تعرضت القوى السياسية المحسوبة على التيار المدني في العراق إلى «خسارة قاسية» في الانتخابات المحلية الأخيرة، بينما تواصل الأحزاب التقليدية سيطرتها على غالبية المقاعد في مجالس المحافظات.
وحصلت الأحزاب التي تشكل معاً «الإطار التنسيقي» على 101 مقعد على الأقل من أصل 285 مقعداً؛ ما يمنحها الحصة الأكبر في مفاوضات تشكيل الحكومات المحلية.
ونافس أعضاء «الإطار»، الذي يشكّل بالفعل أكبر تكتل منفرد في البرلمان، ضمن 3 قوائم رئيسية، لكنهم قالوا إنهم سيحكمون معاً بعد الانتخابات. وكان مراقبون يأملون أن تحصد القوى المدنية، أو الأحزاب الناشئة، تصويتاً غير مسبوق من أولئك المحبَطين من النظام السياسي، أو الذين يخشون عودة «قوى سياسية متهمة بالفساد» إلى الحكومات المحلية، لكن النتائج المعلنة لم تعكس ذلك على الإطلاق.
ووفقاً للأرقام الأولية، فإن مقاطعة التيار الصدري، ونسبة المشاركة المتدنية، كانتا عاملين حاسمين في حصول القوى التقليدية على غالبية المقاعد.
وقبل الاقتراع، الذي أُجري الاثنين الماضي، كانت القوى المدينة تأمل أن تحصد أصوات العراقيين في محافظات شهدت احتجاجات عام 2019 ضد الأحزاب المتنفذة وأذرعها المسلحة، لا سيما في بغداد والناصرية والبصرة.
وتنقسم القوى المدنية التي شاركت في الانتخابات الأخيرة إلى 3 فئات أساسية، تمثل الأولى قوى مرتبطة بالحراك الاحتجاجي والتيارات الديمقراطية التقليدية، والثانية جماعات مرتبطة بقوى السلطة، لكنها تعتقد أن الوجه المدني أقرب إلى المزاج الشعبي، وثمة فئة ثالثة تمثلها اتجاهات عشائرية لا تؤمن أيضاً بجدوى الأحزاب الطائفية والدينية.
وبافتراض أن تحالف «قيم» يمثل الفئة الأولى من التيارات المدنية، فإنه لم يحصل إلا على 6 مقاعد في 15 محافظة، وهي نتيجة لا تسمح له بالتأثير في ميزان القوى داخل المحافظات، كما أنه لن يكون رقماً صعباً في المفاوضات على تشكيل الحكومات المحلية.
ويضم تحالف «قيم» أكثر من 10 أحزاب قديمة وناشئة، من بينها «الحزب الشيوعي العراقي»، و«التيار الاجتماعي الديمقراطي»، و«حزب البيت الوطني»، و«الحركة المدنية العراقية»، و«حركة نازل أخذ حقي»، إلى جانب النائب المستقل سجاد سالم.
وكانت غالبية هذه القوى على صلة وثيقة بالحراك الاحتجاجي الذي اندلع أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، وتمكن من إسقاط حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، وإلغاء مجالس المحافظات حينها.
وفضّل تحالف «الأساس» الذي يتزعمه نائب رئيس البرلمان محسن المندلاوي أن يختار لائتلافه طابعاً مدنياً، مع أنه شديد الصلة بقوى وفصائل «الإطار التنسيقي»، ورغم أنه ضخ حملة دعائية كبيرة، فإنه لم يحصل سوى على مقعدين في بغداد، ومثلهما في البصرة، بحسب نتائج 94 في المائة من صناديق الاقتراع.
وتعرَّض تحالف «القوى المدنية» الذي يقوده الزعيم القبلي فواز الجربا إلى خسارة كبيرة، إذا لم تظهر كثيراً أسماء مرشحيه في قوائم الفائزين الذين أعلنت عنهم مفوضية الانتخابات، الثلاثاء الماضي.
أدركنا مبكراً أن الناخبين العراقيين يميلون بالفعل إلى رجال الدين عندما يختارون ممثليهم في الحكومات المحلية
مرشح عن تحالف «قيم»
لماذا خسر المدنيون؟
لا يتفق مرشحون عن قوى مدنية على رأي واحد لتفسير «الإخفاق»؛ إذ يتهم عدد منهم قوى السلطة بـ«تزوير النتائج»، وهو ادعاء يصعب التحقق منه غالباً، لكن آخرين يقولون إن الناخبين يريدون بالفعل «اتباع رجال الدين حين يدلون بأصواتهم».
ويقول المرشح عن تحالف «قيم»، جعفر العريان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «التوقعات كانت تشير إلى أن الأحزاب المدنية ستجني ثمار المقكة الشعبية على أحزاب السلطة»، لكن «يبدو أن مزاج الناس يميل إلى رجال الدين».
والعريان الذي نافس مرشحين من «الإطار التنسيقي» في محافظة ميسان (جنوب) «لا ينكر تأثير شبكات المصالح المرتبطة بالسلطة، ولا الأموال الطائلة التي أنفقتها تلك الأحزاب على حملاتها الانتخابية، لكن الأمر يتجاوز ذلك، ويتعلق بميول الناخبين إلى أحزاب السلطة».
ويتفق رعد الغزي، وهو مرشح عن التحالف نفسه، مع تأثير الأموال الطائلة التي صرفتها تلك القوى لكسب الناخبين، لكنه تحدث مع «الشرق الأوسط» عن وسائل ضغط غير قانونية على الناخبين تضمنت «إرغام الناخبين على التصويت لمرشحين دون غيرهم».
لكن هذا المرشح الذي لم يحصل على أصوات كافية للفوز بمقعد في مجلس المحافظة يقول إن «ما حصلت عليه القوى المدينة لا يمثل خسارة كبيرة، لأنها لا تزال في بداية طريق طويلة لاستقطاب الجمهور وتشجيع الغالبية الصامتة على المشاركة في الانتخابات».