حالة من الاهتزاز تعم ولايات الغرب الأوسط الأميركي إثر انهيار أسعار السلع الأساسية

جميع القطاعات مصابة بالسلبية على الرغم من التقدم الذي يحققه الاقتصاد في الآونة الأخيرة

شهدت أسعار السلع الغذائية انخفاضا حادا مقارنة بعام 2011 (غيتي)
شهدت أسعار السلع الغذائية انخفاضا حادا مقارنة بعام 2011 (غيتي)
TT

حالة من الاهتزاز تعم ولايات الغرب الأوسط الأميركي إثر انهيار أسعار السلع الأساسية

شهدت أسعار السلع الغذائية انخفاضا حادا مقارنة بعام 2011 (غيتي)
شهدت أسعار السلع الغذائية انخفاضا حادا مقارنة بعام 2011 (غيتي)

على بعد ألف ميل إلى الجنوب من بلدة غرانايت سيتي بولاية إلينوي، تقع بلدة الصلب الرملية الصغيرة على ضفاف الميسيسيبي، حيث توقفت منصات النفط بغرب تكساس عن العمل تماما. وعلى مسافة 700 ميل إلى الشمال، توقفت عن العمل كذلك مناجم الحديد في ولاية مينيسوتا.
كانت المنصات النفطية، مع الأنابيب العميقة الضاربة في أعماق الأرض، تستهلك جُل الصلب الذي تنتجه أفران غرانايت سيتي، بينما كانت المناجم توفر إمدادات المواد الخام. وحتى الآن، هناك أكثر من 2000 عامل في مصنع الصلب الأميركي العملاق، الذي لا يبعد كثيرا عن سانت لويس، ينتظرون إذا ما كان دورهم قد حان. خلال هذا الشهر، وجهت الشركة إليهم تحذيرا أنها قد تضطر إلى وقف العمل، مؤقتا، بالمصنع. وقد تبدأ الشركة في تسريح العمالة بداية من أعياد الميلاد على رأس العام القادم.
قد تنال غرانايت سيتي نصيبها من الانتظار، ولكن الاهتزاز في الأنشطة الاقتصادية بات واضحا بالفعل عبر رقعة كبيرة من ولايات الغرب الأوسط بقلب البلاد التي تمتد من خليج المكسيك وحتى الحدود الكندية الأميركية، حيث تشهد أسعار السلع الأساسية انهيارا حادا.
سواء كان الأمر يتعلق بعمال النفط أو بغيرهم في تكساس ونورث داكوتا، أو بعمال المناجم في مينيسوتا، أو بالمزارعين في أيوا، أو صناع وبائعي المعدات الثقيلة في إلينوي، فإن السبب الكامن وراء المخاوف لا يتغير بأي حال: الهبوط المفاجئ في الطلب على السلع الأساسية. يقول مايك مكابي (53 عاما) وهو من عمال الصلب من الجيل الثاني الذي قضى ما يقرب من عشرين عاما يعمل في الفرن حيث يتحول الحديد المنصهر والخردة المعدنية إلى صلب فولاذي «يعتري الجميع الخوف حتى الموت، وإننا في انتظار الأسوأ. إنهم يدفعون لنا لصناعة الأنابيب، ذلك هو عملنا. ولكن الشائعات تقول: إن طلبات الشراء في انهيار كبير».
يذكرنا انهيار أسعار مختلف المنتجات، بما في ذلك النفط الخام، وخام الحديد، والمحاصيل الزراعية مثل الذرة وفول الصويا، بالانهيار الذي شهده قطاع التكنولوجيا في عام 2000، أو انفجار فقاعة الإسكان قبل عشر سنوات تقريبا. وخلف الألم والقلق هناك رياحا معاكسة قادمة من الصين وغيرها من الأسواق الناشئة، حيث تشهد هي الأخرى بطئا في النمو وجفافا في الطلب على المواد الخام التي تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي.
حتى مع التقدم الذي يحققه الاقتصاد الأميركي في الآونة الأخيرة، فإن أعصاب الجميع باتت مشدودة وبشكل كبير، حيث يساور المستثمرين والبنوك، الذين كانوا يوفرون الأموال بشغف إلى شركات الطاقة والتعدين العملاقة عندما كانت الأسعار مرتفعة، القلق العميق حول ما إذا كانت الشركات سوف تسدد قروضها إذا ما واصلت الأسعار هبوطها الحالي. وقالت شركة كاتربيلار، ومقرها في بيوريا بولاية إلينوي، في سبتمبر (أيلول) الماضي إنها تعتزم تخفيض ما يصل إلى 10 آلاف وظيفة، مما يعتبر نتيجة قاسية للغاية لانخفاض الطلب على علامتها التجارية من الجرافات والحفارات الصفراء المميزة.
وبعد أيام قليلة من قرار شركة كاتربيلار، أعلنت شركة ألكوا أنها في طريقها للانقسام إلى شركتين للمساعدة في التعامل مع الانهيار الواضح في أسعار الألمونيوم. أما شركة ديوبونت، التي كانت خاضعة لضغوط كبيرة لتنفيذ انقسام مماثل بسبب سوء أسعار المواد الكيميائية، فأعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) عن استقالة مديرها التنفيذي وأنها في طريقها لخفض النفقات بصورة شديدة. في تكساس، ألغت شركات الطاقة وغيرها من شركات الموارد الطبيعية نحو 25 ألف وظيفة خلال هذا العام. وفي ولاية نورث داكوتا ذات الكثافة السكانية المنخفضة، حيث ارتفاع الثروات مع الطفرة التي شهدها مجال النفط الصخري، ألغيت نحو 10 آلاف وظيفة، مع بعض المساكن التي بنيت على عجل هناك وصارت خاوية.
