أكدت ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية أن موسكو منفتحة على اللقاء الذي اقترحه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لبحث الأزمة السورية. وفي حوار معها على قناة «روسيا - 24» أول من أمس قالت زاخاروفا: «لم نكن يوما منغلقين ودوما نقول إننا نريد مثل هذه الاتصالات عبر قنوات المؤسسات ذات الصلة. أجل هناك عرض من الجانب الأميركي لعقد لقاء، والحديث يدور عن عقده خلال هذا الأسبوع، حول تسوية الأزمة السورية»، مشددة على أن «روسيا لم تغلق يومًا باب الحوار مهما كانت الخلافات، لأن أخطر ما في الأمر هو النظر إلى تهديد الإرهاب على أنه تهديد خاص موجه ضد طرف ما، ذلك أن هذا الخطر هو مصدر تهديد للجميع».
وتأتي تصريحات زاخاروفا في سياق تكثيف موسكو لنشاطها على جبهة جهودها الدبلوماسية حول الأزمة السورية، التي أطلقها الرئيس بوتين في منتدى «روسيا تدعو» الاستثماري بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حين قال إنه لمس خلال محادثاته مع أوباما على هامش الجمعية العمومية اهتماما لدى الجانب الأميركي بالتعاون في التصدي للإرهاب، وكشف عن اقتراح قدمته روسيا للولايات المتحدة ببدء محادثات عسكرية - سياسية رفيعة المستوى بين الجانبين، أعربت فيه موسكو عن استعدادها لإرسال وفد كبير إلى واشنطن لبحث مسائل التسوية السياسية في سوريا بالدرجة الأولى، إلا أن الولايات المتحدة رفضت استقبال الوفد، معتبرة أن روسيا لا تساهم بشكل بنّاء في الأزمة السورية ولديها أجندتها الخاصة.
ويرى مراقبون أن روسيا مهتمة عمليًا بالحوار مع الولايات المتحدة، وكذلك مع القوى الإقليمية الفاعلة، على أمل إطلاق عملية سياسية في سوريا، ويشيرون بهذا الصدد إلى أن اختيار بوتين لميدفيديف على رأس الوفد المقترح شكل بحد ذاته رسالة إيجابية المضمون، يبدو أن موسكو أرادت التعبير من خلالها عن استعدادها لتخفيف حدة موقفها حيال الوضع في سوريا. اللافت في الاقتراح الروسي أن ميدفيديف بصفته رئيسًا للحكومة لا يملك صلاحيات في مجال السياسة الخارجية والأمن، لأن تقاسم الصلاحيات بين مؤسسات السلطة في روسيا تضع قرارات السياسة الخارجية والأمن بيد الكرملين هو يشرف على الوزارات ذات الصلة، ما يعني أن وزيري الخارجية لافروف والدفاع شويغو هم من كان يُفترض تكليفهما برئاسة الوفد. رغم هذا تم اختيار ميدفيديف، الذي لا يوجد بشكل عام ما يمنع قيامه بمهمة كهذه إن جاءت بتكليف من الرئيس.
يُذكر في السياق ذاته أن ميدفيديف محسوب على الليبراليين ويُنظر إليه في روسيا على أنه قريب من الغرب، وأن رئاسته لروسيا (2008 - 2012) كانت فرصة ذهبية لتحسين العلاقات الروسية - الأميركية، إلا أن الأمر لم ينجح بسبب التعنت الأميركي. وما يعزز ذلك جملة مواقف تبنتها روسيا خلال رئاسة ميدفيديف، منها توقيع اتفاقية «ستارت – 3» دون التوصل إلى حل اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الدرع الصاروخية الأميركية، وكذلك إطلاق ما يُعرف باسم مرحلة «إعادة تشغيل» العلاقات الأميركية – الروسية، فضلا عن موافقة روسيا على قرار مجلس الأمن الذي استغله الغرب لاحقا لقصف الأراضي الليبي. وهي القرارات التي ينظر إليها كثيرون بأنها حملت تنازلات روسية أمام الولايات المتحدة، على أمل إحداث تغيير جوهري في العلاقات بين البلدين. إلا أن الأهم بخصوص ميدفيديف الرئيس الروسي حينها هو موقفه من الأزمة السورية، إذ أطلق تصريحات بعد أشهر قليلة على الثورة السورية، وتحديدًا في مطلع أغسطس (آب) 2011، قال فيها: «نشعر ببالغ القلق إزاء الوضع في سوريا، لهذا من خلال اتصالاتنا الشخصية (مع الأسد) وفي تلك الرسائل التي أوجهها إليه أنقل فكرة واحدة دومًا: لا بد من إجراء إصلاحات بسرعة، والتصالح مع المعارضة، وإعادة بناء السلم الأهلي، وبناء دولة عصرية. وإذا لم يتمكن من فعل ذلك فإن مصيرًا محزنًا بانتظاره، وفي نهاية المطاف نحن سنضطر إلى اتخاذ قرارات ما».
وفي لقاء له الأسبوع الماضي على قناة «روسيا - 1» عبّر ميدفيديف عن استغرابه ودهشته لرفض الولايات المتحدة استقبال الوفد الروسي، وقال إن «الإدارة الحالية تتصرف بشكل غريب»، وإنها «بموقفها هذا تظهر ضعفها»، لكنه أبقى الأبواب مفتوحة أمام الحوار مع واشنطن حين قال: «لقد قمنا بالخطوة الأولى، ونحن مستعدون للحوار». ويبدو أن واشنطن فهمت الرسالة الروسية، لكن لأسباب ما قررت أن تأخذ بيدها زمام المبادرة، وهو ما تشير إليه دعوة كيري لعقد لقاء مع قادة في روسيا والسعودية والأردن وتركيا حول الأزمة السورية.
روسيا متمسكة بالحوار مع القوى الدولية والإقليمية حول سوريا وترسل رسائل إيجابية
لماذا اختار بوتين ميدفيديف دون غيره لرئاسة الوفد الذي رفضت واشنطن استقباله؟
روسيا متمسكة بالحوار مع القوى الدولية والإقليمية حول سوريا وترسل رسائل إيجابية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة