السنوسي عديل القذافي... «رهينة» في قبضة سجّانيه

«ميليشيا الردع» ترفض مثول رئيس استخبارات النظام السابق للمرة الـ13 أمام القضاء

السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)
السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)
TT

السنوسي عديل القذافي... «رهينة» في قبضة سجّانيه

السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)
السنوسي مدير الاستخبارات العسكرية في عهد القذافي (أرشيفية من رويترز)

بجواز سفر قِيل إنه «مزور» قُبض على عبد الله السنوسي، مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وأعيد من موريتانيا إلى بلده، في مارس (آذار) 2012، ومنذاك التاريخ وهو يُنقّل بين سجون تسيطر عليها الميليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس، إلى أن استقر في معيتقة.

والسنوسي، (73 عاماً) هو صهر القذافي، الذي كان يعدّ من أقوى رجال النظام السابق، لا يزال يُحاكم على ذمة القضية المعروفة بـ«مذبحة سجن أبو سليم» بطرابلس، التي قضى فيها قرابة 1200 سجين عام 1996، بجانب اتهامه بـ«قمع» المحتجين خلال «ثورة 17 فبراير» (شباط) عام 2011 التي أسقطت نظام القذافي.

وعلى مدار العام الماضي، أرجأت محكمة استئناف طرابلس محاكمة السنوسي، ومنصور ضو، رئيس الحرس الخاص للقذافي، مرات عدة، إلى موعد آخر بسبب رفض ميليشيا «قوة الردع الخاصة» التي تحجزه في سجن معيتقة بالعاصمة مثوله أمام المحكمة.

ويتهم أنصار السنوسي، آمر «قوة الردع الخاصة» عبد الرؤوف كارة، باحتجازه كـ«رهينة»، ويرجعون ذلك إلى أن سجّانيه «يتخوفون من شعبيته حال إطلاق سراحه».

لقطة من الداخل لسجن مدينة زليتن شرق طرابلس (غيتي)

وحمّل أحمد نشاد، محامي السنوسي، النيابة العامة الليبية مسؤولية تأخير محاكمة موكله، لكنه قال في حديث إلى «الشرق الأوسط» الاثنين: إن منصور ضو، الذي يحاكَم مع السنوسي، «مثُل عبر دائرة تلفزيونية مغلقة أمام هيئة المحكمة، في حين لم تتم مشاركة موكله».

وحُكم على السنوسي، بالإعدام عام 2015 لاتهامه بقمع «ثورة 17 فبراير»، لكن في نهاية عام 2019 برأته محكمة في العاصمة طرابلس مع آخرين من حكم مماثل في قضية «سجن أبو سليم»، ثم نقضت المحكمة العليا بالبلاد الحكم قبل نحو عام، وأعادت المحاكمة بإسنادها لدائرة جنايات جديدة.

وأشار نشاد، إلى أن المحكمة أرجأت نظر القضية للمرة الـ13 إلى جلسة 29 يناير (كانون الثاني) الحالي؛ «على أمل تمكين السنوسي من المثول أمام المحكمة عبر الدائرة المغلقة لسماع قائمة الاتهام ومرافعة الدفاع عنه في القضية».

وغادر السنوسي ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، في أعقاب صدور أمر اعتقال له من المحكمة الجنائية الدولية، وعند وصوله مطار نواكشوط، قالت السلطات هناك آنذاك: إنه كان قادماً من الدار البيضاء بالمغرب وهو يحمل جواز سفر مزوراً من مالي، لكن مقربين منه نفوا ذلك في حينه.

وسبق وطالبت «الجنائية الدولية» بتسليم السنوسي إليها لمحاكمته بتهمة «ارتكاب جرائم وحشية» بحق المتظاهرين خلال «ثورة 17 فبراير» 2011، التي أطاحت القذافي، لكن السلطات المحلية ترفض ذلك بداعي أنها صاحبة الولاية القضائية، وتستطيع «إخضاعه لمحاكمة عادلة مثل المحكمة الدولية».