وبالنسبة للحزام الزراعي، الذي تجنب إلى حد كبير الأضرار الناجمة عن الأزمة المالية والركود الكبير، فإن التحول الاقتصادي كان حادا على وجه الخصوص. تتوقع وزارة الزراعة الأميركية أن عوائد المزارع، المعدلة وفقا للتضخم، سوف تشهد انخفاضا بواقع 54 في المائة مما كانت عليه قبل عامين ماضيين – وهو أدنى مستوى تصل إليه منذ ثمانينات القرن الماضي. ولقد انخفض سعر شراء الذرة، المحصول الأكثر قيمة في البلاد، وصولا إلى 3.78 دولار للبوشل الواحد من واقع 7.50 دولار قبل ثلاث سنوات مضت.
يقول ناثان كوفمان، المدير التنفيذي لفرع أوماها لبنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي بولاية ميسوري «أعتقد أن الكثير من المزارعين بدأوا في إدراك أن مستويات الأسعار هذه لن تكون مؤقتة».
ومع ذلك، ومع كافة المخاوف المتزايدة عبر القطاع الأوسط من ولايات البلاد، فإن الازدهار الممتد لفترة طويلة في أسعار السلع الأساسية قد انقطع على كلا الاتجاهين، الإنتاج والاستهلاك. وعلى خلاف أزمة الإسكان، التي لم يستفد منها أحد إلا حفنة صغيرة من البائعين قصيري الأجل، كان لانهيار الأسعار أثر تعويضي إيجابي بالنسبة للمستهلكين وبعض من الشركات.
يتساوى الانخفاض بنسبة 37 في المائة مع أسعار الوقود منذ صيف عام 2014 مع تخفيض الضرائب بمقدار 100 مليار دولار وهو ما تشتد الحاجة إليه لإغاثة الاقتصاد في الوقت الذي تستمر فيه الأجور عالقة في مكانها. كما شهدت أسعار الأغذية انخفاضا هي الأخرى، حيث هبطت أسعار الدجاج بواقع 8 في المائة عن العام الماضي، وفقا إلى مكتب إحصاءات العمل. وانخفضت كذلك أسعار الحليب، مع هبوط في أسعار المنتجات المستوردة من الخارج مثل القهوة.
اعتاد منتجو السلع الأساسية على تنظيم التعامل خلال فترات الازدهار والكساد المتعاقبة، ولكن فترة النمو الطويلة للأسواق المالية المدفوعة بالنهم الصيني الذي لا يشبع للمواد الخام كانت فترة استثنائية خاصة بكل المقاييس المعروفة. حيث يشبه إدوارد إل. مورس، رئيس أبحاث السلع الأساسية لدى مجموعة سيتي العالمية، الازدهار الصيني بالعقود الثلاثة التالية على الحرب العالمية الثانية، حينما كانت أوروبا في جهود إعادة الإعمار، أو بالعصر الذهبي للثورة الصناعية في الولايات المتحدة خلال الخمسين سنة التالية على الحرب الأهلية الأميركية.
استثمرت مبالغ طائلة من الأموال على مستوى العالم في زيادة إنتاج السلع الأساسية، سواء كان ذلك يعني الحفر لاستخراج خام الحديد والألمونيوم في البرازيل وأستراليا، أو تطوير مصادر أخرى من النفط الصخري والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. وخلال العقد الأول من القرن 21، كما يقول مورس، تضاعف الإنفاق على استكشاف الطاقة والحفريات سبع مرات.
وتابع مورس يقول: «كانت هناك طفرة كبيرة في إنفاق رؤوس الأموال في كل مكان بالعالم. كان حشدا مهيبا وعظيما للموارد للعثور على، وإيجاد، أي شيء جديد. وعلى غرار الطفرات التي شهدها مجال البنية التحتية في الماضي، فإن الأمر برمته يقترب من نهايته».
ومن أميركا الجنوبية وحتى جنوب أفريقيا وما بعدها، فإن هدوء الاقتصاد الصيني يُضاف إلى حالة الجمود الاقتصادي العالمية. إن الضربة المزدوجة من انخفاض الصادرات إلى الصين وهبوط أسعار السلع الأساسية قد اجتاحت الاقتصاد البرازيلي، سابع أكبر اقتصاد في العالم، ولقد انخفضت عملة البلاد بمقدار الثلث تقريبا مقابل الدولار خلال هذا العام.
وعلى مقربة من أرض الوطن، في بلدة اسامبشن بولاية إلينوي، وفي غيرها من البلدات الزراعية الصغيرة عبر الغرب الأميركي الأوسط، هلت عليهم السنوات العجاف. ولكن على غرار المذكور في سفر الخروج بالكتاب المقدس، كانت هناك سبع سنوات وافرات قد، بالفعل، سبقتها.
