فرضت ظروف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمستمرة منذ أكثر من 3 شهور، على قيادة حركة «حماس»، المُلاحقة، اتباع إجراءات أمنية أكثر صرامة في عملية التواصل، سواء داخل القيادة السياسية في غزة، أو مع قيادة «كتائب القسام» الجناح المسلح للحركة، أو مع قيادة الحركة بالخارج.
ويحتاج مسؤولو «حماس» إلى التواصل فيما بينهم بشكل حثيث، من أجل التشاور واتخاذ قرارات متعلقة بالحرب واقتراحات الهدن وصفقات التبادل. وتقرر قيادة الحركة في غزة مصير أي اقتراح أو صفقة، وهو ما يجعلها في مباحثات دائمة ولكن بطريقة سرية لضمان عدم تسرّب معلومات عما يحدث في أروقتها الداخلية. ولضمان ذلك، تستخدم قيادة الحركة نظام اتصالات سرياً، بدأ بنظام أرضي خاص، ثم انتهى إلى طريقة بدائية للاتصال بين البشر عبر رسائل مكتوبة.
وقالت مصادر مقربة من قيادة «حماس»، لـ«الشرق الأوسط»، إن قادة الحركة يعتمدون آلية خاصة للتواصل في ما بينهم، خصوصاً مع القادة في الخارج، في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت بشكل شبه دائم عن مناطق قطاع غزة، ولتجنب التتبع الإسرائيلي.
وأوضحت المصادر أن قادة «حماس» و«القسام» كانوا يعتمدون في بداية الحرب الإسرائيلية على الاتصالات الأرضية الخاصة بالحركة، والتي قام مهندسون من الجناح العسكري لـ«حماس»، بابتكارها عام 2009، وراحوا يطورونها من فترة إلى أخرى، باستخدام تكنولوجيا استُقدمت من خارج القطاع، على الأرجح من خلال تهريبها عبر أنفاق على الحدود مع مصر.
وتابعت المصادر أن «كتائب القسّام» ركّبت مقاسم تحت الأرض، متصلة بهواتف أرضية قديمة جداً في نقاط معينة فوق الأرض، وكان يجري فحصها باستمرار لمنع اختراقها، وتجري لها صيانة شهرية دورية.
وروت المصادر كيف أن لكل قيادي من مختلف المستويات القيادية، سواء السياسية أو العسكرية، نقطة اتصال خاصة به، برقم معين محدد، يجري التواصل عبره في الحالات الطارئة.
وقالت المصادر إن إسرائيل كانت على علم بهذا النظام، وحاولت اختراقه مرات عدة ثم حاولت استهدافه.
وأضافت: «في حرب سرية غير معلنة، نجح العدو في مايو (أيار) عام 2018 بتفجير مقسم اتصالات بعد تفخيخه غرب الزوايدة وسط قطاع غزة، ما أدى حينها لاغتيال مجموعة من مهندسي (القسّام) حاولوا كشف ثغرة أمنية وقعت بتلك النقطة، فانفجر بهم المقسم». وتابعت: «قبل ذلك التاريخ وبعده، حاول العدو مرات عدة اختراق هذه المنظومة»، مشيرة إلى أن قوة إسرائيلية خاصة تسللت إلى غزة، ونفذت سلسلة مهمات بينها محاولة اختراق منظومة اتصالات «حماس»، قبل أن يُكشف أمرها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018، خلال مهمة لها شرق خان يونس، ويجري إخراجها تحت النار بعد مقتل اثنين من عناصرها.
ويبدو أن «حماس» حافظت على شكل هذه الاتصالات في بداية الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة، على الرغم من أن جيش الاحتلال ركز على استهداف بعض نقاط الاتصال، ودمر بعضها، كما دمّر أنفاقاً كانت في داخلها مقاسم اتصال رئيسية.