صفية فركاش أرملة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (تويتر)

والعقيد السنوسي هو زوج شقيقة صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي، وكان ضمن الدائرة المقربة جداً منه طوال فترة حكمه، التي انتهت بعد 42 عاماً، ليجد الرجل نفسه في قبضة الميليشيات التي سعى للقضاء عليها.

وقال الشيخ هارون أرحومة، أحد أعيان قبيلة المقارحة، التي ينتمي إليها السنوسي، في حديث سابق مع «الشرق الأوسط»: إن «الحالة الصحية للأخير سيئة للغاية، ويعاني أمراض القلب وسرطان الكبد»، محذراً من تعرضه «لأي مكروه».

ويدافع أنصار السنوسي عنه مجدداً في مواجهة أي اتهامات توجه إليه، ويرون أنه «مستهدف لكونه شخصية مؤثرة في ليبيا سابقاً وراهناً»، في وقت يراه نشطاء محسوبون على «ثورة 17 فبراير»، أنه لعب دوراً في «قمع الثوار».

وعقب جلسة لم تستمر طويلاً، أضاف نشاد: «إذا مثُل السنوسي أمام المحكمة الأسبوع المقبل سنطرح كل شيء بخصوص قضيته. وإذا لم يحدث ذلك، فسيكون هذا إعلان عجز النائب العام والسلطات الليبية، عن توفير محاكمة عادلة له، وتغوّل من يخشون محاكمته، على القرار بمثوله أمام المحكمة».

الشيخ هارون أرحومة أحد أعيان قبيلة المقارحة (الشرق الأوسط)

وكان الشيخ أرحومة، الذي سبق وتحدث مع السلطات التنفيذية والعسكرية في ليبيا بشأن اعتقال السنوسي، حذّر بأن قبيلته «لن تصمت إن أصاب الأخير مكروه، في ظل ما يعانيه من مرض السرطان، وحرمانه من الأطباء والدواء».

وأضاف: «عدد أفرادنا يقدر بأكثر من 500 ألف فرد، متفرقين في جميع أنحاء البلاد... ونحن نمنع شبابنا من أي إجراءات تصاعدية، ونتحكم في غضبهم... ولو قدّر الله وحصل أي مكروه لعبد الله، فإننا لن نضمن وقوع أشياء كثيرة... السنوسي هو رجل (المقارحة) وركيزتهم».

وأرجع أحد أعيان قبيلة القذاذفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» سبب عدم سماح «قوة الردع» بمثول السنوسي أمام المحكمة، إلى أنه «يعرف التاريخ الحقيقي لسجّانيه، وماذا كانوا وكيف أصبحوا؛ لذا هم يكدرونه رغم مرضه وإجرائه عملية تركيب دعامة في القلب عام 2022، في غياب أسرته».

السنوسي وعدد من مسؤولي النظام السابق في جلسة محاكمة سابقة (رويترز)

وقبل نهاية العام الماضي، خرجت وزيرة العدل بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، حليمة عبد الرحمن، عن صمتها، وتحدثت باقتضاب عن حالة حقوق الإنسان في البلاد، مؤكدة وجود سجون لا تتبع وزارتها، و«تسيطر عليها أطراف أخرى».

وعرفت ليبيا «السجون السرية»، التي تديرها التشكيلات المسلحة المنتشرة في عموم البلاد، خارج الإطار الرسمي، بعد إسقاط نظام القذافي، وانتشار الفوضى الأمنية، لكن السلطات الأمنية والقضائية دائماً ما تتجنب الكشف عن مصير هذه السجون ومن فيها.


مقالات ذات صلة

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

شمال افريقيا حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

قال مكتب القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي إن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مجتمعاً في مكتبه بطرابلس مع محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى (مكتب الدبيبة)

«الوحدة» الليبية لمواجهة «غسل الأموال وتمويل الإرهاب»

أكد محافظ المصرف المركزي الليبي ناجي عيسى التزام المصرف «بحل إشكالية السيولة واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يضمن انتظامها وتحسين الخدمات المصرفية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل

«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

أظهر تقرير أممي تفضيلاً واسعاً بين الليبيين لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية بالكراسي المتحركة لمرضى ضمور العضلات في طرابلس (رابطة ضمور العضلات)

مرضى «الضمور» للتظاهر ضد «الوحدة» الليبية

وصل غضب مرضى ضمور العضلات في ليبيا إلى ذروته عقب تسجيل 3 وفيات خلال أسبوعين بينهم طفلان.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا اجتماع حفتر مع حمّاد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فى بنغازي (القيادة العامة)

حفتر: قوت المواطن الليبي «خط أحمر لا يمس»

شدد المشير حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خلال اجتماعه مع رئيس الحكومة أسامة حمّاد، على ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية وراء أزمتي نقص السيولة والوقود.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
TT

الأمم المتحدة: 1000 قتيل في مجزرة لـ«الدعم السريع»

 نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)
نازحون يستقلون عربة تجرها الحمير عقب هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على مخيم زمزم للنازحين 15 أبريل الماضي (رويترز)

أفاد تقرير للأمم المتحدة، أمس (الخميس)، بأن أكثر من 1000 مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) الماضي، بمخيم زمزم للنازحين شمال دارفور، تعرض نحو ثلثهم لعمليات إعدام خارج نطاق القانون.

وأشارت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل. وأكدت المفوضية «مقتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً».

وفي سياق آخر، شنت «قوات الدعم السريع»، أمس، هجوماً واسعاً بعشرات الطائرات المسيّرة، طالت عدداً من المدن في ولاية النيل بشمال السودان، مستهدفة محطة رئيسية لتوليد الكهرباء، مما أدى إلى مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي في المدن السودانية الكبرى.

وقال مصدر عسكري وشهود إن الهجوم تم بنحو 35 مسيّرة على مدن عطبرة والدامر وبربر في ولاية النيل، وألحق أضراراً بالغة بمحولات كهربائية في محطة المقرن في عطبرة نتج عنها إظلام تام في ولايات الخرطوم ونهر النيل والبحر الأحمر.


مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تلوّح باتفاقية «الدفاع المشترك» للحفاظ على وحدة السودان

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

رسمت مصر «خطوطاً حمراء» بشأن الأزمة في السودان، وحذرت من تجاوزها باعتبارها «تمس الأمن القومي المصري». ولوّحت باتخاذ كافة التدابير التي تكفلها «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، في خطاب يراه خبراء «الأكثر حدة» منذ اندلاع الحرب في السودان.

وجاء الموقف المصري بالتزامن مع استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث أكد السيسي «دعم بلاده الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة»، وشدد على «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره»، مؤكداً استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي.

وجددت مصر، في أثناء زيارة البرهان، «تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان»، وذلك في إطار «توجه الإدارة الأميركية لإحلال السلام، وتجنب التصعيد، وتسوية المنازعات في مختلف أنحاء العالم».

تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك

مع التأكيد على تلك الثوابت، وضعت القاهرة «خطوطاً حمراء» للمرة الأولى في الأزمة السودانية، مؤكدة أنها «لا يمكن أن تسمح بتجاوزها باعتبارها تمس الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني»، وتضمنت المحاذير المصرية «الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان».

وقالت الرئاسة المصرية، الخميس، إن «الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، ومنع المساس بهذه المؤسسات، هو خط أحمر آخر».

وأكدت «الحق الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي»، ومن بينها «تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين؛ لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها».

الرئيس المصري خلال محادثات في القاهرة الخميس مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان (الرئاسة المصرية)

وفي مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976، في مواجهة «التهديدات الخارجية».

عضو «لجنة الدفاع والأمن القومي» في مجلس النواب المصري، اللواء يحيى كدواني، قال إن الأمن القومي المصري يرتبط مباشرة بوحدة الأراضي السودانية، «ومع وجود مؤامرات تهدف إلى تقسيمه، فإن ذلك يستدعي وضع (خطوط حمراء) لعدم تجاوزها، بما يحقق الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، وبما يشكل ضمانة لحماية الأمن القومي المصري».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقف المصري بشأن الحفاظ على وحدة وسلامة السودان ثابت وقوي، والقاهرة قادرة على تنفيذ ما تعلن عنه من شعارات ومبادرات لحماية مؤسسات الدولة السودانية»، لافتاً إلى أن استدعاء «اتفاقية الدفاع المشترك» جاء للتأكيد على أن «هناك تنسيقاً مشتركاً بين البلدين في إطار الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة في السابق بين البلدين».

