قادة العالم يتوافدون إلى «دافوس» على وقع حربَي غزة وأوكرانيا

مديرته العامة لـ«الشرق الأوسط»: المعلومات المضللة أبرز خطر يحدق بالمجتمعات... و3 سبل لمكافحتها

يستعد منتجع دافوس السويسري لاستقبال 2500 مشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع (أ.ب)
يستعد منتجع دافوس السويسري لاستقبال 2500 مشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع (أ.ب)
TT

قادة العالم يتوافدون إلى «دافوس» على وقع حربَي غزة وأوكرانيا

يستعد منتجع دافوس السويسري لاستقبال 2500 مشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع (أ.ب)
يستعد منتجع دافوس السويسري لاستقبال 2500 مشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع (أ.ب)

تنطلق مساء الاثنين أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري. ومثل كل عام، يتوافد قادة دول وحكومات ومسؤولو الشركات العملاقة إلى جبال الألب السويسرية، للمشاركة على مدى 5 أيام في ملتقى يتيح لممثلي القطاع العام والخاص بحث ورسم السياسات الاقتصادية.

إلا أن هذا التقليد السنوي الذي واظبت عليه نخب العالم منذ سبعينات القرن الماضي، ينعقد هذه السنة في ظلّ «السياق الجيوسياسي والاقتصادي الأكثر تعقيداً منذ عقود»، وفق رئيس المنتدى بورغه برنده.

استعدادات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 13 يناير (رويترز)

فمع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الـ100، واقتراب الحرب الروسية- الأوكرانية من عامها الثالث، وتهديد التوتر العسكري في البحر الأحمر سلاسل الإمداد العالمية، يبدو شعار «إعادة بناء الثقة» الذي ينضوي تحته المنتدى هذه السنة بعيد المنال.

إلى جانب الحرب في الشرق الأوسط وأوروبا، يتوقّع أن يُخصّص قرابة 2800 مشارك من 100 دولة جزءاً كبيراً من مباحثاتهم لمواجهة شبح الركود، وتنامي دور الذكاء الاصطناعي في النشاط الاقتصادي، وتحدي المعلومات المضللة التي باتت تهدد سير الانتخابات في عام يتجه فيه نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع.

بناء الثقة

تدافع سعدية زاهدي، المديرة العامة للمنتدى الاقتصادي العالمي، عن اختيار القائمين على الدورة الـ54 للمنتدى شعار «إعادة بناء الثقة» الذي عدّه البعض «مفرطاً في التفاؤل»، محددة 3 عناصر تدعم تحقيقه.

وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن العنصر الأول يتمثل في فرصة الحوار التي يوفرها اجتماع دافوس السنوي لمختلف أصحاب المصلحة حول العالم، في خطوة أولى ضرورية للتمكن من إعادة بناء الثقة.

أما الجانب الثاني -وفق زاهدي- فيشمل بحث القادة عن «رؤية مشتركة». وتقول إنه في غياب هذه الرؤية: «لن نستطيع استعادة ثقة شعوبنا المختلفة، (...) واستعادة بعض الإيمان والأمل في المستقبل».

ويعتمد العنصر الثالث على تعزيز التعاون بين القادة المشاركين؛ إذ ترى زاهدي أن «الكلمات والرؤية المشتركة لن تكون كافية. لذلك قمنا بإنشاء هذا التعاون طويل الأمد بين القطاعين العام والخاص»، مشيرة إلى أن الاجتماع السنوي سيشهد عرض نتائج التعاون بين القطاعين العام والخاص في المجالات التي تم بحثها في المنتديات السابقة. وتابعت: «لكننا سنطلق كذلك مبادرات جديدة؛ لأن (...) مجموعة المشكلات التي تحدق بالعالم مستمرة في النمو».

مشاركة دولية

يتوقع أن يشارك في المنتدى هذا العام 2800 شخصية سياسية واقتصادية، بينهم أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة.

زيلينسكي مخاطباً المشاركين في «دافوس» في 23 مايو 2022 (أ.ب)

وسيكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في طليعة المشاركين في أعمال المنتدى، إلى جانب الرئيس الأرجنتيني الجديد خافيير ميلي الذي أثار ذهول المجتمع الدولي باقتراحه «إصلاحات» اقتصادية تسببت في انهيار قيمة عملة بلاده، وقد تقود إلى إلغاء البنك المركزي.

إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تحظى مشاركة الرئيس الأوكراني بمتابعة خاصة. فولوديمير زيلينسكي الذي يشارك في المنتدى حضورياً للمرة الأولى، بعدما اكتفى في السنتين الماضيتين بمشاركات عبر الفيديو، سيُلقي «خطاباً خاصاً» في وقت تخشى فيه بلاده تراجع الدعم الغربي لمجهودها الحربي في مواجهة روسيا.

مقر أوكرانيا في دافوس (إ.ب.أ)

كما سيرأس مستشاره ومدير مكتبه، أندري ييرماك، اجتماعاً لسبعين مستشاراً للأمن القومي في دافوس، الأحد، عشية انطلاق أعمال المنتدى.

ومن الولايات المتحدة، سينضم بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى المشاركين، وسيتحدثان في عدد من الجلسات حول خطر اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، وتراجع شهية الغرب لدعم كييف. كما سيشارك الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ.

عربياً، يقود وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وفداً واسعاً يضم الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية، والدكتور ماجد القصبي، وزير التجارة، وعادل الجبير، وزير الدولة للشؤون الخارجية عضو مجلس الوزراء ومبعوث شؤون المناخ، والمهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار، ومحمد الجدعان، وزير المالية، والمهندس عبد الله السواحة، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، وبندر الخريّف وزير الصناعة والثروة المعدنية، وفيصل الإبراهيم، وزير الاقتصاد والتخطيط.

استكمال الاستعدادات في مقر اجتماعات «نيوم» في دافوس (رويترز)

إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يشارك رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ونظيراه: القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والأردني بشر الخصاونة.

وعلى صعيد المؤسسات الدولية، سيحضر المنتدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

توقعات متواضعة

رغم بداياته المتواضعة، تحوّل المنتدى الاقتصادي العالمي من تجمع لمسؤولي شركات أوروبية إلى موعد سنوي ثابت، يجمع أهم صناع السياسة والاقتصاد في منتجع شتوي شبه معزول لمدة 5 أيام.

عناصر من الشرطة السويسرية يتجهون إلى مقر المنتدى في دافوس في 13 يناير (إ.ب.أ)

وعلى عكس اجتماعات «السبع» و«العشرين»، لا يتوقّع من المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي الخروج ببيان ختامي، أو تحقيق اختراقات في هذه الأزمة أو تلك. بل يعدّ فرصة لقادة الاقتصادات النامية والكبرى للاجتماع بقادة القطاع الخاص، وبحث توجهات الاقتصاد العالمي، بغية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة أحدث التحديات، لذكر بعض الأهداف المعلنة للمنتدى.

لكن المحفز الأهم بالنسبة لمجتمع الأعمال وكبار المستثمرين الذين يتوافدون بالمئات للقاء قادة الدول والحكومات، هو اللقاءات الجانبية التي تنعقد بعيداً عن عدسات وآذان الصحافيين. هناك يسعى المشاركون من القطاع الخاص إلى الدفع بمصالحهم، وإبرام صفقات لتبرير سعر العضوية في المنتدى الحصري، والذي يتراوح بين 58 ألفاً و580 ألف دولار أميركي، وفق تقارير.

صورة أرشيفية لترمب وفون دير لاين في دافوس في 21 يناير 2020 (رويترز)

أما على مستوى التمثيل السياسي، فقد شهد مستوى المشاركة تراجعاً نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية؛ إذ لم يلبِّ الرئيس الأميركي جو بايدن دعوة المنتدى منذ انتخابه للبيت الأبيض. وبينما كان البعض يعزي ذلك إلى جائحة «كورونا» التي فرضت إلغاء دورة المنتدى عام 2021، ثم للأزمة الاقتصادية الخانقة في الولايات المتحدة، فقد عزّز غياب بايدن عن الملتقى الدولي للعام الثالث على التوالي نظرية مقاطعته لاجتماع يصفه منتقدون بـ«ملتقى الأغنياء».

بدوره، اختار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك التغيب عن «دافوس» للسنة الثانية، بينما تعاني بلاده من أزمة غلاء المعيشة هي الأسوأ منذ سنوات، ليكون الرئيس الفرنسي الممثل الوحيد لاقتصادات مجموعة السبع هذا العام.

جانب من مشاركة سابقة في «دافوس» للرئيس الفرنسي في يناير 2018 (أ.ف.ب)

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد اختار المنتدى إقصاءه من لائحة المدعوِّين، بعد غزو بلاده أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. بينما تعود آخر مشاركة حضورية للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى عام 2017، عندما فاجأ العالم بخطاب يدافع فيه عن العولمة والتعاون الدولي، في تناقض صارخ مع الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب الذي قاد سياسات حمائية إلى حد بعيد.

سلّم المخاطر

عشية انطلاق دورته الـ54، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي لائحة لأكبر المخاطر التي تواجه العالم على المدى المتوسط والبعيد. وبعد استطلاع رأي 1400 خبير عالمي في سبتمبر (أيلول) 2023، وجد التقرير الذي صدر قبل أيام أن يكون التضليل الإعلامي أحد أكبر المخاطر التي تهدد البشرية في العامين المقبلَين.

مؤتمر صحافي لمنظمي المنتدى الاقتصادي العالمي في كولوني قرب جنيف في 9 يناير (إ.ب.أ)

وجاء في التقرير أن «الاستخدام الواسع النطاق للمعلومات الخاطئة والمضللة وأدوات نشرها، يمكن أن يقوّض شرعية الحكومات المنتخبة حديثاً». وأضاف: «يمكن أن تتراوح الاضطرابات الناجمة عن ذلك بين التظاهرات العنيفة وجرائم الكراهية، والاشتباكات المدنية والإرهاب». وذكَّر التقرير بأن اقتصادات كبيرة شهدت أو ستشهد انتخابات على مدى عامين، منها: بنغلاديش، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وباكستان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

وعن سبل مواجهة هذا الخطر الجديد نسبياً، طرحت زاهدي استراتيجية من 3 عناصر؛ تشمل: تثقيف المواطن، وتقنين المحتوى الذي يولّده الذكاء الاصطناعي من طرف الحكومة، ودور القطاع الخاص، وخصوصاً وسائل الإعلام.

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن هناك دوراً للجميع في مواجهة هذا التحدي (...) أعتقد أنه يتعين علينا ضمان تعليم المواطنين، والتوعية الذاتية (...) ودور الحكومات في ضمان حصول سكانها على معلومات كافية حول كيفية اكتشاف المعلومات الخاطئة والمضللة».

العنصر الثاني -وفق زاهدي- يتمثل في اعتماد الحكومات «أنظمة العلامات المائية التي يمكن أن تميِّز بشكل واضح بين المحتوى الذي تم إنشاؤه بشكل مصطنع، وما هو غير ذلك». وتابعت بأن تمييز المحتوى «الاصطناعي» بهذه العلامة سيشجِّع التزام اللاعبين المسؤولين في مجال المحتوى الاصطناعي.

أما الجانب الثالث من استراتيجية مواجهة المعلومات الكاذبة والمضللة -وفق زاهدي- فيتعلق بدور وسائل الإعلام على نطاق واسع. توضح: «أعتقد أن (هناك دوراً) بالتأكيد لوسائل التواصل الاجتماعي والقواعد واللوائح التي تضعها على منصاتها. ولكن الأمر يتعلق أيضاً بوسائل الإعلام التقليدية. إنها لحظة مهمة لوسائل الإعلام التقليدية لتصبح مصدراً للمعلومات المدروسة جيداً والموثقة جيداً والمحللة جيداً، (لتكون بديلاً) لبعض ما يمكنك رؤيته عندما يتم استخدام المحتوى الاصطناعي بشكل سيئ».

موظفون انتخابيون يستعدون لفرز الأصوات في قرية قرب دكا ببنغلاديش، في 7 يناير (أ.ب)

ووجد التقرير أن ترتيب أبرز 5 مخاطر يختلف باختلاف الدول. فعلى سبيل المثال، لا يرد خطر المعلومات المضللة في أبرز 5 مخاطر في الولايات المتحدة؛ لكنه يحتل المرتبة الأولى بالنسبة للهند.

وإلى جانب المعلومات الخاطئة المولدة بالذكاء الاصطناعي، حذر التقرير من خطر «الاستقطاب المجتمعي»، و«المخاوف بشأن أزمة معيشة مستمرة»، والنزاعات المسلحة بين الدول، كأبرز المخاوف في العامين المقبلين على المستوى العالمي.

أما على مدى العقد المقبل، فستصبح الظروف الجوية القاسية والتغيرات الحاسمة في النظم البيئية للأرض أكبر مصدر للقلق.


