خبراء إسرائيليون ينصحون نتنياهو بوقف النار قبل قرار «لاهاي»

أكدوا أن الضرر وقع بمجرد انعقاد المحكمة وحان الوقت للعمل على تخفيفه

أعضاء الوفد القانوني الإسرائيلي داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (أ.ف.ب)
أعضاء الوفد القانوني الإسرائيلي داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (أ.ف.ب)
TT

خبراء إسرائيليون ينصحون نتنياهو بوقف النار قبل قرار «لاهاي»

أعضاء الوفد القانوني الإسرائيلي داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (أ.ف.ب)
أعضاء الوفد القانوني الإسرائيلي داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (أ.ف.ب)

فيما تحتفل الحكومة الإسرائيلية ووسائل الإعلام العبرية بـ«الأداء المهني المميز» لفريق الدفاع أمام محكمة العدل العليا في لاهاي، ترتفع أصوات أخرى تستند إلى المهنية والموضوعية، تنادي المسؤولين بالنزول إلى الأرض واتخاذ قرار مسؤول بوقف الحرب بوصفه أفضل مخرج للدولة العبرية من المأزق الذي وضعت نفسها فيه.

ويؤكد هؤلاء أنه، بغض النظر عن قرار المحكمة، الذي سيصدر بعد أيام عدة، فإن الضرر لإسرائيل قد حدث. ومع أنهم مقتنعون بأن قرار المحكمة لن يدين إسرائيل بتهمة إبادة جماعية للفلسطينيين، إذ إن هذه المحكمة لم تصدر أي قرار بهذه الروح منذ تأسيسها في سنة 1945، فإنهم يرون أن الضرر قد حدث بمجرد تقديم دعوى جنوب أفريقيا، وما ترافق مع ذلك من نشر تقارير وصور ووثائق ومعلومات مختلفة. ومهما يكن القرار الذي سيصدر عن المحكمة، فقد التصقت بإسرائيل بوصمة ارتكاب أعمال إجرامية راح ضحيتها مدنيون فلسطينيون كثيرون، ويتحمل مسؤوليتها مسؤولون إسرائيليون أغبياء أطلقوا تصريحات حمقاء توحي بالوحشية، وجعلت الناس في كل مكان في العالم يربطون بين هذه التصريحات وبين أعمال حدثت أو لم تحدث، لكنها مرفقة بتقارير وصور ومشاهد رهيبة للقتل والدمار الهائل في القطاع تُنشر في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية حول العالم.

أعضاء وفد جنوب أفريقيا يتحدثون للإعلام أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (أ.ف.ب)

وكان أبرز من تكلم بهذه الروح الخبير القانوني الإسرائيلي صاحب السمعة العالمية، البروفيسور مردخاي كرمنيتسر، الذي كتب مقالاً في صحيفة «هآرتس»، الجمعة، قال فيه إنه ينبغي للمحكمة الدولية ألا تصدر قراراً يدين إسرائيل وحدها، لأنها في هذه الحالة «ستكبل أيدي إسرائيل ولكنها ستبقي لـ(حماس) حيز عمل عدواني، وستضع نفسها في جانب المعتدي، وفي جانب الإبادة الجماعية والجرائم ضد البشرية، وضد ضحايا هجوم (حماس) في الماضي والحاضر والمستقبل. والأمر الأخطر، هو أن المحكمة ستضع نفسها في جانب الخاطفين وضد المخطوفين، كبشر وضحايا جريمة خطيرة، وستسعى ضد الحق الطبيعي بالدفاع عن النفس».

ومع أن كرمنيتسر هاجم جنوب أفريقيا على محاولتها «تغييب (حماس)» عن الدعوى، وتمنى أن تصدر المحكمة قراراً مخففاً ضد إسرائيل، إلا أنه حذر الحكومة الإسرائيلية من مواقف متهورة في الرد على المحكمة، وقال: «لن يكون صائباً الكفاح ضد قرارات تهدف إلى ضمان إمدادات إنسانية إلى سكان غزة، وتفرض على إسرائيل واجب مكافحة التحريض على الإبادة الجماعية». وهنا صب الخبير الإسرائيلي جام غضبه على الحكومة الإسرائيلية فقال: «إذا أدت قرارات كهذه إلى سقوط الحكومة، فلن نرد ببكاء مرير. لكن المشكلة التي تقف إسرائيل أمامها في لاهاي هي نفسية بالأساس. وبنظرة مبسطة، بالنسبة لمن لا يعيش هنا وهو شخص أخلاقي، القتال يعد وضعاً ضاراً يفضل الامتناع عنه. ولهذا السبب بالذات، إسرائيل ملزمة أن تضع على رأس اهتمامها ضرورة منع قرار بوقف القتال».

