بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في يونيو (حزيران) 2014، أصبح الصحافيون المحليون الأكثر استهدافا من قبل مسلحيه. وبحسب المصادر المطلعة اعتقل التنظيم 24 صحافيا، وقتل عشرة منهم، بينما وصفت منظمة «مراسلون بلا حدود» الدولية الموصل بمقبرة الصحافيين.
وسرد الصحافي سعيد أحمد، الذي وصل إلى محافظة دهوك في إقليم كردستان قبل شهر قادما من الموصل، بعد أن سلم سند منزله للتنظيم كضمانة لخروجه من المدينة، قبل توجهه إلى بغداد عبر الصحراء الواقعة بين محافظتي نينوى والأنبار لـ«الشرق الأوسط» مشاهداته لأحوال مدينته المنكوبة تحت سيطرة التنظيم على مدى أكثر من عام، وقال إن «أوضاع من تبقى من الصحافيين داخل المدينة مخيفة ومقلقة جدا. فالمسلحون يبحثون عن الإعلاميين الذين عملوا في الموصل قبل سيطرتهم، ويحصلون على عناوينهم الشخصية عبر ما يسمونه عيون التنظيم (جهاز استخباراته) المنتشرين في كافة أحياء وأزقة المدينة. واعتقل عدد من هؤلاء الصحافيين المستهدفين وتم إعدام بعضهم، ما دفع من نجح في الإفلات من الاعتقال إلى تغيير عناوينهم والاختباء في مناطق مختلفة من المدينة. وكنت واحدا ممن أجبروا على تغيير سكنهم باستمرار تفاديا للاحتجاز. إن الأوضاع التي عشتها على مدى أكثر من عام في المدينة تحت سيطرة التنظيم كانت مرعبة جدا. أما من يطلق التنظيم سراحه من الصحافيين المعتقلين، فلن يجرؤ على الإدلاء بأي معلومات عما شهده على يد مسلحيه».
وعن أوضاع المدينة، أكد أحمد أنها «كانت مزرية ومأساوية جدا. فالوضع الاقتصادي والخدمي كارثي، وفرض التنظيم الرسوم والضرائب من الناس والتي يجبيها منهم بطرق كثيرة غالبيتها بالإرغام، مستخدما أموالها في دعم عملياته». وأشار إلى أن «من الناحية العسكرية، أصبح التنظيم ضعيفا جدا داخل المدينة، حيث إن قوة من ألف مقاتل تستطيع أن تحرر المدينة الآن، لكنهم يمتلكون استخبارات قوية، وفتحوا في كل حي سكني دائرة أمنية».
وكشف أن «الخروج من الموصل يكون بطريقتين. الأولى هي التي نجحت في الخروج عبرها حيث سلمت سندا منزليا إلى التنظيم مع وجود كفيل، وتحديد موعد العودة إلى المدينة، على أن يصادر التنظيم أملاكي في حالة فشلي في العودة بالموعد المحدد. أما الطريقة الثانية، فهي التهريب، وهي خطرة جدا وتحتاج إلى مبلغ مالي كبير».
أما الصحافي والإعلامي عادل حكمت الذي خرج من الموصل ليلة سيطرة «داعش» عليها، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أعمل مقدما للبرامج ومذيعا في فضائية محلية. فبعد الانتهاء من عملي مساء اليوم الذي سيطر فيه التنظيم على المدينة، سمعت أن مسلحيه دخلوها من مناطق الجزيرة وعبر طريق بغداد، فقررت الهرب في الساعة الحادية عشرة ليلا عن طريق مدن وبلدات سهل نينوى إلى محافظتي أربيل ودهوك. أما زملاؤنا الصحافيون الآخرون فبقوا في الموصل لأن التنظيم أعطى أهاليها الأمان في بداية سيطرته، لكنه اعتقل الصحافيين فيما بعد، حيث اختطف مسلحوه زميلتنا في الفضائية ميسلون الجوادي من منزلها وقتلوها، وكذلك الصحافي فراس بحر الذي سلم التنظيم جثته لأهله بعد إعدامه، مستهدفا صحافيين نشطين وعاملين في الفضائيات والإذاعات المحلية. وحصل (داعش) على أسمائنا وعناويننا بعد سيطرته على مركز (نقابة الصحافيين) الذي كان يضم كافة المعلومات الخاصة بنا».