مقالات ذات صلة

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

الاقتصاد 
جانب من انطلاق فعاليات المنتدى العالمي الاقتصادي في الرياض أمس (واس)

مشاركة دولية واسعة في «دافوس الرياض»

انطلقت في العاصمة السعودية الرياض، أمس (الأحد)، أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، برعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، وبمشاركة دولية واسعة.

هلا صغبيني ( الرياض) مساعد الزياني ( الرياض )
الخليج ولي العهد السعودي مستقبلاً أمير الكويت اليوم في الرياض (واس)

محمد بن سلمان يستعرض التطورات وتعزيز العلاقات مع مشعل الأحمد والسوداني

التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع أمير الكويت ورئيس الوزراء العراقي كل على حدة وذلك على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي المنعقد في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشاركون في حلقة نقاش جانبية خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض في 28 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

حزمة مشاريع عراقية جاهزة للتنفيذ تعرض خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض

قال مصدر حكومي مطّلع إن العراق سيقدم خلال المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض حزمة من المشاريع الجاهزة للتنفيذ أمام كبريات الشركات المشاركة في المنتدى.

حمزة مصطفى (بغداد)
الاقتصاد وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من المعنين بالتحضير للمنتدى (صفحة وزارة الاقتصاد والتخطيط على «إكس»)

تحضيرات اجتماع منتدى الاقتصاد العالمي في الرياض بين الإبراهيم وبرينده

ناقش وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم مع رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورغي برينده، التحضيرات الجارية للاجتماع الخاص بالمنتدى الذي سيُعقد في المملكة في…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم يلتقط صورة بجانب شعار منتدى دافوس في 19 يناير الحالي (رويترز)

عندما يتسيّد الجيوبوليتيك!

يحاول منتدى دافوس حل مشكلات العالم، في ظلّ نظام عالمي قديم بدأ يتهاوى. في نظام عالمي يُعاد فيه توزيع موازين القوّة.

المحلل العسكري (لندن)

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

تايلاند تستكشف التعاون مع السعودية في قطاعات الطاقة المتجدّدة والهيدروجين وصناعة السيارات الكهربائية

وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)
وزير الاستثمار السعودي ووزير الخارجية التايلاندي لدى تكريم ممثّلي بعض القطاعات الخاصة في البلدين خلال منتدى الاستثمار الأخير بالرياض (الشرق الأوسط)

 

 

شدّد ماريس سانجيامبونسا، وزير الخارجية التايلاندي، على أن العلاقات بين الرياض وبانكوك تتجاوز التعاون الثنائي إلى التعاون الإقليمي والدولي، مركّزاً على 3 مجالات للتعاون مع السعودية، تشمل: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري، لتوظيف الخبرات وتعزيز التكامل الاقتصادي، مع العمل على توأمة «رؤية المملكة 2030»، ومبادرة «أشعل تايلاند».

وأكّد سانجيامبونسا لـ«الشرق الأوسط»، أن الطاقة المتجدّدة والهيدروجين الأخضر، والمفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، فضلاً عن التعاون في صناعة السيارات، وخصوصاً الكهربائية (EV)، مجالاتُ تعاون محتملة «ينبغي لنا استكشافها بشكل أكبر».

وكشف عن اعتزام بلاده إقامة المعرض التايلاندي الدولي (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لعرض فرص كبيرة حول الصناعات المبتكَرة، ومواد البناء، والضيافة، وتكنولوجيا الدفاع.

وقال سانجيامبونسا: «في مجال الأمن البشري يمكننا تعزيز التواصل، من خلال التعاون في مجالات الطب والتكنولوجيا الحيوية والصحة، فضلاً عن السياحة والسفر؛ لتعزيز مفهوم القوة الناعمة».

وعدّ سانجيامبونسا السياحة الطبية مجالاً رئيسياً للتعاون الثنائي الوثيق، في ظل ترحيب المستشفيات الخاصة في تايلاند بأعداد كبيرة من السياح الطبيين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك السعودية ودول الشرق الأوسط، مبيناً أن السعودية يمكن أن تلعب دوراً حيوياً في الترويج لصناعة الصحة في المملكة، بالاستفادة من الخبرات التايلاندية القوية بالقطاع.

