إسرائيل وغزة... ومنطق المنطقة العازلة

دبابة ميركافا إسرائيلية قرب الحاجز الفاصل بين جنوب إسرائيل وقطاع غزة... حركة «حماس» اخترقت السياج خلال عملية «طوفان الأقصى» (رويترز)
دبابة ميركافا إسرائيلية قرب الحاجز الفاصل بين جنوب إسرائيل وقطاع غزة... حركة «حماس» اخترقت السياج خلال عملية «طوفان الأقصى» (رويترز)
TT

إسرائيل وغزة... ومنطق المنطقة العازلة

دبابة ميركافا إسرائيلية قرب الحاجز الفاصل بين جنوب إسرائيل وقطاع غزة... حركة «حماس» اخترقت السياج خلال عملية «طوفان الأقصى» (رويترز)
دبابة ميركافا إسرائيلية قرب الحاجز الفاصل بين جنوب إسرائيل وقطاع غزة... حركة «حماس» اخترقت السياج خلال عملية «طوفان الأقصى» (رويترز)

الإنسان بطبيعته مخلوق متلازم مع الأرض (Territorial)، فمن التراب وإلى التراب يعود، وهو المخلوق من التراب أصلاً. لكلّ فرد من البشر مناطق جغرافيّة خاصة به. هناك المنطقة الحميمة وهي الأقرب إلى الفرد (45 سنتيمتراً). وهناك المنطقة الشخصية حوله تقدّر بطول ذراعه أو أكثر (1.2 متر). كما هناك المنطقة الاجتماعيّة حيث يتفاعل مع الآخرين (3 - 4 أمتار). وأخيراً وليس آخراً، هناك المنطقة العامة (Public)، أي ما فوق 4 أمتار.

في الثورة الزراعيّة، أي منذ أكثر من 15 ألف سنة، كانت الأرض موضوع الصراع بين الشعوب، فمن يملكها يملك القوّة والثروة، فكانت حروب الاجتياح والاحتلال، حتى وصلنا إلى الاستعمار مع الثورة الصناعيّة. في عصر اليوم، حتى ومع الثورة التكنولوجيّة، لا تزال حروب البرّ والاجتياح تُخاض، من أوكرانيا وحتى قطاع غزّة.

إذاً، تدخل الأرض في الحسابات الاستراتيجيّة والأمنيّة بشكل أساسيّ. فالعمق الجغرافيّ، بطريقة ما، يُفسّر على أنه حيويّ لأمن الفرد كما لأمن الدول. فالمسافة - المساحة قد تترجم إلى وقت - زمن، الأمر الذي يؤمّن الإنذار المبكر لخطر مُحدق. فكّلما كان الخطر بعيداً جغرافياً توافر الوقت للتحضير لدرئه.

فلسطينيون يبتعدون عن كيبوتس «كفار عزة» بالقرب من السياج مع قطاع غزة عقب هجوم 7 أكتوبر (أ.ب)

العازل الجغرافيّ

قد يكون العازل الجغرافي مُصطنعاً، أو بالأحرى مُتفقاً عليه مسبقاً بين بعض الدول. وهو قد يكون الحلّ البديل للصدام العسكريّ، هذا إذا تقاطعت مصالح هذه الدول. ففي اللعبة الكبرى (Great Game) بين روسيا وبريطانيا في آسيا الوسطى. تأسست ما يُسمّى اليوم بأفغانستان، وذلك بعد رسم اللورد الإنجليزي مورتيمور دوراند، خطّاً بطول 2670 كيلومتراً لم يُحدّد فيه الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان. وعليه يمكن القول إن أفغانستان لعبت في ذلك الوقت دور الدولة العازلة.

تعاني إسرائيل من عقدة الجغرافيا. فهي لا تتمتّع بالعمق الجغرافيّ، إن كان في طول البلاد وعرضها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يتجاوز عرض دولة إسرائيل في أضيق منطقة لها الـ15 كيلومتراً، وذلك بين الحدود مع الضفّة الغربيّة والبحر. وبكلام أمنيّ بحت، هذه المسافة تعني أن صاروخ كاتيوشا واحداً قادر على تعطيل الحياة في تل أبيب.

قليل من التاريخ

لا توقّع إسرائيل أيّة معاهدة مع أية دولة، خاصة الدول المجاورة، إذا لم يكن ضمن هذه المعاهدة بند، أو ملحق يتعلّق بالتدابير الأمنيّة التي تراها إسرائيل مناسبة لها. فعلى سبيل المثال، تضمّنت معاهدة كامب ديفيد مُلحقاً خاصاً بالوضع الأمنيّ لصحراء سيناء والملاصقة لدولة إسرائيل. في هذا الملحق، قُسمت سيناء إلى أربع مناطق (A - B - C - D)، على أن تبدأ المنطقة A من حدود مصر مع سيناء، لتنتهي بالمنطقة D، أي حدود إسرائيل مع الصحراء. وفي كلّ منطقة من هذه المناطق، تمّ الاتفاق على نوع الأسلحة والوجود العسكري المصري المقبول به من قبل إسرائيل؛ إذ كلّما اقتربنا من الحدود مع إسرائيل أيّ الـD، كان الوجود العسكريّ المصري أقلّ، وكانت نوعيّة الأسلحة خفيفة.

في عام 1978، دخلت إسرائيل إلى لبنان عسكرياً (عملية الليطاني)، وذلك بهدف دفع مقاتلي «منظّمة التحرير» عن حدودها وحتى مجرى الليطاني؛ أي بعمق استراتيجيّ 40 كيلومتراً. نتج عن هذا الاجتياح قرار مجلس الأمن 425.

عدّت إسرائيل نشرَ قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان إنشاء لمنطقة عازلة محميّة من القانون الدوليّ. سقط القرار 425 مع حرب يوليو (تموز) 2006. أنتجت حرب تمّوز القرار 1701. عزّز القرار 1701 قوات «اليونيفيل» وأعاد الدولة، ولو ظاهريّا،ً إلى الحدود مع إسرائيل. هدّد مؤخّراً وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي بدفع قوات «حزب الله» إلى حدود نهر الليطاني.

بعد الاجتياح الإسرائيليّ للبنان في عام 1982، انسحبت إسرائيل من كلّ لبنان، باستثناء منطقة أمنيّة على الحدود المشتركة تبلغ مساحتها ما يُقارب 1100 كلم2. انسحبت إسرائيل من هذه المنطقة في عام 2000..

منطقة عازلة داخل غزة

قوات إسرائيلية عند السياج الحدودي قبل دخولها قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتخوض إسرائيل حالياً حرب إبادة في قطاع غزّة، وتُلمّح من وقت إلى آخر إلى إنشاء مناطق عازلة داخل القطاع. فما هي العقبات أمام تنفيذ هذا القرار؟

* جرّبت إسرائيل المناطق العازلة، خاصة عبر السياج الذكيّ وفشلت.

* لا تسمح مساحة القطاع (365 كلم2) بإنشاء مناطق عازلة في داخله، خاصة مع الكثافة السكانيّة الكبيرة فيه.

* لا يمكن لإسرائيل البقاء في المناطق العازلة مع وجود مقاتلي «حماس» وغيرها من التنظيمات. لذلك يفرض هذا الوضع القضاء التام على كلّ التنظيمات في القطاع. وحتى الآن، يلعب عامل الوقت ضد القوات الإسرائيليّة.

وإذا تمّ القضاء على كلّ التنظيمات، فمن سيحكم القطاع؟ ومن سيتطوّع لذلك؟ وهل يمكن لمجلس الأمن استصدار قرار لإدارة القطاع، في ظلّ احتمال الفيتو الصيني أو الروسيّ؟

* وأخيراً وليس آخراً، وحسب ما قال الكاتب ستيفن كوك في مقال له في مجلّة «فورين بوليسي»: «قد تجد إسرائيل نفسها مُضّطرّة لإعادة احتلال كلّ القطاع بسبب عدم التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب». فهل القطاع مهمّ لإسرائيل كما أهميّة الضفة الغربيّة؟ بالطبع كلا. وإلا فما معنى قول رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحق رابين: « غزّة كابوس بالنسبة لي، أتمنّى وأحلم أن يبتلعها البحر»؟


مقالات ذات صلة

هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

تحليل إخباري المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)

هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

قبل أيام زار هوكستين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة.

