وعلى جانب من المقعد، يسند الطفل الفلسطيني ظهره الذي أصابته وأنحاء متفرقة من جسده الشظايا وحروق القصف الإسرائيلي على مربع سكني بمخيم جباليا في شمال القطاع.
ورصد تقرير لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، الإمكانات الضعيفة في مستشفيات شمال غزة التي حالت دون تقديم العلاج المناسب للصغير ما اضطر الأطباء إلى بتر الساق اليسرى من تحت الركبة في البداية.
وبعد إجلاء مؤيد من المستشفى مع غيره من المرضى والجرحى إلى مستشفيات الجنوب تم بتر جزء آخر من الساق بعد تدهور وضعه الصحي.
بالكاد يستطيع تحريك جسده النحيل من قلة الطعام، ويتألم من الجروح والحروق التي يأمل أن يضع حدا لها بعد سفره للعلاج خارج غزة. فهو يستعد بعد عبور معبر رفح للسفر إلى تركيا للعلاج أسوة بغيره ممن تم تحويلهم للعلاج في مستشفيات بمصر والإمارات وتركيا وقطر وغيرها.
وبكلمات مبعثرة، يتحدث مؤيد عن شعوره الدائم بالألم والأمل في إمكانية استعادة ولو جانب من حياته بعد تلقيه العلاج في الخارج بعدما لم تُفلح كل المحاولات التي بذلتها الأطقم الطبية بالقطاع في علاجه، بل وأدت إلى تدهور صحته وبتر جزء كبير من ساقه اليسرى.
يقصّ الطفل كيف كان يخشى فقد ساقه الأخرى إذا لم يسافر للعلاج، لكن الأمل عاد إليه بعد ما استبد به من يأس؛ فالحد الأدنى من مقومات نجاح العمليات الجراحية بات منعدما، كما أخبره الأطباء.
الموت البطيء
لم يفقد مؤيد ساقا وحسب، بل وفقد والديه وأشقاءه وعماته وغيرهم من أقاربه وعائلاتهم نتيجة القصف الإسرائيلي، ولم يتبق له سوى شقيقه محمود الذي ما زال في حالة صدمة من القصف الذي باغتهم في الرابعة فجرا، ولم يتمكن من مرافقة شقيقه الذي يرافقه خاله أيمن عزيز (50 عاما).
يوضح الخال أن شقيق مؤيد الوحيد المتبقي لا يتمالك أعصابه وفقد توازنه النفسي، فتطوع هو لمرافقته ابن أخته في رحلة العلاج التي باتت الأمل الوحيد له ولغيره في الشفاء بعد تعثر كل جهود العلاج بمستشفيات قطاع غزة.
ويقول: «من يرشَّح من الجرحى للعلاج بالخارج كمن تعود إليه الحياة بعد الموت، لأن الانتظار الطويل في غزة يعني الموت البطيء الحتمي، سواء بقي الشخص على قيد الحياة يرافقه الألم أو فارق الدنيا».
ودعا عزيز إلى عدم قصر العلاج على الجانب العضوي فقط ومدّه ليشمل العامل النفسي للجرحى والمرضى الذين يعيشون أوضاعا حياتية قاسية تستدعي الدعم النفسي.
على مقربة داخل سيارة الإسعاف، يجلس الطفل مالك وائل الغلبان (8 أعوام) وشقيقته ماسة (11 عاما) اللذان أصيبا خلال قصف استهدف مركز إيواء بشرق خان يونس كانت أسرتهما قد نزحت إليه. أصيب الاثنان بجروح خطيرة وكسور متعددة؛ وعلى دراجة نارية تم نقلهما لمستشفى ناصر بغرب المدنية.
تروي والدتهما أم أنس كيف بذلت جهودا مضنية مع الأطباء لعلاج مالك وماسة، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل ولم يعد أمامها سوى التعلق بأمل إرسالهما للعلاج بالخارج.
بارقة الأمل
شاهدت أم أنس طفليها وأطفالا كثيرين غارقين في دمائهم بعد القصف الإسرائيلي؛ وبصعوبة بالغة نجحت في استدعاء والد الطفلين لينقلهما إلى المستشفى بعد تعثر جهود التواصل مع سيارات الإسعاف.
وبات السفر هو بارقة الأمل الوحيدة لوضع نهاية لآلام الطفلين. وتؤكد الأم أنها لم تيأس لحظة، وظلت تسعى للضغط على اللجان المختصة لإضافة طفليها ضمن كشوف العلاج بالخارج، إلى أن نجحت. وها هي الآن ترافقهما في رحلة العلاج خارج القطاع.
وتدعو أم أنس إلى فتح المجال بصورة أكبر لنقل الجرحى والمرضى ضمن قوافل طبية مستمرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الحياة لكثير ممن يعانون إصابات خطيرة وأمراضا مستعصية، خاصة أن وجود هذه الأعداد الضخمة من المصابين والمرضى في مستشفيات القطاع يعني الحكم عليهم بالموت بشكل مباشر.
ويقول الدكتور ناهض أبو طعيمة، مدير مستشفى الجراحة بمجمع ناصر الطبي في خان يونس، إنه رغم وجود آلاف المرضى والجرحى ممن يحتاجون تدخلا علاجيا عاجلا خارج غزة، لا تزال الأعداد التي تغادر عبر معبر رفح محدودة للغاية قياسا إلى الواقع الطبي المنهار بالقطاع والحاجة الماسة لذلك.
ويبين أن عدد الذين غادروا قطاع غزة للعلاج خارجها بلغ 803، بينهم 413 من جرحى الحرب، وذلك منذ بداية السماح بمغادرة الجرحى ومرافقيهم عبر معبر رفح.
ويلفت الدكتور أبو طعيمة إلى أن هذا العدد يقتصر على الموجودين في جنوب القطاع أو من تم نقلهم في وقت سابق إلى الجنوب، إذ لم يُسمح مؤخرا بنقل أي حالات جديدة من غزة والشمال إلى الجنوب لتضمينها ضمن كشوفات المحوَّلين للعلاج بالخارج.
ودعا الطبيب إلى زيادة نطاق عمليات نقل الجرحى، خاصة أن القطاع الصحي في غزة منهار ولا يمتلك القدرات الكافية للتعامل مع عشرات الآلاف من الإصابات التي تصل المستشفيات مع استمرار القصف الإسرائيلي.
وهو يصف الآلية المتبعة حاليا لمغادرة الجرحى بأنها «بطيئة» لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات.