نساء يحيى جابر يتزحلقن على الألم

مسرحية «مورفين»... امرأتان تعالجان غدر الرجال والمرض بالسخرية السوداء

من مسرحية مورفين (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)
من مسرحية مورفين (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)
TT

نساء يحيى جابر يتزحلقن على الألم

من مسرحية مورفين (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)
من مسرحية مورفين (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)

سهير وسوسن، امرأتان يجمعهما القدر بقدر ما يفرقهما. كل واحدة منهما لها قصة، وتتشابهان بمهارتهما في الهزء من الواقع الأليم الذي يعترضهما. الممثلة سوسن شوربا تلعب الدورين معاً، وتقف وحدها على المسرح، ما يزيد على الساعة، متنقلة بين الشخصيتين التي تحمل إحداهما اسمها وتجربتها المريرة مع المرض (سوسن)، بينما تبدو الشخصية الرئيسية (سهير) وكأنها تتوازى مع سوسن وتتقاطع معها في وقت واحد. «مورفين» المسرحية التي افتتحت مساء الخميس الماضي على خشبة «مسرح مونو»، يصح القول إنها مونولوج في قالب كوميديا سوداء، بفضل الروح الساخرة التي تسم النص، والأداء التهكمي للممثلة، حتى اللحظة الأخيرة، دون أن تقع في الخفة والابتذال.

سهير أنهكتها وصولية الرجال، لكن الإباء يمنعها من الاعتراف بالهزيمة (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)

تدخل المرأة بفستانها الأسود وقبعتها، تجرّ بيدها محمل المصل الذي يستخدم في المستشفيات، كأنه عصا نفرتيتي، وهي تسير كملكة شامخة خذلها الدهر.

تأخذ سوسن على عاتقها رواية قصتها، ولكن أيضاً قصة خالتها سهير، تارة تنوب عنها بالقصّ، وتارة أخرى تتقمص شخصيتها. سهير فلسطينية، تختلط على لسانها اللهجات، لكثرة تسفارها وترحالها، ترى كل شيء من زاويتها الخاصة، خيانة زوجها، هجره لها، خروجها من البيت، ضياع ثروتها. لها طريقتها في تفسير كل ما يصادفها من عقبات، وأسلوبها السوريالي في التفسير، وسيلتها لتجاوز محن الدهر، وكأنها تتزحلق عليها دون أن تتعثر بها.

كل الرجال الذين أحبتهم ووثقت بمن فيهم زوجها إياد «كلهم نهبوني، سرقوني» تصرخ. تروي لنا حكايتها مع عبد المجيد الذي يريد أن يصبح مطرباً رغم صوته الذي حتى بالرشوة لا يحتمل أن يسمعه أحد. يتسلقها كدرج ممهد لغاياته، وما يسعى إليه من مجد الشهرة. يستغل حاجتها للعطف ويسلبها ما تبقى لها من مال، ليعود حين يحقق مبتغاه، إلى حياته الزوجية وأولاده الثلاثة. هي واحدة من قصص الرجال الكثر الذين تعدد أسماءهم، و«كلهم نهبوني وسرقوني».

من مسرحية مورفين (صفحة المخرج يحيى جابر على «فيسبوك»)

لافت أن تكيل سهير الاتهامات للرجال أن تصفهم بأقذع النعوت، حين نعرف أن كاتب النص ومخرجه رجل. واحدة من ألعاب يحيى جابر المسرحية، أن يكتب بلسان نساء لا يتوقفن عن كشف مثالب الرجال.

في ليلتين متتاليتين، افتتح جابر مسرحيتين نسائيتين حتى النخاع. يوم الأربعاء 8 من الشهر الحالي افتتح «من كفرشيما للمدفون» لعبتها ناتالي نعوم المرأة التي تتعرض للخيانة وتخشى اتخاذ أي قرار حاسم يريحها خوفاً من الوحدة. ويوم الخميس 9 «مورفين» مع سهير التي أنهكتها وصولية الرجال، لكن الإباء يمنعها من الاعتراف بالهزيمة. زوجها لم يتركها لكنها هي التي دبرت له مساعدة، لأنه بحاجة لمعونة، وهو لم يبتعد عنها، ولكنه في بعد جغرافي مدروس. وهي لم تصبح فقيرة، إذ لا تزال تعتبر سائق التاكسي العمومي هو سائقها الخاص. بين الوهم والحقيقة، والسباحة في عالم النكران المريح، بتهكمية لا تتوقف، يمكنك أن تجمّل الحياة، وأن ترى المصاعب بالعين التي تختارها، وتصنع واقعك وتقولبه، لا هو الذي يفرض مآسيه عليك.

في غمرة حكايات سهير، التي تحكيها سوسن، تتذكر فجأة قصتها هي. تعود إلى اللحظة التي أصيبت فيها بالسرطان. هي أيضاً لها قدرة عبثية كما خالتها، أن ترى ما تريد حتى حين تصاب بالسرطان في المرة الأولى وكذلك الثانية. لعل اللحظة الأقوى في المسرحية، حين تقرر الممثلة أن تخلع بروكة الشعر المستعار التي تلبسها، لنرى رأساً حليقاً بلا شعر ووجهاً متجهماً لا تعبير فيه.

بالعزف على البيانو بالغناء والرقص تتخفف الشخصيتان من أعبائهما

تختلط شخصية سوسن على المسرح بقصتها الحقيقية، فهي قررت مع كاتب العمل ومخرجه، أن تجعل تجربتها مع السرطان جزءاً من الحكاية، رغم أنها لا تزال تخضع لجلسات العلاج الكيميائي. «هو نوع من العلاج، وطريقة للانشغال عن الألم بالمسرح»، تعتبر الممثلة سوسن شوربا.

وقد أحسن يحيى جابر، بأن ترك الهامش الأكبر للخالة سهير، كي يبقى النص على سخريته العالية. فمهما كان الهزء من السرطان اللعين صادقاً، تبقى المشاعر مريرة وجارحة، حتى على المتفرج. وبعض المتفرجين مرضى أيضاً أو في دائرة المصابين.

بالعزف على البيانو، بالغناء والرقص، تتخفف الشخصيتان من أعبائهما، لا بل وأحياناً تضيفان المزيد من الكثافة على المشهد.

الممثلة سوسن شوربا والكاتب والمخرج يحيى جابر

ينجح يحيى جابر كاتب النص ومخرجه، في جعل نصه مرناً، وحيوياً، وسلساً ومفاجئاً. وهو هذه الأيام، يقدم قصص نساء معذبات، دون أن ينزع الضحكات عن وجوههن، ويحارب آلامهن من خيانة الرجال، وغدر الزمن بالنكتة والتعالي على الجراح.



مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».