«الشرق ديسكفري» لإحداث تحوّل إعلامي وتثقيفي

بول إدواردز لـ «الشرق الأوسط»: القناة تأتي في سياق تنويع صناعة المحتوى الناطق باللغة العربية

شعار "الشرق ديسكفري" (الشرق ديسكفري)
شعار "الشرق ديسكفري" (الشرق ديسكفري)
TT

«الشرق ديسكفري» لإحداث تحوّل إعلامي وتثقيفي

شعار "الشرق ديسكفري" (الشرق ديسكفري)
شعار "الشرق ديسكفري" (الشرق ديسكفري)

تتطلع قناة «الشرق ديسكفري» التلفزيونية إلى تقديم مزيج من المحتوى من الإنتاجات العالمية والإنتاج المحلي والإقليمي الأصلي والنوعي، إذ تهدف لإحداث تحوّل مهم في المشهد الإعلامي والمحتوى التثقيفي الترفيهي في المنطقة. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال بول إدواردز، المدير العام لقناة «الشرق ديسكفري» إن القناة هي إحدى ثمار الشراكة بين المجموعتين العملاقتين في عالم الإعلام، المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG» و«وارنر براذرز ديسكفري». وأردف أن هذه الشراكة «تمكِّن القناة من تقديم محتوىً مميز ومتنوع يصار إلى اختياره من شبكات وارنر براذرز ديسكفري الأميركية والدولية الواسعة، بالإضافة إلى تقديم باقة من البرامج الأصلية التي تتماشى مع ذوق واحتياجات جمهور منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

بول إدواردز (الشرق ديسكفري)

عوالم مختلفة

إدواردز أوضح أن الهدف الأول عند «الشرق ديسكفري» هو تقديم محتوىً ممتع يغمر المشاهدين وينقلهم إلى عوالم مختلفة من خلال إثارة فضولهم حول العالم الذي يعيشون فيه، وتابع «نحن واثقون في أننا من خلال هذه المنصة المميزة سنتمكن من إحداث تحوّل مهم في المشهد الإعلامي والمحتوى التثقيفي الترفيهي في المنطقة، حيث تعرض المنصّة محتوى مجانياً مترجماً ومدبلجاً إلى العربية وبمعايير عالمية».

ولفت إلى أن اتفاقية الشراكة تضمّنت فرصة التعاون في الإنتاج المشترك مع «وارنر براذرز ديسكفري» و«إتش بي أو HBO» لما يصل إلى 30 ساعة سنوياً، لإنتاج محتوى محلي وإقليمي أصلي ونوعي، من خلال تشجيع المواهب المحلية لتقديم أفكار جديدة ومبتكرة للمنطقة. وحول مساهمة الشراكة مع شبكة وارنر براذرز ديسكفري في إيجاد محتوى مختلف للمشاهد العربي، قال شارحاً «تمتلك وارنر براذرز ديسكفري خبرة واسعة في إدارة أعمال قنوات ناجحة تمتد لأكثر من 30 سنة، ما سيمكننا من الاستفادة من خبرتها الإنتاجية في تنسيق الأعمال الأصلية والأفكار الجديدة بما يناسب المنطقة. أضف إلى ذلك أن لدينا حقوق اختيار البرامج التي تناسب جمهورنا من مكتبة وارنر براذرز ديسكفري الواسعة التي تشمل Discovery وAnimal Planetو TLCو Investigation DiscoveryوHGTV وFood Network، إضافة إلى قناة (فتافيت) التي تحظى بانتشار واسع في المنطقة».

عوامل النجاح

المدير العام شدّد على أنهم محظوظون بوجود شريك قوي يرتكز محتوى «الشرق ديسكفري» عليه، وأضاف «نحن أيضا ننتمي إلى مجموعة عريقة تحظى بإرث يعود إلى 50 سنة من النجاحات، الأمر الذي يقدم لنا فرصة استثنائية للاستفادة من خبراتها في تحقيق النجاح لهذه المنصة الفريدة من نوعها... ومن ثم، يأتي إطلاق المنصّة الجديدة ضمن جهود المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في الاستمرار في تطوير وتنويع صناعة المحتوى الناطق باللغة العربية».

