جيمس زغبي لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون العرب «خائفون»… ولن يصوّتوا لبايدن

«انخفاض هائل» في شعبيته واتجاهات لدعم مرشحي «الحزب الثالث» أو الامتناع عن التصويت

TT

جيمس زغبي لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون العرب «خائفون»… ولن يصوّتوا لبايدن

زغبي خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»
زغبي خلال حديثه مع «الشرق الأوسط»

كشف رئيس المعهد الأميركي - العربي في واشنطن، الدكتور جيمس زغبي، في حديث مع «الشرق الأوسط» عن أن شعبية الرئيس جو بايدن شهدت «انخفاضاً هائلاً» في أوساط الجاليات العربية والمسلمة، وبين الشباب الأميركيين عموماً؛ بسبب الدعم غير المشروط الذي يقدمه لإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة، مؤكداً أن لذلك انعكاسات ستكون واضحة ومؤثرة في الكثير من الولايات، ولا سيما في ميتشيغان وفيرجينيا وبنسلفانيا وفلوريدا، وربما جورجيا، وهي جميعاً «ولايات متأرجحة» تضيق فيها هوامش المنافسة مع غريمه الرئيس السابق دونالد ترمب.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في نيوهامبشير (أ.ب)

ورغم كونه ديمقراطياً في مسيرته الحزبية المتواصلة منذ نحو خمسة عقود، وجّه مؤسس أحد أقدم المراكز البحثية الأميركية - العربية في الولايات المتحدة انتقادات نادرة للإدارة الحالية، متوقعاً أن يحصل مرشحو ما يسمى «الحزب الثالث» على أصوات كثيرة بسبب ضيق جيل الشباب من كل الألوان والخلفيات بسنّ كل من بايدن وترمب، وأن يمتنع كثيرون آخرون عن التصويت.

وكذلك قال زغبي، التي أدت التهديدات التي يتعرض لها بسبب مواقفه الداعمة لحقوق الفلسطينيين إلى وضع عدد من الأشخاص في السجن، إن بعض المنظمات اليهودية تروّج لوصف معادة إسرائيل جزءاً من معاداة السامية، منبّهاً إلى التضييق الذي يتعرض له أبناء الجاليات العربية في الأحرام الجامعية وأماكن العمل بسبب دعمهم قضية فلسطين؛ مما أدى إلى نشر مشاعر الخوف بينهم.

الرئيس الأميركي جو بايدن في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض في واشنطن (أ.ب)

وخلال الحوار الذي أجري عبر منصة «زووم»، سألت «الشرق الأوسط» زغبي عما إذا كانت لديه أي خيبة أمل من طريقة احتضان الرئيس بايدن إسرائيل أثناء الحرب في غزة، فأجاب أن «خيبة الأمل من بايدن عميقة وستستمر طويلاً. كنت أتوقع - كما رأينا مع كل رئيس سابق تقريباً - أنه سيدعم إسرائيل». وأوضح أنه «بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وما حدث في ذلك اليوم، لم أفاجأ بتعبيره عن غضبه، وتنديده بما فعلته حماس»، كاشفاً أنه «مع مضي الأيام، قلت للبيت الأبيض: أنتم لا تمنحون أنفسكم مخرجاً. عادةً ما يقول الرؤساء إننا نندد بكذا، ولكن... ثم يعطون أنفسهم فرصة للتغيير إذا ما رأوا أمراً يتطور بطريقة سلبية. لم يفعل (بايدن) ذلك. قدم دعماً غير مشروط. وبحلول الوقت الذي بدأ فيه يغيّر لغته حول حماية المدنيين، أو يفكر بنهاية اللعبة، كان الأوان قد فات بالفعل؛ لأن آلة الحرب الإسرائيلية كانت ارتكبت فظائع».