مباحثات ومبادرات

وقال سانجيامبونسا: «علاقاتنا تتجاوز التعاون الثنائي، يمكن للمملكة الاستفادة من وضع تايلاند بوصفها منشئ الجسور على الساحة العالمية. ومع تولّي تايلاند رئاسة حوار التعاون الآسيوي (ACD) عام 2025، فإننا على استعداد لربط حوار التعاون الآسيوي مع التجمعات الإقليمية الأخرى، مثل مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات (BIMSTEC)، التي من شأنها أن تغطي 4 مليارات شخص، وهو ما يمكن أن يشكّل تعاوناً مهماً يعود بالنفع على الجميع».

وشدّد على أن بلاده والمملكة تتمتعان بمؤهلات للعمل معاً، حيث يمكن للشركات التايلاندية الاستفادة من التعاون مع السعودية؛ المركز الاقتصادي في الشرق الأوسط، لتوسيع أسواقها إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ووفق سانجيامبونسا، فإن المملكة تفكّر في استخدام تايلاند قاعدةً استثمارية لتوسيع أعمالها في منطقة آسيان، أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، والاستفادة من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. مشيراً إلى أهمية تشجيع مشاركة القطاع الخاص في هذا الصدد.

مستقبل التعاون الثنائي

أوضح سانجيامبونسا أن «سريثا تافيسين رئيس وزراء تايلاند، الذي قام بزيارة رسمية إلى السعودية مؤخراً، وجّه مجلس الاستثمار بفتح مكتب بالرياض في أقرب وقت ممكن، وهذا يعكس الأهمية التي تُولِيها الحكومة التايلاندية لتعزيز التعاون مع المملكة في المجالات كافة، وخصوصاً التجارة والاستثمار».

وأضاف: «أتطلّع إلى المشاركة في رئاسة الاجتماع الأول للجنة الفنية المتخصصة للاتصالات السلكية واللاسلكية في وقت لاحق من هذا العام، في بانكوك، مع الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي».

واللجنة الفنية تُوكَل إليها مهمة تشمل 5 ركائز للتعاون، تغطي جميع جوانب العلاقات الثنائية، وتركز في جانبها الاقتصادي على: السياحة والتجارة والاقتصاد والاستثمار.

فرص تجارية واستثمارية

ولفت الوزير التايلاندي إلى أنه زار مؤخراً السعودية، بدعوة من الأمين العام لمجلس الاستثمار التايلاندي بتايلاند (BOI)، ليترأس حفل افتتاح مكتب مجلس الاستثمار التايلاندي في الرياض، وهو المكتب الخارجي الـ17 لمجلس الاستثمار، الذي يُعدّ أول مكتب لاقتصاديات الاستثمار الخارجي في الشرق الأوسط، وسيغطي 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط.

وتابع سانجيامبونسا: «ترأّست حفل افتتاح (منتدى الاستثمار التايلاندي السعودي) الثاني، مع المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار السعودي، وشهد المنتدى توقيع 11 مذكرة تفاهم بين الشركات التايلاندية والسعودية، وحضره مسؤولون تنفيذيون وممثّلون رفيعو المستوى من الوكالات الحكومية والمؤسسات المالية، والغرفة التجارية التايلاندية، واتحاد الصناعات التايلاندية، والشركات التايلاندية الخاصة، للحصول على توافقات تجارية مثمرة مع نظرائهم السعوديين».

وحول أهمية منتدى الاستثمار السعودي التايلاندي في نسخته الثانية، قال سانجيامبونسا: «المنتدى يُظهر الإرادة القوية لدى الجانبين لتعميق التعاون، خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار؛ إذ إن عدد ومستوى المشاركين الذين يمثّلون قطاعات الأعمال في البلدين منحَنا الثقة في جنْي نتائج مثمرة، وستظل في الأذهان، بوصفها خطوةً مهمة في تطوير التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين».

وبنى سانجيامبونسا نجاح المنتدى على النجاح الذي حقّقه معرض تايلاند الدولي الضخم العام الماضي، بقيادة غرفة التجارة التايلاندية، والذي شهد عرض أكثر من 30 قطاع أعمال تايلاندي، وأكثر من 1000 منتَج من 200 علامة تجارية، ما يمثّل إنجازاً كبيراً في الترويج لتايلاند بالسعودية.

وتابع: «تُظهر هذه الأحداث والمبادرات توفُّر فرص وإمكانات غير مستغَلة لبلدَينا، ويحتاج الجانبان إلى العمل معاً بشكل أكثر جدّية لتحقيق هذه الإمكانات، وضمان نتائج ملموسة، لذلك يُسعدنا أن نعلن عن اعتزامنا إقامة المعرض الدولي الضخم (2024THAILAND MEGA FAIR) بالرياض، في نوفمبر (تشرين الثاني)».