مالك القعقور (لندن)
شؤون إقليمية حقل الغاز الطبيعي البحري الإسرائيلي «تمار» في الصورة أمام عسقلان قرب ساحل غزة (رويترز)

اتحاد المصنّعين الإسرائيليين: سنُغلق منصّات الغاز إذا نشبت حرب مع «حزب الله»

قال رون تومر، رئيس اتحاد المصنّعين في إسرائيل، إنه سيتم وقف تشغيل كل منصّات استخراج الغاز الطبيعي في المياه الإسرائيلية؛ لحمايتها في حال نشوب حرب مع «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري تؤكد إيران أنها ستتدخل مباشرة في القتال حال قيام إسرائيل بتوسعة الحرب ضد «حزب الله» (أرشيف «الشرق الأوسط»)

تحليل إخباري واشنطن توكل لباريس التواصل مع طهران لمنع التصعيد في جنوب لبنان

أكد مصدر دبلوماسي غربي أن واشنطن أوكلت إلى باريس مهمة التواصل مع إيران وحليفها «حزب الله» لإعادة الهدوء إلى جبهة جنوب لبنان ومنع توسعة الحرب بين الحزب وإسرائيل.

محمد شقير (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يتحدث في مؤتمر صحافي بمقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) ببروكسل 14 يونيو 2024 (أ.ب)

وزير الدفاع الأميركي: نسعى لاتفاق دبلوماسي يمنع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة تسعى بشكل عاجل للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة لمنازلهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية تظهر هذه الصورة الملتقطة من الحدود الجنوبية لإسرائيل مع قطاع غزة جنوداً إسرائيليين يصلحون جنزير دبابة في 18 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

موجة رفض داخل الجيش الإسرائيلي للخدمة العسكرية في غزة

كشف النقاب عن موجة رفض للخدمة العسكرية في غزة بدأت تنتشر في الجيش الإسرائيلي، وتشمل مئات الجنود والضباط في الاحتياط.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

أميركا وإسرائيل تبحثان «ترتيبات مع حزب الله»


الدخان يتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان أمس وسط تصاعد القتال بين «حزب الله» وإسرائيل (رويترز)
الدخان يتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان أمس وسط تصاعد القتال بين «حزب الله» وإسرائيل (رويترز)
TT

أميركا وإسرائيل تبحثان «ترتيبات مع حزب الله»


الدخان يتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان أمس وسط تصاعد القتال بين «حزب الله» وإسرائيل (رويترز)
الدخان يتصاعد من بلدة الخيام في جنوب لبنان أمس وسط تصاعد القتال بين «حزب الله» وإسرائيل (رويترز)

تسعى المحادثات الدبلوماسية لمنع تمدد الصراع بالتزامن مع تصاعد وتيرة التهديدات بين إسرائيل و«حزب الله». ويأتي هذا في حين تناقش إسرائيل مع مسؤولين أميركيين احتمال التوصل إلى «ترتيبات» مع «حزب الله»، لم تستبعد فيه الحل الدبلوماسي، بموازاة استعدادات عسكرية تشمل سلاح الجو «لأي هجوم على لبنان».

وحذّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس (الثلاثاء)، خلال لقاء مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت من أن نزاعاً جديداً بين إسرائيل و«حزب الله» من شأنه أن يُشعل حرباً إقليمية، داعياً إلى حلّ دبلوماسي. وقال أوستن: «يمكن بسهولة أن تتحول حرب جديدة بين إسرائيل و(حزب الله) إلى حرب إقليمية مع عواقب وخيمة على الشرق الأوسط»، مضيفاً أن «الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لمنع مزيد من التصعيد».

وفي مستهلّ الاجتماع، قال غالانت: «نعمل معاً بشكل وثيق للتوصل إلى اتفاق، لكن علينا أيضاً مناقشة الاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة».

وفي بيروت، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن «الوضع على الخط الأزرق دقيق والمخاطر قائمة، من هنا ينبغي التعاون بين كل الأطراف لخفض التصعيد والتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة بما ينعكس حكماً وقفاً لإطلاق النار في الجنوب اللبناني».