«الخيميائي»... معرض للتشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي في مراكش

عانى من المرض والفقر... قبل أن تباع لوحاته بمبالغ ضخمة بعد وفاته

أعمال تعكس تفرد تجربة عباس صلادي (الشرق الأوسط)
أعمال تعكس تفرد تجربة عباس صلادي (الشرق الأوسط)
TT

«الخيميائي»... معرض للتشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي في مراكش

أعمال تعكس تفرد تجربة عباس صلادي (الشرق الأوسط)
أعمال تعكس تفرد تجربة عباس صلادي (الشرق الأوسط)

يحتضن «متحف التراث اللامادي» بساحة جامع الفنا في مراكش معرضاً استعادياً للفنان التشكيلي المغربي الراحل عباس صلادي (1950- 1992)، تحت عنوان «صلادي... الخيميائي».

ويقترح المعرض عشرات الأعمال لواحد من أبرز الفنانين التشكيليين المغاربة، الذي ترك منجزاً فنياً فريداً من ناحية المضمون والشخصية وطريقة الرسم؛ فنان عاش الفقر والحاجة وعانى من المرض، قبل أن تحقق أعماله، بعد وفاته، أرقاماً قياسية وغير مسبوقة في «سوق الفن» بالمغرب، ومن ذلك أن لوحته «الهدية» بيعت في مزاد علني قبل 8 سنوات بنصف مليون دولار.

وتكاد تجربة صلادي، في الحياة والفن، تشبه تجارب عدد من الفنانين التشكيليين المشهورين، عبر العالم، والذين عانوا، بدورهم، من المرض والإهمال وعدم التقدير والاعتراف، قيد حياتهم، قبل أن ينالوا التقدير والشهرة بعد رحيلهم.

ومن خلال هذا المعرض الذي يحيل عنوانه على عوالم صلادي الفنية، يلبس هذا الفنان جُبة الحكواتي الذي يروي من خلال اللون والرسم، حكايات عن عوالم عجائبية مليئة بالغرابة والرموز والأشكال المدهشة، تمتزج فيها الأجساد البشرية بالنباتات وكائنات أخرى من وحي خيال فنان، استمد الفنان الراحل إلهامه من عوالم ساحة جامع الفنا ذائعة الصيت.

وتتوزع بمسار المعرض ثلاثة أقسام، تعكس المراحل الثلاث التي ميزت حياة الفنان؛ إذ يجسد القسم الأول الواقع اليومي لمحيط الفنان، والذي تكشف موضوعاته المطروحة عن سجل يمكن وصفه بأنه أسلوب ساذج، في حين يتناول القسم الثاني انشغال صلادي بالتركيب الذي أصبح أساسياً في منهجه وسمة أساسية في عمله الفني؛ إذ اتضحت توجهاته وارتقت بشكل كبير معالمه، فضلاً عن التأثير الشرقي.

أما القسم الثالث، فيعبر عن النضج الفني، الذي أصبح يسم أعمال صلادي، عاكساً ما يخالجه من أحاسيس مضطربة وتطلعات يبقى فيها الجسد العاري مصدر اهتمام وإلهام للفنان، مع كل ما يطرح هذا الموضوع من أسئلة سوسيو ثقافية داخل مجتمع محافظ. وفضلاً عن أعمال الفنان، يكون الزائر مع كتابات على لسان الفنان أو تتناول حياته وتجربته الفنية، ومن ذلك قوله: «عملي ذو بعد جمالي، أنا أرسم حباً في الجمال»، أو قوله: «أنا، بما أنني أعاني من الهلوسة، سمعت صوتاً، صوتاً يهمس في أذني: (أنت ستقوم بمعرض في جامع الفنا وسيشهرك أحد مفوضي الشرطة)... لم تكن لديّ الشجاعة للجري في الساحة حاملاً أعمالي، فأرسلت والدتي وأختي اللتين باعتا اللوحات الأولى».

وفضلاً عن هذه الكتابات التي تتناول فن وحياة صلادي، يتخلل اللوحات المعروضة نصان: «صلادي وساحة جامع الفنا» و«المجد بعد الوفاة لفن وُلد من الحلم».

نقرأ في الأول عن علاقة هذا الفنان بمراكش، وجامع الفنا بشكل خاص: «وفاء للمدينة الحمراء ونظراً لتعلقه الشديد بمعالمها، كان عباس صلادي يذهب في كثير من الأحيان إلى ساحة جامع الفنا الأسطورية، ليستمتع بأجوائها التي لطالما أسرته بألوانها وألهمته بقصص وروايات روادها. اللوحات المصغرة، التي يستخدمها بعض الحكواتيين في رواياتهم عن نشأة العالم والخلق، وقصص الأنبياء والرسل المفعمة بالأحداث، لعبت دوراً كبيراً في تشكيل عالم صلادي السحري والغامض».

في ساحة مسجد الكتبية، وبالقرب من بائعي الكتب، عُرضت أعمال صلادي وطُرحت للبيع لأول مرة، في حين نقرأ في الثاني عن سيرة صلادي وتجربته الفنية: «أنا أرسم حباً في الجمال»، هكذا كانت كلمات الراحل عباس صلادي، أحد أبرز رموز الفن المغربي المعاصر.

وُلد صلادي بمراكش سنة 1950 قرب زاوية الولي سيدي بلعباس الذي سُمي على اسمه. تُوفي سنة 1992، تاركاً وراءه إنتاجاً فنياً غنياً بقدر ما هو استثنائي، ثمرة 15 سنة من الحياة الإبداعية المتواصلة والمتفانية.

منذ صغره، بدأ يرسم بالفحم أو الطباشير، على جدران زاوية سيدي بلعباس. كان رساماً عصامياً، واضطر إلى الانقطاع عن مساره الأكاديمي في شعبة الفلسفة سنة 1977، عند ظهور نوبات الذهان التي عاني منها طيلة حياته. عاد الفنان الشاب إلى مسقط رأسه واتجه إلى الرسم للتعبير عن هواجسه الداخلية.

بصفته فناناً دقيقاً يتمتع ببراعة كبيرة في اختيار الألوان وتناغم تفاصيل تركيباته، لم يمارس صلادي الرسم بالزيت أو الأكريليك، اللذين يظلان الأكثر استخداماً من قبل معاصريه.

في بداية مشواره الفني، كان صلادي يرسم بقلم الحبر أو الرصاص، باستخدام كل ما يقع في متناول يده، على ورق كان يلصقه أحياناً على ألواح خشبية. لم يلجأ الفنان إلى استخدام الألوان المائية إلا في وقت متأخر، في لوحات بأحجام صغيرة أو حتى صغيرة جداً مع بعض الاستثناءات النادرة.

ويجمع النقاد والمهتمون بتاريخ الممارسة التشكيلية في المغرب على قيمة صلادي وتفرد تجربته. وكتب الفنان والناقد التشكيلي المغربي، إبراهيم الحَيْسن، عن تجربة هذا الفنان في أبعادها الغرائبية، مشدداً على أن الحوار البصري الحكائي في لوحاته، يتأسس من خلال «العلاقة الأنطولوجية القائمة بين الإنسان والحيوان، وبين عوالم الفنان الفانتاستيكية الملأى بحمولتها الثقافية والقائمة على الغرابة والتفرُّد»، مشكّلة في غرائبيتها «مقامات باطنية مشحونة بالقلق والاضطراب».

ولذلك ظلت لوحات صلادي، يضيف الحَيْسن، تثير «دهشة الناس بفعل الطابع الغرائبي، الذي يَسِمُهَا، فهي تمنحهم الحق في الحلم وخلخلة خيالاتهم، بتكويناتها ونماذجها المرسومة على نحو خارق، مدهش للحواس ومخالف لما هو طبيعي وواقعي، ويصعب اعتماد العقل في فهمها وتفسيرها».

وتقول المؤسسة الوطنية للمتاحف إن المعرض المؤقت عن صلادي «الخيميائي» يحمل رسالة أمل وحياة، في حين يمثل بداية سلسلة من المعارض المرتبطة دائماً بساحة جامع الفنا، بمتحف التراث اللامادي الذي يحتضنه المقر القديم لبنك المغرب، والذي تم افتتاحه في فبراير (شباط) الماضي، بعد سنوات عديدة من أعمال الترميم، بحيث يتيح لزواره فرصة اكتشاف تاريخ الساحة بالمدينة الحمراء، وتثمين الحلقة، ومختلف الفنون، وتحسيس العموم بالأهمية الكبرى التي يكتسيها هذا التراث المشترك قصد الحفاظ عليه ونقله للأجيال المقبلة.


