مصر: تراجع الإقبال على هدايا «رأس السنة» بسبب التضخم

بعد ارتفاع أسعارها 50 % مقارنة بالعام الماضي

هدايا الكريسماس ورأس السنة في سوق درب البرابرة بوسط القاهرة (الشرق الأوسط)
هدايا الكريسماس ورأس السنة في سوق درب البرابرة بوسط القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

مصر: تراجع الإقبال على هدايا «رأس السنة» بسبب التضخم

هدايا الكريسماس ورأس السنة في سوق درب البرابرة بوسط القاهرة (الشرق الأوسط)
هدايا الكريسماس ورأس السنة في سوق درب البرابرة بوسط القاهرة (الشرق الأوسط)

أصابت الحيرة الطالبة الجامعية إسراء عادل، وهي تقف أمام أحد باعة هدايا وزينة الكريسماس وأكسسوارات العام الجديد، في سوق درب البرابرة، الكائنة في منطقة العتبة بوسط القاهرة، حيث «صدمتها الأسعار»، وفق تعبيرها، بعد أن فوجئت بارتفاع أسعار جميع المنتجات بما يفوق الميزانية التي وضعتها لشراء بعض الزينات، لوضعها بمنزل أسرتها احتفالاً بالعام الجديد.

وبعد أن وجدت أن سعر عبوة تضم 6 من «كرات الكريسماس الملونة» هو 150 جنيهاً (الدولار يساوي 30.85 جنيه مصري)، تركت العبوة، وفضّلت الاكتفاء بشراء 3 مجسمات بلاستيكية لـ«بابا نويل» لا يزيد سعر الواحد على 15 جنيهاً، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «تتناسب هذه المجسمات مع مصروفي، كنت أرغب بمزيد من الأكسسوارات، لكن يبدو أن العام الجديد لا يريدنا الاحتفال به».

قليل من الزبائن في سوق درب البرابرة لشراء هدايا الكريسماس ورأس السنة (الشرق الأوسط)

الفتاة العشرينية، واحدة من الجمهور المحدود الذين قابلتهم «الشرق الأوسط» خلال جولتها بسوق درب البرابرة الشهيرة، التي تتخصص كل عام بعرض هدايا الكريسماس ورأس السنة، إذ حضرتْ إليها بتزكية من جيرانها لكونها الأرخص سعراً، إلا أنها وجدت أسعاراً مرتفعة، ولم تجد إلا قليلاً من الزبائن للشراء.

وخلافاً لما هو معتاد بالسوق المزدحمة دوماً، انصرف الزبائن من الأفراد والتجار وأصحاب المكتبات عن شراء الهدايا، التي تراصت على جانبي حارات السوق، ووقف الباعة وأصحاب المحال التجارية في انتظار تصريف بضاعتهم سواء بالبيع جُملة أو تجزئة، قبل أن ينتهي موسم البيع بحلول العام الجديد، موضحين أن سبب قلة البيع هذا العام يعود إلى حالة التضخم والغلاء، التي تشهدها البلاد منذ مطلع العام الحالي، التي انعكست آثارها في ارتفاعات ملحوظة على أسعار كثير من المنتجات والسلع.

التضخم تسبب في ضعف الإقبال على شراء هدايا عيد الميلاد (الشرق الأوسط)

وبينما انتهت إسراء من إعطاء 45 جنيهاً للبائع عمر البوب، قال بدوره: «المنتجات والهدايا ازدادت هذا العام مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة»، وأضاف وهو يشير إلى مجسم كبير الحجم لـ«بابا نويل»: «كنا نبيعه الموسم الماضي بسعر 2400 جنيه، ووصل سعره الموسم الحالي إلى 3200 جنيه»، معللاً ذلك «باستيراد هذه المنتجات من الخارج بالدولار الأميركي الذي تعاني مصر من شُح فيه راهناً».

ووفق بيانات حديثة للبنك المركزي المصري، فإن معدل التضخم الأساسي في البلاد تراجع إلى 35.9 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد تسجيله 38.1 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السوق؛ ترك التضخم آثاره السلبية على المكان، إذ نعكس ذلك في محاولة مرتاديها تقليل مشترياتهم من الهدايا والأكسسوارات أمام تكاليف المعيشة الباهظة.

يترجم البوب ذلك قائلاً: «الكرات الملونة وشرائط الزينة ودُمى بابا نويل صغيرة الحجم التي تتراوح بين 20 و70 جنيهاً، هي الأكثر طلباً من جانب الأفراد، لكون أسعارها مناسبة وفي متناولهم، أما التجار وأصحاب المكتبات الذين يشترون من السوق كميات كبيرة بسعر الجُملة فتراجعت قيمة مشترياتهم، فعلى سبيل المثال مَن كان يشتري بضائع بألف جنيه، اكتفى هذا العام بما قيمته 200 جنيه فقط».

أسواق بيع الهدايا تشهد ركوداً (الشرق الأوسط)

يتداخل في الحديث جاره أحمد الخواجة، صاحب أحد المحال بالسوق، قائلاً: «نعاني من حالة ركود كبيرة هذا العام، فالأسر انصرفت إلى الأولويات المعيشية وشراء السلع الأساسية بسبب الغلاء»، مضيفاً: «هناك أيضاً حالة من الحزن تسيطر على المصريين تعاطفاً مع ما يحدث في غزة، وبالتالي فضّلت الغالبية من الأقباط والمسلمين عدم الاحتفال هذا العام».

في مكان آخر بالسوق، جلس الشاب الثلاثيني خالد عصفورة، أمام متجره الذي يحمل اسمه، منتظراً قدوم الزبائن، لافتاً إلى أنه «منذ جائحة كورونا وهناك إحجام من جانب الجمهور على الهدايا والزينات، بلغت ذروة هذا الإحجام هذا العام، حيث نعاني من قلة الشراء، وتستقبل محال السوق نحو 10 في المائة فقط من حجم الجمهور المعتاد». ويوضح أن «جميع المنتجات والهدايا والأكسسوارات مستوردة من الخارج، وهو سبب زيادة أسعارها هذا العام مع ارتفاع سعر الدولار»، مشيراً إلى أن «بعض المحال اكتفت بما لديها من منتجات مُخزّنة منذ العام الماضي، والقيام بعرضها للبيع بالسعر القديم، حتى لا تخسر فيها مجدداً».

الكلمات نفسها ترددها، ابتسام منير، صاحبة أحد المحلات بالسوق، قائلة: «حركة البيع هذا العام لا تغطي التكلفة، ومع انتهاء الموسم الحالي، نحاول البيع بالخسارة حتى لا نضطر إلى تخزين المنتجات وهو ما يكلفنا مادياً». وبينما تراصت أمامها عشرات من أشجار الكريسماس مختلفة الأطوال؛ تبيّن أن زبائن هذا العام يقتصرون على بعض الفنادق والكافيتريات الكبيرة، التي تقوم بشراء مجسمات «بابا نويل» والأشجار، التي تستخدمها قطعاً جماهيرية للفت الأنظار إليها.

جانب من سوق درب البرابرة (الشرق الأوسط)

من جهة أخرى، تبيّن الموظفة الحكومية دعاء سعيد، أنها خلال السنوات الأربع الماضية تحاول أن تستبق ليلة «رأس السنة» بشراء بعض الأكسسوارات والزينة لإسعاد ابنتيها، كما تقوم بإعداد «تورتة» منزلية لهن، إلا أنها هذا العام لن تحافظ على هذه العادة، مع ما وجدته من ارتفاع مبالغ فيه بأسعار الزينة، مُبينة أنها لن تقوم أيضاً بإعداد التورتة السنوية؛ بسبب ارتفاع سعر السكر في الأسواق، مضيفة في سخرية: «ميزانية الزينة والسكر سأوجهها لشراء البصل، فهو الأهم حالياً»، في إشارة منها إلى تعدي سعر كيلوغرام البصل 35 جنيهاً.

