الصين تمهد لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد.. ومحاربة الإجراءات البيروقراطية

تراهن في خطتها الخمسية على النمو والبيئة لتلميع صورتها في العالم

الصين تضع مخططا لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد بهدف محاربة نسبة الشيخوخة المرتفعة
الصين تضع مخططا لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد بهدف محاربة نسبة الشيخوخة المرتفعة
TT

الصين تمهد لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد.. ومحاربة الإجراءات البيروقراطية

الصين تضع مخططا لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد بهدف محاربة نسبة الشيخوخة المرتفعة
الصين تضع مخططا لوضع نهاية لسياسة الطفل الواحد بهدف محاربة نسبة الشيخوخة المرتفعة

تعقد قيادة الحزب الشيوعي الصيني اجتماعا مغلقا هذا الأسبوع، لتحديد التوجهات الكبرى للبلد خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما بدأت البلاد في إعادة توازن حثيثة لنموذج نموها.
وستشمل المحادثات حول هذه الخطة الخمسية، التي تغطي الفترة الممتدة من 2016 و2020، طرح أفكار ومشاريع جديدة تهدف إلى تحسين أداء الاقتصاد وعيش المواطنين، والرفع من مستوى العيش، وتقديم خدمات بجودة عالية، والتخلي عن أنماط عيش سائدة لم تعد تتماشى مع تطور الدولة الحديثة، وذلك بهدف إعطاء العالم صورة مشرفة عن الصين الجديدة.
ومن بين أهم هذه الأفكار وضع نهاية لسياسة الطفل الواحد. فبعد تليين هذه السياسة قبل سنتين، يتوقع تخفيف القيود مجددا بعد دعوة خبراء وكالات رسمية في الأسابيع الأخيرة للسماح للأزواج بإنجاب ولدين، بهدف التصدي لشيخوخة السكان، وعدم التوازن المثير للقلق بين الذكور والإناث (116 مقابل 110). ومنذ نهاية 2013 أصبح بإمكان الصينيين إنجاب طفلين، لكن فقط إن كان أحد الزوجين ولدا وحيدا لأهله. وهو تدبير مفعوله محدود، لم ينفذ في كل مكان، كما أن جل الأزواج لا يرغبون بإنجاب سوى طفل واحد لأسباب مالية.
في المجال الاجتماعي تفكر السلطات الصينية في إلغاء نظام «حركة النازحين»، وهو نظام يقضي بأن كل صيني ينتقل للإقامة في مكان لا ينتمي إليه رسميا، لا يمكن أن يحظى بجميع حقوقه، كالتغطية الصحية والمدرسة وغيرها. وهؤلاء الصينيون المقدر عددهم بـ270 مليون نسمة، يحملون «إذن إقامة دائمة» لمكان إقامتهم الأصلي، لكن عندما ينتقلون يتوجب عليهم أن يسجلوا في المكان الذي يصلون إليه للحصول على إذن إقامة مؤقت، وغالبا ما يوصفون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وهو إجراء بيروقراطي ثقيل تفكر السلطات باستبداله بنظام «نقاط» يوزع تبعا لمستوى الدراسة والكفاءات، بهدف زيادة سكان المدن، وإعطاء هذه الفئة «السكانية العائمة» مزيدا من الإعانات الاجتماعية.
وفي المجال البيئي، ومن أجل محو الصورة السلبية التي تتهم الصين بكونها من بين أكبر دول العالم تلويثا للبيئة بسبب الفحم الحجري، يتوقع أن يكون هذا الموضوع محل نقاشات وإجراءات خاصة، لكن المشكلة هي أن الفحم الحجري الملوث للغاية ما زال يمثل نحو 70 في المائة من المزيج الطاقوي الصيني، بسبب عدم وجود مصادر أخرى للطاقة بكميات كافية، وعلى الرغم من وجود طاقة نووية في أوج ازدهارها.
لكن الصين مطالبة بالقيام بخطوات كبيرة في هذا المجال، خاصة وأن وزير حماية البيئة وعد في نهاية الأسبوع المنصرم بالقضاء على التلوث في نحو 130 ألف قرية صينية ملوثة بحلول 2020. كما تعهدت الصين في أواخر سنة 2014 بالالتزام بسقف لانبعاثاتها الملوثة بحلول عام 2030.
أما في الجانب الاقتصادي، فإن بكين تتحمل مسؤولية الوضع الجديد لتباطؤ النمو، ثمرة جهودها لإعادة التوازن إلى نموذجها الاقتصادي على حساب الاستهلاك الداخلي وقطاع الخدمات، مع إعادة تنظيم القطاع الواسع التابع للدولة. وهذه التوجهات التي تمت الموافقة عليها أواخر 2013 يتوقع أن يتم تثبيتها. بينما يتوقع أن تعول الخطة الخمسية على زيادة حصة الخدمات أكثر في إجمالي الناتج الداخلي بعد أن ارتفعت من 44 في المائة إلى أكثر من 51 في المائة بين 2010 و2015، وعلى تأكيد هدف مضاعفة عائدات الأسر بين 2010 و2020 التي تعتبر داعما ضروريا للاستهلاك.
كما ينتظر أن تتضمن الخطة الخمسية شقا أساسيا حول مواصلة الإصلاحات لتحرير القطاع المالي، خاصة فيما يتعلق بسوق صرف اليوان (المقيد حتى الآن)، مع إمكانية رفع المراقبة عن تحركات رؤوس الأموال في أفق العام 2020. وقد يطرح أيضا انفتاحا أوسع للأنشطة المالية أمام المؤسسات الأجنبية والقطاع الخاص.
أما فيما يخص تحفيز الصناعات الصينية، فإن الصادرات الصينية للسلع الحرفية عرفت بعض التراجع بسبب تأثرها خصوصا بظروف دولية سلبية، وأيضا بمنافسة متزايدة على خلفية غلاء اليد العاملة، بينما تشهد الصناعة الثقيلة التي تسجل إنتاجية مفرطة والمثقلة بالديون إعادة هيكلة. ولذلك تدعو بكين صراحة إلى «الارتقاء بنوعية» الصناعة الصينية نحو الإلكترونيات والتكنولوجيات الجديدة، وهي قطاعات يتوقع أن تحظى بتدابير دعم خاصة في الخطة الخمسية.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».