الممثلة التي حوّلت السرطان إلى ضحكة

سوسن شوربا تداوي إدمان المورفين بمسرحيّة «مورفين»

ملصق مسرحية «مورفين» من بطولة سوسن شوربا وتأليف يحيى جابر (إنستغرام الممثلة)
ملصق مسرحية «مورفين» من بطولة سوسن شوربا وتأليف يحيى جابر (إنستغرام الممثلة)
TT

الممثلة التي حوّلت السرطان إلى ضحكة

ملصق مسرحية «مورفين» من بطولة سوسن شوربا وتأليف يحيى جابر (إنستغرام الممثلة)
ملصق مسرحية «مورفين» من بطولة سوسن شوربا وتأليف يحيى جابر (إنستغرام الممثلة)

«غيّر السرطان حياتي إلى الأفضل». بهذه الجملة القصيرة وغير المألوفة، تختصر سوسن شوربا رحلة 13 سنة مع المرض الذي يثير الذعر لمجرّد ذكره. أما هي، فلا تسمّيه بصوتٍ مرتفع وتروّضه فحسب، بل تُصعدُه معها إلى خشبة المسرح.

تنقّلَ المرض في جسد الممثلة اللبنانية من الثدي إلى العظام فالرئتَين والغدد، وهو مستقرّ حالياً في الكبد. أخذ منها شعرها وصحّتها، لكن من الواضح أنه منحَها الكثير في المقابل. فهي تروي لـ«الشرق الأوسط» أنها طبّقت القول بالفعل وصارت تعيش يومها كأنه الأخير، مستفيدةً من كل لحظة حياة؛ «بسبب السرطان أعدتُ المسرح إلى حياتي بعد فترة انقطاع».

تداوي سوسن مرضها مستعينةً بشغفها الفني وحبّها للحياة (إنستغرام الممثلة)

جلسة علاج وجلسة تمرين

اليوم، وبين جلسة علاجٍ كيميائيٍ وأخرى، تُمضي سوسن أيامها في التمرين. تتحضّر لمسرحيّة جديدة بعنوان «مورفين» من كتابة وإخراج يحيى جابر. تقرّ بأن العلاج المتزامن مع التدريبات اليومية متعب جداً، «لكن متعتي بالمسرح تمنحني قوّة خارقة».

قد يوحي عنوان المسرحية وتاريخ الممثلة الحافل مع المرض، بأنّ العمل الفني على قدرٍ عالٍ من الدراما أو بأنه محاضرة عن السرطان، إلا أنّ المفاجأة التي تنتظر الجمهور هي الكوميديا التي بُنيَ عليها النص. «مثل عدد من المخرجين الذين تعاملت معهم، لاحظ يحيى جابر قدراتي الكوميدية»، توضح الممثلة التي لطالما حلمت بالعمل تحت إدارة جابر. وتضيف أن تجربتها مع السرطان ستوضع هذه المرة في قالبٍ يُضحك الناس بدل أن يُبكيهم.

تقول سوسن شوربا إن حلمها تحقق بالعمل مع الكاتب والمخرج يحيى جابر (إنستغرام الممثلة)

سموم الحبّ والسرطان

في المسرحية، تطلّ سوسن وحدها على الخشبة مؤدّيةً شخصيتَين؛ شخصية «سهير» قريبتها التي قتلَها إدمانها على الأدوية المهدّئة بسبب علاقة عاطفية سامّة، وشخصيتها هي التي لا تريد أن تلقى مصير سهير رغم إدمانها المورفين بسبب الغزو السرطانيّ.

مَن لم يعثر بعد على أثرٍ للكوميديا، تطمئنه سوسن قائلةً إن الضحك مضمون بما أن «المسرحيّة غرائبيّة، والغرابة فيها ناتجة عن الهذيان العبثي الذي تجسّده شخصيّتا سوسن «المورفينيّة»، وسهير المقيمة داخل ذكرياتها في بيروت السبعينات ومع أصدقائها فريد الأطرش، وعبد الحليم، وفاتن حمامة، ونجوى فؤاد.

من بروفة التمرين: سوسن بشخصيّة «سهير» (الشرق الأوسط)

وضع جابر ثنائيّة الحب والمرض، وثنائية المهدّئات والمورفين في سياقٍ غير متوقّع. الكاتب المعروف بنصوصه النخبويّة والشعبيّة في آنٍ معاً، يحرص على أن يجد كل متفرّج انعكاساً له في الحكاية. فمن بين المواضيع التي تعالجها المسرحيّة بأسلوب طريف: تعقيدات النفس البشريّة، والفساد الأخلاقي، واستضعاف المرأة، والحبّ الهدّام.

ماكياج وطلاء أظافر... واستئصال الثدي

ليست المرة الأولى التي تصطحب فيها سوسن المرض معها إلى المسرح، لكنْ بين مسرحيّتَي «فولار» و«مورفين» اختلافٌ كبير. في الأولى، تناهى بكاء المتفرّجين إلى مسامع الممثلة وهي تؤدّي دورها، أما هذه المرة فهي تضرب لهم موعداً مع الضحك.

ملصق مسرحية «فولار» التي قدّمتها سوسن شوربا عام 2022 (إنستغرام الممثلة)

لكن، من أين تأتي الضحكة إذا كان المرض المتوحّش بطلاً على الخشبة؟ تجيب سوسن أنها تسمح لنفسها بأن تتحدّث عن السرطان بطريقة مضحكة كونها صاحبة التجربة. تقول: «لا أستخفّ بآلام شخصٍ آخر. هذا وجعي أنا وإذا هزئت منه في المسرحيّة، فهذا شأني وقصّتي.»