قضاة يدخلون قاعة محكمة العدل الدولية في لاهاي لبدء الجلسة الجمعة (إ.ب.أ)

وقال كرمنيتسر إن هناك مسؤولين في إسرائيل أطلقوا تصريحات تنطوي على الدعوة لإبادة جماعية ضد الفلسطينيين، طرحها الفريق القانوني الجنوب أفريقي بشكل واسع وبالتفصيل أمام المحكمة، وهذه «المصيبة جلبها على رؤوسنا، بشكل كبير أشخاص يتولون أرفع المناصب، بغبائهم وغطرستهم وضعفهم الإنساني» والحكومة الإسرائيلية تتحمل أيضاً مسؤولية هذا الفشل الذريع. والحد الأدنى الذي كان بالإمكان توقعه ولا يمكن تحقيقه، هو أن يضرب رئيس الحكومة على الطاولة، ويوقف أصوات النشاز التي تدعو إلى إبادة جماعية؛ لأن رئيس الحكومة ليس فقط واحداً بين الموجهين لهذا النشاز، بل كان قد وصف بنفسه حركة «حماس» بالـ«عماليق»، وهو وصف مستعار من الأساطير التوراتية لوصف أعداء يسعون إلى إبادة اليهود، وينبغي إبادتهم كبيراً وصغيراً.

وأضاف: «هذا استخدام مسيء للديانة اليهودية من أجل شرعنة أخطر الفواحش باسمها. وينبغي اجتثاث هذا التديين في الجيش وخارجه من جذوره. والجيش لا يمكنه السماح لنفسه بالاستسلام لذلك من خلال تجاهله، إذ إن هناك نزعات وأفكاراً عنصرية منتشرة في صفوف الجيش الإسرائيلي. وثمة أهمية لفحص ما إذا كانت روح هذا الجيش تصمد أمام الرياح الشريرة التي تهب ولا تزال تنبض في قلوب الجنود... وظهر في إسرائيل ضعف بكل ما يتعلق بطبيعتنا الإنسانية كمجتمع، فالاحتلال والخنق على عنق غزة هو أساس النجاسة هنا. وإنه لأمر جيد أن جنوب أفريقيا تغلغلت إلى وعينا. وإذا استمررنا في أن نكون رافضي سلام، وهذا يشمل أحزاب المعارضة، فسينتهي بنا الأمر بطردنا من المدينة (المجتمع الدولي)، مثل نظام (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا في حينه».

تجمع لمؤيدي فلسطين قرب محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (رويترز)

وكانت إسرائيل قد دافعت عن حربها في غزة أمام محكمة العدل الدولية، الجمعة، ونفت بشدة اتهامات جنوب أفريقيا لها أمام المحكمة بارتكاب «إبادة» ضد الشعب الفلسطيني. وقالت إن الأعمال العسكرية في غزة للدفاع عن النفس، ووصفت اتهامات جنوب أفريقيا بأنها «مشوهة بشكل صارخ». وبعد يوم من انتقاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتهامات جنوب أفريقيا ووصفها بالنفاق الذي «يصرخ إلى السماء»، نفت إسرائيل بشدة الاتهامات التي وجهتها جنوب أفريقيا في واحدة من أكبر القضايا التي عُرضت على الإطلاق أمام محكمة دولية، وهي القضية التي جذبت الاهتمام الدولي والمتظاهرين من كلا الجانبين إلى المحكمة.

وقد اعتمد الدفاع الإسرائيلي، بقيادة الخبير البريطاني في القانون الدولي، البروفيسور مالكولم شو، على لفت نظر المحكمة إلى أن جنوب أفريقيا تجاهلت تقريباً في دعواها، أساس المشكلة، وهو هجوم «حماس» على البلدات الإسرائيلية، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأكد أن هذا الهجوم كان بمثابة محاولة إبادة جماعية، وأن تجاهل جنوب أفريقيا الصارخ له يدل على نفاق، ويتناقض مع مبادئ المحكمة. وقال: «إسرائيل لم تكن تريد هذه الحرب، ولم تُطلق هجوماً استباقياً على (حماس) رغم أنها تعرف أهدافه لإبادة إسرائيل... الحرب المستمرة على غزة، هي مجرد رد على أعمال (حماس) الإرهابية بهدف منع استعادتها القوة التي تتيح لها تكرار الهجوم على بلدات محيط غزة». وأشار إلى الأنفاق بوصفها سلاحاً مدمراً خططت «حماس» لاستخدامها للهجوم على إسرائيل، وأكد أن قرارها تدمير النفاق هو عملية دفاع عن النفس، وهذه لا تحدث إلا بهدم المباني، وقد عملت بكل جهد لتجنُّب المسّ بالمدنيين في غزة، فطلبت منهم الرحيل المؤقت.

وادعى ممثل إسرائيل أن إصابة المدنيين تمت في المناطق التي قامت «حماس» باستخدامهم (المدنيين) دروعاً بشرية.

وفي ما يتعلّق بتصريحات صدرت عن وزراء في الحكومة وأعضاء كنيست، كالمتطرّفيْن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حاول الفريق الإسرائيلي أن يوضح أن أهمية هذه الاقتباسات والتصريحات أقلّ مما يُقال في حُجج جنوب أفريقيا، وأن هذه التصريحات لا تؤثر في اتخاذ القرار، ولا تترجَم على أرض الواقع». وقال إن النيابة الإسرائيلية تدرس إمكانية اتخاذ إجراءات ضد السياسيين المحرّضين.

