السويد في «الناتو»... طي صفحة حياد عسكري استمر 200 عام

جنود سويديون خلال تبديل الحرس أمام القصر الملكي باستوكهولم في 24 فبراير الحالي (رويترز)
جنود سويديون خلال تبديل الحرس أمام القصر الملكي باستوكهولم في 24 فبراير الحالي (رويترز)
TT

السويد في «الناتو»... طي صفحة حياد عسكري استمر 200 عام

جنود سويديون خلال تبديل الحرس أمام القصر الملكي باستوكهولم في 24 فبراير الحالي (رويترز)
جنود سويديون خلال تبديل الحرس أمام القصر الملكي باستوكهولم في 24 فبراير الحالي (رويترز)

سيضع انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) حداً لـ200 عام من عدم الانحياز العسكري الذي اعتمدته الدولة الشمالية.

وكانت السويد قد بدأت عملية الانضمام بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ليبقى عليها تخطّي العقبة الأخيرة المتمثّلة في تصديق البرلمان المجري على هذه العضوية، الاثنين.

وتمثّل هذه العضوية تغييراً عميقاً في السياسة الدفاعية السويدية التي باتت جزءاً من إطار جماعي، كما تعدّ تطوراً جيوسياسياً كبيراً في المنطقة.

لماذا قرّرت السويد الانضمام إلى «الناتو»؟

رئيس الحكومة أولف كريسترسون ببودابست في 23 فبراير الحالي (رويترز)

بعد انتهاء الحروب الفرنسية في القرن التاسع عشر، تبنّت السويد رسمياً سياسة الحياد، التي تطوّرت بعد نهاية الحرب الباردة لتتحوّل إلى سياسة عدم انحياز عسكري، بهدف تجنّب أيّ صراع مستقبلي.

ورغم مساهمة استوكهولم في قوات حفظ السلام الدولية، فإنّها لم تشهد حرباً منذ الصراع ضدّ النرويج في عام 1814. ولكن في ظلّ حيادها، حافظت على نشاط دبلوماسي مكثّف، حيث دافعت عن حقوق الإنسان، حتى وجدت نفسها تُلقّب في بعض الأحيان بـ«القوة الإنسانية العظمى».

وفي هذه الأثناء، كانت السويد تتقرّب من الحلف عبر الانضمام إلى الشراكة من أجل السلام في عام 1994 ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية في عام 1997.

كثيراً ما عارضت غالبية السويديين الانضمام إلى «الناتو»، الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنّه من المحرّمات خصوصاً من قبل «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» الرئيسي في البلاد.

كما أعلن وزير الدفاع السابق الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بيتر هولتكفيست، في خريف عام 2021، أنّه يستطيع «ضمان» عدم مشاركته أبداً في عملية الانضمام إلى الحلف.

غير أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا شكّل نقطة تحوّل جذرية بالنسبة إلى الأحزاب والرأي العام في البلاد، كما صوّتت غالبية واضحة في البرلمان في مايو (أيار) 2022 لصالح التقدّم بطلب عضوية «الناتو».

سويديون يسيرون بين مباني البرلمان في استوكهولم (رويترز)

كيف تسهم السويد في حلف الأطلسي؟

استثمرت السويد فترة طويلة في دفاعها لضمان حيادها قبل خفض إنفاقها العسكري بعد نهاية الحرب الباردة.

ثمّ بدأت ميزانيتها العسكرية في الارتفاع مجدّداً في عام 2014 بعد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية.

في عام 1990، شكّلت هذه الميزانية 2.6 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي، قبل انخفاضها إلى 1.2 في المائة في عام 2020، وفقاً للحكومة التي أكّدت أنّها ستتجاوز مجدّداً هدف «الناتو» المتمثّل في 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024.

إضافة إلى ذلك، يمكن للجيش السويدي نشر نحو 50 ألف جندي، نصفهم تقريباً من جنود الاحتياط، وذلك عبر الجمع بين مختلف فِرَقه.

وتعتمد القوة الجوية السويدية على أكثر من 90 طائرة مقاتلة من طراز «جاس 39 غريبن» التي تنتجها الشركة السويدية «ساب (Saab)»، أمّا بحرياً، فتملك السويد أسطولاً حربياً في بحر البلطيق يضمّ طرّادات وغواصات عدة.