وبالإشارة إلى كافة أحوال المعاناة الاقتصادية في أماكن أخرى، عبر القطاع الزراعي من خضم أزمة الكساد الكبير سالما إلى حد ملحوظ. كانت المحاصيل الزراعية وفيرة، وكانت أسعار الذرة وفول الصويا منتعشة، وأدى انخفاض أسعار الفائدة إلى تسهيل الاقتراض وشراء الأراضي أو المعدات الجديدة.
يقول توم سلوان، المدير التنفيذي لشركة سلوان، وهي من كبار شركات التجارة في الجرارات والحاصدات الزراعية وغيرها من المعدات من طراز جون دير التي تمتلك 20 مستودعا في ولايتي إلينوي وويسكونسن: «لم يُصب قومي بسوء. يقول كل أصدقائي كيف كانت الأوقات عصيبة، ولكن المزارعين ظلوا بأمان».
أما المزارعون، أمثال تيري البريخت، الذي يعمل في زراعة الذرة وفول الصويا في نفس قطعة الأرض البالغة مساحتها 600 فدان في ستاونتون، إلينوي، وهي نفس الأرض التي كان يعمل والده وجده على حرثها من قبل، فاستغل الأرباح المفاجئة من ارتفاع الأسعار في تحديث شاحنات نقل الحبوب وغيرها من المعدات بحوزته. وفي يوليو (تموز)، كان في إجازة من المزرعة وانطلق إلى هاواي في رحلة لأسبوعين برفقة زوجته وابنته.
ويقول تيري إنه ربما تمر فترة قبل أن يتمكن من الذهاب في رحلة مماثلة مجددا. «مع أسعار كتلك، سوف أكون حذرا كثيرا في إنفاق المزيد من الأموال، إننا نستغل الفرصة عندما تكون سانحة فقط».
وكما كان الحال مع غير ذلك من السلع الأساسية، دفع الطلب الخارجي أسعار المحاصيل إلى الارتفاع أيضا، وخصوصا مع شروع المستهلكين في الأسواق الناشئة في محاكاة العادات الغذائية الغربية.
كانت صادرات القمح من الولايات المتحدة إلى الصين وحدها في عام 2014 أربعة أضعاف ما كانت عليه في عام 2011، بينما تضاعفت الأسعار قبل هبوطها الأخير. تحظر بكين استيراد اللحوم الأميركية، ولكن صادرات اللحوم الأميركية إلى هونغ كونغ قد ارتفعت بشكل كبير، ويجري إثر ذلك تهريب تلك اللحوم إلى البر الرئيسي بالصين.
مع انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية، كذلك انخفضت مبيعات معدات شركة جون دير في القطاع الذي يخدمه سلوان. حيث هبطت طلبات شراء المعدات الجديدة بنسبة 30 في المائة عن العام الماضي، كما قال، والجرارات والحاصدات المستعملة التي يتخذها على سبيل المقايضة الآن تملأ معظم أرجاء المستودع ذي الفدادين الخمسة لدى مقر شركته في بلدة اسامبشن، إلينوي.
وتابع سلوان يقول: «جنى المزارعون الكثير من الأموال حتى إنهم ابتاعوا جميعهم معدات جديدة. أما الآن فإن توريد المعدات المستعملة يلقى رواجا كبيرا».
وعلى غرار الهبوط الذي تشهده مبيعات سلوان، كذلك الحال في كافة أعمال شركة جون دير الأخرى، التي تتخذ من مولين في إلينوي مقرا لها على بعد ثلاث ساعات بالسيارة من بلدة اسامبشن، فلقد استغنت الشركة عن خدمات 1500 موظف تقريبا خلال العام الماضي، وهبطت الأرباح بواقع 40 في المائة في الربع الماضي من هذا العام. ولكن نظرة سلوان بعيدة الأمد – فلقد تأسست الشركة على يد جده في عام 1931. يقول: «إننا في خضم الأعمال التجارية الدورية. ولقد طال أمد الأوقات السعيدة أكثر مما توقعنا، وربما سوف نشهد عامين أو نحوهما من السنوات العجاف في الفترة المقبلة».
والآن، مع انتهاء حالة الازدهار، ربما نبدأ في رؤية حالات الإفلاس في القطاع الزراعي مجددا، ولكن ليس هناك أحد يتوقع تكرارا لأزمة ثمانينات القرن الماضي حينما انهار الكثير من المزارعين والبنوك المحلية. الفارق الكبير المشهود هذه المرة هو، كما يقولون، مستويات الديون الإجمالية المنخفضة، وتكاليف الإقراض الرخيصة التاريخية.
غير أن الجهات المراقبة للبنوك وغيرها من الهيئات الحكومية تراقب عن كثب الارتفاع المطرد في القروض الزراعية التشغيلية قصيرة الأجل عبر العام الماضي.
يقول ديفيد ميلر، مدير الأبحاث وخدمات السلع الأساسية لدى مكتب اتحاد المزارعين في أيوا: «إذا سددت أرضك ما عليها من أقساط، ووفقا لسعر 3.50 دولار للبوشل الواحد، ربما تتمكن من تأمين شيء قليل من الدخل الخاضع للضرائب. وإذا ما كنت تؤجر الأرض مقابل 300 دولار للفدان، فإنك ستفقد أموالا إثر ذلك ولا بد».