مقالات ذات صلة

«الأقصر للسينما الأفريقية» يحمل اسم نور الشريف ويكرّم خالد النبوي

يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل المهرجان بعد المؤتمر الصحافي (إدارة المهرجان)

«الأقصر للسينما الأفريقية» يحمل اسم نور الشريف ويكرّم خالد النبوي

أعلنت إدارة مهرجان «الأقصر للسينما الأفريقية»، الجمعة، عن تفاصيل الدورة الرابعة عشرة من المهرجان، التي تحمل اسم الفنان الراحل نور الشريف.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق المهرجان يجمع بين الثقافة والتراث والفنون التي تتميز بها العلا (واس)

انطلاق «شتاء طنطورة» في العُلا بفعاليات ثقافية وتراثية

انطلقت فعاليات مهرجان «شتاء طنطورة» في نسخته الجديدة بمحافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، ليجمع بين الثقافة والتراث والفنون التي تتميز بها المنطقة.

«الشرق الأوسط» (العُلا)
يوميات الشرق فيلم «يوم دراسي» ضمن مشروع «المسافة صفر» (الشركة المنتجة)

3 أفلام فلسطينية في القائمة المختصرة لترشيحات «الأوسكار»

دخلت 3 أفلام فلسطينية في القائمة المختصرة لترشيحات الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها (الأوسكار).

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق لعبت بطولة فيلم «ذنوب مخفية» للمخرج سيرج الهليّل (تمارا حاوي)

تمارا حاوي تشارك في «ذنوب مخفية» ضمن «مهرجان بيروت للأفلام القصيرة»

تجد تمارا الأفلام القصيرة ترجمة لصُنّاع السينما الجريئة. وتؤكد أن عرض فيلم «ذنوب مخفية» في بيروت، شكّل محطة مهمة، بعد تنقُّله في مهرجانات عالمية.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)

«سيد الخواتم» يدخل عالم الرسوم المتحركة اليابانية

معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية
معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية
TT

«سيد الخواتم» يدخل عالم الرسوم المتحركة اليابانية

معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية
معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية

إذا كنت تودُّ معرفة من هو ملك وادي «هيلمز ديب»، فأنت في المكان المناسب. كذلك إذا كنت من محبي أفلام الرسوم المتحركة اليابانية، ولم تشاهد أي جزء من سلسلة أفلام «لورد أوف ذا رينغز» (سيد الخواتم)، فمرحباً بك.

بدأت دور السينما العالمية في عرض فيلم رسوم متحركة من إنتاج شركة «وارنر برذرز»، وهو فيلم «لورد أوف ذا رينغز: وور أوف الروهيريم» (سيد الخواتم: حرب الروهيريم)، ويعد الجزء الأحدث من سلسلة أفلام «سيد الخواتم» الشهيرة، المأخوذة من روايات لجون رونالد تولكين. أحداث الفيلم تدور قبل 200 سنة من أحداث ثلاثية «سيد الخواتم»، وتروي قصة مهمة ملك أسطوري في الدفاع عن أرضه في مواجهة جيش من الغزاة.

فيما يلي ما يمكن معرفته عن مصدر القصة، وكيف تتلاءم مع باقي عالم «سيد الخواتم»، والشخصيات المألوفة التي يمكن العثور عليها.

* هل كتب تولكين هذه القصة؟

- تستند الشخصيات في الفيلم، وهو من إخراج كينجي كامياما، إلى تفاصيل واردة في ملاحق روايات «سيد الخواتم». إنها تغطي تاريخ حكام «روهان»، المملكة الخيالية في الأرض الوسطى التي تشتهر بمروضي الخيول والخيّالة الفرسان.

من البديهي أن يتطلب تحويل هوامش إلى فيلم مصور بعضاً من جهود إعادة الصياغة، وإضافة التفاصيل، وكانت مهمة صناع الأفلام بالأساس هي عرض شجرة عائلة، تتضمن الملك هيلم هامر هاند، ملك «روهان» الأسطوري، وأبناءه هاليث وهاما وابنة لا تحمل اسماً، على الشاشة. اختار المنتجون التركيز على ابنة هيلم، التي أطلقوا عليها هيرا من أجل الفيلم، والتي جعل تولكين مصيرها غير واضح.

مشهد من فيلم «سيد الخواتم: حرب الروهيريم»

* كيف تتصل هذه القصة بأحداث الروايات والأفلام الأخرى؟

- يقدم الفيلم الجديد أحداثاً سابقة في قصة هيلم، الذي يؤدي صوته براين كوكس، مؤسس «هيلمز ديب»، الحصن الحصين في جبال «وايت ماونتنز»، إذ دخلت فيها قوات الساحر «سارومان» في مواجهة مع جيش «روهان»، في ثاني جزء من فيلم «سيد الخواتم» الذي يحمل اسم «ذا تو تاورز» (البرجان).

في القصة الجديدة، يتخذ هيلم موقفاً شجاعاً في الدفاع عن روهان ضد هجوم مفاجئ من جانب وولف، حاكم قبيلة «الدانلينديغ» الشاب، الذي يسعى وراء الثأر لمقتل والده. في النهاية هيرا، ابنة هيلم، التي تؤدي صوتها غايا وايز، هي من تثبت أهميتها ومحورية دورها في قيادة المقاومة.

رغم أن الفيلم، مثل مسلسل «رينغز أوف باور» (حلقات القوة) الحديث من إنتاج شركة «أمازون»، يعدُّ تمهيداً لثلاثية «سيد الخواتم»، ولكن لا توجد صلة مباشرة بين المسلسل التلفزيوني و«حرب الروهيريم».

ملصق فيلم «سيد الخواتم: حرب الروهيريم»

* هل توجد أي من شخصيات أفلام «سيد الخواتم» في الفيلم الجديد؟

- تسبق أحداث فيلم «حرب الروهيريم» وجود أي من الشخصيات البشرية المألوفة في الأفلام السابقة من السلسلة، ويختلف الأمر بالنسبة لشخصيات السحرة التي تتمتع بأعمار ممتدة بشكل أكبر من البشر. ورغم عدم ظهور شخصية الساحر «غاندالف» على الشاشة، فإن إحدى الشخصيات الجديدة في الفيلم تشير إلى نيتها استشارته في خطة. إذا كنت من المعجبين بالشخصية التي أداها الممثل الراحل كرستوفر لي، فهناك خبر مثير وهو عودة شخصية «سارومان»، البطل المساعد الثانوي في الثلاثية الأصلية، وتعود الشخصية بصوت لي الحقيقي، فرغم وفاة الممثل عام 2015 عن عمر يناهز الثلاثة والتسعين عاماً، حصل منتجو الفيلم على تصريح من زوجته قبل وفاتها في بداية العام الحالي باستخدام تسجيل لصوته من مشهد بأحد أفلام سلسلة «الهوبيت».

* من هم «الروهيريم»؟

- إنهم الناس الذين يعيشون في دولة «روهان» الخيالية، وهي منطقة تقع في شمال الأرض الوسطى في سلسلة أفلام «سيد الخواتم». ويشتهرون، مثلما يُعرفون باسم «خيّالة روهان»، بعلاقتهم بالخيول، والتمتع بمهارة الفروسية في المعارك.

* هل يمكنني مشاهدة فيلم «حرب الروهيريم» إذا لم أكن قد شاهدت أي جزء من سلسلة أفلام «سيد الخواتم» من قبل؟

- رغم أنك ستفتقد بعض التفاصيل الدقيقة الموجودة في الثلاثية الأصلية، لكن يمكنك البحث عن «غاندالف» على محرك البحث «غوغل»، وننصح بالبحث تحديداً عن معركته مع «بارلوغ» في الجزء الذي يحمل اسم «رفقة الخاتم»، سوف يكون الأمر على ما يرام إجمالاً.

* هل هذا أول تصوير بالرسوم اليابانية المتحركة لـ«سيد الخواتم»؟

- لا، سوف يتذكر المعجبون بتولكين أن المخرج رالف باكشي قدم أول روايتين من ثلاثية تولكين في فيلم الرسوم المتحركة «سيد الخواتم» عام 1978. وقد تم توجيه بعض الانتقادات للفيلم من جانب المشاهدين والنقاد، إذ كتب فنسنت كانبي في صحيفة «نيويورك تايمز» أنه كان «يتسم بفقدان الحسّ ومبهر» في الوقت ذاته.

مع ذلك خلال العقود التالية عاد بعض المعجبين لمشاهدته، وامتدحوا استخدامه المبتكر لتقنية الصور المسقطة (الروتوسكوبينغ)، وهي من تقنيات الرسوم المتحركة التي تقوم على تتبع صور واقعية مباشرة إطار تلو الآخر، وأشاروا إلى أن الفيلم، الذي كانت ميزانيته تبلغ نحو 4 ملايين دولار، قد خضع لمقارنة ظالمة مع ثلاثية أفلام بيتر جاكسون، التي بلغ إجمالي ميزانيتها 281 مليون دولار.

* خدمة «نيويورك تايمز»