القلق يتزايد بين المتحدرين من أصول أجنبية بألمانيا بعد الكشف عن تحالف يميني متطرف

المظاهرات تعم المدن الألمانية خلال عطلة نهاية الأسبوع ضد «البديل من أجل ألمانيا»

العَلم الألماني مرفوعاً أمام البرلمان الفيدرالي الذي تبنى قانون جنسية جديداً أمس (أ.ب)
العَلم الألماني مرفوعاً أمام البرلمان الفيدرالي الذي تبنى قانون جنسية جديداً أمس (أ.ب)
TT

القلق يتزايد بين المتحدرين من أصول أجنبية بألمانيا بعد الكشف عن تحالف يميني متطرف

العَلم الألماني مرفوعاً أمام البرلمان الفيدرالي الذي تبنى قانون جنسية جديداً أمس (أ.ب)
العَلم الألماني مرفوعاً أمام البرلمان الفيدرالي الذي تبنى قانون جنسية جديداً أمس (أ.ب)

يتزايد شعور الأشخاص المتحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا بالتعرض للعداء والتقليل من قيمتهم، ويرى هؤلاء الأشخاص أن مسيرات التضامن وحدها لا تكفي لحل مشكلتهم.

ويعدّ مجتمع الأغلبية في ألمانيا كيفية التعامل مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» مسألة سياسية بالدرجة الأولى. غير أنه الحزب الذي وصف نائبه روجر بيكامب، المهاجرين في البرلمان على نحو مسيء بأنهم «مهاجرون غرباء عن الثقافة جاءوا ليحلوا محل السكان الأصليين». وبالتالي فإذا كان التعامل مع حزب «البديل» مسألة سياسية بالنسبة لمجتمع الأغلبية في ألمانيا، فإنه بالنسبة لأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم أشخاص من أصول مهاجرة سواء في المدرسة أو في مكان العمل أو في مترو الأنفاق، مسألة أكبر من ذلك بكثير.

People take part in a demonstration against racism and far right politics, in Erfurt, eastern Germany on January 20, 2024. Jens Schlueter, AFP

يشار إلى أن حزب «البديل» من أجل ألمانيا، الذي يتصدر استطلاعات الرأي في شرق ألمانيا قبل انتخابات الولايات الثلاث في سبتمبر المقبل، يذكّر العديد من الألمان بالنظام النازي في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

وكانت تقارير تحدثت عن عقد اجتماع بين ساسة وشخصيات معروفة من التيار الذي يسمى باليمين الجديد، أثارت قلق كثير من الأشخاص من ذوي الأصول الأجنبية بشكل زادت معه الاستفسارات الواردة إلى السياسيين ومراكز الاستشارات المعنيين بشؤون هؤلاء الأشخاص.

وكان مشاركون في مثل هذا الاجتماع كشفوا عن أن هذا الاجتماع دار حول البحث في تحديد دائرة الأشخاص الذين ينبغي أن يغادروا ألمانيا، وكيف يمكن دعم هذا الأمر، وهي دائرة تتجاوز من وجهة نظر هؤلاء اليمينيين المتطرفين مجموعة الأجانب الملزمين بمغادرة البلاد بشكل قانوني.

بوابة براندنبورغ في العاصمة الألمانية برلين (أرشيفية - رويترز)

من جانبها، تقول وزيرة الدولة ريم العبلي - رادوفان، المسؤولة عن قضايا الاندماج ومكافحة العنصرية في الحكومة الألمانية، إن «الأشخاص الذين نشأوا أطفالاً لمهاجرين في ألمانيا يتساءلون عما إذا كان لا يزال لديهم مستقبل هنا»، وأضافت: «هذا أمر مخجل بالنسبة لبلادنا، خاصة مع تاريخنا».