وأعلن رئيس الحكومة أولف كريسترسون في يناير (كانون الثاني) أنّ بلاده كانت مستعدّة لإرسال جنود للانضمام لقوات «الناتو» في لاتفيا.

ويعني انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي أن بحر البلطيق أصبح محاطاً بالدول الأعضاء في الحلف، حتى بات بعض المحلّلين يطلقون عليه اسم «بحيرة الناتو». يقول المحلّل في معهد أبحاث الدفاع السويدي روبرت دالسيو، لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ «هذه هي القطعة الأخيرة من أحجية خريطة (الناتو) في شمال أوروبا التي بدأت تأخذ مكانها».

جندي سويدي في نقطة حراسة قرب القصر الملكي باستوكهولم في 25 فبراير الحالي (رويترز)

ما الآثار المترتبة على الدفاع السويدي؟

يتعيّن على السويد من الآن فصاعداً أن تضع سياستها ضمن إطار جماعي.

ويوضح جان هانينغسون من الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، لوكالة الصحافة الفرنسية، أنّ «السويد عملت منذ فترة طويلة وفق مبدأ الاضطرار إلى الاضطلاع بالمهمّة بمفردها».

ومن جهته، يقول دالسيو: «سيكون علينا الآن تعلّم كيفية العمل ضمن فريق. ويجب علينا أن نتكيّف مع حقيقة أنّنا لا نستعدّ للدفاع عن الأراضي السويدية فحسب، بل أيضاً عن أراضي الحلفاء».

وفي حال أصبحت فنلندا أو دول البلطيق ساحات قتال، سيتعيّن على السويد أن تصبح دولة عبور لقوات «الناتو».

ومن جهة أخرى، تغيِّر عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي مفهومها التقليدي لحجم القوة في حال نشوب صراع محتمل.

ويقول هانينغسون: «تقليدياً، كنّا نظنّ أنّنا دولة صغيرة وأنّ أيّ شخص يهاجمنا كان أكبر كثيراً». ولكنّه يشير إلى أنّه فيما يتعلق بالاقتصاد والديموغرافيا، فإنّ «(الناتو) أكبر كثيراً من روسيا».

ويرى مسؤولون عسكريون أنّ هذا الأمر يصبّ في مصلحة استوكهولم.

وقال قائد الجيش السويدي، جوني ليندفورس، لصحيفة «داغينز نيهيتر» في ديسمبر (كانون الأول): «ستكون قوة مثيرة للإعجاب إلى حدّ كبير، بوجود قوة الدول الـ32 مجتمعة، من تركيا في الجنوب إلى سفالبارد» في الشمال.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم «الناتو» بمحاولة تحويل مولدوفا «مركزاً لوجيستياً» لدعم أوكرانيا

أوروبا اتهمت روسيا «الناتو» بالسعي إلى تحويل مولدوفا مركزاً لوجيستياً لدعم الجيش الأوكراني (إ.ب.أ)

روسيا تتهم «الناتو» بمحاولة تحويل مولدوفا «مركزاً لوجيستياً» لدعم أوكرانيا

اتهمت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الأربعاء، «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» بالسعي إلى تحويل مولدوفا مركزاً لوجيستياً لدعم الجيش الأوكراني.

«الشرق الأوسط» (تشيسيناو)
تحليل إخباري صبي يرفع إشارة النصر بجوار نقطة تفتيش في الطريق إلى درعا جنوب سوريا في 17 ديسمبر ضمن مخاوف من التوغلات العسكرية الإسرائيلية في منطقة كبيرة يحرسها في الغالب فصائل مدنية (إ.ب.أ)

تحليل إخباري إسرائيل لاستغلال «فرصة تحصل مرة كل 100 سنة» في سوريا

لا يبدو ادعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الاحتلال الجديد للأراضي السورية «إجراء مؤقت» لغرض حماية أمن الدولة العبرية من هجمات المتطرفين، صادقاً.