من باب الضحكة، تخبر الجمهور مثلاً كيف أنها توجّهت إلى جراحة استئصال الثدي بكامل أناقتها وتبرّجها، وهي لم تنسَ يومها أن تضع الطلاء على أظافرها رغم علمها المسبق بأنه ستجري إزالته قبل الجراحة.

تحرص سوسن على التبرّج ووضع طلاء الأظافر قبل كل جلسة علاج (إنستغرام الممثلة)

علاج المورفين بـ«مورفين»

لا تُمانع سوسن شوربا الظهور على المسرح حليقة الرأس، وهي متصالحة مع الأمر وفق ما تُظهر حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن في «مورفين» ستطلّ بشعرٍ مستعار، تجنّباً لإثارة المشاعر واستفزاز الحضور وحفاظاً على الهويّة الكوميديّة للعمل.

رهانها كبير على مسرحيّةٍ ربّما تنقذها من إدمانها على المورفين، والذي فرضته عليها الآلام المبرّحة. بالعادة، يقتضي العلاج من المورفين الدخول إلى المستشفى، لكنّ سوسن أخذت على عاتقها التخفيف من جرعات الدواء. «من أجل (مورفين)، أتحمّل عواقب ألم التخلّص من المورفين. خفّفت الكمية من 40 إلى 5 مليغرام يومياً، وأشعر بأن المسرحيّة ستشفيني منه تماماً».

لا تخشى نسيان سطورها أو التلعثم بسبب التعب والأدوية، فهي تدرّبت على التحمّل. تتذكّر كيف أنها أصرّت على السفر والتمثيل في أقصى فترات الوجع والتدهور الصحي، من دون أن تدع أحداً يشعر بأنها تتألّم.

خفّفت سوسن من جرعات المورفين اليوميّة من أجل المسرحيّة الجديدة (إنستغرام الممثلة)

تحدّي الألم بالأمل

بين 9 و25 فبراير (شباط)، تطلّ سوسن شوربا على مسرح «المونو» في بيروت لتزرع في رؤوس الحاضرين سؤالاً: «إذا استطعتُ تحويل مصيبتي إلى كوميديا، فلماذا تحوّلون حياتكم إلى دراما؟».

منهم مَن سيأتي فضولاً لمشاهدة ممثلة مصابة بالسرطان وهي تقدّم مونولوغاً طويلاً على الخشبة، ومنهم مَن سيحضر تقديراً للفنّ، لكن مهما اختلفت الدوافع فإنّ هدف سوسن شوربا ويحيى جابر واحد؛ تحدّي الألم بالأمل.

لا تفتعل سوسن شيئاً في هذا الإطار، فصلابتها الشخصيّة ومناعتها الروحيّة جاءتا بالفطرة. وما اعترافها هذا سوى تأكيد على الأمر: «يوم علمتُ منذ 13 سنة بأنّي مصابة بالسرطان، لم يكن ردّ فعلي قاسياً. حتى الآن لم أبكِ ولم أتذمّر مرّةً بسبب المرض».

كواليس التدريبات برفقة يحيى جابر (الشرق الأوسط)

تلمع عيناها كلّما أثنى أحدٌ على قوّتها التي أعادتها إلى شغفها الأوّل، أي المسرح. يُحمّلها الإعجاب والإطراء مسؤوليّة المضيّ قدُماً رغم حساسية الموقف، لكنها تتسلّح بسلامها الداخليّ وبقدرتها على الصمود.

موسيقى ورقص

لا ديكور يُذكَر على المسرح باستثناء بيانو تجلس أمامه سوسن مراراً لتعزف. «في المسرحيّة كثيرٌ من الموسيقى والرقص»، توضح الممثلة التي عزفت على البيانو منذ الصغر، وتخصصت في تأليف الموسيقى وتاريخها بالتزامن مع دراستها الفنون المسرحيّة.

للموسيقى مساحة كبرى في المسرحيّة (الشرق الأوسط)

هي التي تؤمن بأن صوت الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور شفاها من سرطانها الأوّل، تسمع قلبها وهو يقول لها إن الشفاء هذه المرة سيكون عن طريق الضحكة.


مقالات ذات صلة

نوع من الفطر يبطئ نمو سرطان البروستاتا... تعرف عليه

صحتك فطر "الزر الأبيض" قد يبطئ تطور سرطان البروستاتا (رويترز)

نوع من الفطر يبطئ نمو سرطان البروستاتا... تعرف عليه

أكدت دراسة جديدة أنَّ فطر «الزر الأبيض» قد يبطئ تطور سرطان البروستاتا عن طريق إعاقة نمو الورم، ودعم الخلايا المناعية المقاومة للسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك بحث يؤكد أن حالات الوفاة بالسرطان بين البريطانيين في ازدياد (رويترز)

بريطانيا: أكثر من وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات «ستكون بسبب السرطان»

خلص تقرير جديد إلى أن أكثر من حالة وفاة مبكرة من بين كل 4 حالات في المملكة المتحدة ما بين الآن وعام 2050 ستكون بسبب السرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك رجل مريض بالسرطان (رويترز)

هل يقلل التعافي من السرطان احتمالات الإصابة بألزهايمر؟

منذ سنوات، بدأ الباحثون وخبراء الصحة في دراسة العلاقة بين السرطان وألزهايمر، وما إذا كان التعافي من المرض الخبيث يقلل فرص الإصابة بألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مصابة بالسرطان (رويترز)

عالمة كرواتية تختبر علاجاً تجريبياً للسرطان على نفسها بنجاح

نجحت العالمة الكرواتية بياتا هالاسي، من جامعة زغرب، في علاج سرطان الثدي الذي أصابها باستخدام علاج فيروسي تجريبي طورته بنفسها داخل مختبرها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.