تركيا تحمّل دمشق المسؤولية عن تعثر مسار تطبيع العلاقات

وزير الخارجية عدّ أنها غير قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها

صورة موزّعة من «أناضول» لافتتاح «أستانا» 21 يناير الماضي في العاصمة الكازاخية بحضور سوري - تركي - إيراني وروسي
صورة موزّعة من «أناضول» لافتتاح «أستانا» 21 يناير الماضي في العاصمة الكازاخية بحضور سوري - تركي - إيراني وروسي
TT

تركيا تحمّل دمشق المسؤولية عن تعثر مسار تطبيع العلاقات

صورة موزّعة من «أناضول» لافتتاح «أستانا» 21 يناير الماضي في العاصمة الكازاخية بحضور سوري - تركي - إيراني وروسي
صورة موزّعة من «أناضول» لافتتاح «أستانا» 21 يناير الماضي في العاصمة الكازاخية بحضور سوري - تركي - إيراني وروسي

حمّلت تركيا الحكومة السورية المسؤولية عن تعثر مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين بسبب فرض شروط مسبقة عدّتها أنقرة «طريقة خاطئة».

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان: إن محاولة الجانب السوري القيام بخطوة دبلوماسية عبر وضع شروط مسبقة على تركيا طريقة خاطئة للتفاوض، وإن أنقرة عبّرت بوضوح عن هذه الفكرة لدمشق، وأكدنا أن باب الحوار مفتوح وأننا نحافظ على سلامة الأراضي السورية.

وأضاف: «الجانب السوري لا يزال غير قادر على الاجتماع مع تركيا لأسباب مختلفة، عندما يجتمعون لا يمكنهم أن يكونوا على طبيعتهم بأي حال من الأحوال، ومع ذلك ليست لديهم فرصة للقاء، هناك دائماً دولة أخرى معهم، هذه ليست مشكلة بالنسبة لنا؛ لأن لدينا ثقة كاملة في أنفسنا ونعرف ما نريد أن نفعله، والجميع يعرف مدى الأهمية التي نوليها للاستقرار في المنطقة».

تابع: نعلم أن الشركاء لا يتقاسمون الأولويات الإستراتيجية نفسها دائماً، بمعنى آخر، تتمتع روسيا وإيران وسوريا بشراكة عميقة كـ(ثلاث دول منفصلة)، الأمر يتعلق ببقاء النظام السوري، لكن عندما ننظر إلى التوازنات العامة في المنطقة، نجد أن لديهم تفضيلات وأولويات مختلفة للغاية».

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

وقال فيدان: «هذه هي القضايا التي نتابعها من كثب منذ فترة طويلة ونحللها، ونضعها في الحسبان، والآن ربما يكون لدينا إجماع عام في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب والوصول إلى سوريا وتحرير أراضيها من احتلال حزب العمال الكردستاني، وهذا ما نراه أيضاً خلال اللقاءات، لكن واجهنا بعض العوائق في المحادثات السورية، ومن أهمها عدم قدرة سوريا على اتخاذ القرارات بنفسها».

يذكر أن روسيا رعت سلسلة لقاءات على مستويات مختلفة بين أنقرة ودمشق على مدى السنوات الماضية، تطورت في العام الماضي إلى لقاءات على مستوى وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات، وأدرجت ضمن «صيغة أستانا»، حيث تحول مسار التطبيع مساراً رباعياً بمشاركة إيران.

وأكد فيدان، في مقابلة تليفزيونية ليل الأحد – الاثنين، أن بلاده لم تغلق باب الحوار، كما لم تقم بأي محاولة لانتهاك «عملية أستانا» للحل السياسي في سوريا، وكذلك فإن المعارضة السورية لم تقدِم على أي خطوة من شأنها عرقلة هذا المسار.

تصريحات فيدان جاءت لتؤكد انسداد أفق التطبيع بين أنقرة ودمشق، بعدما لمح المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، في تصريحات عقب اجتماعات الجولة الـ21 لـ«مسار أستانا» الأخيرة في 24 و25 يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى انهيار مسار التطبيع الذي تجمّد بالفعل عقب الجولة الـ20 التي عُقدت في يونيو (حزيران) 2023، حيث لم يتم الاتفاق على خريطة طريق لتطبيع العلاقات.