وفي السياق ذاته، تقول مصباح خان، السياسية بحزب «الخضر» المختصة بشؤون السياسة الداخلية، إن الأشخاص المتحدرين من أصول مهاجرة مضطرون كل يوم إلى الكفاح حتى يصبحوا جزءاً متساوي الحقوق من مجتمعنا، وأضافت أن «خطط الطرد غير الإنسانية التي يقترحها حزب (البديل) لألمانيا تُشكل عبئاً نفسياً إضافياً على هؤلاء الأشخاص المتضررين».

لافتات انتخابية داعمة لحزب «البديل لألمانيا» في برلين 2 يناير (أ.ف.ب)

ويرى المتضررون أن هذه الدوامة السلبية لم تبدأ فقط في الأسبوع الماضي عندما كشف تقرير لدار «كوريكتيف» الإعلامية عن أن الارتباط بين ناشطين يمينيين متطرفين وساسة معيّنين أصبح أكثر وضوحاً أمام الرأي العام، خاصة أن جهاز حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) أبلغ عن مثل هذه التوجهات منذ فترة طويلة.

ومنذ العام الماضي، يشعر الأشخاص المنتمون إلى رابطة العائلات ثنائية الجنسية في ألمانيا بأنهم يتعرضون على نحو متزايد للإهانة والتمييز والتهديد، وذلك حسبما تقول المتحدثة باسم الرابطة كارمن كوليناس، مشيرة إلى أن «العنصرية اليومية تزايدت بشكل صارخ»، ورأت أن السبب في ذلك يرجع إلى أن النقاش حول الهجرة يجري بأسلوب سلبي بالدرجة الأولى، وقالت إن هذا الأمر لا يقتصر على حزب «البديل» وحسب.

وتابعت كوليناس، كما نقلت «الوكالة الألمانية»، أن الأشخاص الذين يعيشون في عائلات ثنائية القومية أصبح لديهم شعور بأنهم «عرضة للاستهداف بشكل متزايد»، وساقت مثالاً على ذلك بالنقاش حول «معاداة السامية المستوردة» والأفكار المطروحة في هذا السياق، لوضع شروط إضافية لراغبي الحصول على الجنسية الألمانية.

علم حزب «البديل من أجل ألمانيا» مرفوع خلال مظاهرة للمزارعين اعتراضاً على سياسات الحكومة بالقرب من بوابة براندنبورغ (إ.ب.أ)

ورأت أن كثيراً من الأجانب يعدّون أن الأمر الجدير بالملاحظة هو أن مثل هذا الاشتباه العام كان مصدره في نهاية المطاف «ألمانيين ذوي خلفية نازية».

وأعربت كوليناس عن اعتقادها بأن خروج العديد من الناس إلى الشوارع في الأيام الأخيرة للتظاهر ضد العنصرية وخطط الطرد اليمينية هو أمر جيد، لكنها رأت أن المناخ الاجتماعي بوجه عام أخذ منحى غير جيد في الفترة الأخيرة، بحيث أصبحت الأسئلة تظهر بشكل متزايد في العائلات ثنائية الجنسية مثل: «إلى أين نذهب؟»، و«هل يمكنني حقاً العيش هنا بسلام؟».

من جانبها، تقول زينب ياناسمايان، وهي عالمة اجتماع تعيش في ألمانيا منذ عشر سنوات، وتعمل رئيسةَ قسم في المركز الألماني للبحوث الاجتماعية والهجرة في برلين، إن هناك محاولات من الجانب السياسي لجعل «ألمانيا غير جذابة بغرض تقليل عدد الأشخاص الذين يبحثون عن ملاذ هنا». وقالت إن الأطراف الفاعلة في الساحة اليمينية يحاولون اختطاف مصطلحات من بحوث الهجرة مثل «إعادة التهجير»؛ للتمويه على خططهم الرامية إلى طرد المهاجرين. ولكنها رأت أن استخدام مصطلحات أكثر ليناً مثل «الإعادة أو الترحيل» في التعبير عن تدابير قاسية، يعد بمثابة ظاهرة يمكن ملاحظتها أيضاً في وسط الطيف السياسي.