وعن المحتوى والبرامج التي تعتزم القناة تقديمها، قال إدواردز «تشمل قائمة الإطلاق برامج عدة، من ضمنها: (حمّى الذهب) و(مفاجآت أيام الخطوبة) و(ممر عبر الزمن مع مورغان فريمان) و(عجلات على الطرقات) و(كائنات مدهشة) و(عائلة بنات) و(صائدو المنازل) و(عين الشرطة الثالثة)، التي أعيد إنتاجها لتترافق مع رسوم وتعليقات صوتية باللغة العربية».

وأضاف: «لدينا خطط كبيرة لتقديم العديد من البرامج الأصلية التي بدأنا بإطلاقها أخيراً، منها برنامج الناقد، وهو برنامج أسبوعي حول الأفلام والمسلسلات تناقش فيه الأفلام والأعمال الدرامية وتقيم من قبل اختصاصيين خبراء يتولّون بعد كل جلسة تصنيف هذه الأعمال». وتابع مفصّلاً «برنامج تست درايف الرياض يقدم مزيجاً جذاباً من المحتوى السياحي والتثقيفي للجمهور يجمع بين الترفيه والمسابقات والمعلومات العامة في رحلة ينطلق فيها المتسابقون بسياراتهم في أنحاء الرياض. وسنواصل تطوير هذه البرامج الأصلية بشكل كبير في العام المقبل». وأكد أن استراتيجية عرض محتوى «الشرق ديسكفري» تعتمد على البيانات والأبحاث، حيث من خلالها يمكنها فهم المشاهدين والمستخدمين بشكل أفضل من حيث كيفية تفاعلهم مع المحتوى على مختلف المنصات.

جايمي كوك (الشرق ديسكفري)

تطور رائد

من جهة ثانية، قال جايمي كوك، مدير عام «وارنر براذرز ديسكفري» في وسط أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وتركيا، إن الشراكة بين المجموعة السعودية للأبحاث والأعلام «SRMG» وشركة «وارنر براذرز ديسكفري»، التي أطلقت منصة الشرق ديسكفري، «تعد تطوراً رائداً في المشهد الإعلامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

وأضاف كوك «يمثل هذا التعاون علامة بارزة في استراتيجيتنا لتقديم محتوى عالي الجودة وذي صدى ثقافي لجمهور متنوع». وشدد على أن «رؤية الشرق ديسكفري مبنيّة على أساس من القيم والأهداف المشتركة بين (SRMG) وشبكة وارنر بروز ديسكفري... ونحن نرى في هذه الشراكة فرصة لسد الفجوة الثقافية من خلال عرض مجموعة واسعة من البرامج التي تُمتع المشاهدين وتعلمهم وتلهمهم». ثم أردف أن «الكل متحمس بشكل خاص لإمكانية اكتساب جمهور عالمي للقصص المحلية من خلال هذه المنصة، حيث من المتوقع أن تصبح (الشرق ديسكفري) من الأبرز في مجال الترفيه المعلوماتي، مع الالتزام بالتميز والتفاني في خدمة الجمهور»، مشيراً إلى أنه في بيئة إعلامية سريعة التطور، تمكن الشراكات الاستراتيجية من الاستفادة من نقاط القوة عبر الحدود ومجالات الصناعات.

إثراء المشهد العربي

وحول مسألة المحتوى، أوضح كوك أن التعاون بين «SRMG» و«وارنر براذرز ديسكفري» عبر إطلاق الشرق ديسكفري «سيثري مشهد المحتوى العربي بشكل كبير، إذ جرى تصميم هذه الشراكة للاستفادة من القدرات الإنتاجية الشهيرة لشركة (وارنر بروز ديسكفري) مع الخبرة الإقليمية لـ(SRMG) ما سيوفر عمقاً وتنوعاً لا مثيل لهما في البرامج العربية». وأكد «تكمن القيمة المضافة في دمج الجودة والتنوع وسهولة الوصول... ومع الشرق ديسكفري، سيتمكن المشاهد من الوصول إلى مجموعة واسعة من تصنيفات المحتوى - من العلوم والهندسة إلى الثقافة والتاريخ - كلها مصممة خصيصاً لتناسب تفضيلات الجماهير الناطقة باللغة العربية. وستقدم هذه المنصة محتوى مشهوراً عالمياً، ومترجماً بالتعليقات الصوتية والغرافيكس العربية، مما يجعلها مألوفة بشكل عميق وجذابة للجمهور الإقليمي».

