دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

اقترح قوة أممية انتقالية على غرار كمبوديا قبل عودة السلطة وإجراء انتخابات

TT

دنيس روس يرسم لـ«الشرق الأوسط» الجدول الزمني الأميركي لمستقبل غزة بعد الحرب

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)
بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

يرسم دنيس روس خطاً زمنياً هو الأول من نوعه لما تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه في غزة بعد انتهاء الحرب: مرحلة انتقالية مؤقتة تمتد من عام إلى عامين بقوة دولية شبيهة بالسلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا لملء الفراغ بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، بالتزامن مع «إصلاح» السلطة الفلسطينية و«تنشيطها» قبل إعادة سيطرتها على القطاع، والشروع في عملية «إعادة إعمار ضخمة» بدعم عربي ودولي، وبطريقة تكفل عدم عودة «حماس» التي «لن يكون للفلسطينيين مستقبل معها»، ثم إجراء انتخابات في غضون 18 شهراً.

روس الدبلوماسي الأميركي الذي اضطلع بدور بارز في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبخاصة في ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، معروف أنه انخرط بشكل كبير في عملية السلام خلال التسعينات من القرن الماضي، وقام بـ«دور حاسم في المفاوضات التي أفضت إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993» التي كانت «خطوة مهمة نحو حل الدولتين»، فضلاً عن أنه كان كبير المفاوضين خلال قمة كامب ديفيد لعام 2000 في عهد الرئيس بيل كلينتون، قبل أن يشغل منصب المنسق الخاص للشرق الأوسط في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ثم مستشاراً خاصاً لشؤون الخليج العربي وجنوب غرب آسيا لدى وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون.

دنيس روس متوسطاً المفاوضين الفلسطيني صائب عريقات والإسرائيلي دان شامرون خلال توقيع اتفاق الحكم الذاتي في سبتمبر 1993... في حضور عرفات ونتنياهو (غيتي)

هجوم بـ«كارثتين»

كان وقْعُ 7 أكتوبر (تشرين الأول) بادياً في كل جوانب الحوار مع دنيس روس. على رغم خبرته الواسعة في شؤون الشرق الأوسط ومنازعاته، لا يخفي أنه فوجيء ليس فقط بـ«جهل» الأجهزة المخابراتية والأمنية بما كانت تخطط له «حماس»، بل أيضاً بـ«الانحلال الأخلاقي» الذي أظهره مقاتلو الحركة خلال هجماتهم ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. هذا الهجوم «من وجهة نظر شخص يعتقد أن التعايش ممكن» بين الشعبين، قاد إلى «كارثتين»، الأولى في إسرائيل، والأخرى في غزة.

لم يكن عنصر «المفاجأة» هذا سوى مؤشر إلى رد الفعل الاستثنائي الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة على كل المستويات تقريباً. يعكس كلام المبعوث الأميركي المقرب للغاية من دوائر صنع القرار لدى إدارة الرئيس جو بايدن، من أي منظور يتابع المسؤولون الكبار في واشنطن، وبينهم الرئيس بايدن نفسه ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، والمسؤولون الآخرون في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وغيرهم، تطورات الحرب في غزة وتداعياتها. يرسم انطلاقاً منها صورة أوضح للنتائج المتوخاة من الحرب: تدمير «حماس» أولاً، ثم الشروع في مرحلة انتقالية تسبق إعادة غزة بالتزامن مع إعادة إعمارها، إلى سلطة فلسطينية معززة - ولكن منزوعة السلاح، وتنتهي أخيراً بتسوية على أساس حل الدولتين.

رقعة الحرب

الدبلوماسي الذي بدأ عمله في وزارة الخارجية في السبعينات من القرن الماضي، ونشر مجموعة كتب عن عملية السلام، ومنها «العلاقة الأميركية - الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما: محكوم عليها بالنجاح» و«الأساطير والأوهام والسلام: إيجاد توجه جديد لأميركا في الشرق الأوسط» (مع خبير معهد واشنطن لعملية السلام ديفيد ماكوفسكي) و«السلام المفقود: القصة الخفية للكفاح من أجل السلام في الشرق الأوسط»، ركز في حواره مع «الشرق الأوسط» على الأبعاد الاستراتيجية للواقع الجديد الذي نشأ بسبب هجوم 7 أكتوبر الماضي.

قرأ روس ما تلا الهجوم من قرارات الحرب إسرائيلياً وأميركياً، في ظل مخاوف من امتداد شراراتها في اتجاهات مختلفة، أقربها بسبب العنف المتصاعد من المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وارتفاع حدة الاشتباكات بين القوات الإسرائيلية و«حزب الله» بما ينذر بانزلاق يؤدي إلى فتح الجبهة اللبنانية، وربما السورية.

أما أخطرها عربياً فيتصل بمخاوف مشروعة من نيات مبيّتة لتهجير فلسطينيي غزة نحو مصر والأردن، في ما يخشى أن يكون «نكبة ثانية». الأميركيون يتحسّبون خصوصاً لاحتمال تورط إيران في مواجهة مع إسرائيل، في خطوة يمكن أن تقود إلى تدخل مباشر من الولايات المتحدة والدول الكبرى.

