تقنيات مبتكرة لطلاء «غرسات العظام»... عدوى أقل وتعافٍ أسرع

مفيدة في جراحات استبدال المفاصل وطب الأسنان

الدكتور فايكان ترونج يعمل على تطوير الطلاء الجديد (جامعة فلندرز)
الدكتور فايكان ترونج يعمل على تطوير الطلاء الجديد (جامعة فلندرز)
TT

تقنيات مبتكرة لطلاء «غرسات العظام»... عدوى أقل وتعافٍ أسرع

الدكتور فايكان ترونج يعمل على تطوير الطلاء الجديد (جامعة فلندرز)
الدكتور فايكان ترونج يعمل على تطوير الطلاء الجديد (جامعة فلندرز)

لضمان نجاح عمليات زراعة «غرسات العظام» الاصطناعية، مثل استبدال مفاصل الورك والركبة، يتم التركيز على الظروف المحيطة داخل الجسم التي ستواجهها تلك الغرسات، في أثناء الجراحة وبمجرد تثبيتها في الجسم.

ويعتمد نجاح العملية على قدرة الغرسات على التعايش مع فسيولوجيا الجسم والاندماج مع الأنسجة الأصلية لتكوين رابطة سلسة. علاوة على ذلك، يجب تصميم الغرسة بحيث تمنع المواد من تساقط جسيمات من أنسجة الجسم المحيطة إضافةً إلى إظهارها قوة كافية لتحمل قسوة الوزن والحركة. لذلك يركز الباحثون على تطوير مجموعة من التقنيات لإنتاج طبقات لطلاء غرسات العظام، تتميز بمجموعة متنوعة من خصائص المواد، التي تلعب دوراً حاسماً في نجاح العملية ومنع العدوى وتسريع الشفاء.

في هذا الإطار، طوّر باحثون في أستراليا بالتعاون مع باحثين من الصين، طلاءً ثورياً جديداً للغرسات الاصطناعية المزروعة يتمتع بقدرة قوية على درء العدوى، وتحفيز نمو العظام. وأوضح الباحثون، أن هذه التكنولوجيا حصلت على براءة اختراع بعد تحقيق نتائج واعدة، ونُشرت الدراسة في عدد ديسمبر (كانون الأول) من دورية «أدفانسد فانكشنال ماتيريالز».

يمكن لتقنيات الطلاء الجديدة أن تمنع العدوى

مفصل الركبة والورك

في جراحة استبدال مفصل الركبة، تُستبدل أجزاء من مفصل الركبة المصاب أو المتآكل، ويمكن أن تساعد هذه الجراحة على تخفيف الألم وجعل الركبة تعمل بشكل أفضل. وفي أثناء الجراحة، تُستبدل بالعظام والغضاريف المتضررة أجزاء مصنوعة من المعدن والبلاستيك.

أما في أثناء استبدال مفصل الورك، فيزيل الجراح الأجزاء التالفة من مفصل الورك ويستبدل بها أجزاء عادةً ما تكون مصنوعة من المعدن والسيراميك والبلاستيك الصلب للغاية، ويساعد هذا المفصل الاصطناعي (الطرف الاصطناعي) على تقليل الألم وتحسين الوظيفة.

وركز الباحثون في دراستهم الجديدة، على تطوير طلاء جديد للغرسات يتكون من جزيئات النانو المدمجة من الفضة والغاليوم (Ag - Ga) والتي يمكن تطبيقها بسهولة على أسطح الأجهزة الطبية.

وبعد اختبارات متعددة، أظهرت الجزيئات الجديدة خصائص قوية مضادة للميكروبات ضد مجموعة واسعة من السلالات البكتيرية في النماذج الحيوانية. وأوضح الباحثون أنه يمكن تطبيق المادة الجديدة بسهولة ويمكن التحكم فيها عن طريق رشها على الكثير من الأجهزة الطبية لحمايتها من العدوى، كما أنها توفر تأثيراً مضاداً للالتهابات وتحفز نمو العظام.

ورأى الفريق أن هذا المزيج من خصائص الحماية المضادة للبكتيريا وتكامل الأنسجة يمكن أن يفيد الكثير من الأجهزة في مجالات جراحة العظام والصدمات وكذلك طب الأسنان.

مكافحة العدوى

وتعد حالات العدوى بعد جراحة زرع العظام مشكلة صحية عالمية، إذ تتراوح معدلات الإصابة بها من 2 إلى 10 في المائة في البلدان المتقدمة، وتصل إلى 15 في المائة في المناطق النامية. وفي الولايات المتحدة وحدها، هناك أكثر من 100 ألف حالة من حالات العدوى المرتبطة بأجهزة تقويم العظام.

