمال أخرى تدل على أنه متنوع الثقافة متعدد الاهتمامات».

وبالنسبة للناقد العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم، فقد فاز بجائزة الدراسات الأدبية والنقد، وقالت اللجنة إن مؤلفاته «تتسم بوضوح الرؤية المنهجية، والانشغال بموضوع السردية العربية ومُنجزاتها وسياقاتها المتحولة، والاهتمام بالقضايا الثقافية، وإعادة تأمل العلاقة بين الشرق والغرب».

وفاز المفكر المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي بجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية؛ «وذلك لأنه من رواد المدرسة التفكيكية في الثقافة العربية، وهو يرى في الأدب والكتابة والترجمة مداخل مهمة للفلسفة. وتتميّز أعماله بأسلوب سهل يقارب بين المتخصّص وغير المتخصّص»، وفق رأي لجنة التحكيم.

وكان الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، عبد الحميد أحمد، قد قال، في تصريح صحفي: «إن جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي سيجري الإعلان عنها لاحقاً؛ لكونها تُمنح بقرار من مجلس أمناء الجائزة، ولا تخضع لمعايير التحكيم؛ أسوة بالجوائز في الحقول الأخرى».

وكان عدد المرشحين في كل الحقول قد بلغ 1861 مرشحاً، حيث تقدَّم لجائزة الشعر 231 مرشحاً، وفي القصة والرواية والمسرحية 490 مرشحاً، وفي الدراسات الأدبية والنقد 290 مرشحاً، والدراسات الإنسانية والمستقبلية 485 مرشحاً، وفي الإنجاز الثقافي العلمي 270 مرشحاً.

وفاز بالجائزة، خلال الدورات السابقة، 101 أديب وكاتب ومفكر عربي، فضلاً عن 5 مؤسسات ثقافية مرموقة أسهمت في نشر الثقافة والمعرفة، وحكّم في حقولها أكثر من 270 محكّماً واستشارياً من مختلف المشارب الثقافية.

وتبلغ قيمة الجائزة لكل حقل من حقولها 120 ألف دولار أميركي.

جانب من ندوة «الترجمة الفلسفية - الحوار مع الآخر» التي نظّمها «بيت الفلسفة» في الفجيرة بالتعاون مع مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية

الترجمة: الحوار مع الآخر

وضمن البرنامج الثقافي الذي يسبق حفل توزيع الجوائز، نظّم «بيت الفلسفة»، بالتعاون مع مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، حلقة بعنوان «الترجمة الفلسفيّة - الحوار مع الآخر»، وذلك في مقر «بيت الفلسفة» بالفجيرة.

وتحدّث الدكتور أحمد برقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، عن الترجمة بوصفها انتقالاً من الوعي الذاتي إلى الوعي بالآخر، وقال: «إنّ الترجمة تتيح لنا أن نخرج من قوقعتنا الذاتيّة لنتعرّف إلى الآخر، من خلال التعرّف إلى أفكاره ومفاهيمه، ومن ثمّ العودة إلى الوعي الذاتيّ لمناقشة الأفكار المترجَمة واتّخاذ موقف نقديّ منها».

واستعرضت الحلقة، في جلساتها، تجارب خاصة لعدد من خبراء الترجمة، حيث تناول المترجم والأكاديمي المغربي، الدكتور عبد السلام بنعبد العالي تجربته، موضحاً أن الترجمة ليست نقلاً من لغة إلى أخرى فحسب، وإنما هي عمل إبداعي، إذ توكل للمترجم مهمة إبداعية جليلة تتمثل في اشتقاق المصطلحات، وتطويع اللغة، وغيرها من الجوانب الإبداعية.

التجارب الإبداعية

وضِمن البرنامج الثقافي، أقيمت أمسية للفائزين بجائزة مؤسسة العويس الثقافية، تحدّث خلالها الشاعر حسن طلب، والمفكر عبد السلام بنعبد العالي، والقاص أمين صالح، والناقد عبد الله إبراهيم، عن تجاربهم الإبداعية، بحضور الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية عبد الحميد أحمد، وذلك على مسرح مؤسسة العويس الثقافية.

الدكتور عبد الله إبراهيم في محاضرته عن «السردية العربية» أدارتها الشاعرة بروين حبيب

السردية العربية

وألقى الناقد العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم محاضرة عن «السردية العربية»، في مقرّ مؤسسة سلطان العويس الثقافية، بحضور عدد من طالبات جامعة الوصل بالإمارات.

وتحدّث إبراهيم عن مفهوم «السردية»، والبحث عن هوية «السردية العربية»؛ للوصول إلى فهم عربيّ للسرد، والوقوف على مفهوم تأسيسي من مفاهيمه.

وقال إبراهيم إن «دلالة السرد، اقترنت في اللغة العربيّة، بالنسج، والسبك، والصوغ، والبراعة في إيراد الأخبار، وفي تركيبها، فذلك هو الحقل الدلالي للفعل سرد ومشتقاته في الثقافة العربية».

وأشار إلى أن السردية «لم تنبثقْ من فراغ، إنّما ترعرعت في سياق عميق الجذور. وخلال رحلتها المديدة تعرّضَ مفهومُ السّرد فيها إلى التهذيب، والإصلاح، والتّرميم، واكتسب ثراءً بحكم الزمن الطويل، وبات من غير الممكن مطابقةُ دلالتهِ الموروثةِ مطابقة تامة مع الدّلالةِ المعجميّة المستعارة من سرود لا توافقه كلَّ الموافقة، لا في سياق نشأته، ولا في أنواعه، ولا في وظائفه».

وقال إن مفهوم السرد ارتبط بصوغ الخطاب السردي؛ شفوياً كان أم مكتوباً، صوغاً غايته التأثير النفسي والإقناع الخيالي، وذلك الصوغ هو موضوع «السرديّة» التي اختصّت بالبحث في مكوّنات الخطاب السردي المتكوّن من: الراوي، والمرويّ، والمرويّ له، والانتقال إلى دراسة أسلوب ذلك الخطاب، وتركيبه، ودلالته.

عدد من المثقفين وطلاب الجامعة في الإمارات يتابعون محاضرة «السردية العربية» للدكتور عبد الله إبراهيم

وأضاف: «أردتُ بــ(السّرديّة): المدخل الّذي يستعينُ به الباحثُ لاستخلاص طبيعة النصوص، وفيه تتولّى الممارسةُ النقديّةُ استخلاصَ مجملِ صفات السّرد، وتعرّف بهويّته في آن واحد، وغايتي سبكٌ مفهوم لا ينفصل عن المادّة السّرديّة، فيخضعُها لقواعدَ تجريديّةٍ، ثمّ يتعالى عليها، بل يصدرُ عنها، ويتكيّفُ معها؛ فتحوّلاتُه مقيّدةٌ بتحوّلاتها، ولا يجوزُ تجريدُ نموذجٍ افتراضي عابرٍ للزّمان والمكان، واللّغاتِ والثّقافات، والأجناسِ والأنواع، وإرغام المادّةِ السّرديّة على الامتثال له، فذلك لاهوتٌ سرديّ تأبى المادّةُ السّرديّةُ قبولهُ. وبذلك فلا ينبعُ ثراءُ (السّرديّة) من كمالها، بل من نقصها؛ كون الظّاهرةِ السّرديّة في ترحال دائم، ولا سبيلَ لأسْرها في حقبة تاريخيّة، أو في لغة معيّنة».



العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.