وتذكر أنه كان في اجتماع رفيع «مع أحد الأشخاص في الإدارة ليطلب وقفاً لإطلاق النار. وردوا عليّ بأنه سيكون من غير المقبول التوصل إلى وقف لإطلاق النار؛ لأنه لن يؤدي إلا إلى إعطاء حماس فرصة للتسلح. وقلت: لكن هناك بالفعل آلاف المدنيين الذين قُتلوا، وكان العدد ثلاثة آلاف في ذلك الوقت، ونحن نرى وضعاً فظيعاً. فأجاب: نعم، وهذا أيضاً لا يطاق. وقلت: إذن، هناك وضعان لا يطاقان. ولكنكم اخترتم واحداً ترغبون في التعايش معه، وهو موت الفلسطينيين. ولم يكن هناك رد على ذلك».

السردية الإسرائيلية

وبالإشارة إلى مشاعر بعض العرب الأميركيين الذين التقاهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ومفادها أن حياة العرب غير مهمة، وحياة الفلسطينيين غير مهمة، وما إذا كانت لديه المشاعر ذاتها، قال زغبي: «نعم، وأعتقد أن ثمة ما ينبغي تصديقه في السردية الإسرائيلية، كما فعل جو بايدن، وكما فعل كثيرون في إدارته. تطورت هذه المواقف في السبعينات والثمانينات، ولا تزال على حالها: إسرائيل تُعدّ ولاية حدودية رائدة، مثل أميركا التي حاربت المتوحشين على حدودها، وأوجدت مكاناً للحرية، حيث يمكن للأحلام أن تتحقق. أما السكان الأصليون فهم كالأشجار التي يجب إزالتها لإفساح المجال أمام الحضارة. هذه هي العقلية، وهي موجودة اليوم. وهذا هو المنطق إلى حد كبير. وأعتقد أن العرب في أميركا يشعرون بذلك. وهذا سيكلف بايدن دعم الجالية العربية».

متظاهرون يحيون ذكرى الأطفال الذين قُتلوا في غزة خلال احتجاج بمدينة نيويورك في 28 ديسمبر (أ.ف.ب)

وكان زغبي يشير بذلك إلى أن الانتخابات قريبة، وربما لن يقدم العرب الأميركيون الدعم الذي يرتجيه بايدن منهم في الانتخابات المقبلة. وقال: «أجرينا استطلاع رأي، وكانت الحرب قد بدأت بالفعل، وسألنا الناس كيف سيصوّتون. فأفاد 17 في المائة بأنهم سيؤيدون بايدن، مقابل 59 في المائة صوّتوا له عام 2020. وهذا انخفاض هائل. وبصراحة، بينما أخبرني أفراد في الحزب (الديمقراطي) وفي البيت الأبيض: سينسون الأمر بحلول نوفمبر (تشرين الثاني). أجبتهم بأن هذا تجاهل تام وخاطئ. وهو خطير أيضاً؛ لأنني انخرطت في لعبة السياسة هذه طوال حياتي تقريباً. وما رأيته هو أنه عندما يشعر الناس بمثل هذا الغضب أو الإحباط، فإنهم لا يعودون فحسب. لا يقولون: حسناً، بايدن أو ترمب. اتخذوا هذا القرار بالفعل عام 2020. (...) صوّتوا (على مضض) لجو بايدن عام 2020. لم يعتقدوا أنه الأفضل على الإطلاق. ولم يعتقدوا أن هيلاري كانت الأفضل على الإطلاق. (...) من جهة أخرى، قال كثيرون آخرون: لن نصوّت على الإطلاق. أعتقد أن عدد الذين لن يصوّتوا على الإطلاق، والذين سيختارون مرشحي الحزب الثالث، سيزداد بشكل كبير. لن يصوّتوا لدونالد ترمب. لن يفعلوا. الشباب - وأنا لا أقصد الشباب العرب فقط - بل السود، واللاتينيين، والآسيويين، بل الشباب في كل المجالات، الشباب والتقدميين اليهود، سيصوّتون لمرشحي الحزب الثالث، أو لن يصوّتوا على الإطلاق. رأينا ذلك حدث عام 2000 مع آل غور، رأيناه حدث عام 2016. أعتقد أن ذلك سيحصل مرة أخرى. أتوقع أن يقوم مرشحو الحزب الثالث بأداء جيد للغاية في نوفمبر 2024. وهذا نتيجة لحقيقة أنهم - أي الشباب تحديداً - لا يشعرون بأن الأمر يهمهم. ومن الخطير للغاية بالنسبة للديمقراطيين أن يأخذوا التصويت لمصلحتهم كأمر مسلّم به».