وأظهرت دراسة سابقة أن نحو 6 في المائة من حالات التهابات زراعة العظام تؤدي إلى الإدخال إلى العناية المركزة مع معدل وفيات يصل إلى 4.6 في المائة. ويمكن أن تتجاوز تكلفة علاج مثل هذه العدوى 100 ألف دولار أميركي لكل حالة.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الباحث بمختبر الهندسة النانوية الطبية الحيوية في جامعة «فلندرز» الأسترالية، الدكتور فايكان ترونغ: «تقدم الدراسة تقنية رائدة لطلاءات غرسات العظام المزروعة باستخدام جزيئات الفضة والغاليوم المدمجة النانوية». وأضاف: «تعد هذه التكنولوجيا تقدماً كبيراً مقارنةً بالتقنيات التقليدية القائمة على الفضة، إذ توفر مكافحة فعّالة للعدوى وتحفيز نمو العظام، ويضمن دمج جزيئات الفضة والغاليوم النانوية إطلاقاً متحكماً لأيونات الفضة والغاليوم، وهو أقل سُمّية للخلايا مقارنةً بتقنيات الفضة التقليدية».

وأشار إلى أنه من خلال إظهار خصائص فائقة مضادة للميكروبات ضد مجموعة متنوعة من السلالات البكتيرية في النماذج المخبرية وفي الجسم الحي (الحيواني)، تتفوق هذه المادة على الطلاءات الفضية الموجودة. وحسب ترونغ، فإن تقنية الطلاء الجديدة تلعب دوراً حيوياً في مواجهة التحدي المتمثل في الأجهزة الطبية المعرضة للعدوى، ما يقلل بشكل كبير من الاعتماد على تطوير مضادات حيوية جديدة.

وأضاف أن التقنية تقدم حلاً قوياً في سياق ازدياد مقاومة المضادات الحيوية، ونقدم نهجاً استباقياً لمكافحة العدوى في الأجهزة الطبية، لأن فاعليته المضادة للميكروبات واسعة النطاق، كما أن خصائص تسهيل نمو العظام تجعله يُغيّر قواعد العمل، خصوصاً في المناطق التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بعد الجراحة.

وعن خطواته المقبلة، أوضح الباحث أن الفريق يهدف إلى مزيد من البحث والتطوير بهدف تعزيز سلامة وفاعلية هذه التكنولوجيا الجديدة للاستخدام البشري. وأضاف أنه من المتوقع أن يتوسع تطبيق هذه التكنولوجيا إلى ما هو أبعد من جراحة العظام ليشمل مجالات طبية أخرى، إذ تُستخدم تكنولوجيا الفضة التقليدية، وستركز الجهود التعاونية والبحثية المستمرة على تحسين هذه التكنولوجيا لمجموعة متنوعة من الأجهزة والحالات الطبية، ومعالجة المشكلة العالمية المتمثلة في العدوى المرتبطة بالأجهزة الطبية.

وكان باحثون من جامعة «إلينوي» الأميركية، قد طوّروا في مايو (أيار) الماضي، طلاءً جديداً لزراعة غرسات العظام، مستوحى من أجنحة حشرات اليعسوب والسيكادا، يتميز بأنه يقضي على البكتيريا الضارة. وأضافوا أن الطلاء يحاكي الجزيئات النانوية الموجودة في أجنحة الحشرات التي تقضي على الخلايا البكتيرية عندما تتلامس معها.


مقالات ذات صلة

«تلغرام»... هل هو بوابة لـ«الإنترنت المظلم» في جيبك؟

تكنولوجيا شعار تطبيق «تلغرام» (رويترز)

«تلغرام»... هل هو بوابة لـ«الإنترنت المظلم» في جيبك؟

أشعل اعتقال بافيل دوروف، مالك ومؤسس «تلغرام»، في فرنسا نقاشاً حول الإشراف على التطبيق ومشكلاته مع قوات إنفاذ القانون.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جناح شركة «تمارا» التي توفر خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في السعودية والخليج بمعرض «ليب24» بالرياض (إكس)

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

تطبيقات التكنولوجيا المالية أصبحت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الجيل الجديد، وحددت «فنتك السعودية» 9 مجالات لهذه التطبيقات.

عبير حمدي (الرياض)
تكنولوجيا  «ميتا إيه آي» القادرة على الإجابة على أسئلة المستخدمين بلغة بسيطة باتت تضم 400 مليون مستخدم شهرياً (رويترز)

منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي... تنافس ونمو متسارع

يستمر استخدام منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي من جانب عامة الناس في النمو بوتيرة متسارعة، على ما تظهر أحدث الأرقام لجهات فاعلة رئيسية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا هذه الإضافات متاحة باللغة الإنجليزية فقط وعلى عدد محدود من الأجهزة (شاترستوك)

«غوغل» تقدم ملحقين جديدين لـ«جيميناي» مصممين لهواتف «بيكسل 9»

هذه الميزات حصرية حالياً لأجهزة «بيكسل» الأحدث.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يعد «GPT-4o mini» نموذج ذكاء اصطناعي صغيراً فعالاً من حيث تكلفة العملاء (شاترستوك)

200 مليون مستخدم نشط في «تشات جي بي تي» أسبوعياً

صرحت شركة «أوبن إيه آي (OpenAI)»،الناشئة للذكاء الاصطناعي، بأن روبوت الدردشة الخاص بها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» لديه الآن أكثر من 200 مليون مستخدم نشط أسبوعيا.