إلى الشمال الشرقي من المصانع والمشاهد الصناعية القاتمة في غرانايت سيتي، تحول المشهد العام في مقاطعة ماديسون في إلينوي سريعا إلى أراض زراعية ممتدة يغطيها لون الكهرمان. وبالنسبة للمزارعين في المنطقة، فإن شركة هامل كووب للحبوب في منطقة هامل الريفية هي محل بيع أو تخزين المحاصيل خاصتهم، ومستراح الهمهمات التجارية وأحاديث الأعمال. وفي هذه الأيام، تتحول المحادثات بين الناس حتما نحو مناقشة الأسعار، التي تظهر على لوحة الإعلانات الكبيرة التي تعمل إيمي روغير، المدير العام بالشركة، على تحديثها بعد ظهيرة كل يوم بآخر الأرقام الواردة من مجلس شيكاغو التجاري.
قبل عامين ماضيين، كان فول الصويا يُباع مقابل 15 دولار للبوشل الواحد. ولكن السعر التعاوني الحالي يبلغ 8.90 دولار فقط. وكانت الذرة تُباع لقاء 6.93 دولار للبوشل الواحد في عام 2012، ولكنها انخفضت الآن إلى 3.78 دولار فقط.
تقول روغير، التي نشأت في مزرعة بتلك المنطقة التي لا يزال والدها وشقيقها يديرانها: «ليس هنا أحد سعيد بتلك الأسعار. يقدم الجهاز التعاوني أسعارا منخفضة للبذور، كما يستخدم المزارعون أسمدة منخفضة التكلفة للتعامل مع، واستيعاب، الميزانيات المقيدة».
على غرار المعدات الزراعية المستعملة القابعة في مستودع سلوان، فإن أول ما يشاهده الزائر هناك في مصنع الصلب في غرانايت سيتي هي أكوام تلو الأكوام من الفحم. وهو ما يُعرف في أوساط صناعة الصلب بفحم الكوك – أي الفحم المكربن المستخدم في انصهار وتنقية خام الحديد ثم تحويله إلى فولاذ صلب. ومع أنه ليس هناك إلا فرن واحد فقط من الأفران العالية العاملة في غرانايت سيتي، فإن مصنع الصلب يعمل فقط بنصف طاقته الاعتيادية من 2.8 مليون طن من الصلب في العام. وعبر مختلف أقسام الشركة، فإن شركة الولايات المتحدة للصلب تستخدم 58 في المائة من طاقتها الإنتاجية، مما يعني أن هناك كميات هائلة من فحم الكوك من دون فائدة في الوقت الحالي.
يستخدم بعض من الصلب المنتج في غرانايت سيتي في أعمال البناء وفي الماكينات وغيرها من المعدات، ولكن النصيب الأكبر يخصص لما يُعرف في أوساط تلك الصناعة بأنه المنتجات الأنبوبية ذات الاستخدام النفطي.
منذ أوائل عام 2011 وحتى منتصف عام 2014، حينما كان يجري تداول النفط عند أسعار تتراوح بين 90 إلى 110 دولارات للبرميل، كانت غرانايت سيتي تقوم بشحن اللفائف تلو اللفائف من الصلب إلى مصنع الصلب للولايات المتحدة في لون ستار بولاية تكساس، حيث كان يتحول هذا الصلب هناك إلى أنابيب تستخدم لتبطين الآبار النفطية وغير ذلك من المنتجات الأخرى ذات الصلة.
ولقد أجبر الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط الخام، وصولا إلى 40 إلى 50 دولارا للبرميل خلال عام 2015، الصناعة على توقف أكثر من نصف الحفارات عن العمل. وفي منتصف أكتوبر، كان هناك نحو 595 منصة نفطية قيد العمل، مقارنة بنحو 1590 منصة قبل عام مضى.
ولكن هناك عبء خفي في السوق. حيث يعمد الكثير من المشغلين، من أجل الحفاظ على التعاقدات، إلى حفر الآبار النفطية دون الانتهاء منها. مما يعني أنه وبمجرد ارتفاع الأسعار الشيء القليل، قد يرتفع الإنتاج سريعا مرة أخرى، مما يهدد بانخفاض الأسعار مجددا. نتيجة لما تقدم، فإن العواقب المالية - وغير ذلك من المقرضين لصناعة الطاقة – هي في ازدياد، ولسوف يرتفع الضغط كثيرا إذا ما ظلت أسعار النفط عند مستوى 45 دولارا للبرميل.
أما القروض التي كانت آمنة منذ فترة فتبدو الآن أكثر خطورة: إن الضمانات الداعمة للكثير من القروض التي تحتفظ بها البنوك هي في صورة احتياطات الغاز والنفط. ومع هبوط أسعار النفط عالميا، هبطت بالتالي قيمة السلع الأساسية الضامنة للقروض.
بدأت البنوك في تأمين الأموال، والاحتفاظ بها جانبا، لتغطية القروض المتعثرة المقدمة إلى شركات الطاقة. عبر الفصول الأربعة الأخيرة، زاد بنك كوميركا في تكساس من الاحتياطات التي يحتفظ بها جانبا للقروض المتعثرة لشركات الطاقة والشركات المتعلقة بها، مما يبلغ نحو 3.8 مليار دولار، أي ما يساوي تقريبا 8 في المائة من إجمالي القروض التي يحتفظ بها البنك. وفي منتصف أكتوبر، أعلن بنك كوميركا أنه ضاعف تقريبا من إجمالي قروض الطاقة حتى مبلغ 1.1 مليار دولار، مما يصنفه البنك تحت فئة «قروض مدانة»، أو ما يعني أن البنك تساوره الشكوك حول الأوضاع المالية للمقترضين تحت تلك الفئة.