«هجوم للإذلال»

يقول دنيس روس، الذي عاين هجمات «حماس» ضد إسرائيل منذ التسعينات إن إيران «لم تكن ربما على علم مسبق» بهجمات «حماس». غير أن ذلك «لا يرفع عنها المسؤولية»؛ لأن الحركة جزء من «محور المقاومة»، الذي يسميه هو «محور البؤس»، مؤكداً أنه لم يتوقع على الإطلاق أن تنفذ الحركة الفلسطينية المتشددة هجوماً كالذي حصل في أكتوبر الماضي؛ لاعتقاده أن «إسرائيل ستكون أفضل استعداداً مما كانت عليه» لأن لديها «مزيجاً من المعلومات الاستخبارية والاستعداد العسكري الذي سيمنع أي شيء من هذا القبيل».

لم يتخيل أن مقاتلي الحركة «سيعذبون الناس قبل أن يقتلوهم» في ما يصفه بأنه «نوع من الانحلال الأخلاقي» الذي برر «احتجاز أكثر من 240 رهينة، بما في ذلك أطفال لا تتجاوز أعمارهم الأشهر التسعة». على رغم أن ماضي الإسرائيليين «حافل بالمآسي»، يسيئه خصوصاً ما يسميه «الاحتفال بالتعذيب» و«الاستمتاع بالقتل» خلال هجوم مقاتلي «حماس» في ما «كان مصمماً للإذلال والتجريد من الإنسانية»، عادّاً أن تلك «كانت كارثة في إسرائيل الآن، ثم كارثة كما نشهد الآن في غزة».

وإذ ينظر إلى ما يحدث الآن، يخلص إلى أن «علينا جميعاً أن نتعامل مع المستقبل ليس بكونه المستقبل الذي نعود فيه إلى 6 أكتوبر 2023»، الواقع «الوحيد الذي من شأنه أن يجعل هذه الكارثة أسوأ». ويتعامل بحذر مع مقولة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن «ما حدث في 7 أكتوبر لم يأت من فراغ»؛ لأنها يمكن أن تشي بأن «ما فعلته (حماس) كان مقبولاً بطريقة أو بأخرى». جوابه هو «لا» الناهية الجازمة. غير أن سؤالاً مثل: «هل يجب أن ينتهي الاحتلال؟»، يقابله الجواب: «نعم، يجب أن ينتهي بطريقة تتفق مع أمن إسرائيل».

بايدن مع نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل بعد بدء الحرب بعشرة أيام (د.ب.أ)

مَن يمثّل الفلسطينيين؟

سيمر الإسرائيليون، في رأي روس الذي اضطلع بدور رئيسي في رسم معالم الدور الأميركي خلال إدارته عملية السلام في عهدي الرئيسين جورج بوش وبيل كلينتون وتيسيره اتفاق أوسلو الثاني لعام 1995، بعملية «حساب سياسي» بسبب 7 أكتوبر، متوقعاً أن يكون «المستقبل السياسي في إسرائيل مختلفاً عما هو اليوم» بالتزامن مع «نقاش بحثي جاد للمرة الأولى حول ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة مع الفلسطينيين»؛ لأن الإسرائيليين «لم يناقشوا» اتفاق أوسلو الذي جرى التوصل إليه عبر «قناة سريّة» بإشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين.

وكذلك كان الأمر عندما قرر رئيس الوزراء السابق أرييل شارون الانسحاب من غزة في سبتمبر (أيلول) 2005. ويرى أن النقاش «يجب أن ينعكس بين الفلسطينيين أيضاً» للرد على التساؤلات: «هل تمثل (حماس) وجهة النظر الفلسطينية؟ أم أن الذين يؤمنون بالعيش المشترك يمثلون وجهة النظر الفلسطينية؟».

حل الدولتين

وإذ يقطع الأمل نهائياً في أي مستقبل للفلسطينيين مع «حماس»؛ لأن «هدفها لا يتعلق بإنهاء الاحتلال»، بل بـ«إنهاء إسرائيل»، يقترح روس «خياراً آخر» يشبه ما حصل «في 1 سبتمبر 1982، بعد حصار تسعة أسابيع من الحصار الإسرائيلي، حين غادر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و11 ألفاً من منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس».

وفي دلالاته على أن «(حماس) ترفض حل الدولتين»، يستعيد كيف كانت الحركة تلجأ إلى التفجيرات لتحول دون «حل الدولتين» حتى في أعقاب اغتيال رابين، حين أعلن «الفلسطينيون الحداد أيضاً؛ مما أوجد رابطة حقيقية في عيون الإسرائيليين».

ويحذّر من أنه «إذا خرجت (حماس) من هذه الحرب وكأنها انتصرت»، سيندفع الإسرائيليون إلى مواقف أكثر تشدداً وسيبنون الجدران أعلى وأعلى»، ملاحظاً أن محادثاته مع المسؤولين العرب الآن «تشي باستعداد للقيام بعمل عملي لصالح الفلسطينيين أكثر مما رأيته من قبل»، إن لجهة إعادة إعمار غزة، أو لجهة «إصلاح» السلطة الفلسطينية.

وإذ يدعو إلى «معالجة» كل المسائل في سياق «عملية جامعة»، يرى أن «المرحلة الأولى من إعادة بناء غزة يجب أن تضمن عدم إعادة تسليحها». أما الثانية، فتشمل «إعادة صوغ وتنشيط السلطة الفلسطينية» في ما يمكن أن يستمر «سنة أو سنتين»، مشدداً على دور الدول العربية في إيجاد «أفق سياسي» لكي «يكون هناك إحساس بماهية نقطة النهاية بين الإسرائيليين والفلسطينيين».

ويرى أن الدور الأميركي سيكون «تحديد الوجهة السياسية: دولتان لشعبين» تحت شعار «إنهاء الاحتلال بما يتوافق مع الحاجات الأمنية الإسرائيلية»، ومعالجة ما يحتاج إليه الفلسطينيون، وهو «معرفة أنه ستكون هناك نهاية للاحتلال»؛ لأن «(أوسلو) فشل لأنه لم ينه الاحتلال».

جداول زمنية

يعرف دنيس روس، أنه «يتعين علينا أن نتجاوز العنف» قبل القيام بأي أمر آخر لوضع «اللبنات الأساسية»، وأولها اللبنة المتعلقة بطبيعة «الإدارة في غزة» قبل عودة السلطة الفلسطينية، وهي «إدارة مؤقتة تحت مظلة دولية، يفضّل أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة»، موضحاً أنها ستكون «إدارة مدنية يدير فيها التكنوقراط الفلسطينيون الواقع اليومي في غزة» من غير أن تكون «واجهة لـ(حماس)»، وفي ظل «قوة مختلطة، قوة شرطة أكثر من أي شيء آخر تساعد على ضمان القانون والنظام»، مع إعداد «برنامج إعادة إعمار ضخم مع آلية لضمان أن المواد تذهب إلى الغرض المقصود»، على أن يكون «مرتبطاً بنزع السلاح وعدم إعادة التسلح داخل غزة». ويلي ذلك خطوة إجراء الانتخابات في غزة والضفة الغربية «في غضون 18 شهراً».

لا ينظر دنيس روس بإعجاب إلى تجربة الأمم المتحدة في لبنان، حيث أخفق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 لعام 2006 في تحقيق الغاية المتوخاة منه، وهو «منع إعادة تسليح (حزب الله)» و«منع أي وجود لـ(حزب الله) في الجنوب»، حيث منطقة عمليات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل).

وهو يدعو عملياً إلى الإفادة من «تجربة الأمم المتحدة في كمبوديا بعد الخمير الحمر» عندما أنشئت «إدارة انتقالية جادة تحت تفويض الأمم المتحدة، وأدارتها بقوات جادة ذات صدقية» بهدف «إعطاء الفلسطينيين فرصة في المستقبل». ويحذر من أنه إذا بقيت «حماس» في السلطة و«تمكنت من القتل واتخاذ القرار في غزة، فلن يكون هناك مستقبل للفلسطينيين في غزة».

ويستدرك أن «على إسرائيل أن تنسحب، لكنها لا تستطيع أن تنسحب وتترك فراغاً. لذلك؛ يجب أن يأتي طرف ما ويملأه»، واصفاً السلطة الفلسطينية بأنها «ليست ذات صدقية»، بالإضافة إلى أنها «لا تريد أن تأتي (إلى غزة) على ظهر الدبابات الإسرائيلية». ويكرر أن «إدارة مفوضة دولياً لفترة انتقالية» ستكون مخصصة «لمساعدة الفلسطينيين. لا لخدمة الأغراض الإسرائيلية».

مستقبل غزة

على رغم الصورة القاتمة اليوم، يريد دنيس روس أن «يكون هناك مستقبل مفعم بالأمل لغزة... وألا تُفصل عن الضفة الغربية»، مبدياً كل العجب عندما يسأله البعض: «هل هناك حل الدول الثلاث؟». لكنه يستعجل الجواب: «هناك حل الدولتين» استناداً إلى «عملية إعادة إعمار واسعة النطاق مع نزع السلاح» بشرط ألا يكون مجرد شعار، بعدما «نجحت إسرائيل في تدمير معظم البنية التحتية العسكرية التي كانت (حماس) تبنيها».

ويؤكد أنه «بسبب (حزب الله) وبسبب إيران، كانوا يصنعون طائراتهم من دون طيار. إنهم يصنعون قذائف الهاون الخاصة بهم، ويصنعون صواريخهم الخاصة»، محذراً من أن بقاء «حماس» يعني إعادة بناء هذه القدرات العسكرية، وبالتالي فإن «المانحين الذين يستثمرون بشكل كبير في غزة» لن يفعلوا ذلك «إذا علموا أن (حماس) ستفعل ذلك مرة أخرى».

وإذ يشدد أخيراً على أن «(حماس) ليست الفلسطينيين»، فهؤلاء «يريدون التعايش» مع الإسرائيليين، الذين ينبغي أن «يرسلوا تلك الإشارات أيضاً». ولعل هذا الرد الأبرز على من يسأل عما إذا كانت «حياة اليهود البيض» أهم أو أغلى في الغرب من حياة الفلسطينيين العرب. هذا واحدة من رسائل دنيس روس، المولود لأم يهودية، مذكراً بأن «غالبية الإسرائيليين يأتون من الشرق الأوسط. وهم يهود من العالم العربي» وبأن الرئيس بايدن والوزير بلينكن «يؤكدان على ضرورة بذل المزيد من الجهد لحماية حياة الفلسطينيين وتلبية حاجاتهم الإنسانية».


مقالات ذات صلة

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

المشرق العربي طفل يتلقى جرعة التطعيم في مستشفى بخان يونس (أ.ب) play-circle 01:03

«هدن إنسانية» للتلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

من المقرر أن تبدأ الأحد «هدن إنسانية» لا تزال ملامحها غير واضحة هدفها السماح ببدء التطعيم ضد شلل الأطفال على نطاق واسع في قطاع غزة

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا سونكو خلال تجمع حاشد ضم المئات دعماً للفلسطينيين بالمسجد الكبير في داكار (وسائل إعلام محلية)

رئيس وزراء السنغال: نتنياهو «مستعد للسير فوق آلاف الجثث» ليبقى في منصبه

اتهم رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب في قطاع غزة من أجل بقائه السياسي، داعياً إلى عزل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دكار)
الولايات المتحدة​ صورة مأخوذة من مقطع فيديو نشره المكتب الإعلامي لـ«حماس» للرهينة الأميركي هيرش غولدبرغ بولين (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle 03:06

بايدن يعلن العثور على جثث 6 رهائن في غزة بينهم أميركي

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم انتشال جثث 6 رهائن من قطاع غزة، بعدما كان أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن من بين الضحايا الرهينة الأميركي هيرش غولدبرغ بولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

قرر الجيش الإسرائيلي مواصلة الهجوم في الضفة الغربية، باليوم الرابع للعملية الواسعة، التي بدأها الأربعاء، ضد مخيمات شمال الضفة، وتركزت، أمس في مخيم جنين الذي

كفاح زبون (رام الله)
العالم العربي صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

الحوثيون يعلنون استهداف السفينة «جروتون» في خليج عدن للمرة الثانية

قالت جماعة الحوثي اليمنية المتمردة، السبت، إنها هاجمت السفينة «جروتون» التي ترفع علم ليبيريا في خليج عدن للمرة الثانية، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
TT

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)

في يوم شديد الحرارة، وخلال ساعات النهار في شهر يونيو (حزيران)، رفع 5 أفراد من أسرة مصرية عيونهم إلى الأعلى وتساءلوا بغضب في نفس واحد: «هوّ ده وقته؟».

هكذا تساءلت أسرة ماجد عزت، الأربعيني، التي كانت تتابع تطور الذكاء الاصطناعي ومميزاته وتهديده لبعض الوظائف، عبر شاشة فضائية عربية؛ غير أن الساعات المحددة لانقطاع الكهرباء عن حي شبرا، بشمال القاهرة، قد حلَّت.

تأثُّر عزت الشديد بالتكنولوجيا ظهر بوضوح في نبرته وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، حتى إنه كرر ما سمعه عبر الشاشة قائلاً: «من مميزات الذكاء الاصطناعي: زيادة الإنتاج وسرعة الأداء، وهيريح البشر... لأن الروبوتات هتقوم ببعض الوظائف بشكل أفضل ومن دون أي فساد أو محسوبية... لكن مشكلته أنه هيهدد وظائف في المستقبل... إيه هي الوظايف دي... النور قطع عليها».

روى عزت، الذي يملك ويدير مقهى، وهو يضرب كفاً بكف، مأساة أسرته مع انقطاع الكهرباء: «في عز الحر... من الساعة 2 للساعة 5 العصر... 3 ساعات لا نور ولا نت (إنترنت)». وبنبرة أعلى: «ولا معرفة حتى».

وبإظلام المنطقة، انطفأ الشغف في المعرفة، وبحث أفراد الأسرة عن أوراق لاستخدامها «هوَّاية» يدوية، في محاولة لتقليل أثر الحرارة التي تعدت حينها 40 درجة مئوية، حسب قوله.

مناطق مظلمة في العاصمة القاهرة خلال انقطاع التيار الكهربائي (رويترز)

«تخفيف أحمال»

تواجه مصر مشكلة كهرباء، تفاقمت منذ أشهر إلى أزمة، تسعى الحكومة لتقليل أثرها نسبياً عبر ما تسميه «تخفيف أحمال»، بقطع التيار نحو ساعتين إلى ثلاث يومياً. ومع حدة الأزمة، اضطرت الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى إعلان جدول تخفيف الأحمال، ليتسنى للمواطنين معرفة توقيت الانقطاعات، وترتيب أحوالهم اليومية على ذلك، لكنَّ قرار القطع عادةً ما يتم ربطه بزيادة الاستهلاك، وليس بمواعيد الجدول.

ومؤخراً، أعلنت الحكومة المصرية توقف «تخفيف الأحمال» إلى نهاية الصيف الحالي، واستبدلت به خطة «الأعطال الفنية»، مع وعود بالعمل على القضاء على المشكلة في أقرب وقت.

ووفق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن «استهلاك الكهرباء ارتفع بمعدلات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن البلاد تستهلك نحو 37.5 غيغاواط يومياً في الوقت الحالي، بزيادة أكثر من 12 في المائة عن العام الماضي، ولم يشر إلى تأثير التوسعات في إنشاء مدن وأبراج جديدة على الاستهلاك.

وقدَّر رئيس الوزراء الفجوة في الكهرباء بنحو 3 - 4 غيغاواط، وقال إن «الفجوة من احتياجاتنا من الطاقة سيجري توفيرها من خلال الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة»، مشيراً إلى التعاون مع الإمارات في هذا الصدد.

وتُظهر البيانات أن أقل من 12 في المائة من قدرة الطاقة المُركبة في مصر البالغة نحو 60 غيغاواط، تأتي من مصادر الطاقة المتجددة.

مصانع خارج الخدمة

في يوم آخر شديد الحرارة من شهر يونيو 2024، بلغت فيه 40 درجة مئوية في الظل، وتعدت 45 درجة تحت الشمس الحارقة، يتابع المزارع السيد متولي، الخمسيني، من محافظة الدقهلية، شمال شرقي الدلتا بمصر، محصول أرضه من الفول الصويا، ويقول بثقة: «محصولي أنا كفيل به... الزرعة هتطلع أحلى زرعة».

رد متولي، جاء على مخاوف قد تبدو مشروعة في السوق المصرية، حول مستقبل المحاصيل، في ظل نقص الأسمدة الأزوتية (السماد).

ونتيجة انقطاع الكهرباء، أعلنت مصانع أسمدة في مصر توقفها عن العمل، وفي إفصاح للبورصة المصرية، في 26 يوليو (تموز) 2024، قالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو»، إنها أوقفت مصانعها الثلاثة، بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي، حيث استخدمت وزارة الكهرباء كميات الغاز المخصصة للمصانع، لتشغيل بعض المحطات.

وفي إفصاح مماثل، سبقتها شركة «أبو قير» للأسمدة، وأعلنت عن توقف مصانعها الثلاثة، كما أعلنت شركة «سيدي كرير» للبتروكيماويات عن توقف مصانعها «نظراً لانقطاع غازات التغذية».

وتعد صناعة الأسمدة استراتيجية في مصر، لأهميتها المتعلقة بالزراعة، بالإضافة إلى عوائدها التصديرية من الدولار، إذ تحتل مصر حالياً المركز الخامس عالمياً في الإنتاج والسادس في التصدير.

وتُلزم الحكومة منتجي الأسمدة بتوريد 55 في المائة من إنتاجهم بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة لتغطية احتياجات السوق المحلية، ورغم إعلان الشركات الثلاث الرئيسية عودتها للعمل، فإن الفلاح المصري متولي، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «شيكارة السماد بتتباع في السوق السودا بـ1500 جنيه؛ من كام بقى؟ من 250 جنيه... والحكومة كانت بتصرفلنا 3 شكاير سماد... دلوقتي بتصرف شيكارتين بس... لكن الفلاح لو هيشحت هيصرف على زرعته من قوته، عشان زرعته تكون كويسة».

وبنبرة تملؤها الحسرة: «بس لو هيخسر! يبقى السنة اللي بعدها مش هيزرعها تاني... دا إيجار الفدان بقى من 50 إلى 70 ألف جنيه في السنة».

ويؤدي ارتفاع سعر السماد إلى زيادة في أسعار السلع الغذائية، مما يزيد بدوره من التضخم، الذي يعد أزمة أخرى تحاول البنوك المركزية حول العالم التغلب عليها برفع أسعار الفائدة، مما يقلل من جاذبية مناخ الاستثمار، نتيجة زيادة الاقتراض؛ الذي يتسبب انقطاع الكهرباء عن المصانع في جزء كبير منه.

صف من مولدات الديزل المملوكة للقطاع الخاص يوفر الطاقة للمنازل والشركات في بيروت (أ.ب)

ظلام في بيروت

ومن الذكاء الاصطناعي والصناعة والزراعة في مصر، إلى التعليم في لبنان، حيث أكدت هنادي الحاج تأثرها الشديد بـ«الظلام».

وقالت الحاج لـ«الشرق الأوسط» من بيروت، والحرارة ما زالت مرتفعة هناك أيضاً، إن «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة أثَّر علينا... ولادنا مش قادرين يتعلموا منيح لأنهم مضطرين للأونلاين... يشغلوا الكومبيوتر ما بيشتغل... قطع الكهربا خرَب التعليم».

وبالنظر إلى الوضع في مصر، يبدو وصف هنادي مبالغاً فيه، فتحمُّل الطالب ساعتين أو ثلاثاً والعودة إلى دراسته من جديد قد يكون صعباً ومكلفاً نوعاً ما لكنه لا يصل إلى حد الخراب، غير أن هنادي أفادت بأن عدد ساعات الانقطاع وصل في بعض الأيام إلى 24 ساعة متصلة.

«قطع الكهربا خرب التعليم... فاضطرينا نركّب الطاقة الشمسية... وكمان عندنا اشتراك عادي لأن في الشتاء ما في شمس تلبّي متل الصيف... هذا الشيء سحب مدخراتنا»، وفق هنادي التي تساءلت: «كيف يطلعوا ولادنا في الظلام؟».

«منذ مطلع العام الحالي، رفعت مؤسسة كهرباء لبنان التغذية بالتيار إلى نحو 6 و10 ساعات يومياً طبقاً للمناطق، بعدما كانت توفر الكهرباء بين ساعة وساعتين يومياً فقط، بعد صرف سلفة الخزينة التي حصلت عليها من المصرف المركزي لسداد ثمن الوقود العراقي».

أعمال متضررة في العراق

الأعمال تتدهور في العراق، في جو بنصف درجة الغليان في محافظة الديوانية (جنوب)، التي شهدت مظاهرات يوم 14 يوليو الجاري، ليس على انقطاع الكهرباء، بل «على غيابها التام»، وفق أحمد حسين، من منطقة غماس، الذي شارك في المظاهرة.

يصف حسين، الذي يعمل في مجال الحدادة، لـ«الشرق الأوسط»، تداعيات الانقطاع على عمله الخاص: «شغلي حداد وطبيعي أستخدم الكهرباء... الباب اللي يستغرق 3 ساعات يأخذ 3 أيام وأكثر... الرزق قلّ بسبب الكهرباء».

وتساءل حسين: «هل يمكن للإنسان أن يعيش في جو تصل درجة حرارته إلى قرب درجة الغليان من دون كهرباء... أنا من بلد النفط... هل من المعقول أن نقاسي ونعاني هكذا؟».

ويُنتج العراق، الغني بالنفط واحتياطيات الغاز، 26 ألف ميغاواط، بينما يحتاج إلى 35 ألف ميغاواط من الكهرباء، بعجز 9 آلاف ميغاواط في الإنتاج.

ورغم اعتماد لبنان على العراق في حل مشكلة الكهرباء، من خلال الاتفاق على توريد شحنات الفيول (زيت الوقود عالي الكبريت)، فإن العراق يعاني هو الآخر من أزمة، نتيجة تردي البنية التحتية للمحطات، وعدم توفر الوقود اللازم، إذ تعتمد على الغاز المستورد من إيران.

ورغم أن احتياطيات الغاز في العراق 4 أضعاف احتياطيات الغاز في مصر، فإن إنتاج بغداد من الغاز لا يتخطى عُشر إنتاج القاهرة من الغاز، وتستورد باقي الاحتياجات من إيران.

أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

الناتج المحلي والكهرباء

لا يمكن النظر إلى كل مشكلة من هذه المشكلات على حدة، إذ ينسحب بعضها أو جميعها على معظم الأسر الأخرى في الدول العربية التي تشهد انقطاعات مستمرة في الكهرباء، والتي بلغت حد الأزمة في الكويت ومصر والعراق واليمن والسودان ولبنان وسوريا.

فما يحدث في مصر من تداعيات نتيجة انقطاع الكهرباء، يحدث بالكاد في الكويت، وترتفع وتيرته في العراق، ورغم اختلاف وضع الشبكات الكهربائية والقدرات الإنتاجية للدول، تتشابه ليبيا واليمن والسودان وسوريا في معظم تداعيات الأزمة، بسبب الظروف السياسية.

ومع اختلاف ظروف كل دولة، سواء في القدرة الإنتاجية المنتجة أو وضع الشبكات وإمدادات الوقود، فإن النتيجة واحدة في جميع الدول: «تخفيف أحمال».

ويصل عدد ساعات الانقطاع أو تخفيف الأحمال في اليمن إلى 12 ساعة يومياً، والعراق إلى 10 ساعات، والسودان من 10 إلى 14 ساعة، ولبنان من 12 إلى 20 ساعة، وسوريا من 10 إلى 20 ساعة، وفي مصر 3 ساعات، وفي الكويت من 2 إلى 3 ساعات يومياً.

وما دامت «الطاقة محركاً أساسياً للنمو وجزءاً مهماً من عملية الإنتاج»، يتوقع الخبير الاقتصادي من اليمن مصطفى نصر «تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسب مختلفة في الدول العربية التي تنقطع فيها الكهرباء، حسب عدد ساعات الانقطاع»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الكهرباء أمن قومي فعلاً».

ولكي يوضح نصر عُمق المشكلة، قال إنه بحساب «عدد ساعات الظلام في دولة مثل مصر على سبيل المثال، الذي يصل إلى 3 ساعات يومياً، يتوقف فيها الإنتاج الصناعي والخدمي والإلكتروني، فإن الاقتصاد الكلي يخسر من ناتجه المحلي نحو 90 ساعة شهرياً، وفي حالة استمرار الانقطاع لمدة سنة يصل العدد إلى أكثر من 1000 ساعة سنوياً، (نحو 45 يوماً من إجمالي السنة)، مما يعني أن الاقتصاد يتوقف عن الإنتاج تماماً لمدة 45 يوماً في السنة، بخلاف الإجازات الرسمية والمناسبات».

حقائق

الناتج المحلي الإجمالي

مصر: 396 مليار دولار (2023)

الكويت: 162 مليار دولار (2023)

العراق: 251 مليار دولار (2023)

اليمن: 21 مليار دولار (2018)


وتصل أيام المناسبات والأعياد في مصر إلى 22 يوماً في عام 2024، بخلاف الإجازات الأسبوعية الاعتيادية.

وتنسحب هذه الحسبة على الدول الأخرى كافة، إذ تصل في دولة مثل العراق إلى 152 يوماً في السنة يتوقف فيها الإنتاج والعمل بشكل شبه تام، وفي اليمن إلى نحو 182 يوماً، وفق نصر، الذي أكد: «كلما ارتفع عدد ساعات التوقف عن العمل، زادت نسبة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي»، متوقعاً «تراجع الناتج نتيجة انقطاع الكهرباء في اليمن بنسبة 10 في المائة سنوياً».

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر نحو 396 مليار دولار في عام 2023، ولليمن 21 مليار دولار في عام 2018 (أحدث سنة مسجَّلة لدى البنك الدولي)، وللعراق 251 مليار دولار عام 2023، وللكويت 162 مليار دولار عام 2023.

مخاطر مالية

لكنَّ حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، واستشاري قطاع الكهرباء لعدد من الدول العربية، الذي رفض وضع كل الدول التي تنقطع فيها الكهرباء في «سلة واحدة» لـ«اختلاف الأسباب والظروف»، استبعد تأثُّر الناتج المحلي الإجمالي لمصر والكويت على سبيل المثال بانقطاعات الكهرباء، نظراً لأن «وقت الانقطاع محدَّد التوقيتات والمدة... وهي قليلة بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي».

ويوضح سلماوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي مرفق كهرباء في أي دولة، حال وقوعه في أزمة، يستهدف القطاع المنزلي في بداية خطته لتخفيف الأحمال لأنه قطاع غير مُنتج، ويسمى أحمالاً من الدرجة الثالثة، ثم تأتي بعده المحال التجارية، وهي أحمال من الدرجة الثانية، ثم أخيراً القطاع الصناعي والإنتاجي، وهي أحمال من الدرجة الأولى، وعادةً ما يُستبعد تماماً من تخفيف الأحمال».