«الحزب الثالث»

يعتقد زغبي، وهو لبناني الأصل أوجد مكانة مهمة له بين صناع القرار الأميركيين، أن مرشحي الحزب الثالث موجودون «بالفعل في المزيج»، مسمياً منهم كورنيل ويست الذي «سيحصل على دعم. أعتقد أن بوب كيندي سيحصل على دعم، رغم أنه ليس أفضل فيما يتعلق بإسرائيل، لكنه لم يثر غضب الجالية بحدة وبالطريقة نفسها كما فعل بايدن. وهذا سيحدث فرقاً في هذه الانتخابات... قلت للناس في الحزب عندما قالوا: سنحتاج إلى مساعدتكم. أجبتهم، لا تتوقعوا مني أن أذهب إلى ديربورن في ميتشيغان، أو باترسون في نيوجيرسي، أو أنهايم في كاليفورنيا، للتحدث مع الجاليات العربية، وأقول لهم: افعلوا ذلك، ولا تفعلوا ذاك».

وعما إذا كان العرب الأميركيون متحدّون في مشاعرهم، سارع إلى القول إن «أمراً واحداً نتعلمه في الاستطلاعات وفي السياسة، إنه لا وحدة على الإطلاق».

وعن أين تؤثر الأصوات العربية بالنسبة إلى كل من ترمب أو بايدن، أجاب: «في ميتشيغان على سبيل المثال، يؤثرون بشكل كبير في ميتشيغان. كما أنهم يؤثرون في فيرجينيا. ويمكن أن يكونوا مؤثرين في فلوريدا، في أي ولاية تتقرر فيها نتيجة الانتخابات بالهامش، أي ثلاثة أو أربعة في المائة. خذ جالية تحظى بدعم يبلغ نحو 2 في المائة في أوهايو، و2 في المائة في بنسلفانيا، ونحو 5 في المائة في ميتشيغان، و1.5 في المائة في فلوريدا، هذا يحدث فرقاً كبيراً. وهذه انتخابات كانت تتقرر في بعض الأحيان بأكثرية 20 ألف صوت، في جورجيا تقررت بعدد قليل من الأصوات. لدينا جالية متنامية في جورجيا يمكن أن تحدِث فرقاً بطريقة أو بأخرى. وأعتقد أن هذا أمر ينبغي أن نراعيه. نحن لا نتحدث هنا عن مليوني ناخب. نحن نتحدث عن 150 ألف ناخب، لكن في الانتخابات التي تتقرر بعشرة آلاف صوت، فهذا يؤثر».

معاداة السامية... والعرب

وعند سؤاله عن الحجة المضادة وهي أن معاداة السامية آخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة، وهذه قضية حساسة للغاية، ليس فقط بين الجاليات، ولكن أيضاً في الجامعات، وفي كل مكان، أسوة بالإسلاموفوبيا، وسعي الإدارة الأميركية للتعامل معها، اعترف زغبي بأن «معاداة السامية مشكلة حقيقية. لا شك. ولطالما حاربت معاداة السامية داخل جاليتي؛ لأنهم صدقوني، هناك معاداة للسامية في الجالية العربية. لا شك. تعاملت مع ذلك، ولا أزال أتعامل مع ذلك».

وأبدى ملاحظات، إحداها أن «هناك منظمتين يهوديتين قادتا جهداً للخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية والسلوك المناهض لإسرائيل. وهذا خاطئ بشكل أساسي»، موضحاً أنه «عندما ننظر إلى تزايد معاداة السامية، علينا أن نفرّق بين شخص ما يمزق ملصقاً يدعم إسرائيل أو شخص يحرق العَلم الإسرائيلي. هذا ليس معاداة للسامية. إنما هذه معاداة لإسرائيل».

ولفت ثانياً إلى أن «هناك الكثير من الضجيج حول هذا الأمر، ولكن ليس القدر نفسه من الضجيج حول ما يحدث للطلاب العرب في أحرام الجامعات. وبصراحة، لا يقتصر الأمر على الحرم الجامعي فحسب، بل يشمل أمكنة العمل أيضاً، في الشركات التي ضغطت عليها بعض المنظمات اليهودية الكبرى للتوقيع على بيان يوافقون فيه على تعريف لمعاداة السامية يتضمن أي انتقاد لإسرائيل، والقول إن هذه سياسة الشركة، ثم إرسال ذلك إلى موظفيها للطلب منهم التوقيع على أنهم لن يشاركوا في أي نشاط مناهض لإسرائيل. هذا أمر خاطئ بشكل أساسي، وحرمان من حرية التعبير (...) الكثيرون من أبناء شعبنا خائفون. الكثيرون يخشون تقديم شكوى. أعرف من تجربتي الشخصية. خلال نشأتي، تلقيت تهديدات بالقتل، واستبعدت من منظمات سياسية».

معارك هادئة

وبالإشارة إلى الكثيرين من العرب الأميركيين المؤثرين حقاً في كل إدارة، والتساؤل الجائز عما إذا كانوا يساعدون في «معالجة كل الأمراض» في البيت الأبيض أو في سواه، للمساعدة في منع أي امتداد للحرب في غزة، وتحديداً نحو لبنان، قال إن لديه ملاحظتين. الأولى أن «الذين يشغلون مناصب رفيعة يخوضون معارك هادئة، هذا ما يفعلونه. وأنا سعيد بوجودهم هناك. لا أطلب منهم أن يقوموا بما أفعله. وظيفتهم ليست اقتحام الأبواب، وتقديم المطالب، وخلق المشكلات. مهمتهم هي تصحيح اللغة، والجلوس في الغرفة؛ لأنه عندما يكونون في الغرفة، سيتغيّر الحديث. أعرف ذلك من أشخاص كنت معهم وعملت معهم من إدارات سابقة، وأعرف مدى فاعلية ذلك. ثم هناك صغار الموظفين، وأخشى عليهم لأنهم يواجهون وضعاً صعباً للغاية. وأنا فخور بالكثيرين بينهم».

وفي نظرته إلى الانتخابات التي تجرى في 5 نوفمبر المقبل، أي بعد نحو أحد عشر شهراً، قال: «بصراحة، ليست لدي أي فكرة. لا أستطيع أن أتخيل دورة إعادة لعام 2020. أن يكون لدينا جو بايدن ودونالد ترمب كمرشحين، أعتقد أن الكثيرين من الأميركيين لديهم الشعور ذاته. انظر إلى الاستطلاعات، والأكثرية تقول إن هذا غير ممكن. هذان الرجلان سيكونان في الثمانينات من عمرهما (...) أليس كذلك؟ أعني أن لدينا قادة شباباً. وفي الوقت ذاته، (...) إذا لم يترشح جو بايدن، فلا أعرف من سيترشح. وفي هذه المرحلة، صار الوقت متأخراً في اللعبة لكي يدخل أشخاص إلى الانتخابات التمهيدية، والترشح. والأمر ذاته مع دونالد ترمب. إنه في المقدمة بفارق كبير للغاية حتى الآن، رغم أن ولايات قررت أنه لا يمكنه أن يكون على بطاقة الاقتراع، وهو ما يفعله البعض الآن. هناك أتباع مخلصون له سيزمجرون إذا لم يكن هو المرشح».