كلمات دعاء تتوافق مع ما يؤكده بركات صفا، رئيس شعبة الهدايا وألعاب الأطفال باتحاد الغرف التجارية، في تصريحات صحافية، بأن فاتورة استيراد الألعاب والهدايا تراجعت بنسبة 80 في المائة مقارنة بالعام الماضي، لافتاً إلى أن «أسعار الهدايا ارتفعت مقارنة بالسنوات السابقة»، مُعللاً هذا الارتفاع «بانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي، بالإضافة إلى أن المستهلكين يرتبون أولوياتهم وفقاً لاحتياجاتهم الأساسية حالياً».


مقالات ذات صلة

اجتماع حاسم لـ«الفيدرالي» تظلله تعقيدات الاقتراب من الانتخابات الرئاسية

الاقتصاد مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)

اجتماع حاسم لـ«الفيدرالي» تظلله تعقيدات الاقتراب من الانتخابات الرئاسية

يتوقع على نطاق واسع أن يبقي المسؤولون في الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة الرئيسية ثابتة عندما يجتمعون يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا قوات الأمن تعتقل ناشطين من «حزب الجماعة الإسلامية» في أثناء احتجاجهم على التضخم بإسلام آباد في 26 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

أغلقت السلطات الباكستانية، الجمعة، الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد، ونشرت آلافاً من قوات الأمن لمنع الاحتجاجات ضد زيادة التضخم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الاقتصاد موظفو «أمازون» يحملون الطرود على عربات قبل وضعها في الشاحنات للتوزيع خلال الحدث السنوي للشركة (أ.ب)

الاقتصاد الأميركي يفوق المتوقع وينمو بـ2.8 % في الربع الثاني

نما الاقتصاد الأميركي بوتيرة أسرع من المتوقع في الربع الثاني، لكن التضخم تراجع، مما ترك توقعات خفض أسعار الفائدة في سبتمبر سليمة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار المصرف المركزي التركي في أنقرة (رويترز)

«المركزي» التركي يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الرابع

ثبّت مصرف تركيا المركزي سعر الفائدة على إعادة الشراء لمدة أسبوع (الريبو) المعتمد معياراً أساسياً لأسعار الفائدة عند 50 % دون تغيير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

محللون يتوقعون نمو الاقتصاد المصري 4 % في السنة المالية الجديدة

توقع اقتصاديون أن يكون نمو الاقتصاد المصري أبطأ قليلاً في السنة المالية الجديدة، عند 4 % عما كان متوقعاً في أبريل (نيسان) الماضي، عند 4.3 %.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
TT

مسرحية «جبل الأمل» تحية لأطفال جنوب لبنان

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)
«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

18 طفلاً من جنوب لبنان اختارتهم «سيناريو» للتعليم التشاركي والفني لتقديم مسرحية بعنوان «جبل الأمل». الهدف من هذه المبادرة هو دعم هؤلاء الأطفال وتزويدهم بفسحة أمل. فما يعانونه من الحرب الدائرة في بلداتهم وقراهم دفعهم إلى النزوح وترك بيوتهم.

تأتي هذه المسرحية من ضمن برنامج «شو بيلد» (إظهار البناء) الذي بدأته «سيناريو» في 22 يوليو (تموز) الجاري في بلدة الزرارية الجنوبية. فأقيمت التمارين للمسرحية التي ستعرض في 29 الجاري، وتستضيفها مؤسسة سعيد وسعدى فخري الاجتماعية في البلدة المذكورة.

«جبل الأمل» تحية لأطفال الجنوب (سيناريو)

غالبية الأطفال يقيمون في البلدة وبعضهم الآخر يأتيها من بلدتي أرزاي والخرايب على الشريط الحدودي. وتشير مخرجة المسرحية ومدرّبتهم زينة إبراهيم، إلى أن فكرة العمل وضعها الأطفال بأنفسهم. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زودناهم بكلمات محددة كي يستلهموا منها أفكارهم. وتتألف هذه الكلمات من حب وسفر وأمل ورحلة ومغامرة واكتشاف... وغيرها. وعلى أساسها كتبوا قصة المسرحية بعنوان (جبل الأمل). وكما تلاحظون ابتعدنا عن استخدام كلمة حرب ضمن المفردات التي عرضناها عليهم».

يتراوح أعمار الأولاد المشاركين ما بين 10 و17 عاماً. خضعوا في برنامج «شو بيلد» إلى 7 جلسات شائقة تركز على اللعب والتمثيل والأداء المسرحي. وتستغرق كل جلسة نحو ساعتين، وذلك على مدى أسبوعين. وتأتي هذه المسرحية لتختتم البرنامج الفني لـ«سيناريو». وتضيف إبراهيم: «هذا البرنامج يوفّر للأولاد متنفساً للتعبير والإبداع، لا سيما خلال هذه الأوقات الصعبة التي يعيشونها في منطقة الجنوب».

تصف زينة إبراهيم هذه التجربة باللبنانية بامتياز. فقد سبق أن قامت ببرامج تعليمية سابقة شملت أولاداً لبنانيين وغيرهم من فلسطينيين وسوريين. وتقول إننا نرى قلقاً كبيراً في عيون أطفال الجنوب. وتتابع: «أكثر ما يخافونه هو أصوات الانفجارات. فهي تشكّل مفتاح الرعب عندهم، ويحاولون قدر الإمكان تجاوزها بابتسامة. وبينهم من كان يطمئنني ويقول لي (لا تخافي إنه ببساطة خرق لجدار الصوت). لا أعرف ما إذا كان تجاوزهم لهذه الأصوات صار بمثابة عادة يألفونها. وقد يكون أسلوباً للهروب من واقع يعيشونه».

تتناول قصة المسرحية رحلة تخييم إلى جبل يصادف فيه الأولاد مجموعة مساجين. وعندما يهمّون بالتواصل معهم يكتشفون أنهم يتحدثون لغة لا يفهمونها. ولكنهم ينجحون في التعبير عن أفكارهم المشتركة. ويقررون أن يمكثوا على هذا الجبل حيث يشعرون بالأمان.

وتعلق المخرجة إبراهيم: «اسم المسرحية استوحيته من عبارة قالتها لي فتاة في العاشرة من عمرها. فبرأيها أن الأمل هو نتيجة الأمان. وأنها ستحارب للوصول إلى غايتها هذه. أما فكرة اللغة غير المفهومة فنشير فيها إلى ضرورة التواصل مع الآخر مهما اختلف عنا».

تروي إبراهيم عن تجربتها هذه أنها أسهمت في تقريب الأولاد بعضهم من بعض: «لقد بدوا في الجلسة الأولى من برنامج (شو بيلد) وكأنهم غرباء. حتى في الحلقات الدائرية التي كانوا يرسمونها بأجسادهم الصغيرة كانوا يحافظون على هذا البعد. أما اليوم فتحولوا إلى أصدقاء يتحدثون في مواضيع كثيرة. كما يتشاركون الاقتراحات حول أفكار جديدة للمسرحية».

أثناء التدريبات على مسرحية «جبل الأمل» (سيناريو)

إضافة إلى التمثيل ستتلون مشاهد المسرحية بلوحات راقصة وأخرى غنائية. وتوضح إبراهيم: «حتى الأغنية كتبوها بأنفسهم ورغبوا في أن يقدموا الدبكة اللبنانية كتحية للبنان».

إحدى الفتيات المشاركات في العمل، وتدعى غزل وعمرها 14 عاماً، تشير في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المسرحية تعني لها الكثير. وتتابع: «لقد نقلتني من مكان إلى آخر وزادتني فرحاً وسعادة. وكان حماسي كبيراً للمشاركة في هذه المسرحية التي نسينا معها أننا نعيش حالة حرب».

بدورها، تقول رهف ابنة الـ10 سنوات: «كل شيء جميل في هذا المكان، ويشعرني بالسعادة. أنا واحدة من أبطال المسرحية، وهي جميلة جداً وأدعوكم لمشاهدتها».