أفلام عربية قصيرة جيدة بلا مستقبل

من الفيلم المصري «ما بعد وضع حجر الأساس»: حالة تشيخوفية
من الفيلم المصري «ما بعد وضع حجر الأساس»: حالة تشيخوفية
TT

أفلام عربية قصيرة جيدة بلا مستقبل

من الفيلم المصري «ما بعد وضع حجر الأساس»: حالة تشيخوفية
من الفيلم المصري «ما بعد وضع حجر الأساس»: حالة تشيخوفية

الكثير من الجهد الفني يتم صرفه منذ سنوات على نوع من السينما العربية المنتمية إلى ما يعرف بـ«الفيلم القصير». ذلك التسجيلي أو الروائي أو التجريبي أو الرسوم الذي لا تزيد مدة عرضه عن 40 دقيقة ولا تقل، في بعض الحالات، عن دقيقة واحدة.
من خلال الفيلم القصير، يهدف المخرج لأن يقول أشياء كثيرة، وفي بعض الأحيان، كبيرة أيضًا. هذا حال فيلمين حديثين شوهدا مؤخرًا أحدهما للمخرج السعودي توفيق الزايدي بعنوان «أربع ألوان» والثاني للمخرج العراقي سرمد ياسين تحت عنوان «غير المُسمى». في كل هذين العملين لمخرجين شابين كل الرغبة في إنجاز آمال كبيرة من خلال مدد عرض قصيرة (خمس دقائق و19 دقيقة) تنضم إلى كل تلك الآمال المبثوثة عام بعد عام عبر قافلة من المخرجين الذين ينظرون إلى الأفلام القصيرة على إنها إما مقدّمة ضرورية للانتقال إلى السينما الطويلة، أو على أنها المستوطن الذي يريدون الإقامة به طويلاً بمنأى عن هموم الإنتاجات الكبيرة التي عادة ما تصطدم بعوائق متعددة معظمها تمويلي.
مبررات
الواقع أن عراقيل أخرى مرصوفة أمام الفيلم القصير ولو كانت مختلفة. بالطبع لا يوجد جهاز إنتاجي كبير يغري السينمائيين (وجلهم من الشباب) بالعمل في هذا الحقل وبلورة مفاهيمه وآفاقه، لكن بعض مهرجانات السينما العربية، مثل دبي وقمرة وأبوظبي والخليج (قبل توقف الأخيرين) سعت لتشجيع هذا المنحى من السينما عبر أفراد مسابقات خاصة بها بجوائز تزيد حجمًا عما تكلفته معظم تلك الأفلام فعليًا.
هذا السعي نتج عن غياب البديل. فمشكلة الفيلم القصير هو أنه حالة فنية تبدأ بتصويره وتنتهي بانتهاء تصويره وقد تمتد لتشمل فترة عرضه (ليوم أو يومين) في أحد المهرجانات. مستقبله شبه معدوم فباستثناء فرصة اشتراكه بمهرجان أو اثنين، وإرسال «اللينكات» الخاصة به إلى بعض الأشخاص المنتقين لمشاهدته، فإنه لا حياة له على الإطلاق.
الواقع هو أن أصحاب صالات السينما في العالم العربي لا يرونه ضرورة. وكما قال لهذا الناقد أحد مديري شبكة من الصالات تمتد من بيروت إلى الدوحة وتمر بعمان ودبي وأبوظبي والشارقة، الذي أوضح «نعم. آفاق هذه الأفلام مسدودة عندما يأتي الأمر إلى عروضها في صالات السينما. لا يوجد جمهور».
حين واجهه الناقد بأنه لا أحد يرغب في تخصيص عرض لفيلم لأنه بالتأكيد سيخسر، بل المطلوب وضع فيلم قصير قبل العرض الأول، أعرب عن رأي الغالبية من الموزّعين وأصحاب الصالات بقوله:
«هذا مستحيل لأنه سيؤخر ذلك من وقت عرض الفيلم الذي دفع فيه الجمهور ثمن تذاكره. ولو كنت مكاني لأهملت الموضوع من أساسه». إذا ما كان هذا السبب يحمل في طياته تبريرًا مقبولاً وضروريا لدى أصحاب دور العرض، فإن إغفال المحطات التلفزيونية العربية عن شراء هذه الأفلام لا عذر له على الإطلاق. طبعًا، هي بدورها سيكون لديها ما تبرر عبره إحجامها عن ذلك، لكن هذا التبرير لن يستطيع الوقوف على قدميه لأن لا شيء عمليًا يمنع من تقديم فيلم قصير بين كل فيلمين أو ثلاثة يتم عرضها في المحطات المتخصصة بعرض الأفلام، ولا يمنع من ملء فراغ من خمس دقائق أو عشر دقائق بفيلم قصير في أي من المحطات العامة غير المتخصصة.
ما يمنع هو أنه لا أحد جلس ليبرمج هذا النوع من الأفلام علمًا بأن تكلفة شرائها لا تشكل إلا عشرة في المائة من كلفة شراء أي فيلم حديث عربيًا كان أم أجنبيًا.
أسماء مرموقة
في السنوات الأخيرة، ورغم كل الصعاب، ارتفعت نسبة الأفلام القصيرة الجيدة عما كانت عليه من قبل. في مسابقة العام الماضي من مهرجان دبي السينمائي مثلاً كانت هناك عدة اكتشافات جديرة بالاهتمام والتقدير. من بينها الفيلم التونسي «فتتزوج روميو وجولييت» لهند بو جمعة: دراما حياة رائعة من بطولة زوجين فوق الخمسين تحوّل حبهما الرومانسي إلى وضع روتيني يومي جامد لا يتغير.
الفيلم المصري «ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمامات بالكيلو 375» لعمر الزهيري حالة تشيخوفية - سوريالية أخاذة لموظف أخطأ فكسب عداوة مديره الأبدية. وفي الفيلم اللبناني «ومع روحك» لكريم الرحباني إدارة فنية وإتقان حرفي رائع لحكاية خوري قتل بائع خضرة من دون قصد وكيف سيحاول ردم الجريمة التي وقعت في دير مسكون برهبان آخرين.
هذه الإنجازات، وسواها، لم تقع في إطار عروض السنة الماضية فقط، بل هي حال سنوات قريبة سابقة بدا فيها أن الفيلم القصير لم يعد مجرد مطية وصول لغاية أخرى بل صنعة فنية قائمة بحد ذاتها. يعبر عن ذلك أيما تعبير الجهد الذي بذلته ولا تزال المخرجة الإماراتية نايلة الخاجا التي حققت نجاحات فنية رائعة عبر سلسلة أفلام قصيرة كان آخرها «ملل» و«الجارة» من بين أفضل من تخصص في مجال الفيلم القصير في الإمارات ومنطقة الخليج عمومًا. كذلك حال كثيرين آخرين بينهم وليد الشحي وخالد المحمود وهاني الشيباني ونواف الجناحي وناصر اليعقوبي وخالد علي ونادية فارس وخالد العبد الله.
ما يتميز به كل من هؤلاء هو المثابرة رغم إدراكهم أن الآفاق العملية في نهاية المطاف ليست مواتية على الإطلاق.
بالعودة إلى آخر ما شوهد من هذه الأفلام الطموحة وهما «أربع ألوان» للسعودي توفيق الزايدي و«غير المُسمى» للعراقي سرمد ياسين، يجد المرء امتدادًا لذلك الطموح ورغبة في إنجاز فيلم لا يمكن تقويضه بحجة استحالة وصوله إلى قاعدة جماهيرية ما. الأول حول فتاة مختلفة من بين أربع فتيات يطلقن أربع بالونات يقتنصها أولاد صغار باستثناء بالونها وحده وذلك تعبيرًا عن الانتصار لفرديتها ورغبتها المستقلة.
أما «غير المسمى» فهو فيلم تجريبي ينضح بالأفكار الرمزية المثيرة للاهتمام ولو أن معظمها لن يجد إجاباته لدى المشاهدين بل تبقى داخل عقل المخرج ومراميه. لكن ذلك ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا كون ذلك من شروط الفيلم التجريبي المتفق عليه.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.