مقالات ذات صلة

«فوضى» تضرب مطار بغداد... والحكومة تتدخل بالتحقيق

المشرق العربي مسافرون داخل مطار بغداد الدولي (أرشيفية - أ.ف.ب)

«فوضى» تضرب مطار بغداد... والحكومة تتدخل بالتحقيق

قالت مصادر حكومية إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني «أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب فوضى شهدها مطار بغداد الدولي»، جراء التضارب والتأخير في مواعيد الرحلات.

فاضل النشمي (بغداد)
شمال افريقيا السياسي التونسي المنذر الزنايدي (صفحته على فيسبوك)

محكمة تونسية تقر بعودة الوزير السابق المنذر الزنايدي إلى سباق الرئاسة

قبلت المحكمة الإدارية في تونس طلب الاستئناف الذي تقدم به الوزير السابق والناشط السياسي المنذر الزنايدي للمشاركة بالانتخابات بعد استبعاده من هيئة الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق اختيار فوهة الوعبة ضمن أفضل 100 موقع للتراث الجيولوجي عالمياً (هيئة المساحة الجيولوجية)

فوهة الوعبة في جدة ضمن أجمل المعالم الجيولوجية عالمياً

يترقَّب قطاع السياحة في السعودية تحويل فوهة الوعبة بغرب البلاد وجهةً سياحية، بُعيد اختيارها الأفضل بين 100 موقع للتراث الجيولوجي العالمي.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج السعودية أكدت موقفها الثابت بنبذ جميع أشكال العنف والتطرف واستهداف المدنيين (الشرق الأوسط)

السعودية تُدين بشدة الهجوم الإرهابي في بلوشستان الباكستانية

أدانت السعودية بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي وقع بمقاطعة بلوشستان في باكستان، والذي أسفر عن وفاة وإصابة العشرات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا نبيل العربي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية (رويترز)

وفاة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية نبيل العربي

نعت وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الاثنين)، السفير نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق الذي توفي عن عمر ناهز 89 عاماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الولاية التي يجب الفوز بها»... تحدي هاريس وترمب الأصعب

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في ميلووكي بويسكونسن 20 أغسطس 2024 ودونالد ترمب في بيدمينستر بنيوجيرسي 15 أغسطس (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في ميلووكي بويسكونسن 20 أغسطس 2024 ودونالد ترمب في بيدمينستر بنيوجيرسي 15 أغسطس (رويترز)
TT

«الولاية التي يجب الفوز بها»... تحدي هاريس وترمب الأصعب

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في ميلووكي بويسكونسن 20 أغسطس 2024 ودونالد ترمب في بيدمينستر بنيوجيرسي 15 أغسطس (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في ميلووكي بويسكونسن 20 أغسطس 2024 ودونالد ترمب في بيدمينستر بنيوجيرسي 15 أغسطس (رويترز)

عَدَّ تقرير صحافي أن التحدي الأبرز لكامالا هاريس هو ولاية بنسلفانيا، أما بالنسبة لدونالد ترمب فهي ولاية جورجيا.

وعَدَّ تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، اليوم الأحد، أن كل حملة لديها ولاية يمكن القول إنها «يجب الفوز بها»، وهو ما يفسر سبب إنفاق المرشحين كثيراً من الوقت والطاقة والمال في ذلك.

وستقضي هاريس جزءاً من عطلة عيد العمال في بيتسبرغ، إلى جانب الرئيس بايدن، بعد جولة بالحافلة عقب المؤتمر، يومي الأربعاء والخميس، أخذتها عبر جورجيا الريفية. في غضون ذلك، كان ترمب يسافر عبر ما يسمى ولايات «الجدار الأزرق»، بما في ذلك أكبر جائزة ساحة معركة وهي بنسلفانيا.