وتحذر وزيرة الدولة العبلي - رادوفان أيضاً من الاعتقاد بأن مشاكل العنصرية موجودة فقط على الطرف اليميني دون غيره. وأعربت السياسية المنتمية إلى حزب المستشار أولاف شولتس «الاشتراكي الديمقراطي»، عن اعتقادها بأن التهديد وصل إلى بُعْد جديد من خلال وجود أشخاص في الاجتماع الذي تم الكشف عنه، ممن «يتبنون رؤية عنصرية قومية لألمانيا (المطهرة) وفقاً لمعايير عرقية عنصرية، وهؤلاء الأشخاص قد يحصلون على «خيارات حقيقية للسلطة» في الانتخابات الوشيكة. ومع ذلك، أشارت العبلي - رادوفان إلى أن أنماط التفكير والآيديولوجيات والهياكل العنصرية موجودة أيضا في أماكن أخرى.

وتقول المسؤولة الحكومية عن مكافحة العنصرية إن «الفكرة المزدرية للإنسانية التي ترى أن بعض الناس أكثر قيمة من غيرهم، متجذرة بعمق»، وأضافت: «في السياسة أيضاً، قمنا بغض الطرف لفترة طويلة جداً عن السرديات اليمينية ولم نتخذ إجراءات حاسمة بما فيه الكفاية ضدها»"

لافتات انتخابية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» في أحد شوارع برلين في 5 يناير 2024 (إ.ب.أ)

تتوقع المدن الألمانية تنظيم المزيد من المظاهرات الواسعة ضد التطرف اليميني، خلال عطلة نهاية الأسبوع. ومن المتوقع أن يشارك نحو 30 ألف شخص، في مظاهرة مناهضة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» في مدينة «دوسلدورف»، ظهر السبت. ومن المقرر أيضاً تنظيم فعاليات أكبر في مدن «آخن» و«مانهايم» و«ماربورغ»، بالإضافة إلى مدن أخرى. وكان آلاف الأشخاص قد تظاهروا ضد التطرف اليميني في عدة مدن ألمانية الجمعة. وكانت هناك مسيرات كبرى في فرانكفورت وزاربروكن وهيرن وجوترسلوه. في زاربروكن بالقرب من الحدود الفرنسية، احتج نحو سبعة آلاف شخص ضد فعالية لحزب «البديل من أجل ألمانيا».

وتأتي هذه الاحتجاجات بعد أن كشفت منصة «كوريكتيف» الإعلامية عن أن عدة مسؤولين كبار في حزب «البديل» التقوا في مدينة بوتسدام شرقي ألمانيا في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع شخصيات يمينية متطرفة من بينها النمساوي مارتن زيلنر، الذي تزعم على مدار فترة طويلة حركة الهوية الاشتراكية الأوروبية المتطرفة التي تعارض بشدة هجرة المسلمين إلى أوروبا. وكان زيلنر كشف عن أنه تحدث في اجتماع بوتسدام عن «إعادة التهجير». يذكر أن اليمينيين المتطرفين يقصدون باستخدام مثل هذه العبارة ضرورة مغادرة عدد كبير من الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية لألمانيا حتى بالإكراه.


مقالات ذات صلة

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ تعيينات دونالد ترمب في إدارته الجديدة تثير قلق تركيا (رويترز)

ترمب يؤكد عزمه على استخدام الجيش لتطبيق خطة ترحيل جماعي للمهاجرين

أكد الرئيس المنتخب دونالد ترمب أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية بشأن أمن الحدود واستخدام الجيش الأميركي لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير الشرعيين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية أحد اليهود الأرثوذكس في القدس القديمة يوم 5 نوفمبر الحالي (إ.ب.أ)

الهجرة إلى إسرائيل ترتفع في عام الحرب

أظهرت أرقام جديدة أن 11700 يهودي أميركي قدموا طلبات من أجل الهجرة إلى إسرائيل بعد بداية الحرب في قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر العام الماضي.

كفاح زبون (رام الله)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».