كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن السلطات الإسرائيلية تستغل الانشغال العالمي بالحرب على قطاع غزة، في الشهور الأربعة الماضية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتعد لبناء 4 أحياء استيطانية يهودية جديدة في القدس الشرقية تضم 3 آلاف وحدة سكنية.
وقد عدَّ الفلسطينيون هذا المخطط جزءاً من محاربة المشاريع المطروحة بقوة لإقامة دولة فلسطينية، ولمنع تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة لها، فضلاً عن السعي المتواصل منذ 57 عاماً لتقليص نسبة الفلسطينيين في المدينة، من 40 بالمائة اليوم إلى 12 بالمائة فقط.
جاء الكشف عن المخطط في تقريرين صحافيين نشرتهما كل من صحيفة «هآرتس» وموقع «تايمز أوف إسرائيل»، ليؤكد أن نائب رئيس بلدية القدس الإسرائيلية، إريه كينغ، الذي ينتمي إلى تيار الصهيونية الدينية، تمكن من طرح المشروع بهدوء في ظل الانشغال بالحرب.
كينغ قال إن التراجع في نسبة اليهود في القدس يقض مضاجعه «لأننا «كنا في سنة 2009 فقط نشكل ما نسبته 70 بالمائة من سكان المدينة فهبطنا إلى 60 بالمائة اليوم. وهذا يعني أن الفلسطينيين زادوا من 30 بالمائة إلى 40 بالمائة. وإذا استمر هذا الوضع 10 سنوات أخرى فإن نسبتهم ستصبح 50 بالمائة، ولا تعود القدس مدينة يهودية».
كينغ هذا، يترأس جمعية تدعى «صندوق أراضي إسرائيل»، ويتباهى بأنه تمكن من إنقاذ مئات الدونمات من الأراضي اليهودية التي يسيطر عليها فلسطينيون وإعادتها لليهود، ووضع مخططات لبناء مستوطنات أو بؤر استيطانية عليها».
وكانت خطة الأحياء الأربعة هذه قد وُضعت في اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في القدس، التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية، منذ سنوات عدة، ولكنها لم تقر بسبب المعارضة الشديدة في الولايات المتحدة ودول الغرب، والخوف من الدعوى التي رفعتها السلطة الفلسطينية إلى محكمة العدل العليا الدولية في لاهاي، وتطالب فيها باتخاذ قرار يؤكد أن الاستيطان الإسرائيلي في المناطق التي احتُلت سنة 1967 «غير شرعي وجريمة ضد الإنسانية».
وكما هو معروف، ستبدأ المحكمة النظر في هذه الدعوى، الاثنين، وقررت إسرائيل مقاطعتها وعدم التعاون معها. لكن الأوساط الاستيطانية في القدس، بقيادة كينغ، كانت تتحين الفرصة لإطلاق الخطة بشكل عملي في أول مناسبة ممكنة. وقد أخرجت هذه الخطط من الدرج، وأقرت واحداً من بنودها، بعد يومين فقط من اندلاع الحرب على غزة، وتحديداً في 9 أكتوبر، وينص على إقامة حي يهودي جديد في قلب حي رأس العمود الفلسطيني، يضم ملحقاً أمنياً يشمل إقامة جدار، طريق أمنية، آليات مصفحة، وكاميرات حماية قادرة على التعرف على الوجه.
الحي الاستيطاني المذكور واحد من 4 أحياء تدفع بها وزارة القضاء التي يتولاها ياريف ليفين، وهي «نوفي راحيل» الذي يبعد بضعة أمتار فقط عن بيوت قرية أم طوبا المقدسية، ويضم 650 وحدة استيطانية. والحي الاستيطاني المخطط إقامته في قلب قرية أم ليسون في صور باهر، وحي «غفعات هشكيد» الملاصق لبيت صفافا. ويشمل المخطط بناء 3 آلاف وحدة استيطانية، في المستوطنات الأربع. وتقرر اختصار الإجراءات البيروقراطية بشكل استثنائي، بحيث يجري منح التصاريح والمصادقات الضرورية في مدة قصيرة جداً.
وأكد الكاتب الصحافي شالوم يروشلمي، الذي كان أول من كشف هذا المخطط، أن إقامة هذه الأحياء الاستيطانية في قلب التجمعات الفلسطينية، يعد عودة إلى السياسة التي كانت قائمة في الماضي والتي يجري من خلالها تقاسم الأدوار بين الدولة والجمعيات الاستيطانية، حيث أخذت الدولة بواسطة وزارة الإسكان على عاتقها إقامة المستوطنات الكبيرة، وتركت للجمعيات الاستيطانية «إلعاد» و«عطيرت كوهانيم»، (وكلها مدعومة من الدولة)، مهمة زرع البؤر الاستيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية كما هي الحال في سلوان والشيخ جراح.
يُذكر أن إسرائيل، منذ بداية احتلالها في سنة 1967، بدأت تخطط لتهويد القدس الشرقية وتخليد احتلالها إياها، وتقليص عدد سكانها الفلسطينيين. وفي حين كانت مساحتها في زمن الحكم الأردني، نحو 6.5 كيلومتر مربع ضمت إليها مناطق شاسعة من الضفة الغربية لتصبح مساحتها 72 كيلومتراً مربعاً. وسنت قانوناً خاصاً لضمها إلى حدود إسرائيل وفرض السيادة عليها. وقامت بمصادرة الأراضي الفلسطينية باستخدام جملة من القوانين والإجراءات على غرار، المصلحة العامة، أملاك الغائبين، أملاك يهودية، محميات طبيعية... وغير ذلك، وقد سيطرت بواسطتها على 87 بالمائة من مساحة القدس الشرقية.
وكان البرنامج الإسرائيلي الذي وُضع بين 1967 و1973 بواسطة «لجنة جفني» يهدف إلى تغيير التوازن الديموغرافي في القدس الموحدة؛ بحيث يصل إلى 75 بالمائة يهوداً و25 بالمائة عرباً. وفي إطار هذه السياسة، أصبح 18 حياً استيطانياً بلدة قائمة بذاتها أدت إلى تطويق الأحياء الفلسطينية من جميع الجهات، وترافق ذلك مع شق شوارع عرضية وطولية لتقطيع أوصال هذه الأحياء، ثم أقامت «المحميات الطبيعية»، وهي الأراضي القائمة بين التجمعات الفلسطينية وبين المستوطنات الإسرائيلية، بحيث تكون بمثابة احتياطي استراتيجي مستقبلي للتوسع الاستيطاني. وفي الوقت نفسه أقامت 32 بؤرة استيطانية في قلب الأحياء الفلسطينية داخل أسوار البلدة القديمة وحولها. وجنبا إلى جنب، عملت على المساس بالأماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين، وفي مقدمتها المسجد الأقصى والكنائس والمقابر.
ولم تنجح هذه الإجراءات في تقليص نسبة السكان الفلسطينيين، لذلك وضعت مخططاً لإخراج 150 ألف فلسطيني يعيشون اليوم خلف الجدار إلى خارج حدود البلدية، وضم مستوطنات تقع خارج حدود البلدية مثل «معاليه أدوميم» و«غوش عتسيون»، عدد سكانها 150 ألف يهودي لتخفيض نسبة الفلسطينيين إلى 12 بالمائة، وفقاً لوزارة القدس في الحكومة الفلسطينية.