وقالت المصادر إنه رغم تضرر شبكة الاتصالات فإن قيادة الحركة واصلت إدارة اتصالاتها عبر هذه المقاسم، بما في ذلك الاتصالات الحثيثة التي حسمت أمر الهدنة الإنسانية التي استمرت 7 أيام. وأوضحت أن مهندسي «كتائب القسام» تمكنوا وقتها من إعادة بعض تلك المقاسم للعمل، وفعّلوا نقاط اتصال جديدة.
وكشفت المصادر أن مفاوضات التهدئة كانت تجري داخلياً ثم يُكلَّف شخص ما بنقل الأجوبة إلى قيادة الحركة في الخارج، وقالت: «مفاوضات الهدنة التي أُفرج بموجبها عن عشرات الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت تجري من خلال التواصل الداخلي بين بعض قادة (حماس) و(القسام) عبر الاتصالات الأرضية، ثم كان يجري تكليف شخص ما، بنقل ما يجري التوافق عليه إلى قيادة الحركة بالخارج من خلال طرق عدة، منها الإنترنت المرتبط بشرائح إلكترونية، وباستخدام برامج مشفرة اشترتها الحركة من الخارج».
وأضافت: «في بعض المرات، كان يجري الاتصال بأشخاص لا علاقة لهم بالحركة، لكنهم قريبون منها وموجودون في عواصم عدة، وينقلون بدورهم تلك الرسائل للقيادة في الدوحة وبيروت».
واستخدمت «حماس» الاتصالات الداخلية الخاصة للتواصل مع حركة «الجهاد الإسلامي» بعدما كانت قد زودتها في السابق ببعض نقاط الاتصال للتواصل عند الضرورة. وهذا يفسّر على الأرجح كيف أن تسليم أسرى ومحتجزين خلال الهدنة الأخيرة ترافق مع خروج مسلحين من «القسام» و«سرايا القدس» (الجناح المسلح لـ «الجهاد»)، بشكل مشترك.
وبعد استئناف القتال، عقب فشل تمديد الهدنة الإنسانية، هاجمت إسرائيل بقوة أهدافاً لـ«حماس»، ومع تمدد الهجمات بما فيها البرية لتطول أهدافاً أوسع وسط القطاع وجنوبه، فقدت الحركة كثيراً من أنفاقها المخصصة لمقاسم الاتصالات، كما فقدت كثيراً من نقاط الاتصال المحددة فوق الأرض.
وأكدت المصادر أن ذلك دفع قيادتي «حماس» و«القسام»، في قطاع غزة، إلى استخدام أساليب قديمة جداً في التواصل فيما بينها لإدارة المفاوضات وغيرها من القضايا التنظيمية مع استمرار الحرب. وأوضحت أن «حماس» لجأت إلى بعض عناصرها، أو المقربين منها، لكنهم غير معروفين للعلن، من أجل نقل رسائل مكتوبة باليد من شخص إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. وأضافت: «يجري ذلك من خلال اتباع إجراءات أمنية صارمة لمنع تتبع حركة الاتصالات تحت أي ظرف».
وتنقل تلك الرسائل المكتوبة لأشخاص لهم أيضاً تواصل بطرق مختلفة مع قيادة الحركة في الخارج.
وتحتاج قيادة الحركة في الخارج إلى موافقة القيادة في الداخل على أي قرارات متعلقة بالحرب.
وأكدت المصادر أن قادة «حماس» و«القسام» في قطاع غزة، هم من يضعون اللمسات الأخيرة على أي اتفاق، مشيرة إلى أن قيادة الحركة في الخارج لا تتخذ أي قرار من دون موافقة القيادة في القطاع، خصوصاً رئيسها يحيى السنوار.
وتثير عمليات التواصل بين قيادات «حماس» كثيراً من الجدل داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي لم تنجح حتى الآن بالوصول إلى السنوار، أو قيادة الصف الأول في «القسام» مثل محمد الضيف، ومروان عيسى، أو محمد السنوار، شقيق يحيى.