وذكر بيان الرئاسة المصرية، الخميس، أن «القاهرة تتابع بقلق بالغ استمرار حالة التصعيد والتوتر الشديد الحالية في السودان، وما نجم عن هذه الحالة من مذابح مروعة وانتهاكات سافرة لأبسط قواعد حقوق الإنسان في حق المدنيين السودانيين، خاصة في الفاشر»، كما أكدت «رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها، باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه».

أما عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فأكد أن التنسيق المصري - السوداني في مجابهة تهديدات تقسيم البلاد يأتي في إطار حماية الأمن القومي المصري والسوداني والعربي، خاصة أن البلدين ضمن «مجلس الدول المتشاطئة على البحر الأحمر»، وهو لديه أدوار رئيسية تتمثل في «الدفاع والتنمية».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الموقف المصري يأتي في إطار مبادرة «الرباعية الدولية»، والمبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، في أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، موضحاً أن «القاهرة تدعم تنفيذ (خريطة طريق) تبدأ بهدنة تستمر ثلاثة أشهر، ودمج (قوات الدعم السريع) في الجيش السوداني، مع الحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية السودانية».

ووفقاً لبيان الرئاسة المصرية، أكدت القاهرة «حرصها الكامل على استمرار العمل في إطار (الرباعية الدولية)، بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية، تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية».

وطرحت «الرباعية»، التي تضم دول (المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة الأميركية) في أغسطس (آب) الماضي، «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر».

جانب من اجتماع سابق لـ«الرباعية» في نيويورك (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة البرهان إلى مصر بعد أخرى قام بها إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين الماضي، وأكد في ختام زيارته حينها «حرص السودان على العمل مع ترمب ووزير خارجيته، ماركو روبيو، ومبعوثه للسلام في السودان، مسعد بولس، في جهود تحقيق السلام ووقف الحرب».

وأكدت مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أماني الطويل، أن «مصر وضعت خطوطاً حمراء لأول مرة في الملف السوداني، وموقفها الأخير هو الأكثر حدة منذ اندلاع الحرب، وهو يتماهى مع الموقفين السعودي والأميركي بشأن الحفاظ على وحدة السودان، وضرورة وقف الحرب، ورفض الكيانات الموازية، والحفاظ على مؤسسات الدولة».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «نستطيع القول إن هناك توافقاً سعودياً - مصرياً على المواقف القوية بشأن وحدة السودان، ما يبرهن على أن الاتجاه السائد الآن هو بلورة مبادرة لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية»، لكنها شددت أيضاً على أن «المسألة الأكثر تعقيداً تتعلق بالحلول السياسية في ظل التعامل مع أطراف سودانية لا تقبل بعضها، ومن الممكن أن يأتي إعلان مبادئ (نيروبي) مقدمةً لهذا السياق».

ووقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل) لوقف الحرب في السودان، ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب.

وأكد متحدث الرئاسة المصرية، الخميس، أن محادثات السيسي والبرهان «تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية، بما يجسّد تطلعات الشعبين نحو تحقيق التكامل والتنمية المتبادلة، وتطرقت كذلك إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان».


«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
TT

«خريطة تحالفات جديدة»... حفتر ينفتح عسكرياً على باكستان

حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً في بنغازي قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير وعلى الجانبين صدام (يمين) وخالد الأربعاء (القيادة العامة)

طرحت الزيارة التي أجراها قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، لمقر القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي في مدينة بنغازي، أسئلة كثيرة، وسط إشارات إلى «خريطة تحالفات جديدة» تتعلق بموازين القوى.

واستقبل حفتر مساء الأربعاء، في بنغازي (شرق)، قائد الجيش الباكستاني، يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى، في إطار زيارة رسمية إلى ليبيا لعقد سلسلة من الاجتماعات ذات الاهتمام المشترك. وقال مكتب القيادة العامة إن زيارة الوفد الباكستاني تأتي في إطار «تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات»، حيث أكد الطرفان عمق العلاقات التاريخية الليبية - الباكستانية، وأهمية المضي قدماً في تطويرها، بما يخدم المصالح المشتركة بين الجانبين.

قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير في زيارة لبنغازي الأربعاء (القيادة العامة)

وعدّ المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، زيارة الوفد الباكستاني «غير عادية»، ورأى أنها «تمثل نقلة نوعية مرتبطة برؤية القيادة العامة 2030 في تطوير قدرات القوات المسلحة الليبية، التي لم تعد رهينة الاعتماد على دولة واحدة للتسلّح منها بلا آفاق وأبواب جديدة».

وأضاف قشوط في إدراج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن التعاون مع الجيش الباكستاني «سيضيف إلى قواتنا المسلحة كثيراً»، وعدّه «حليفاً استراتيجياً سيكون بمنزلة ردع لأي تهديدات مستقبلية».

وأُقيمت مراسم استقبال رسمية للوفد الباكستاني، وكان في مقدمة مستقبليه، نائب القائد العام الفريق أول صدام حفتر، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، الفريق أول خالد حفتر، إلى جانب عدد من رؤساء الأركان بالقوات المسلحة.

وينظر الباحث في الشأن الليبي، محمد تنتوش، إلى زيارة الوفد العسكري الباكستاني لبنغازي على أنها «فشل دبلوماسي لحكومة (الوحدة)؛ ورئاسة الأركان في المنطقة الغربية»، وأرجع ذلك إلى أنها «لم تصنع علاقة بذات المستوى مع باكستان». وذهب تنتوش إلى أن «كل قوة وتطور في عمل معسكر الرجمة هو عامل إضافي، قد يُمكِّنها من السيطرة على كامل ليبيا، أو على الأقل يشجعها على ذلك».

كانت القيادة العامة قد مهّدت لقدوم الوفد الباكستاني بزيارة أجراها صدام حفتر إلى إسلام آباد في يوليو (تموز) الماضي، التقى خلالها شخصيات باكستانية عديدة، من بينهم رئيس الوزراء محمد شهباز شريف، ورئيس أركان البحرية الأدميرال نويد أشرف، وذلك ضمن زيارته الرسمية للبلاد.

ويرى محللون أن الزيارة، التي بحثت تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات، جاءت في توقيت تتصاعد فيه التحركات الإقليمية، وإعادة رسم خرائط النفوذ العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان تعديل دستوري أقرته باكستان مؤخراً، قد عزز من نفوذ منير، بمنحه أدواراً إضافية وحصانة مدى الحياة، في خطوة عدّها محللون ترسيخاً لمكانة قائد الجيش في موقع «الرجل الأقوى في البلاد».

وسبق أن قال موقع «إنسايد أوفر» الإيطالي، إن حفتر «لم يعد مكتفياً بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا؛ بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، ويخلق توازناً في منطقة مضطربة». فيما يرى متابعون أن زيارة الوفد العسكري الباكستاني تحمل رسائل عدة تشير إلى انفتاح شرق ليبيا على تعاون عسكري أوسع مع قوى مؤثرة خارج الإطار التقليدي.

حفتر ومنير يستعرضان قطعة سلاح الأربعاء (القيادة العامة)

كان حفتر قد التقى في مايو (أيار) الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة موسكو، كما التقى أيضاً وزير الدفاع أندريه بيلوسوف، وسكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو.

ويفرض مجلس الأمن الدولي منذ إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حظراً على السلاح. فيما جدد مؤخراً تفويضه بتفتيش السفن المتجهة من وإلى السواحل الليبية لمدة ستة أشهر. وينصّ قرار مجلس الأمن، الذي صُوّت عليه في نيويورك بتمديد مهمة العملية البحرية الأوروبية «إيريني»، على ضرورة توافر «أسباب معقولة» للاشتباه قبل الشروع في تفتيش السفن.