نسيم رمضان (لندن)

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
TT

دراسة: قردة «بهيات الشعر» تمنح بعضها بعضاً أسماء مثل البشر

قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)
قرد القشة القزمة في حديقة حيوان سيمبيو في سيدني بأستراليا (أ.ف.ب - صفحة حديقة حيوان سيمبيو على «فيسبوك»)

يُعدّ منح الأسماء بين كائنات من الجنس نفسه مؤشراً إلى تطوّر كبير، وقد تمت ملاحظته في السابق لدى البشر وأنواع من الدلافين والفيلة الأفريقية فقط، لكنّ دراسة نُشرت، الخميس، في مجلة «ساينس» المرموقة، بيّنت أنّ القردة التي تُطلق عليها تسمية «بهيات الشعر» تنتمي أيضاً إلى هذه المجموعة المحدودة من الحيوانات.

وأظهرت الدراسة، التي أجراها فريق من الجامعة العبرية في القدس، أنّ هذه الرئيسيات الصغيرة تطلق صرخات عالية بنبرة حادة لمنح «ألقاب صوتية» لأنفسها.

وقال المعد الرئيسي للدراسة ديفيد عمر، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن مهتمون جداً بالسلوك الاجتماعي لاعتقادنا بأنّه هو ما يجعلنا كبشر كائنات مميزة مقارنة بالحيوانات الأخرى».

وأضاف: «نحن لا نركض بسرعة ولا نطير ولا نتفوق في أي شيء غير قدراتنا الاجتماعية، وبأنّ كل إنجازاتنا مجتمعية».

ورأى أنّ «بهيات الشعر» مثالية لدراسة تطور السلوك الاجتماعي واللغة لدى البشر؛ لأنّها تتمتع بخصائص مماثلة للبشر. وتعيش هذه القرود ضمن مجموعات عائلية صغيرة أحادية الزوج مؤلفة من ستة إلى ثمانية قرود تتولى معاً تربية صغارها.

وسجل الباحثون محادثات بين قردين من نوع «بهي الشعر» يفصل بينهما حاجز بصري، بالإضافة إلى التفاعلات بينهما ونظام حاسوبي يبث تسجيلات. وكان تحليل صرخاتهما ممكناً بفضل التقدم المُحرَز في مجال التعلم الآلي والقوة التي تتمتع بها الحوسبة.

ووجد الباحثون أنّ هذه القردة تستخدم صرخات عالية النبرة لمخاطبة بعضها بعضاً. وكانت هذه الرئيسيات قادرة بشكل ملحوظ على معرفة ما إذا كانت الصرخات موجهة إليها، وأظهرت إمكانية أكبر في الردّ عند مناداتها باسمها.

«تطور متقارب»

والقرود العشرة التي خضعت للاختبار متحدرة من ثلاث عائلات مختلفة. وأظهر الباحثون أنّ القردة المنتمية إلى المجموعة العائلية نفسها استخدمت خصائص صوتية متشابهة لأسماء مختلفة، تشبه إلى حد كبير اللهجات أو اللكنات عند البشر.

واعتمدت قرود أخرى بالغة انضمت إلى مجموعة من دون أن تكون مرتبطة بها مباشرة، الرموز الصوتية نفسها، مما يشير إلى إمكانية أن تتعلمها من قرود أخرى. ويعزو ديفيد عمر اكتساب القرود للمؤشرات الصوتية إلى «تطور متقارب»؛ أي إنها طوّرت سمات مماثلة خلال الاستجابة لتحديات بيئية مماثلة.

ويُعدّ منح الأسماء مسألة مهمة جداً لـ«بهي الشعر»، للحفاظ على الروابط الاجتماعية وتماسك المجموعة في الغابات الاستوائية الكثيفة في أميركا الجنوبية، حيث تكون الرؤية محدودة جداً.

أما مسألة متى وكيف بدأ البشر في الكلام، فهي موضع نقاش، ولكن حتى وقت قريب رفض عدد كبير من العلماء فكرة أنّ الرئيسيات توفّر عناصر للإجابات.

ويقول ديفيد عمر: «لا يزال بإمكاننا أن نتعلم الكثير من الرئيسيات غير البشرية بشأن تطور اللغة عند البشر». في المستقبل، يمكن أن تشكّل إحدى طرق البحث المضي قدماً في استخدام الذكاء الاصطناعي، لفك تشفير محتوى محادثات «بهيات الشعر» بشكل أفضل.