بدوره، كشف سكرتير نقابة صحافيي كردستان فرع الموصل أكرم سليمان لـ«الشرق الأوسط» عن أن الصحافيين الموجودين حاليا في الموصل «يعانون من أزمة كبيرة، فقد أصبحوا حبيسي منازلهم منذ سيطرة (داعش) على المدينة، واعتقل التنظيم أكثر من 24 صحافيا، بحسب المعلومات التي وصلتنا، تم إعدام عشرة منهم إما رميا بالرصاص أو ذبحا. وأطلق التنظيم سراح عشرة آخرين، فيما بقي مصير الباقين مجهولا».
وأضاف: «كانت نقابتنا تضم 400 صحافي مسجل رسميا في نقابتنا، غالبيتهم خرجوا من الموصل وتوزعت إقاماتهم بين أربيل ودهوك. وهناك أكثر من 60 صحافيا من (نقابة الصحافيين العراقيين) يوجدون في الإقليم أيضا، وبحسب الاتصالات الموجودة بيننا وبين بعض الصحافيين داخل الموصل، ذكروا لنا أن التنظيم طالب الإعلاميين الموجودين في المدينة بإعلان التوبة خلال الأيام القليلة القادمة. وإن لم يفعلوا، فسيعدمون فور اعتقالهم». وكشف أن التنظيم أقدم على تصفية عدد من الفضائيات وإغلاقها في الآونة الأخيرة، منها «سما الموصل» و«نينوى الغد» و«الموصلية» و«العراقية»، فيما يبث التنظيم أخباره حاليا عبر ثلاث محطات إذاعية، تحت اسم «إذاعة البيان»، إضافة إلى قناة تلفزيونية محلية تبث داخل الموصل تحت اسم «تلفزيون الخلافة» الذي يبث نشاطات التنظيم وعملياته وأخباره.
ووصفت منظمة «مراسلون بلا حدود» أمس في تقرير لها أعدته مع «مرصد الحريات الصحافية في العراق»، مدينة الموصل بمقبرة الصحافيين منذ سيطرة «داعش» عليها، مناشدة الحكومة العراقية والمجتمع الدولي توفير حماية أفضل أو تأمين اللجوء للإعلاميين الذين أرغموا على الفرار من المدينة.
وبين التقرير إن التنظيم، ومنذ يونيو (حزيران) من العام الماضي، اختطف 48 صحافيا وإعلاميا بتهمتي الخيانة والتجسس. وقام بإعدام 13 منهم بطرق وحشية، ولا يزال مصير عشرة منهم مجهولا. وذكر التقرير إن مدينة الموصل شهدت هروبا جماعيا للصحافيين، حيث غادر المدينة أكثر من 60 صحافيًا ومساعدًا إعلاميًا، 15 منهم هاجروا خارج البلاد، فيما توزعت البقية بين العاصمة بغداد وإقليم كردستان، فضلاً عن وجود ما يقارب 20 آخرين عالقين داخل المدينة، وفقا لإحصائية أعدها «مرصد الحريات الصحافية» عبر قاعدة بيانات وثقها على مدى عام كامل.
وكان تنظيم داعش توعد من خلال تعليمات نشرها عبر مراكزه الإعلامية كل من ينقل المعلومات والأنباء من داخل المدينة سيواجه الموت، حسب توجيهات ما يسمى «المحكمة الشرعية» للتنظيم التي وجهت للصحافيين اتهامات بمخالفة التعليمات وممارسة العمل الصحافي وتسريب معلومات من داخل المدينة إلى وسائل إعلام محلية وأجنبية، وهذا ما يثبت أن مسلحي التنظيم عزموا على تصفية جميع الصحافيين في المدينة.
إلا أن التقرير لم يتطرق إلى أوضاع الصحافيين الذين يغطون الحرب ضد التنظيم. وذكر مراقبون أن الصحافيين الموجودين خارج مناطق سيطرة التنظيم، ممن يغطون أخبار الموصل والحرب ضده، هم مستهدفون أيضا من قبل خلاياه النائمة، لتمكنهم من توجيه ضربات قوية من الناحية الإعلامية له.
«داعش» يستهدف الإعلام الخارج عن طاعته.. ويعدم من يكشف فظاعاته
منظمة «مراسلون بلا حدود» تصف مدينة الموصل بمقبرة الصحافيين
«داعش» يستهدف الإعلام الخارج عن طاعته.. ويعدم من يكشف فظاعاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة