القوى الشيعية العراقية تتبادل الأدوار في علاقاتها مع أميركا

تراوح بين المسار السياسي والحرب المعلنة ضد قواتها

مقاتلو الفصائل العراقية في جنازة جرت في بغداد لرفاق لهم قتلوا في ضربة أميركية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
مقاتلو الفصائل العراقية في جنازة جرت في بغداد لرفاق لهم قتلوا في ضربة أميركية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

القوى الشيعية العراقية تتبادل الأدوار في علاقاتها مع أميركا

مقاتلو الفصائل العراقية في جنازة جرت في بغداد لرفاق لهم قتلوا في ضربة أميركية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
مقاتلو الفصائل العراقية في جنازة جرت في بغداد لرفاق لهم قتلوا في ضربة أميركية الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

في أحدث المواقف المعلنة ضد الوجود الأميركي في العراق، تحدث رئيس منظمة «بدر» عن أن البلاد ليست بحاجة إلى وجود القوات الأجنبية، وقال خلال مهرجان انتخابي، اليوم: «لا نحتاج لقوات التحالف الدولي في العراق، ويجب أن يخرجوا فوراً»، وطالب الحكومة العراقية بـ«إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق، وتحقيق السيادة الوطنية الكاملة للبلاد».

وبات من المعروف في الأدبيات السياسية التي يمارسها قادة الإطار التنسيقي، أن الكلام من هذا النوع الذي يطلقونه في مناسبات عديدة يقصدون به القوات الأميركية في العراق بشكل محدد، بالنظر لأنها تسيطر وتهيمن على قوات «التحالف الدولي»، ولأنها أيضاً القوات الوحيدة التي تقوم بتوجيه الضربات العسكرية ضد الفصائل المسلحة الحليفة لإيران والمنضوية تحت مظلة قوى «الإطار التنسيقي».

الدور السياسي مقابل العسكري

الدعوة لإنهاء وجود قوات التحالف الدولي تمثل الجانب السياسي في إطار عملية تبادل الأدوار التي تمارسها قوى الإطار، في مقابل الدور العسكري والحرب المعلنة التي تمارسها الفصائل المسلحة الإطارية ضد القوات الأميركية، وقد قامت، ليلة أمس، بقصف قاعدة «عين الأسد» العسكرية، في أحدث هجوم تشنه هذه الفصائل بعد أكثر من 90 هجوماً سابقاً شنته على أماكن وقواعد الجيش الأميركي في العراق وسوريا منذ اندلاع حرب أكتوبر (تشرين الأول) في غزة.

تبادل الأدوار بين القوى الإطارية بالنسبة للعلاقة مع واشنطن، يمتد ليشمل معظم القوى الإطارية، فائتلاف «دولة القانون» الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهو اللاعب الأكثر نفوذاً وثقلاً سياسياً (له نحو 40 نائباً) داخل الإطار، ومع إدانته السابقة للقصف الجوي الذي نفذته القوات الأميركية ضد قواعد «كتائب حزب الله» في منطقة جرف الصخر، الشهر الماضي، يمتنع غالباً عن الدعوة إلى جلاء قوات التحالف الدولي، ومن ورائه القوات الأميركية من العراق، فالمالكي هو المهندس والموقع لاتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن عام 2008، أيام كان يشغل منصب رئيس الوزراء.

فصائل مرتبطة بالمحور الإيراني

وتُبدي حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الخارجة من رحم قوى الإطار التنسيقي، وعلى رغم الهجمات شبه اليومية التي تنفذها الفصائل الإطارية، مقداراً كبيراً من الرفض لتلك العمليات، وتشدد غالباً على مسؤوليتها عن حماية القواعد والأماكن الدبلوماسية الغربية في العراق، من دون أن تنجح فعلياً في إيقافها أو أن تكشف بـ«أضعف الإيمان» عن الجهات المتورطة فيها.

صور لقتلى من حركة «النجباء» قضوا في ضربة أميركية شمال العراق الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

ويعتقد كثير من المراقبين بعدم قدرة السوداني على ردع تلك الفصائل المنفلتة، لارتباطها بالمحور الإيراني صاحب النفوذ في العراق. وفي هذا الاتجاه، وجه الكاتب ورئيس تحرير صحيفة «الصباح» الرسمية السابق فلاح المشعل، أول من أمس، نداءً إلى رئيس الوزراء السوداني غداة إيعاز الأخير بمحاسبة الضباط المسؤولين عن حماية المناطق التي انطلقت منها الهجمات الصاروخية على المنطقة الخضراء قبل يومين، بالقول: «الحقيقة التي يعرفها الجميع، أن الضباط والمنتسبين لا يستطيعون تطبيق القانون على الفصائل المسلحة والميليشيات والسلاح المنفلت بيد عصابات المال وبعض الشخصيات النافذة في الدولة والحكومة؛ لأن سلطاتها ونفوذها وتهديداتها أقوى من سلطة القانون الذي تصدع وتراجع بوجود الفصائل المسلحة». وأضاف: «ينبغي السيطرة على السلاح المنفلت، وضبط حركة هذه الفصائل، والحد من أنشطتها لكي تقوى سلطات الدولة الأمنية وتستعيد هيبتها».

صراع أجنحة

تبادل الأدوار داخل قوى الإطار الشيعي بالنسبة للعلاقة مع واشنطن لم تمر غالباً من دون أثمان وخصومات داخل هذه القوى، ففي التحليل الأخير ورغم ما تبدو عليه هذه القوى من تماسك في العلن، تتحدث معظم الأوساط السياسية عن صراع شديد بين تلك الأجنحة، لجهة القرب أو البعد من المحورين الأميركي والإيراني. فحركة «عصائب أهل الحق» التي يتحدث كثيرون عن علاقتها الوطيدة ونفوذها الشديد داخل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وكما يلاحظ معظم المراقبين، تظهر «تبرمها الشديد» بالهجمات ضد المصالح الأميركية، لكنها في الوقت ذاته لا تقبل بأن ينسب «فخر المقاومة» والهجمات ضد الأميركان إلى فصائل منافسة أخرى.

ففي نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعرب المتحدث العسكري لحركة «العصائب»، جواد الطليباوي عن أسفه لاستبعاد متحدث باسم «كتائب حزب الله» «العصائبَ» من لائحة الفصائل «المقاومة». وقال الطليباوي في تغريدة عبر منصة «إكس»: «المؤسف حقاً ما تم نشره في وسائل الإعلام، من بيان صادر باسم إخوة الجهاد في كتائب (حزب الله)، لما فيه من تجاوز على ركيزة مهمة في عمل المقاومة، والتي تكفل سرية العمل ومراعاة الظروف الأمنية». وأضاف: «ندرك تماماً ضرورة عدم الكشف عن الحركات والفصائل التي تنفذ عملياتها الجهادية البطولية ضد قواعد الاحتلال الأميركي في العراق، لإجباره على الخروج والانسحاب من بلدنا».

ويرى مصدر مقرب من قوى الإطار أن «عملية تبادل الأدوار التي تقوم بها قوى الإطار لا مناص منها؛ لأنها تسعى لقبول دولي وأميركي على وجه التحديد، في مقابل حرصها على رضا الدولة الأكثر نفوذاً داخل أوساطها وهي إيران».


مقالات ذات صلة

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

المشرق العربي الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

قال مسؤول دفاعي أميركي إن قائداً كبيراً بـ«حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية خلال حرب العراق، قُتل بسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (الخارجية العراقية)

بغداد: المنطقة تحت النار وهناك تهديدات واضحة من إسرائيل لنا

قال وزير خارجية العراق فؤاد حسين، الجمعة، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه القوات المسلحة باتخاذ إجراءات بحق كل من يشن هجمات باستخدام الأراضي العراقية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد متحدثاً أمام «منتدى السلام» في دهوك (شبكة روداو)

وزير الخارجية العراقي: تلقينا تهديدات إسرائيلية «واضحة»

قدّم مسؤولون عراقيون تصورات متشائمة عن مصير الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم أكدوا أن الحكومة في بغداد لا تزال تشدّد على دعمها لإحلال الأمن والسلم.

«الشرق الأوسط» (أربيل)
المشرق العربي «تشاتام هاوس» البريطاني نظّم جلسات حول مصير العراق في ظل الحرب (الشرق الأوسط)

العراق بين حافتَي ترمب «المنتصر» و«إطار قوي»

في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، طُرحت أسئلة عن مصير العراق بعد العودة الدرامية لدونالد ترمب، في لحظة حرب متعددة الجبهات في الشرق الأوسط.

علي السراي (لندن)
المشرق العربي السوداني خلال اجتماع مجلس الأمن الوطني الطارئ (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق: 12 خطوة لمواجهة التهديدات والشكوى الإسرائيلية لمجلس الأمن

أثارت الشكوى الإسرائيلية الموجهة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الهجمات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية عليها غضب حكومة محمد شياع السوداني.

فاضل النشمي (بغداد)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».