مؤيدون لإسرائيل بالقرب من محكمة العدل الدولية في لاهاي الجمعة (رويترز)

ووفق مصادر قانونية في تل أبيب، يختلف أعضاء الفريق الإسرائيلي الذي يتابع هذه المحكمة، في مسألة صدور قرار احترازي عن المحكمة، بعضهم مقتنع بأن هناك احتمالاً كبيراً لصدور أمر يقضي بوقف الحرب، خصوصاً بعد المشاهد التي عرضتها جنوب أفريقيا، وبينت التهجير والدمار وقسم الأطفال الخدج في مستشفى «الشفاء»، وقصف المدارس والكنائس وتدمير المعالم التاريخية. لكن هناك قسماً منهم يرى أن مثل هذه الإمكانية غير واردة، وأن الاحتمال الأكبر هو صدور أمر يقضي بتغيير منظومة المساعدات الإنسانية، لتصبح أكبر وأكثر نجاعة، وإعادة السكان المهجرين إلى مناطقهم، ومطالبة إسرائيل بألا تتحكم في مسألة المساعدات، ولا تفرض حصاراً على غزة.


مقالات ذات صلة

«آر بي جي» في مواجهات مخيم جنين الداخلية... تفاجئ إسرائيل و«تثير قلقها»

المشرق العربي تصاعد الدخان من احد المنازل يعد هحوم لقوات الأمن الفلسطينية ب ضد مسلحين في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة (أ.ب)

«آر بي جي» في مواجهات مخيم جنين الداخلية... تفاجئ إسرائيل و«تثير قلقها»

تؤكد السلطة أنها ستسيطر على المخيم، ويقول المسلحون إن «ما فشلت فيه إسرائيل ستفشل فيه السلطة».

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (لقطة من فيديو نشره على حسابه عبر منصة إكس) play-circle 01:06

وزير دفاع إسرائيل: أسقطنا نظام الأسد وسنضرب الحوثيين بقوة

أقر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، للمرة الأولى علناً، بمسؤولية إسرائيل عن اغتيال زعيم حركة «حماس»، إسماعيل هنية، في إيران.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي «كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة (أرشيفية- أ.ف.ب)

«حماس» تعلن «تحرير» فلسطينيين محتجزين لدى الجيش الإسرائيلي بشمال غزة

أعلنت «كتائب القسام» (الجناح العسكري لحركة «حماس») اليوم، أن مقاتليها تمكنوا من «تحرير» فلسطينيين كان الجيش الإسرائيلي يحتجزهم داخل منزل في شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )
المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
المشرق العربي فلسطيني يبكي طفله الذي قتل في غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

فصائل فلسطينية: وقف إطلاق النار في غزة بات «أقرب من أي وقت مضى»

أعلنت ثلاثة فصائل فلسطينية أنّ التوصّل لاتفاق مع إسرائيل على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة بات «أقرب من أيّ وقت مضى».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هاغاري: نتنياهو طلب التركيز على جهود الإغاثة بغزة ضمن الإحاطات باللغة الإنجليزية

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري (موقع جيش الدفاع الإسرائيلي)
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري (موقع جيش الدفاع الإسرائيلي)
TT

هاغاري: نتنياهو طلب التركيز على جهود الإغاثة بغزة ضمن الإحاطات باللغة الإنجليزية

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري (موقع جيش الدفاع الإسرائيلي)
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري (موقع جيش الدفاع الإسرائيلي)

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري في اجتماع مغلق للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب منه التركيز على جهود المساعدات الإنسانية التي تقدمها إسرائيل في غزة، في تصريحات وإحاطات باللغة الإنجليزية، حسب تقرير نشره موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وأشار التقرير إلى أن هاغاري أخبر اللجنة أن رئيس الوزراء طلب منه ذلك «عدة مرات».

وفي رد على انتقادات من بعض المشرعين اليمينيين الذين يتهمونه بقيادة حملة لإنهاء الحرب الجارية، أفاد هاغاري بأن أهم جزء من وظيفته هو بناء «الثقة والمصداقية» في الجيش الإسرائيلي، والتي تزعزعت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

كما كرر هاغاري اعتذاره السابق عن التحدث علناً خلال مؤتمر صحافي، في وقت سابق من هذا الشهر، ضد مشروع قانون مقترح في الكنيست من شأنه أن يمنع محاكمة أعضاء المؤسسة الدفاعية لتقديمهم معلومات استخباراتية سرية، دون إذن، إلى رئيس الوزراء أو وزير الدفاع.

وتابع: «لقد ارتكبت خطأ، لقد تجاوزت سلطتي»، مشيراً إلى أن القوات الإسرائيلية يجب أن تعبر عن مواقفها بشأن التشريعات ذات الصلة بالجيش في اجتماعات مغلقة فقط.