ووفق سانجيامبونسا، سيركّز المعرض على تعزيز التجارة في مجموعة من القطاعات ذات الإمكانات العالية، وسيعرض الصناعات المتنوعة والمبتكَرة في تايلاند، بدءاً من مواد البناء، والضيافة، إلى تكنولوجيا الدفاع.

آفاق أرحب

ووفق سانجيامبونسا، سيكون مجلس التنسيق السعودي التايلاندي، «قوة دافعة مهمة في دفع علاقاتنا إلى الأمام، عبر 5 ركائز، تشمل التعاون؛ من التجارة والاستثمار إلى التعاون السياسي والقنصلي، إلى التعاون الاجتماعي والثقافي والعسكري والأمني».

وعلى الصعيد الاقتصادي قال سانجيامبونسا: «في العام الماضي وحده بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 8.8 مليار دولار، ما يمثّل حوالي 22 في المائة من إجمالي تجارة تايلاند مع منطقة الشرق الأوسط».

وشدّد على أن هذه الأرقام المثيرة للإعجاب سيتم تعزيزها بشكل أكبر، من خلال مذكرة التفاهم الثنائية الأخيرة بين وزارة التجارة التايلاندية والهيئة العامة للتجارة الخارجية في المملكة، بالإضافة إلى «التزامنا تجاه استكشاف إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة إقليمية، واتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي».

وتابع سانجيامبونسا: «في زيارتي الأخيرة للرياض اقترحت تعزيز تعاون البلدين، من خلال التركيز على 3 مجالات رئيسية، والتكامل بين اقتصادَينا، وأوجه التوافق مع الرؤية السعودية 2030، وسياسات مبادرة (أشعل تايلاند)، وهي: الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن البشري».

وبالنسبة للأمن الغذائي قال سانجيامبونسا: «قمنا بالفعل بتحديد كثير من المبادرات الاستثمارية في مجال إنتاج وتصنيع الأغذية، بين الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني (سالك)، وعديد من الشركات التايلاندية ذات الصلة». وأضاف: «نستهدف البدء في تصدير الماشية الحية حيث تم منح الضوء الأخضر أخيراً من قِبل السلطات السعودية، ونعتقد أن هناك إمكانات قوية في مجال الزراعة والأغذية المصنّعة، خصوصاً عندما نأخذ في الاعتبار أن تايلاند تُعدّ بالفعل منتِجاً ومُصدّراً رئيسياً للأغذية الحلال».

استراتيجية تحفيز الاقتصاد التايلاندي

وعن حجم الاقتصاد التايلاندي، ومعدّل نموه المتوقّع خلال عام 2024، قال سانجيامبونسا: «تقع تايلاند في قلب رابطة دول جنوب شرقي آسيا (ASEAN)، حيث تأتي تايلاند ثاني أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا... وتمثّل بوابةً للاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند».

وأضاف: «تعمل تايلاند بنشاط لتوسيع علاقاتها التجارية، من خلال 15 اتفاقية تجارة حرة مع 19 دولة، والعديد منها قيد التنفيذ... وبفضل موقعها الاستراتيجي تُعدّ تايلاند بمثابة مركز للشركات متعدّدة الجنسيات، التي تسعى إلى إنشاء مقر إقليمي في منطقة آسيا».

وقال سانجيامبونسا: «وفقاً لرؤية (أشعل تايلاند)، يُولِي رئيس وزراء تايلاند الأولوية لجعل البلاد مركزاً لـ8 صناعات رئيسية، تشمل: الزراعة، والغذاء، والطب، والسياحة، والنقل المستقبلي، والاستثمار المالي، والاقتصاد الرقمي، والخدمات اللوجستية، والطيران. مشيراً إلى أن السياحة كانت، ولا تزال، المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في تايلاند.

وزاد: «في الآونة الأخيرة، ومن أجل تعزيز قطاع السياحة في البلاد، وافقت تايلاند على نظام الإعفاء من التأشيرة لمدة 60 يوماً، ما يسمح للمسافرين من 93 دولة، بما في ذلك السعودية، بزيارة تايلاند؛ للقيام بمهام عمل قصيرة الأجل، بالإضافة إلى السفر الترفيهي».