وحتى مع تعاملهم مع الانخفاض في الطلب على النفط، فإن صناع الصلب الأميركيين أصابهم طوفان الصلب المستورد من المنتجين الأجانب، وخاصة من كوريا الجنوبية.
ولقد أقامت شركة الولايات المتحدة للصلب دعوى تجارية ضد صناع الصلب الكوريين، زاعمة أنهم يعملون على تخفيض أسعار الصلب بأقل من نصف تكاليف التصنيع. وبحلول ميقات تسوية تلك القضية، رغم كل شيء، كانت الأفران العالية في غرانايت سيتي لا تزال باردة.
يقول دوغلاس آر. ماثيوس، نائب رئيس عمليات المنتجات المسطحة المدرفلة لشمال أميركا في شركة الولايات المتحدة للصلب: «هناك في المعتاد مخزون احتياطي يغطي احتياجات أربعة شهور من المنتجات الأنبوبية ذات الاستخدام النفطي لدى شركة الولايات المتحدة للصلب. أما الآن فإن ذلك المخزون يبلغ 10 إلى 12 شهرا كاملة، ولا نزال نشهد مستويات مرتفعة من الصلب الكوري ترد إلى بلادنا».
* خدمة {نيويورك تايمز}
ولكن الجانب الآخر من دورة السلع الأساسية يكمن في أن بعض الخاسرين السابقين باتوا يحصلون مكاسب مرتفعة.
أدى الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية إلى تحول في صناعة الطيران، على سبيل المثال، دفعت أسعار النفط المرتفعة شركات الطيران إلى الاندماج، مما يقلل من القدرات وإيقاف عمل الطائرات غير الاقتصادية في رحلاتها.
أما اليوم، ومع الانخفاض الذي تشهده تكاليف تلك الشركات، وإلى حد كبير، فإن صناعة الطيران تعلن الآن عن مستويات تاريخية في الربحية.
إن تأثير السفينة الدوارة ذلك سوف تأتي ثماره في نهاية المطاف داخل قطاع السلع الأساسية ذاته. فمع هبوط الأسعار، ينخفض كذلك إنفاق رؤوس الأموال الهادف إلى العثور على احتياطات جديدة من النفط أو استخراج المعادن من مناجم جديدة. وفي نهاية الأمر، سوف ينضبط التوريد اتفاقا بصورة أفضل مع الطلب، مما يمهد المجال أمام استقرار الأسعار، والتعافي بمرور الوقت.
تشير بعض العلامات إلى أن أزمة السلع الأساسية تتجه نحو الأسفل. ولكن الكثير من المحللين يتوقعون أن أسعار النفط، على وجه الخصوص، سوف تبقى منخفضة ولفترة طويلة على غير العادة، حيث إن الصناعة النفطية تعمل ببطء وفقا لمقدار هائل من الإمدادات والمخزونات.
ربما يتسبب ذلك الأمر في بهجة لدى المستهلكين الأميركيين، في غرانايت سيتي والبلدات المماثلة، وصعودا وهبوطا عبر مختلف أرجاء الغرب الأوسط بالبلاد، حيث تجلب الاحتمالات تلك القليل من الفرح.
يقول جايسون شيزم، رئيس منتدى لوكال 50 لعمال الصلب الأميركيين في غرانايت سيتي «من الصعب بالنسبة لي أن أصدق أن ما يعد جيدا لمضخة النفط هو سيئ بالنسبة لي. ولكنني لست سعيدا على أي حال. إننا نقوم بفصل الرجال من أعمالهم الآن، وصناعة الصلب بأكملها في شلل مؤقت حاليا».
وليس مكابي، عامل الصلب من الجيل الثاني، أفضل حالا وهو يستعد للأسوأ. منذ فترة ليست بعيدة، طلب من أحد الوكلاء العقاريين أن يقوم بزيارة لمنزله في غليسبي بولاية إلينوي، وأعطاه تقديرا لسعر ممتلكاته. وقال مكابي «إذا ما توقف المصنع عن العمل، فسوف أبيع كل ما أملك هنا وأبدأ من جديد. لدي معدل ائتماني جيد، ولا أريد أن أفقد ذلك أيضا. يمكنني الحصول على وظيفة بأجر 10 إلى 15 دولارا في الساعة».
وذلك الأجر هو أقل بكثير من 25 دولارا في الساعة التي يكتسبها لدى شركة الولايات المتحدة للصلب، ولكن مكابي يعلم أن الأمور في تلك الصناعة قد تغيرت منذ أن كان والده وعمه يعملان في فرن الانصهار قبل عقود مضت.
يتابع مكابي قوله خلال المقابلة الشخصية داخل قاعة الاتحاد القديمة المعروفة باسم «ليبور تيمبل»: «إننا نكسب أموالا جيدة عندما نعمل على تصنيع الصلب. ولكن أجورنا قد انخفضت فعلا مع هبوط كبير في الإنتاج، ونتحول في معظم الأحيان إلى مدخراتنا لكي نعيش. ما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟ لا شيء».



أمين عام «أوبك»: «الوقود الأحفوري» مصطلح غير دقيق تاريخياً وعلمياً... ويجب التخلي عنه

الأمين العام لمنظمة «أوبك» (أ.ف.ب)
الأمين العام لمنظمة «أوبك» (أ.ف.ب)
TT

أمين عام «أوبك»: «الوقود الأحفوري» مصطلح غير دقيق تاريخياً وعلمياً... ويجب التخلي عنه

الأمين العام لمنظمة «أوبك» (أ.ف.ب)
الأمين العام لمنظمة «أوبك» (أ.ف.ب)

دعا الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، هيثم الغيص، إلى إعادة التفكير في مدى ملاءمة استخدام مصطلح «الوقود الأحفوري» لوصف النفط الخام، مؤكداً أن هذا المصطلح يفتقر إلى الدقة العلمية اللازمة في نقاشات مسارات الطاقة المستقبلية.

وأشار الغيص في مقال نشر على موقع «أوبك» إلى 3 عوامل رئيسية تُظهر عدم دقة المصطلح، مشدداً على أن الدقة أمر جوهري في العلم:

1- النفط ليس مُجرَّد «وقود»

أوضح الغيص أن النفط الخام نادراً ما يُستخدم كوقود مباشرة؛ بل يخضع للتكرير ليتحول إلى آلاف المنتجات المختلفة، جزء منها فقط هو وقود. واستشهد بتقرير توقعات النفط العالمية لـ«أوبك» لعام 2025 الذي يشير إلى أن قطاع البتروكيميائيات سيكون المساهم الأكبر الوحيد في نمو الطلب العالمي الإضافي على النفط خلال الفترة 2024- 2050.