وبالنظر إلى تأثر القطاع الصناعي في مصر، عبر مصانع الأسمدة، على سبيل المثال، قال سلماوي: «قد يكون هناك تأثر بعض الشيء في مصر حال استمرار الأزمة»، أما في باقي الدول: «فمن المتوقع أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي لديهم بالطبع».

وهنا يلفت زاهر خليف، محلل المخاطر في إحدى شركات الاستثمار المصرية، إلى أن «تخفيف الأحمال أثر سلباً في إنتاج 20 في المائة من مصانع الحديد في مصر، فيما بلغت النسبة 40 في المائة بالنسبة لصناعة الأجهزة المنزلية، فضلاً عن تأثر شركات الإسمنت والألمنيوم والأسمدة، التي تشكل الكهرباء فيها مكوناً رئيسياً من مدخلات الإنتاج... وبالطبع لن يكون ذلك بعيداً عن الناتج المحلي الإجمالي».

وأوضح زاهر، في ورقة بحثية عن تداعيات انقطاع الكهرباء على الاقتصاد الكلي، أعدها خصيصاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «نسبة استهلاك القطاع الصناعي من إنتاج الكهرباء تبلغ أكثر من 41 في المائة، بينما لا يتجاوز نصيب القطاع الزراعي 4 في المائة».

وبالنظر إلى كم الخسائر التي يتكبدها اقتصاد كل دول عربية ينقطع فيها الكهرباء، «تستطيع حساب معدل النمو المتوقع، الذي من المؤكد أنه سيتأثر»، وفق نصر، الذي أشار إلى أن التكاليف المالية المطلوبة للقضاء على أزمة الكهرباء، قد تكون أقل من التكاليف المالية التي سيتحملها الاقتصاد الكلي، نتيجة الاستمرار في سياسة «تخفيف الأحمال».

ويرى البنك الدولي أن أقل من 40 في المائة من المرافق وشبكات الكهرباء في البلدان النامية، «تحقق إيرادات بالكاد تكفي لتغطية تكاليف التشغيل وخدمة الديون -وهو الحد الأدنى للاستدامة المالية».

ورغم أن البنك الدولي لم يشر إلى تكلفة أزمة الكهرباء الحالية في الدول العربية وتداعياتها على الاقتصاد الكلي، فإن صندوق النقد الدولي دعا مصر بشكل صريح إلى «احتواء المخاطر المالية المرتبطة بقطاع الطاقة»، وذلك بعد أن لفت في بيان يوم 29 يوليو، إلى انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد، والذي أسهم في انقطاع التيار يومياً منذ العام الماضي.

يدرس الطلاب لامتحانات الثانوية العامة في مكتبة الإسكندرية خلال انقطاع الكهرباء (إ.ب.أ)

الحرارة والكهرباء

في تصور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل، أن «مشكلات انقطاع الكهرباء التي ظهرت في الآونة الأخيرة تعود إلى موجة الحر التي يشهدها العالم».

وأشار السيد لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التوقعات تشير إلى أن عام 2024 هو الأكثر حرارةً في التاريخ. وهنا تجب الإشارة إلى أن البنية التحتية والقدرة الإنتاجية لكل دولة تختلف عن الأخرى ومتأثرة بارتفاع الحرارة».

وأظهرت بيانات خدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي (سي ثري إس)، التابعة للاتحاد الأوروبي، أن يوم 22 يوليو 2024 كان اليوم الأكثر سخونة الذي سُجل على وجه الأرض، على الإطلاق، حتى الآن.

وهذا الشهر، سجلت مدن في اليابان وإندونيسيا والصين حرارةً غير مسبوقة، فيما عانت دول الخليج ودول عربية أخرى من حرارة مرتفعة، إذ وصل مؤشرها إلى أكثر من 60 درجة مئوية. وفي أوروبا، ارتفعت إلى 45 درجة مئوية فما فوق.

وإلى جانب الحرارة المرتفعة، يرى محمد يوسف، مسؤول قسم البحوث الاقتصادية في أحد المراكز العربية، أن لمشكلة الانقطاع ثلاثة أبعاد: «القدرة والوصول والانتظام».

تَظهر المشكلة عادةً «إما في عجز مزمن في قدرات الإنتاج، وإما في ضعف الشبكات الذي يمنعها من الوصول إلى جميع الأقاليم الجغرافية، وإما في انتظام التيار الكهربائي للأماكن التي تصل إليها الشبكات»، وفق يوسف، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من أبوظبي.

ونتيجة لذلك يوضح سلماوي: «مشكلة الكهرباء في مصر أزمة عابرة نتيجة نقص الوقود الناتج عن شح الدولار، ومع توفير العملة الأجنبية سوف تُحل. كذلك الحال في الكويت. أما سوريا واليمن فالوضع صعب جداً بسبب تهالك وتدمير الشبكات، ومع حصار الاقتصاد نتيجة العقوبات، فإن المشكلة هناك سياسية. أضف إليهما ليبيا التي لها وفرة مالية جيدة لكن المشكلة السياسية تقف عائقاً أمام الحلول. أما العراق الذي لديه فوائض مالية، فيعاني من تهالك الشبكات ونقص القدرة الإنتاجية».

توضح مؤشرات البنك الدولي الحقائق السابقة بصورة رقمية، فرغم ارتفاع نسبة وصول سكان الدول العربية إلى الكهرباء من نحو 83 في المائة إلى 91 في المائة بين عامي 2004 و2022، فإنها ككتلة واحدة ما زالت بعيدة عن واقع الاقتصادات المتقدمة كدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ تصل هذه النسبة في تلك الدول إلى 100 في المائة من السكان.

يمنيون يحاولون ربط أسلاك كهربائية لإيصال التيار إلى منازلهم (إ.ب.أ)

«قائمة حلول موحدة»

رغم اختلاف أسباب الأزمة في كل دولة فإنها يمكن أن تندرج تحت «أمن الطاقة»، كونها تعدت بالفعل معاناة أسر عربية، لتهدد الاقتصاد الكلي في كل دولة، وهو ما يفسر تعميم بعض الحلول على الدول كافة.

علي الرميان خبير الطاقة الدولي، قال من سلطنة عمان لـ«الشرق الأوسط»، إن «أمن الطاقة بالنسبة لأي دولة، يعني استقرار قطاع الطاقة من حيث ضخ استثمارات مستدامة بعد وضع خطط طويلة المدى، وتوفير الموارد اللازمة وتسهيل وصول الطاقة إلى جميع الفئات، سواء كانت طاقة كهرباء أو نفط أو غاز أو طاقة شمسية أو رياح أو هيدروجينية»، لكن «يجب ألا نحدّ أمن الطاقة في انقطاع الكهرباء فقط».

وأشار الرميان إلى أن هناك «دولاً أوروبية تشهد انقطاعات، وهو ما يعني أن هناك أسباباً يجب الوقوف على حلها أولاً، قبل ربطها بأمن الطاقة». مؤكداً أن «أمن الطاقة، وتوفيرها يحتاج إلى كثير من الاهتمام من الدول العربية والخليجية، خصوصاً مع التقلبات العالمية التي نشهدها في المناخ وارتفاع درجات الحرارة، والاحتباس الحراري».

ووضع حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، قائمة شبه موحدة بالحلول لجميع الدول تتمثل في «إنشاء مخازن استراتيجية للوقود، للشراء في أثناء تراجع الأسعار، وسداد مديونيات قطاع الطاقة لتشجيع الاستثمارات، وزيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة المحلي، إلى جانب ترشيد الطاقة في جميع الأحوال وليس وقت الأزمات فقط، وأخيراً الربط الكهربائي مع الدول المجاورة».

 

حقائق

حزمة حلول

إنشاء مخازن استراتيجية للوقود

زيادة نسبة الطاقة المتجددة

الربط الكهربائي مع دول مجاورة

وإلى جانب هذه الحلول، التي اتفق معها مصطفى نصر من اليمن، فإنه أكد أن «أولى الخطوات تتمثل في إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة هيكلته، من خلال كفاءة الإدارة ووضع الاستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى التي تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة»، يليها «خفض الرسوم الجمركية على منتجات الطاقة المتجددة لتشجيع المستهلكين».

أحمد السيد قال إن انقطاع الكهرباء «يكشف بشكل كبير الحاجة المتزايدة إلى وجود خطط للتنبؤ المبكر بالأزمات، وهو أمر ليس صعباً خصوصاً في مجال المناخ، نظراً إلى وجود توقعات معدلات الحرارة مسبقاً، وهو ما يسهّل على متخذ القرار معرفة فترات الضغط المتزايد على الاستهلاك».

واقترح «وضع أكواد لمصنّعي الأجهزة الكهربائية حتى تساعد على تخفيض استهلاك الطاقة، وإلزام المصنّعين المحليين والمستوردين بالتزام تلك الأكواد».

ضرغام محمد علي، الخبير الاقتصادي العراقي، يرى أن الحل بالنسبة إلى بلاده، يتمثل في استثمار الغاز المصاحب للإنتاج النفطي، «ووصول نسب الحرق إلى النقطة صفر». أما بالنسبة إلى الحلول العامة، فركَّز على «الاتجاه نحو الطاقات المتجددة خصوصاً الطاقة الشمسية في بلداننا العربية».

وقسّم محمد يوسف، الخبير الاقتصادي، الحلول، حسب حالة الدولة، ففي حالة الاقتصاد اليمني، قال إنه «سيتعين أن يذهب جزء من الاستثمارات الموجَّهة إلى الكهرباء لمد الشبكات لتغطي جميع المناطق السكانية الحضرية والريفية». إلى جانب ذلك، يقترح أن يدخل اليمن في «اتفاقيات شراكة دولية لتوجيه المنح والهبات والمساعدات إلى قطاع الكهرباء، ويمكنه في ذلك الاستفادة من الدعم الفني والتمويلي لمجموعة البنك الدولي».

أما في حالة الاقتصادات العربية التي تعاني عجزاً طارئاً أو مزمناً في موازنة النقد الأجنبي (مثل مصر) فـ«هناك حلّان لا بديل عنهما، ويجب العمل عليهما بصورة متزامنة؛ أولهما توسيع برامج ترشيد وتسعير استخدامات الطاقة باستخدام التقنيات الحديثة، خصوصا الذكاء الاصطناعي وأنظمة تشغيل البيانات الضخمة وثانيهما توسيع قدرات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بعد توطين التقنيات الحديثة في دول لديها رأس مال بشري ضخم وقدرات بحث علمي يمكن الانطلاق منها لتطوير التقنيات الوطنية للخلايا الشمسية وتوربينات طواحين الهواء».