نظير مجلي (تل ابيب)
أوروبا ألمانيا قد تزيد عدد قواتها المسلحة إلى 230 ألف جندي لتعزيز قدراتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا (رويترز)

ألمانيا قد تزيد قواتها إلى 230 ألف جندي ضمن مسعى لـ«الأطلسي»

ألمانيا قد تزيد عدد قواتها المسلحة إلى 230 ألف جندي ضمن مسعى حلف شمال الأطلسي لتعزيز قدراته بعد الغزو الروسي أوكرانيا في عام 2022.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا فرقة ألمانية في قوات «الناتو» تنقل جنوداً أميركيين في مركبات عسكرية مائية في نهر فستولا ببولندا خلال مناورات حربية (أرشيفية - رويترز)

«الناتو» يتولى تنسيق المساعدات العسكرية لكييف بدلا من أميركا

قال مصدر اليوم الثلاثاء إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) تولى مهمة تنسيق المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا بدلا من الولايات المتحدة مثلما كان مقررا في خطوة…

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ ازدياد القلق من أيّ دعم سياسي أو عسكري أو اقتصادي قد تقدّمه روسيا لبرنامج التسلّح غير القانوني لكوريا الشمالية (إ.ب.أ)

أميركا ودول أوروبية تندد بتوطيد العلاقات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ

حذّرت الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن الدعم «المباشر» الذي تقدّمه كوريا الشمالية لروسيا في أوكرانيا يشكّل «توسّعاً خطراً» للنزاع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

روسيا تعلن إحباط مخططات أوكرانية لقتل ضباط كبار

رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

روسيا تعلن إحباط مخططات أوكرانية لقتل ضباط كبار

رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

قال جهاز الأمن الاتحادي الروسي، اليوم (الخميس)، إنه أحبط عدداً من مخططات أجهزة المخابرات الأوكرانية لقتل ضباط روس كبار وأفراد عائلاتهم في موسكو، باستخدام قنابل مخفية في شواحن احتياطية (باور بنك) أو حافظات وثائق.

وقتل جهاز الأمن الأوكراني الجنرال إيغور كيريلوف، قائد قوات الدفاع النووية والبيولوجية والكيميائية الروسية، في 17 ديسمبر (كانون الأول) في موسكو، بتفجير قنبلة مثبتة في دراجة كهربائية (سكوتر) أمام منزله.

الجنرال إيغور كيريلوف رئيس قوات الدفاع النووي والبيولوجي والكيميائي الروسية (الذي اغتالته أوكرانيا مؤخراً) يتحدث في إحاطة إعلامية في موسكو 28 فبراير 2023 (أ.ب)

وأكد مصدر في جهاز الأمن الأوكراني لوكالة «رويترز» للأنباء، أن الجهاز وراء الاغتيال. وقالت روسيا إن الاغتيال هجوم إرهابي من كييف، وتوعدت بالثأر.

وقال جهاز الأمن الاتحادي الروسي: «أحبط جهاز الأمن الاتحادي في روسيا الاتحادية سلسلة من المحاولات لاغتيال مسؤولين عسكريين كبار في وزارة الدفاع».

وأضاف: «تم اعتقال أربعة مواطنين روس ضالعين في التخطيط لهذه الهجمات».

وذكر جهاز الأمن الاتحادي الروسي أن المخابرات الأوكرانية جندت المواطنين الروس.

وأوضح أن أحد الرجال كان يتعين عليه زرع قنبلة تشبه جهاز شحن متنقلاً (باور بنك) عن طريق لصقها بمغناطيس أسفل سيارة أحد كبار المسؤولين بوزارة الدفاع.

ضابط أوكراني يتحدث عبر الراديو لجنوده أثناء عملية هجوم... الصورة في مركز قيادة قرب خط المواجهة في بوكروفسك بمنطقة دونيتسك أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (أ.ب)

وقال الجهاز إن رجلاً روسياً آخر كان مكلفاً بمهام مراقبة مسؤولين كبار في وزارة الدفاع الروسية، وإن أحد المخططات تضمّن إرسال قنبلة في صورة حافظة وثائق.

وعرض التلفزيون الرسمي الروسي ما قال إنه لقطات لبعض المشتبه بهم الذين اعترفوا بتجنيد المخابرات الأوكرانية لهم لزرع قنابل تستهدف مسؤولين بوزارة الدفاع الروسية.

وتحمّل موسكو أوكرانيا مسؤولية سلسلة من الاغتيالات لمسؤولين كبار على أراضيها بهدف إضعاف الروح المعنوية، وتقول إن الغرب يدعم «نظاماً إرهابياً» في كييف.

وأوضحت كييف التي تقول إن حرب روسيا ضدها تشكل تهديداً وجودياً لدولة أوكرانيا، أنها تعدّ عمليات القتل المستهدف أداة مشروعة.