وقال: «تعريفه (النفط) على أنه وقود فقط يشوه طريقة استخدامنا له في كل قطاع اقتصادي، وكل مرحلة من مراحل الحياة اليومية».

2- أصل المصطلح يعود للقرن الثامن عشر

تناول الغيص الأصل التاريخي للفظ «أحفوري» (Fossil) الذي يعود إلى الكلمة اللاتينية «fossilis» وتعني «المستخرج بالحفر». وأشار إلى أن أول استخدام مسجَّل لمصطلح «الوقود الأحفوري» في عام 1759، كان لتمييز المواد التي تُستخرج من باطن الأرض بالحفر (كالفحم والنفط) عن تلك التي تأتي من فوق الأرض (كالحطب والفحم النباتي).

وتابع: «هذا التعريف يشير إلى منهجية الاستخراج وليس إلى التركيب الكيميائي. لقد تطور العلم كثيراً منذ عام 1759، فهل من المناسب استخدام مصطلح عفَّى عليه الزمن يعود للقرن الثامن عشر لوصف مصادر وسلع الطاقة الحديثة؟».

3- اختلاف التكوين الجيولوجي بين «الأحافير» و«النفط»

شدد الأمين العام على وجود فرق جوهري بين تكوين الأحافير الجيولوجي وتكوين النفط. فالأحافير تتضمن حفظ المادة العضوية في الصخر على مدى الزمن، بينما يتكون النفط من مواد عضوية قديمة (في الغالب العوالق والكائنات البحرية المتحللة) تتعرض لطبقات من الرمل والطمي والصخور. ومع مرور ملايين السنين، يعمل الضغط والحرارة على «طهي» هذه المادة وتحويلها إلى هيدروكربونات سائلة.

وأكد الغيص أن «هناك فرقاً رئيسياً: التحَفُّر يتضمن تحويل المادة العضوية إلى صخرة وحفظها. أما تكوين النفط فيتضمن طهي المادة العضوية وتحويلها إلى سائل».

تداعيات «الوصمة»

رفض الغيص حجة البعض القائلة بضرورة قبول المصطلح لأنه شائع الاستخدام. وتساءل: «في القضايا المتعلقة بتغير المناخ، يُطلب منا باستمرار الاستماع إلى العلم. فهل تتوافق المصطلحات العامة مع دقة العلوم الصارمة؟».

وخلص إلى أن مصطلح «الوقود الأحفوري» غالباً ما يُستخدم «كوصمة، وطريقة مهينة لرفض مصادر الطاقة». وأضاف أن هذا يغذي رواية تزعم أن بعض الطاقات «متفوقة أخلاقياً» على غيرها، مما يشوه النقاش الذي يجب أن ينصب على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ويحوله إلى «جدل مضلل حول استبدال مصادر الطاقة».

ودعا الغيص إلى ضرورة فهم حقيقة النفط، وكيفية تشكله، واستخدامه اليومي، محذراً: «خلاف ذلك، فإننا نجازف بتعريض الحاضر للخطر باسم إنقاذ المستقبل». مختتماً تساؤله: «بناءً على هذا، ألم يحن الوقت لأن يعيد العالم التفكير في مدى ملاءمة مصطلح الوقود الأحفوري؟».


«الاستثمارات العامة» و«جونز لانغ لاسال» يستثمران في «إف إم تك» لتعزيز إدارة المرافق

سعد الكرود رئيس الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة ونيل موراي رئيس خدمات إدارة العقارات في «جونز لانغ لاسال» (الشرق الأوسط)
سعد الكرود رئيس الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة ونيل موراي رئيس خدمات إدارة العقارات في «جونز لانغ لاسال» (الشرق الأوسط)
TT

«الاستثمارات العامة» و«جونز لانغ لاسال» يستثمران في «إف إم تك» لتعزيز إدارة المرافق

سعد الكرود رئيس الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة ونيل موراي رئيس خدمات إدارة العقارات في «جونز لانغ لاسال» (الشرق الأوسط)
سعد الكرود رئيس الاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة ونيل موراي رئيس خدمات إدارة العقارات في «جونز لانغ لاسال» (الشرق الأوسط)

أعلن صندوق الاستثمارات العامة توقيع اتفاقية تتيح لشركة «جونز لانغ لاسال» الاستحواذ على حصة مؤثرة في الشركة السعودية لإدارة المرافق «إف إم تك»، إحدى شركات محفظة الصندوق، في خطوة تستهدف دعم نمو قطاع إدارة المرافق وتوسيع نطاق الخدمات في السوق السعودية، بما ينسجم مع استراتيجية الصندوق لتمكين القطاع الخاص وتعزيز الشراكات معه.

وأوضح بيان مشترك أن إتمام الصفقة متوقع بعد استيفاء شروط الإتمام المعتادة، على أن يحتفظ صندوق الاستثمارات العامة بحصة الأغلبية في «إف إم تك»، التي أطلقها الصندوق في عام 2023 بصفتها شركة وطنية متكاملة لإدارة المرافق، تقدم خدماتها لشركات محفظته، إلى جانب الجهات الحكومية والقطاع الخاص في السعودية.

وحسب البيان، تجمع الصفقة بين حضور صندوق الاستثمارات العامة في السوق، والخبرات التشغيلية والتقنية لدى «جونز لانغ لاسال»، بهدف صنع فرص تجارية جديدة وتعزيز قدرات تقديم الخدمات في السعودية، إلى جانب دعم العلاقة القائمة بين الطرفين.

ومن المنتظر أن تستفيد «إف إم تك» من الشبكة العالمية لـ«جونز لانغ لاسال» وخبراتها التشغيلية لإطلاق فرص إضافية، وتوطين المعرفة والتقنيات، كما يتيح التكامل مع المنصات الرقمية المتقدمة لدى «جونز لانغ لاسال» في إدارة المرافق رفع جودة الخدمات وتحسين مستويات الكفاءة والشفافية في العمليات المختلفة، بما يعزز قيمة الخدمات المقدمة للعملاء على المدى الطويل.

وأكد سعد الكرود، رئيس الإدارة العامة للاستثمارات العقارية المحلية في صندوق الاستثمارات العامة، أن إدارة المرافق تمثل «أحد الممكنات الرئيسية» للقطاع العقاري والبنية التحتية في السعودية، وكذلك لاستراتيجية الصندوق في القطاع العقاري المحلي.

وقال إن استثمار «جونز لانغ لاسال»، «يعزز تطور الشركة السعودية لإدارة المرافق، ويفتح فرصاً جديدةً لتحقيق نمو يستفيد منه القطاع بأكمله»، مشيراً إلى ارتباط ذلك بدعم الابتكار الحضري وتحسين جودة الحياة.

من جهته، قال نيل موراي، الرئيس التنفيذي لخدمات إدارة العقارات في شركة «جونز لانغ لاسال»، إن الاستثمار سيجمع «أفضل القدرات التشغيلية والتقنيات الرائدة» لدى الشركة العالمية مع خبرات «إف إم تك» في السوق المحلية، بهدف تقديم خدمات «استثنائية» في سوق سعودية وصفها بسريعة النمو.

وتأتي هذه الخطوة ضمن توجه صندوق الاستثمارات العامة لزيادة استثمارات القطاع الخاص من المستثمرين المحليين والعالميين في شركاته، بما يسهم في إطلاق قدراتها الكاملة، بالتوازي مع مواصلة الصندوق مستهدفاته في دفع التحول الاقتصادي وتوليد عوائد مستدامة.


مصفاة الزور الكويتية تعيد تشغيل وحدة تكرير النفط الخام بعد حريق

إحدى وحدات مصفاة الزور بالكويت (رويترز)
إحدى وحدات مصفاة الزور بالكويت (رويترز)
TT

مصفاة الزور الكويتية تعيد تشغيل وحدة تكرير النفط الخام بعد حريق

إحدى وحدات مصفاة الزور بالكويت (رويترز)
إحدى وحدات مصفاة الزور بالكويت (رويترز)

أفاد موقع «آي آي آر» لمتابعة قطاع النفط، اليوم (الاثنين)، بأن الشركة الكويتية للصناعات البترولية المتكاملة (كيبك) المملوكة للدولة، أعادت تشغيل وحدة تكرير النفط الخام التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 205 آلاف برميل يومياً في مصفاة الزور، في 13 ديسمبر (كانون الأول)، أي بعد شهر تقريباً من الموعد المتوقع من قبل، وفقاً لـ«رويترز».

وأغلقت المصفاة الوحدة وخط إنتاج «إيه آر دي إس 2» التابع لها في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بسبب حريق. وكان من المتوقع سابقاً إعادة تشغيل وحدة تكرير النفط الخام في 11 نوفمبر (تشرين الثاني).

وتمثل مصفاة الزور التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 615 ألف برميل يومياً مصدراً رئيسياً لوقود نواتج التقطير مثل الديزل، وهي مشروع تكرير جديد نسبياً؛ إذ دخلت حيز التشغيل في 2022.