وواصل كوك شرحه «علاوة على ذلك، ستعمل القناة كمحفّز لإنشاء المحتوى الأصلي، وتسليط الضوء على المواهب المحلية ورواة القصص. وبالتالي، فإن مبادرة الإنتاج المشترك لما يصل إلى 30 ساعة من المحتوى سنوياً مع شركة وارنر براذرز ديسكفري تلهم وتعد بتقديم قصص أصلية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الجمهور العالمي».

جمع نقاط القوة

أما بالنسبة للفائدة التي يمكن أن تتحقق من خلال الشراكة بين اثنين من أكبر صناع المحتوى على مستوى العالم، فقال كوك «الشراكة بين اثنين من صانعي المحتوى الرائدين، المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) و(وارنر براذرز ديسكفري)، تحمل إمكانات هائلة... إنها تجمع بين نقاط القوة المتميزة في الإنتاج والتوزيع وسرد القصص لتقديم مجموعة واسعة من المحتوى عالي الجودة. ويمكن لهذا التعاون أن يدفع الابتكار في إنشاء المحتوى، وتقديم روايات متنوعة يتردد صداها عالمياً».

وأضاف «كذلك، فإنه بمقدور هذا التعاون تطوير أشكال جديدة من المحتوى، ما يمكن أن يُثري تجربة المشاهدة ويلبّي الأذواق المتغيرة لمجموعة واسعة من المشاهدين، ناهيك من أنه يخلق الفرصة للاستفادة من القدرات عبر المنصات، وتوسيع نطاق الوصول والمشاركة من خلال منافذ الوسائط التقليدية والرقمية».

ولدى التطرق إلى الناحية الاستراتيجية، قال كوك إنه «يسمح بمشاركة أفضل حول الممارسات والتكنولوجيا ورؤى السوق، التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الكفاءة والفاعلية في إنتاج المحتوى وتوزيعه. ويمكنه أيضاً تضخيم التبادل الثقافي، وتقديم المحتوى المحلي إلى جمهور عالمي مع تقديم وجهات نظر دولية للمشاهدين المحليين... وبالنسبة إلى الشراكة مع المجموعة السعودية والأبحاث والإعلام (SRMG) نرى أن الفوائد نظرية وعملية، كما نشهد مع إطلاق قناة (الشرق ديسكفري) أن هذا المشروع يجسد منارة لالتزامنا المشترك بالتميز وتفانينا في تقديم قصص مقنعة إلى كل ركن من أركان العالم».

ولفت كوك إلى أنه في «وارنر بروز ديسكفري»، تتشكل أولويات الاستراتيجية في هذه الأسواق من خلال الالتزام بالابتكار ومشاركة الجمهور والتميز في المحتوى. وأوضح «إننا نهدف إلى توسيع نطاق الوصول من خلال توسيع بصمتنا بزيادة إمكانية الوصول إلى مجموعة المحتوى المتنوعة لدينا عبر المنصات التقليدية والناشئة، ما يضمن إمكانية الاستمتاع ببرامجنا لمزيد من المشاهدين... ومن ضمن الأهداف تنمية المحتوى المحلي، إدراكاً منّا للنسيج الثقافي الغني لهذه المناطق».

التحول الرقمي

وفيما يخص موضوع تبني التحول الرقمي قال كوك «نحن نستثمر في المنصات الرقمية لتقديم المحتوى مباشرة للمشاهدين، وتخصيص التجارب حسب التفضيلات الفردية وعادات المشاهدة... ويضاف إلى ذلك تنمية المواهب، إذ نرى دعم المواهب الإقليمية وعرضها أمراً بالغ الأهمية، وتهمنا ممارسات الأعمال المستدامة من خلال دمج ممارسات الأعمال المستدامة في عمليات الشبكة، واتباع النهج الذي يركز على العملاء»، لافتاً إلى أنه من خلال التركيز على هذه المجالات الرئيسية، ستستمر شركة «وارنر بروز ديسكفري» في ريادتها في مجال الترفيه والإعلام والتفاعل وإلهام الجماهير. وأخيراً، حول الفرص والتحديات التي تتوقعها «الشرق ديسكفري» في المشهد الإعلامي بالمنطقة العربية.



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».