وزراء خارجية (من اليمين) تركيا وسوريا وروسيا وإيران خلال اجتماع رباعي بموسكو في مايو الماضي (إ.ب.أ)

وقال المسؤول الروسي، في حينها: إن دمشق ترى أنه من الضروري الحصول على ضمانات من الجانب التركي، بأن قواته العسكرية الموجودة في سوريا ستنسحب «على المدى الطويل»، لافتاً إلى أن أحداً لم يقل إن الانسحاب سيجري في الوقت القريب، ومع ذلك فهذا غير مقبول لأنقرة لأسباب معينة.

مؤيدون لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية خلال تشييع مقاتلتَين بعد غارة تركية في القامشلي شمال شرق سوريا يونيو الماضي (أ.ف.ب)

زيارة بوتين

وفي شأن متصل، تطرق فيدان إلى الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا خلال فبراير (شباط) الحالي، لافتاً إلى أنها زيارة مخطط لها من قبل، وأن الملف السوري مطروح على أجندتها.

وأكد أن تركيا تنتظر من روسيا عدم غض الطرف عما تقوم به «وحدات حماية الشعب الكردية، ذراع حزب العمال الكردستاني الإرهابي»، في سوريا. وأوضح، أن أبرز أولويات تركيا في سوريا، هي التخلص من تهديدات «العمال الكردستاني» بأقرب وقت، سواء شرق أو غرب نهر الفرات، مشيراً إلى أن «هناك توقعات أخرى لروسيا، وأن هذا أمر يحتاج إلى مفاوضات ومباحثات».

تحذير لـ«الوطني الكردستاني»

وشدد فيدان على أنه «أياً كانت المواقف، فإن عملياتنا (العسكرية) في سوريا متواصلة». كما عبر فيدان في هذا الصدد عن انزعاج بلاده من التعاون القائم بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والعمال الكردستاني في مدينة السليمانية شمال العراق، مشيراً إلى أن هذا الموضوع بات مدرجاً على السياسة الرسمية لتركيا التي قال إنها بدأت بفرض عقوبات وقيود على الأطراف المعنية، منها إغلاق المجال الجوي التركي أمام الرحلات الجوية من وإلى مطار السليمانية.

وحذّر من أن تركيا ستضطر «في حال لم يعد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني عن الطريق الخاطئة» الذي يسير فيها إلى اتخاذ «خطوات متقدمة» في هذا الصدد.

أرشيفية لوجود عسكري تركي في مناطق العمليات شمال سوريا

في سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع التركية، الاثنين، مقتل 11 من مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في منطقتي عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون» في حلب شمال سوريا.

وقالت الوزارة في بيان: إنه تم القضاء على هذه العناصر أثناء تحضيرها لهجمات على المنطقتين.


مقالات ذات صلة

​اشتباكات عنيفة حول عين العرب ومخاوف من تفاقم الوضع الإنساني

المشرق العربي عناصر من الجيش الوطني السوري في شرق حلب (أ.ف.ب)

​اشتباكات عنيفة حول عين العرب ومخاوف من تفاقم الوضع الإنساني

وقعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة بين «قسد» وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا بعد هجومين متزامنين نفذتهما الفصائل على محوري سد تشرين وجسر قره قوزاق

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز) play-circle 00:32

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي جولة تفقدية على الحدود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مظاهرة لأنصار أوجلان في تركيا للمطالبة بالإفراج عنه (أرشيفية - رويترز)

تركيا: انطلاق لقاءات مع أوجلان في سجنه خلال أيام بموافقة إردوغان

أعلن حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد في تركيا أن لقاءات مع زعيم حزب العمال الكردستاني السجين مدى الحياة عبد الله أوجلان ستنطلق هذا الأسبوع.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مظاهرة دعم لـ«قسد» في القامشلي بمحافظة الحسكة ضد التصعيد التركي (أ.ف.ب)

صدام أميركي تركي حول دعم «الوحدات الكردية»... وإردوغان يتعهد بتصفيتها

تصاعدت الخلافات التركية الأميركية حول التعامل مع «وحدات حماية الشعب الكردية»، في حين أكد الرئيس إردوغان أن التنظيمات الإرهابية لن تجد من يدعمها في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال حضوره قمة الدول الثماني النامية بالقاهرة (المكتب الإعلامي للرئاسة التركية-إ.ب.أ)

إردوغان يدعو إلى القضاء على «داعش» وحزب العمال الكردستاني في سوريا

دعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اليوم الجمعة، إلى «القضاء» على «المنظمات الإرهابية» في سوريا، مشيراً إلى تنظيم «داعش»، وأيضاً حزب العمال الكردستاني.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

الجيش الإسرائيلي ينشئ منتجعات لجنوده في غزة ومفاعلاً لتحلية مياه البحر

جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية بقطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)
جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية بقطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)
TT

الجيش الإسرائيلي ينشئ منتجعات لجنوده في غزة ومفاعلاً لتحلية مياه البحر

جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية بقطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)
جنديان من الجيش الإسرائيلي خلال العمليات العسكرية بقطاع غزة (موقع الجيش الإسرائيلي)

في الوقت الذي تتنامى فيه مظاهر الشكوى والتذمر جراء البقاء الطويل في قطاع غزة، والشعور بأن الحرب استنفدت نفسها ولم تعد هناك حاجة إلى عمليات حربية، وبأنه ما من سبب للبقاء سوى الأهداف السياسية لليمين المتطرف، كُشف النقاب في تل أبيب، الاثنين، عن محاولات من قيادة الجيش للتخفيف من ضيق جنوده، بإقامة منتجعات خاصة بهم على شاطئ البحر في غزة.

وقد وصف المراسل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوآف زيتون، ما شاهده بعينيه قائلاً: «ما بين خرابات غزة، أقيم منتجع صغير توفرت فيه ظروف متعة شبيهة بمنتجع سياحي: حمامات حديثة، ومقهى يقدم الكابوتشينو والقهوة الاسبرسو والعصائر والوجبات الساخنة، واللحم المشوي، والكعك، وغرف المساج، والرياضة البدنية، وغرفة ألعاب (بلاي ستيشن)، وماكينة (بوب كورن)، وعيادة طب أسنان، وصالون حلاقة مهني، وغرفة لإقامة الصلوات... وغير ذلك من المرفهات. كما جرى توفير آلة تحلية مياه البحر التي تستطيع إنتاج 60 ألف متر مكعب من المياه الصالحة للشرب في اليوم».

فلسطينيون أُجبروا على النزوح يقيمون داخل خيام في العراء بغزة الاثنين (د.ب.أ)

وقال زيتون إن الجيش الإسرائيلي أقام 3 منتجعات كهذه في مواقع عدة له بقطاع غزة، وإنها كلها تطل على البحر. ومع أن إزالتها سهلة، إذا تقرر الانسحاب من غزة، فإن وجودها على هذا النحو يدل على أن الجيش يعمل ليبقى هناك مدة طويلة إذا احتاج الأمر. وتحظى بهذه المتعة مجموعات مختلفة من الجنود؛ الواحدة تلو الأخرى.

وكانت وسائل الإعلام العبرية بدأت تتحدث عن تذمر شديد بين جنود الاحتياط وكذلك بالجيش النظامي من البقاء في غزة، عبر عرائض وقّع عليها مئات الجنود يطالبون فيها بوقف الحرب رسمياً والانسحاب، ويهددون برفض الخدمة. وفي صبيحة الاثنين كُشف عن رسالة وقعت عليها 800 عائلة إسرائيلية تطالب فيها بوقف الحرب، وتؤكد أنها باتت زائدة دون هدف عسكري وطني. وجاء في الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن التفسير الوحيد لاستمرار الحرب «يكمن في التصريحات والمواقف اليمينية المتطرفة التي تخطط لاستئناف الاستيطان في القطاع».

وقالت نوريت بيرغر، إحدى الأمهات اللاتي وقّعن على العريضة، إن «الرسالة جاءت لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تظهر الجنود بصورة مغايرة للواقع ومغايرة حتى لما يقوله كبار الضباط هناك... يتحدثون عن معنويات عالية وعن استعداد لمزيد من القتال، ولكن الحقيقة شيء آخر. فكيف يمكنك أن تقاتل وأنت تعرف أن القتال عبثي وليست إليه حاجة؟ وأنت تعرف أن الحكومة تفرض إطالة هذه الحرب لأسباب حزبية وشخصية لرئيس الوزراء».

إسرائيليون يحتجون على سياسة حكومة نتنياهو في تل أبيب السبت الماضي (أ.ف.ب)

وقالت أم أخرى، تدعى عينبال آرزي، إنها تثق بقيادة الجيش الذي تقول إن «بمقدوره سحب قواته من هناك»، وإن «الأمر لا يمس الأمن... فكيف نقبل أن يقف رئيس الوزراء في مواجهة الجيش في قضايا أمنية». وأضافت: «على عكس ما يقولونه في الإعلام؛ جنودنا منهكون ومتآكلون ومصابون بجراح عميقة في الجسد والنفس. يرون كيف تتعاطى الدولة مع المخطوفين فينتابهم رعب حول مصيرهم، ويوجهون أسئلة صعبة بشأن تخلي الدولة عن المخطوفين في أسر (حماس)».

يذكر أن الإعلام الإسرائيلي بدأ ينشر معلومات عما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من ممارسات وحشية خطرة في قطاع غزة، بعد وقت طويل من التعتيم. ونشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً في هذا السياق، بقلم الكاتبين موتي بيري وآرييل روبنشتاين، جاء فيه: «نحن نتفاخر بابتكار شيء جديد لم يُكتب بالفعل. نحن نعرف بالتأكيد أنه حتى في العالم المزيف الذي نعيش فيه توجد صور وأفلام وصور جوية وشهادات جنود في الجيش الإسرائيلي. توجد نيات يعبَّر عنها بتصريحات الانتقام لمتحدثين رسميين في دولة إسرائيل. هناك سياسيون يعلنون أنه يمكن احتلال غزة وتخفيف عدد سكانها إلى النصف خلال سنتين. توجد أجواء عنف في الشوارع مثلما في قصيدة: (من يكرهك فليمت). ولا يوجد قانون أو قاض. بعد 14 شهراً على القتال لم يقدَّم أي شخص للمحاكمة بسبب مشاركته في أعمال محظورة. في بداية الحرب عرض الجيش الإسرائيلي بتفاخر صوراً لرجال (حماس) الذين اعتُقلوا بشكل جماعي. مع اشتداد القتال وسقوط زعماء (حماس) كان يمكن توقع أن الاستسلام فقط هو الذي سيزيد، وأن عشرات الآلاف من رجال (حماس)؛ الجنود ومن يعملون في جهاز السلطة بالقطاع، سيملأون معسكرات الاعتقال الجماعية. أين هذه المعسكرات؟ كم هو عدد رجال (حماس) الذين يوجدون في المعتقلات؟ نحن لا نعرف ذلك. في الحرب هناك مصابون أيضاً؛ فأين يعالَج مصابو (حماس)؛ بالمستشفيات في غزة التي انهارت؟ في المستشفيات بإسرائيل؟ في المستشفيات الميدانية التي أقامها (الصليب الأحمر)؟ نحن لا نعرف».

دبابة إسرائيلية بالقرب من قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويضيف الكاتبان: «هناك من هم على قناعة بأن تسوية غزة ستجعل الفلسطينيين يتنازلون عن طموحاتهم الوطنية. هل هذا صحيح؟ نحن نعرف شعباً واحداً خسر ثلث أبنائه ولم يمنعه ذلك من تعزيز طموحاته الوطنية (يقصد الشعب اليهودي). نحن أيضاً نعرف شعباً جاراً لم يجعله الله مختاراً، حصل على ضربة تلو الأخرى وفقط ما زال يجمد قلبه. في غزة قُتل، كما يبدو، واحد من بين كل 40 شخصاً، و90 في المائة من السكان هُجّروا من بيوتهم، وها هم كبار السن في غزة لا يستسلمون ولا يتوسلون لوزيرة الاستيطان في (غوش نتساريم) المتجددة. هل الثأر لا يولّد في الأساس الثأر؟ الأمور الفظيعة تظهر في نهاية المطاف. في السنوات المقبلة سيقف أمامنا من يحطمون الصمت والمصابون بالصدمة من الحرب والذين يعذبهم ضميرهم. أحدهم سيترك رسالة انتحار، وآخر سينزل القبعة و(الأهداب)... في نهاية المطاف؛ إن ما لا نعرفه سيظهر، وإلى الجريمة سيُضاف ذنب الإخفاء. نكبة ثانية تحدث في قطاع غزة. تقريباً دون أن يشتكي أحد أو يتذمر، يجري إخلاء مليوني مواطن من بيوتهم. جزء من الجمهور يتخيل أحلاماً مسيحانية عن إسرائيل يهودية (من البحر إلى النهر)؛ (وبعده). الدولة تضيّق بشكل منهجي مجال العيش على العرب في القدس والضفة الغربية. في الاستوديوهات وعلى الشاشات ينظرون إلى الفلسطينيين كأنهم حيوانات تمشي. نكبة ثالثة تقرع الباب. كلانا وُلد هنا. نحن موجودون هنا بإرادتنا. لم يخطر على بالنا في أي يوم الهجرة من هنا. ونحن على ثقة بأننا أيضاً سنموت هنا. (النكبة الثالثة) لن تكون كارثة على الفلسطينيين فقط، بل أيضاً نهاية النهاية لدولة إسرائيل التي نريد أن نرى الأجيال المقبلة تعيش فيها».