و«الجدار الأزرق» ​​مصطلح يستخدمه الخبراء السياسيون للإشارة إلى 18 ولاية أميركية، ومنطقة كولومبيا التي فاز بها الحزب الديمقراطي في كل انتخابات رئاسية من عام 1992 إلى عام 2012. لم يتمكن جورج دبليو بوش، الرئيس الجمهوري الوحيد المنتخب خلال هذه الفترة، من الفوز بفارق ضئيل في المجمع الانتخابي خلال عاميْ 2000 (271)، و2004 (286)، إلا من خلال الفوز بعدد كافٍ من الولايات خارج الجدار الأزرق لهزيمة مُنافسيه الديمقراطييْن؛ آل جور وجون كيري على التوالي.

في هذا السياق، يقول دوج سوسنيك، الاستراتيجي الديمقراطي ومستشار الرئيس السابق بيل كلينتون: «هناك نقطتان محوريتان للانتخابات: بنسلفانيا وجورجيا. إذا كان بإمكان ترمب الفوز في بنسلفانيا، أو كان بإمكان هاريس الفوز في جورجيا، فأعتقد أنهما المرشحان المفضلان للفوز بالانتخابات».

وأردف سوسنيك: «لا يزال من الممكن أن يفوز ترمب دون جورجيا، ولا يزال من الممكن أن تفوز هاريس دون بنسلفانيا، لكن الأمر أكثر صعوبة بكثير».

وبناءً على نتائج خريطة عام 2020، والتقييمات الداخلية التي أجرتها حملة ترمب، قد يعود الرئيس السابق إلى البيت الأبيض ببساطة، من خلال استعادة الثلاثية المتأرجحة؛ جورجيا وبنسلفانيا وكارولينا الشمالية. وفي ظل هذا السيناريو، قد يخسر الرئيس السابق ولايات متعددة، بما في ذلك نيفادا وأريزونا وميشيغان وويسكونسن، ومع ذلك يفوز بإعادة انتخابه.

شاب يقف لقَسَم الولاء خلال تجمع انتخابي للمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب في ملعب موهيجان صن بويلكس باري ببنسلفانيا (أ.ب)

وبالنسبة لهاريس، فإن الفوز بأصوات جورجيا الانتخابية الستة عشر، وأصوات بنسلفانيا الانتخابية التسعة عشر، من شأنه أن يضعها على أعتاب الوصول إلى عتبة 270 صوتاً انتخابياً. وإن تحقيق فوز واحد في أي من الولايات الأربع - ميشيغان أو ويسكونسن أو نورث كارولينا أو أريزونا - من شأنه أن يجعلها في المقدمة.

ملايين الدولارات في الدعاية

وضخَّ ترمب وهاريس والمجموعات المتحالفة 85.7 مليون دولار في الإعلانات ببنسلفانيا منذ 22 يوليو (تموز) الماضي، وهو اليوم التالي لانسحاب بايدن من السباق، وفقاً لشركة تتبع الإعلانات «آد إمباكت». وبينما أنفق كلا الجانبين المستوى نفسه تقريباً في بنسلفانيا، إلا أن ترمب وحلفاءه في جورجيا أنفقوا، حتى الآن، أكثر من معسكر هاريس - 25.4 مليون دولار مقابل 17.5 مليون دولار.

وأظهر استطلاعٌ للرأي أجرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، ونُشر يوم الخميس، أن هاريس حققت تقدماً، في أعقاب المؤتمر الديمقراطي، حيث حصلت نائبة الرئيس على 48 في المائة من الدعم، بينما حصل ترمب على 47 في المائة، في اختبار وجهاً لوجه للمرشحيْن. وفي اقتراعٍ شمل مرشحين مستقلين، ومرشحين من أحزاب ثالثة، حصلت هاريس على 47 في المائة، وترمب على 45 في المائة.

النساء السود مقابل الرجال البيض

يدفع الناخبون المنقسمون كلتا الحملتين إلى إخراج قاعدتيهما من المؤيدين الأساسيين، إلى جانب شريحة أضْيق من الناخبين المستقلين وغير المنتظمين، بالإضافة إلى ما يسمى الناخبين القابلين للإقناع - وكثير منهم من نساء الضواحي، وهي المجموعة التي عانى منها ترمب، وفقاً للصحيفة.

يعترف مسؤولو حملة ترمب بأنه لن ينجح مع النساء السود، الآن، بعد أن أصبحت هاريس على رأس الحزب الديمقراطي. ومع ذلك، يعتقدون أنهم ما زالت لديهم فرصة في ولايات رئيسية لجذب مزيد من الرجال السود والناخبين من أصل إسباني، الذين يشعرون باليأس بسبب ارتفاع التضخم خلال السنوات الأخيرة.

عبارة «أسود بلا اعتذار» تُزين أقراط إحدى الحاضرات بفعالية حملة المرشحة الرئاسية الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس في لاس فيجاس بنيفادا (أ.ب)

قالت رينا شاه، الاستراتيجية الجمهورية في مؤسسة «ريليكس إستراتيجيس»، إن السباق في هذه الولايات الحاسمة لن يفوز به «على الهامش» الناخبون السود أو من أصل إسباني، بل بالأحرى، النساء البيض بشكل أساسي اللاتي يحتجن إلى الظهور بشكل كبير حتى يفوز أي من المرشحين. وفي استطلاع «وول ستريت جورنال» يتقدم ترمب على هاريس بين تلك المجموعة بنسبة 49 في المائة إلى 46 في المائة.

وقال مسؤولون في حملة ترمب إنهم يركزون أنظارهم على «الأشخاص الذين يمكن إقناعهم»؛ وهم الناخبون الذين لا يصوّتون عادة، أو لا يصوّتون دائماً على أسس حزبية، والذين لم يقرروا بعدُ ما إذا كانوا سيصوّتون لصالح ترمب أم هاريس، أم أي مرشح من طرف ثالث.

فرص جديدة لكل حملة

في جورجيا وبنسلفانيا، تعمل حملة ترمب على تكثيف عملياتها الميدانية المتواضعة حتى الآن، وفتح مكاتب جديدة، وتوسيع العمليات للوصول إلى هؤلاء الناخبين.

وفي الوقت نفسه، تغلبت حملة هاريس على ترمب على الأرض، حيث بنت كادراً ماهراً في الولايات المتأرجحة - ما يقرب من 1600 موظف مدفوع الأجر و300 مكتب بتلك الولايات. ويعتقد فريقها أن هذا سيساعد في إحداث فرق في إشراك الناخبين عندما يبدأ التصويت المبكر في سبتمبر (أيلول) الحالي وأكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وفي يوم الانتخابات.

وخلقت مسيرات هاريس فرصاً جديدة للحملة للوصول إلى الناخبين. على سبيل المثال، اجتذبت مسيرة أسبوع المؤتمر في ميلووكي 18000 شخص، وأدت إلى تسجيل 2800 مناوبة تطوعية، وفقاً للحملة.

في هذا السياق، قال دان كانينين، مدير الولايات المتأرجحة في الحملة: «لدينا سِجل في الفوز بالسباقات المتقاربة في هذه الولايات. وفي بنسلفانيا وجورجيا سجلنا أقوى من فريق ماغا». وقال كانينين إنه يتوقع أن تكون الولايات المتأرجحة «تنافسية حقاً مرة أخرى، هذه المرة». وحركة «ماغا» هي حركة سياسية قومية نشأت في الولايات المتحدة، خلال الحملة الرئاسية لعام 2016 لزعيمها دونالد ترمب. واشتُق اسمها من شعار حملة ترمب لعام 2016: «اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

وفي هذا الأسبوع، قام ترمب، ونائبه في الترشح السيناتور جيه دي فانس، برحلات منفصلة إلى بنسلفانيا؛ سعياً إلى تكثيف جهودهما من أجل هذه الولاية الحاسمة مع دخول السباق الشهرين الأخيرين. ووفقاً لمسؤولي الحملة، سيعتمد كل من ترمب وفانس بشكل كبير على مهاجمة سجل بايدن - هاريس فيما يتعلق بالاقتصاد والحدود؛ وهما قضيتان أساسيتان يقولان إنهما من الأولويات القصوى لناخبي ترمب.

هاريس والتكسير الهيدروليكي

ركز فانس رسالته في إيري بولاية بنسلفانيا على الاقتصاد والطاقة، مع التركيز على تأييد هاريس في الماضي لحظر التكسير الهيدروليكي؛ وهو الموقف الذي عكسته منذ أن أصبحت نائبة بايدن.

وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، يوم الخميس، قالت نائبة الرئيس هاريس إنها لن تحظر التكسير الهيدروليكي إذا جرى انتخابها رئيسة، وهو ما يمثل تراجعاً عن موقفها خلال أول ترشح لها للرئاسة. وعندما ترشحت هاريس للرئاسة، لأول مرة في عام 2019، قالت إنها تؤيّد بشدة حظر التكسير الهيدروليكي؛ وهو الموقف الذي تخلّت عنه لاحقاً عندما انضمت إلى حملة الرئيس بايدن مرشحةً لمنصب نائب الرئيس، لتقف إلى جانبه في معارضته مثل هذا الحظر. وعلى الرغم من المبادرات الشاملة لإدارة بايدن لمعالجة تغير المناخ، فقد أشرف الرئيس أيضاً على أكبر طفرة نفطية شهدتها الولايات المتحدة أو العالم.

كلفت تعليقات بايدن المتضاربة حول هذه القضية، كلّفته كثيراً في جنوب غربي بنسلفانيا وجنوب شرقي أوهايو خلال عام 2020، عندما فاز بالولاية الأولى، لكنه خسر الثانية. ويوم الأربعاء، حذّرت حملة ترمب، في رسالة بريد إلكتروني، من أن «حظر التكسير الهيدروليكي مِن شأنه أن يدمّر ولايات مثل بنسلفانيا». وأشارت هاريس، في مقابلة شبكة «سي إن إن»، إلى أنه «بصفتي نائبة للرئيس، لم أحظر التكسير الهيدروليكي. بصفتي رئيسة، لن أحظر التكسير الهيدروليكي».

وقد أبرزت الجولة الصيغة التي نشرها بايدن في انتخابات عام 2020، واستخدمها ديمقراطيون مثل السيناتور رافائيل وارنوك (ديمقراطي، جورجيا): تحقيق هوامش كبيرة في أتلانتا والمنطقة المحيطة بها وتجنب الهزائم الساحقة في الأجزاء الريفية من الولاية، والتي تُعدّ معاقل جمهورية إلى حد كبير.

وقبل المؤتمر الوطني الديمقراطي، سافر هاريس ووالز إلى ضواحي بيتسبرغ، بما في ذلك مقاطعة بيفر، حيث تمكّن بايدن من انتزاع نسبة أعلى قليلاً من الأصوات ضد ترمب في عام 2020، مقارنة بما فعلته هيلاري كلينتون في عام 2016.

وفي حين تعتقد حملة ترمب أنها لا تزال تتمتع بأرضية صلبة في جورجيا، فإن الأسابيع القليلة الصعبة، التي دفعت بها تصريحات ترمب غير المكتوبة حول عِرق هاريس، وهجماته على حاكم الولاية الجمهوري الشهير، بريان كيمب، وزوجته، ربما أضافت إلى التحديات التي يواجهها الرئيس السابق في الولاية.