العقوبات الأوروبية الأميركية على المستوطنين تستهدف صد هجمة استيطان خطيرة

المستوطنون المعاقبون منفذو عمليات ترحيل العائلات الفلسطينية

مستوطنون ينقلون مواد بناء باتجاه بؤرة استيطانية في قرية الجبعة بالضفة يناير 2023 (أ.ف.ب)
مستوطنون ينقلون مواد بناء باتجاه بؤرة استيطانية في قرية الجبعة بالضفة يناير 2023 (أ.ف.ب)
TT

العقوبات الأوروبية الأميركية على المستوطنين تستهدف صد هجمة استيطان خطيرة

مستوطنون ينقلون مواد بناء باتجاه بؤرة استيطانية في قرية الجبعة بالضفة يناير 2023 (أ.ف.ب)
مستوطنون ينقلون مواد بناء باتجاه بؤرة استيطانية في قرية الجبعة بالضفة يناير 2023 (أ.ف.ب)

على الرغم من أن فرنسا لم تفصح عن المستوطنين اليهود الذين فرضت عليهم عقوبات قانونية وسياسية، فإن تسريبات صحافية كشفت عن أن عددهم 28 مستوطناً، ضالعون في العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل عام، وأغلبيتهم ساهموا في ترحيل عائلات فلسطينية بأكملها من أراضيها والاستيلاء على ممتلكاتها، وإقامة بؤر استيطانية زراعية مكانها.

وقالت مصادر دبلوماسية رسمية على اتصال مع فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، في محاولة لإلغاء العقوبات، إن الرسالة التي توجهها دول الغرب، تتجاوز حدود العقوبات الشخصية، وتؤكد رفض إجراءات اليمين الحاكم الذي يحاول فرض أمر واقع على الأرض لـ«نسف إمكانية إقامة دولة فلسطينية».

وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا (ضد 4 مستوطنين)، وفرنسا (ضد 28 مستوطناً)، وتلك التي تنوي كندا ودول غربية أخرى فرضها، لم تأت من فراغ بل ترتبط بتغييرات دراماتيكية تجري في كل ما يتعلق بصلاحيات السيطرة خلف الخط الأخضر. وما هو مشترك بين هؤلاء المستوطنين أنهم جميعاً أصحاب «مزارع» أقيمت مؤخراً، من جنوب جبل الخليل حتى غور الأردن.

صراع على المنطقة ج

وقالت إن «إقامة المزارع تبناها المستوطنون قبل سنوات أساسها صراع على المنطقة (ج) في مواجهة اتساع البناء الفلسطيني». فإقامة المزارع على طول الضفة تخلق مواجهات على أساس يومي بين المستوطنين والفلسطينيين، ومنذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تركت عشرات التجمعات الفلسطينية أراضيها هرباً من اعتداءات المستوطنين المحميين من قوات الجيش الإسرائيلي.

ويدعي المستوطنون أن عملياتهم ترمي إلى صيانة أراضيهم ومنع الفلسطينيين من التوسع. لكن الواقع هو أن عملياتهم هي جزء من المعركة الدائرة بين الطرفين على المناطق (ج) في الضفة الغربية، وهي تتصاعد من يوم إلى يوم. الفلسطينيون يحاولون منع مصادرة أراضيهم وتخليد الاحتلال لها، والمستوطنون يسعون إلى سحب هذه الأراضي من أيديهم حتى لا تصبح يوماً صالحة لتكون جزءاً من دولة فلسطينية.

بوابة تغلق مدخل الطريق المؤدية إلى قرية فلسطينية من الطريق الرئيسي رقم 60 خارج مستوطنة عوفرا في الضفة الغربية مع تزايد نقاط التفتيش والحواجز في الأراضي الفلسطينية (أ.ف.ب)

وجنباً إلى جنب مع هذه المعركة، وعلى الرغم من الانشغال الإسرائيلي في الحرب، يستعد المستوطنون لقطف ثمار وجود اليمين المتطرف في الحكم، والعمل على تحقيق خطوة أكبر في توسيع الاستيطان. وبحسب الاتفاق الائتلافي بين «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو و«الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش، سيتم نقل صلاحيات الحكم في الضفة الغربية من الإدارة المدنية وقيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، إلى مديرية أقامها بتسلئيل سموتريتش بوصفه وزيراً ثانياً في وزارة الدفاع.

وتنص الاتفاقات على أن يعين لأول مرة نائب مدني لرئيس الإدارة المدنية، إضافة إلى ذلك في غضون بضعة أشهر وبمراحل متفق عليها مسبقاً، يفترض أن تنتقل كل الصلاحيات القانونية من المستشار القانوني في المناطق إلى المستشار القانوني في وزارة الدفاع الذي ينتمي لسموتريتش. فعملياً وابتداء من شهر مارس (آذار) المقبل وحتى نهاية مايو (أيار)، ستنتقل على عدة مراحل الصلاحيات القانونية المرتبطة بمجالات الأرض، والتخطيط، والإنفاذ وغيرها.

مشاريع سكنية جديدة في مستوطنة جفعات زئيف الإسرائيلية بالضفة الغربية يونيو الماضي (أ.ب)

وبالتوازي مع ذلك، في هذه الأيام، يحاول المستوطنون العمل على انعقاد لجنة التخطيط العليا في الإدارة المدنية لأجل إقرار مئات وربما ألوف وحدات السكن في المستوطنات. وقالت شيرا ليبرمان، المديرة العامة لمجلس «يشع» للمستوطنين في مؤتمر مركز البناء الإسرائيلي، إن «كل شقة لا تقر هذه السنة، لن تبنى في السنوات الثلاث القريبة المقبلة. أدعو الحكومة لأن تزيل الموانع السياسية، وأن تعقد مجلس التخطيط الأعلى، وأن تقر آلاف وحدات السكن التي تنتظر إقرارها. يجب إزالة التجميد والسماح بالاستيطان. هذا هو السبيل للدفاع عن الشعب والبلاد. نحن هنا كي نبقى».

منزل أسرة فلسطينية أحرقه مستوطنون في يونيو 2023 (د.ب.أ)

وتؤكد جهات سياسية في تل أبيب أن هذه الأسباب وحقيقة أنه حسب التقارير تركت تجمعات فلسطينية أماكنها منذ بداية الحرب، فإن السيطرة المتزايدة من الوزير سموتريتش على إجراءات تخطيط البناء والإنفاذ في الضفة وحث المستوطنين من خلال وزراء اليمين على توسيع المستوطنات، تقلق جداً الأميركيين الذين يحاولون خلق أفق سياسي مع الفلسطينيين.

وإلى هذا ينبغي أن تضاف إلى المداولات في المحكمة الدولية في لاهاي عن قانونية الاحتلال، قريباً، مع الحرب في قطاع غزة.

تقرير الصحيفة يضيف أن نتنياهو من جهته، يبدو عاجزاً أو موافقاً على ما يجري، فالصلاحيات تنتقل إلى سموتريتش رغم تحفظ الجيش في أن لبعضها تأثيرات أمنية، ونتنياهو يبدو مقيد اليدين من رفاقه في الائتلاف، ولا يدري كيف يواجه ضغوط الأميركيين وباقي العالم، «وتقريباً لا يتدخل في الأحداث، حتى يحافظ على كرسيه».

إشادة بالعقوبات

يذكر أن صحيفة «هآرتس» العبرية نشرت مقالاً افتتاحياً، الخميس، أشادت فيه بقرار فرض عقوبات على المستوطنين، وقالت إنه «خطوة أخرى في الاتجاه السليم للأسرة الدولية». وأضافت: «خيراً تفعل الأسرة الدولية التي قررت ترسيم حدود واضحة بين دولة إسرائيل الشرعية ومشروع الاستيطان غير القانوني الذي يقضم من شرعية إسرائيل. وأن عدم التمييز بين إسرائيل السيادية والمناطق المحتلة يخدم من يحلم بضم الضفة وفرض نظام أبرتهايد. لكل من يريد أن يعيش في دولة لا تحكم شعباً آخر، فإن إجراءات كهذه، إلى جانب الاعتراف بدولة فلسطينية، ستدفع قدماً بتنفيذ مستقبلي لحل الدولتين للشعبين».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

شؤون إقليمية  قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي منظر عام لمستوطنة إفرات اليهودية بالضفة الغربية (أ.ب)

إدارة بايدن تفرض عقوبات جديدة ضد مستوطنين وكيانات 

فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عقوبات جديدة على منظمات استيطانية، طالت هذه المرة جمعية «أمانا»، وهي المنظمة التنموية الرئيسية للحركة الاستيطانية.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على منظمة «أمانا» الإسرائيلية للاستيطان (أ.ب)

وزارة الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على منظمة استيطانية إسرائيلية

فرضت الولايات المتحدة اليوم الاثنين عقوبات على منظمة «أمانا» الاستيطانية الإسرائيلية متهمة إياها بالمساعدة في ارتكاب أعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي صورة تظهر سيارة متضررة بعد هجوم للمستوطنين الإسرائيليين على بيت فوريك بالضفة الغربية المحتلة السبت (رويترز)

المستوطنون يكثّفون هجماتهم في الضفة منذ فوز ترمب

كثّف المستوطنون هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة منذ فوز الرئيس دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية، في محاولة كما يبدو لفرض واقع جديد.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية لقطة عامة لإحدى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - رويترز)

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

قامت مجموعة من المستوطنين باقتحام مسجد والصعود إلى مئذنته وإطلاق أغان عبرية من مكبّرات الصوت فيه بالضفة الغربية، الجمعة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

كابوس الإنذارات الكاذبة يرعب اللبنانيين ويدفعهم للشوارع

جندي بالجيش اللبناني يقف إلى جانب موقع استهداف إسرائيلي في شرق لبنان (أ.ف.ب)
جندي بالجيش اللبناني يقف إلى جانب موقع استهداف إسرائيلي في شرق لبنان (أ.ف.ب)
TT

كابوس الإنذارات الكاذبة يرعب اللبنانيين ويدفعهم للشوارع

جندي بالجيش اللبناني يقف إلى جانب موقع استهداف إسرائيلي في شرق لبنان (أ.ف.ب)
جندي بالجيش اللبناني يقف إلى جانب موقع استهداف إسرائيلي في شرق لبنان (أ.ف.ب)

لا يكفي اللبنانيين قلق الإنذارات التي تصدر عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي لإخلاء أحياء ومبانٍ سكنيّة مدرجة ضمن «بنك الأهداف العسكرية»، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في مدينتَي صور والنبطيّة وبلدات واسعة في الجنوب أو البقاع؛ بل باتوا ينامون على كابوس الإنذارات الكاذبة التي يتلقاها عشرات المواطنين عبر هواتفهم الجوالة أو الثابتة، في مناطق بعيدة عن النقاط الساخنة، وتعدّ آمنة أو أقلّ خطراً من غيرها.

وتلقّى عشرات اللبنانيين اتصالات خارجية ومجهولة المصدر، تطلب منهم إخلاء المباني التي يقيمون فيها، وآخرها ما ورد لسكان فندق في منطقة الروشة في بيروت، ومنازل في مناطق ذات غالبية مسيحية مثل بعبدا، ومار تقلا، ومار روكز، وبلدات أخرى في المتن (جبل لبنان)، ولم تستثنِ الاتصالات المشبوهة مكاتب في وزارة الدفاع اللبنانية وهواتف ضبّاط في الجيش اللبناني، تطلب من المتلقين إخلاء المكان فوراً؛ لأنه معرّض للاستهداف.

ووصف مصدر أمني هذا الكمّ من الاتصالات بأنه عبارة عن «هجمات مبرمجة تحصل بتوجيه من الإسرائيليين، وكلّها آتية من الخارج». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بيّنت أن الجهة المتصلة تقف خلفها أجهزة إسرائيلية تستخدم شركات اتصال دولية، وتمرر عبرها الرسائل من خلال منافذ أو ثغرات في شركة (أوجيرو) للاتصالات اللبنانية».

وقال المصدر: «تعاونّا مرات عدّة مع شركة (أوجيروا) ونجحنا في إقفال النوافذ والرموز التي استخدمها مرسلو الرسائل السابقة، لكنهم للأسف سرعان ما يلجأون إلى رموز أخرى لتمرير رسائل جديدة». وشدد المصدر الأمني على أن هذه المشكلة «لا يمكن حلّها بشكل نهائي». وأضاف: «صحيح أنها لا تشكل خطراً، لكنها بالتأكيد تثير الرعب والقلق والإرباك لدى الناس الذين يأخذونها على محمل الجدّ، ومن حق الناس عدم تجاهل مثل هذه التحذيرات، خصوصاً في حالة الحرب التي نعيشها».

لبناني يقود سيارته هرباً من غارة إسرائيلية استهدفت موقعاً في ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

نَصّ الرسائل

ونشر عدد من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نَصّ الرسائل التي وردت إليهم، وقال «محمد. ش»، إنه «تبلّغ من أقارب وأصدقاء له بأنهم تلقوا اتصالات تطالبهم بإخلاء المباني التي يقطنون فيها بمناطق في بيروت هي: رأس النبع، وبرج أبو حيدر، والبسطة والروشة (ذات غالبية سنيّة)، والأشرفية ذات الغالبية المسيحية». ولفت إلى أن المتصل طلب منهم النزوح إلى شمال نهر الليطاني، علماً أن بيروت أصلاً تقع شمال «الليطاني».

كما أفاد «مالك. أ» بورود اتصالات لأشخاص يعرفهم من سكان: صور، وصيدا، وبيروت، وبعلبك، والهرمل، في حين أعلن ناشطون أن عشرات الاتصالات والرسائل المماثلة تلقاها أشخاص في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة وصبرا وشاتيلا (بيروت)، وتزامنت مع الغارات التي شنتها إسرائيل على الضاحية الجنوبية فجر الجمعة.

إنذارات مفتعلة

من جهته، اعتبر خبير الاتصالات عامر الطبش، أن هذه الإنذارات «مفتعلة ويقف وراءها الإسرائيليون، وهي تأتي من الخارج، وهو ما يصعّب مهمّة مواجهتها ومنعها من الدخول إلى الهواتف اللبنانية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجهة التي تطلق هذه الإنذارات تختار شريحة من الأرقام وتربطها بالحاسوب مزودة بتسجيل صوتي ينذر الناس بالإخلاء الفوري». وعن سبب اختيار مناطق بعيدة عن المواجهة وذات غالبية مسيحية، وليس فيها أي وجود لـ«حزب الله» ومسؤوليه، يلفت الطبش إلى أنه «قد يكون أحد النازحين من الجنوب لجأ إلى منطقة من هذه المناطق، فيقوم الإسرائيلي بإرسال هذه التحذيرات ليتثبّت مما إذا كان الشخص لا يزال في الجنوب أو انتقل إلى منطقة أخرى».

بلبلة وذعر

وكانت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقفت عدداً من المواطنين الذين بعثوا برسائل تحذيرية لأشخاص محددين من أرقام مجهولة، وذلك على سبيل المزاح، وأسفرت هذه التوقيفات عن منع تكرارها نهائياً.

وشدد الطبش على أن «موجة الاتصالات المشار إليها بعيدة كلّ البعد عن الحالات التي قام بها مواطنون لبنانيون وجرى تعقبهم وكشف هوياتهم على الفور». وقال إن «الرسائل التي تقف خلفها جهات إسرائيلية متعددة الأهداف؛ أولها إثارة البلبلة والذعر لدى الناس، والثاني تأليب المجتمع المضيف ضدّ بعض النازحين وإرغامهم على ترك المنطقة ومغادرتها فوراً، خصوصاً ضدّ المواطنين الشيعة الموجودين في مناطق ذات غالبية سنية أو درزية أو مسيحية».

ولفت إلى أن «ما يثير القلق أن هذه الرسائل تتزامن مع تحليق طائرات (الدرون)، وكأن هناك شخصاً أو أشخاصاً مراقبين ومعرّضين للاستهداف»، مشيراً إلى أن «هذه الإنذارات لها أيضاً بُعدٌ عسكري، وهو تتبع الهدف المشكوك فيه، إلى حين التأكد منه إما عبر خروجه من المنزل وملاحقته، وإما من خلال خروج السكان وبقائه بمفرده في الداخل».